في مبني ضخم بوسط القاهرة الفاطمية، تقع دار كسوة "الكعبة المشرفة"، والتي كانت تصنع من الحرير الخالص، وتتزين بآيات قرآنية نقشت بخيوط الذهب والفضة، وتحمل علي جمل المحمل لكسوة بيت الله الحرام في موسم الحج، واليوم وبعد مرور ما يزيد على 55 عامًا، على توقف مصر عن إرسال كسوة الكعبة للأراضي المقدسة، تحولت دار الكسوة لمبنى مهجور.
تقع دار الكسوة في شارع "الخرنفش" بحي الجمالية، في مبني عتيق مكون من طابقين، بطول الشارع الذي لا يتعدى طوله أربعة أمتار فقط، تحول لون المبني للون الرمادي بسبب الأتربة وعوامل الزمن والتعرية، وتآكلت نوافذه الأثرية بسبب الصدأ الذي حولها للون الأسود، وانتشرت علي جدرانه الضخمة لافتات إعلانية، في حين غابت عن المبني أي لافتة تدل عليه.
تتوسط الدار بوابة حديدية باللون الأخضر، تفتح بين الحين والآخر علي يد موظفي وزارة الأوقاف، والتي تستخدم الدار كمخزن، بحسب شهادات أهالي الحي العتيق، الذين يتوارثون الحكايات عن الآباء والأجداد، عن الدار و الاحتفالات التي كانت تقيمها الدولة المصرية، احتفالًا بكسوة الكعبة التي كانت تحملها الجمال علي المحمل سنويا للأراضي المقدسة.
تأسست دار كسوة الكعبة في عام 1233هـ، وظلت تعمل حتى عام 1962، وكان يقام حفل رسمي كبير في حي الخرنفش أمام مسجد القاضي عبد الباسط، والذي كان يشغل منصب قاضي قضاة مصر، ووزير الخزانة العامة والمشرف على صناعة الكسوة الشريفة، وكانت تخرج الكسوة في احتفال بهيج وتخرج وراءها الجموع إلى ميدان الرملية قرب القلعة.
واليوم وبعد أن توقفت مصر عن إرسال الكسوة، تحول هذا المبني الأثري لمكان مهجور، تنتشر أمامه بعض المحال التجارية، بعد أن تحول المحيط الذي تقع فيه دار الكسوة لمنطقة تجارية، وبالرغم من ذلك إلا أن سكان الحي، يعرفون جيدا تاريخ الدار والاحتفالات التي كانت سنويا، احتفالات بإرسال الكسوة للأراضي المقدسة.
أمام المبنى العتيق انشغل سمير سعد الشاب الثلاثيني، بتجهيز الحلويات في محله الصغير، بالرغم من أنه لم ير الاحتفالات التي كانت تقام بمناسبة إرسال الكسوة، إلا أنه يحفظ تاريخ الدار جيدا، يقول: "أخبرني والدي وجدي عن الاحتفالات الكبرى التي كانت تقام بهذه المناسبة، فكانت تحمل الكسوة علي جمال المحمل التي كانت تتزين للذهاب لبيت الله الحرام في موسم الحج وكانت الاحتفالات تقام أمام الدار ويتم عزف المزمار وإنشاد الأغاني الدينية".
بالرغم من أن سمير قد قضى حياته تقريبا في هذا المكان، إلا أنه لا يعرف شكل الدار من الداخل، يقول: "هذا المبني الضخم لا يعرف أحد من أهالي الحي مما يتكون ولكني كنت استرق البصر عندما تأتي عربات وزارة الأوقاف، المحملة بالبضائع ومخلفات الوزارة لتخزينها داخل الدار، فكنت أري ساحة كبيرة تتوسط الدار وغرف علي جانبي الساحة".
بالرغم من انتشار اللافتات الدعائية علي جدران الدار، إلا أنه لا يوجد أي لا فتة تدل علي الدار، إلا أن سكان الحي كانوا يرون منذ سنوات لافتة خشبية قديمة، كتب عليها "دار كسوة الكعبة المشرفة"، اختفت بشكل مفاجئ ولا يعرف أحد أين ذهبت، هل تمت سرقتها أم قام موظفو وزارة الأوقاف بالتحفظ عليها.
تنتشر أمام الدار بعض المباني القديمة والورش، وتنتشر أمامها بعض أكوام القمامة، وبالرغم من ضيق الشارع إلا أن حركة المرور لا تتوقف به، حيث يقع في نهايته شارع المعز لدين الله الفاطمي، الذي حولته وزارة الآثار لمزار سياحي، في حين أهملت مبني "دار الكسوة" بالرغم من تاريخه.
مصر وكسوة الكعبة
في عهد الدولة الفاطمية، اهتم الفاطميون بإرسال كسوة الكعبة من مصر، ولما حكم المماليك مصر، رأوا أن إرسال كسوة الكعبة من مصر، شرف لا يمكن أن ينازعهم أحد عليه، حيث كانت هناك محاولات من ملك اليمن والفرس لنيل هذا الشرف، ولكن سلاطين المماليك لم يسمحوا بذلك.
وللحفاظ علي هذا الشرف قام الملك الصالح إسماعيل بن قلاوون، في عام 751هـ بوقف قريتين من قري القليوبية، وهما بيسوس وأبو الغيت للانفاق علي كسوة الكعبة، وكان يتحصل من هذا الوقف على 8900 درهم سنويا، وظل هذا هو النظام القائم في عهد العثمانيين.
واهتم السلطان سليم الأول بتصنيع كسوة الكعبة، وكسوة الحجرة النبوية، وكسوة مقام إبراهيم الخليل، وفي عهد السلطان سليمان القانونى أضاف إلى الوقف المخصص لكسوة الكعبة سبع قري أخرى لتصبح عدد القرى الموقوفة لكسوة الكعبة تسع قرى وذلك للوفاء بالتزامات الكسوة.
وظلت كسوة الكعبة ترسل بانتظام من مصر بصورة سنوية يحملها أمير الحج معه في قافلة الحج المصري. وفى عهد محمد علي باشا توقفت مصر عن إرسال الكسوة بعد الصدام الذي حدث بين أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الأراضي الحجازية وقافلة الحج المصرية في عام 1222هـ الموافق عام 1807م، ولكن أعادت مصر إرسال الكسوة في العام 1228هـ.
وقد تأسست دار لصناعة كسوة الكعبة بحي "الخرنفش" في القاهرة عام 1233هـ، وهو حي عريق يقع عند التقاء شارع بين السورين وميدان باب الشعرية، وما زالت هذه الدار قائمة حتى الآن وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة داخلها، واستمر العمل في دار الخرنفش حتى عام 1962م، إذ توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.