جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
|
|
|
|
السلام عليكم، أنا دائما في أغلب الأعمال التي أقوم بها أفعلها حتى يقول الناس عني إني حسن، يعني مثلا لو وجد شيء ليس مفروضا علي عمله، ومن الممكن أن يعمله أحد غيري، فلو عملته يكون السبب الأساسي لعملي له أني أقول لنفسي "اعمله حتى يقول الناس عنك إنك حسن الفعل".
هذا الأمر لا يريحني؛ لأني أحس أني لست طبيعيا عندما أفكر بهذه الطريقة!! أريد أن أفعل الشيء لنفسي أو كما يقول لي عقلي وضميري، لا من أجل أن يقول الناس إني حسن الفعل، وأنا أعرف أن الناس لن ينفعوني ولن يضروني، لكني ما زلت أفعل ذلك، وأنا أحس أن هذا نوع من الرياء وأخاف أن أحاسب عليه، وأخشى ألا أثاب على الأعمال التي أفعلها بسبب الرياء.. كيف أفعل الشيء تلقائيا من نفسي دون أن يكون الناس هدفي كما ذكرت؟ أرجوكم أفيدوني وشكرا.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
أخي الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لن أبدأ معك أخي من باب أهمية إخلاص النية لله ليقبل العمل؛ فها أنت تعلم ذلك جيدا ويؤرقك عدم قبول عملك.. وها أنت تسأل عن كيفية مجاهدة نفسك لإخلاص النية لله تعالى.. ثبتك الله وألهمك صوابا...
ولذا سنتحدث عن نقطتين في رسالتك: - كيفية مجاهدة نفسك على الإخلاص: من باب بناء تقديرك لذاتك وصلتك بربك لتدافع ضغط رغبتك في التقبل من المحيطين. كلنا أخي راغبون في هذا الشعور بالتقبل والحب والاهتمام من الآخرين، ويظل هذا في حجمه الطبيعي دون خطر إذا ما كنا نفعل الخير؛ لأننا نؤمن بأنه يرضي الله؛ ونطلب ثوابه وقبوله؛ ونخشى على أنفسنا حين يكون العمل فقط للحصول على هذا القبول من الآخرين أو ليقال عنا كذا وكذا...
وكما يقول ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الداء والدواء: "إن الشرك أنواع منها: شرك الأفعال والأقوال؛ والشرك في اللفظ؛ والشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له وقل من ينجو منه؛ من أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئا غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه؛ فقد أشرك في نيته وإرادته".
ومعنى الإخلاص كما وضحه ابن القيم: "أن يخلص لله في أقواله وأفعاله وإرادته ونيته، وهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم ولا يقبل من أحد غيرها، وهي حقيقة الإسلام {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}".
أخي، أقدر ألمك وخوفك من عدم قبول العمل، كما أقدر هذا الإحساس الذي بين جنباتك في أن تكون متقبلا من العباد ومن رب العباد.. فأعلم كم هو مضن أن تجاهد نفسك لتخلص نيتك فقط لرب العباد.. ولكن تذكر دوما أن مجاهدة النفس على هذا الإخلاص مرتبة من مراتب الجهاد التي أمرنا الله بها. ولو أن هذا الشعور الإنساني ما كان لينتابنا حينا بعد حين ما أمرنا رسولنا الكريم أن نستعين بالله على مدافعة هذه اللحظة التي يوسوس لنا الشيطان بالشرك في النية لغير الله.. فهذا الشعور هو ما قال فيه الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام إنه أخفى من دبيب النملة؛ قالوا كيف ننجو منه يا رسول الله؟ قال عليه أفضل الصلاة والسلام: قل: "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم".
أخي، جرب أن تعرض نفسك دوما لهذه الآية تذكرها وتدبرها وفكر بها كلما أتاك هاجس إشراك النية: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.. وقد كان سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه يدعو ربه: "اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا".
اعلم أن الشيطان يوسوس لك وما يكف وسوسته إلا الاستعاذة بالله الرحمن الرحيم.. استعذ بالله وامض في عملك واطلب قبوله تضرعا؛ فنحن دوما ما بين خوف ورجاء، واحترس أن يوقفك الشيطان عن الطاعات، امض أخي في طاعتك وتذكر أن كل خير طاعة؛ وكل خير عباده ما دمت قاصدا بها وجه ربك الكريم.. امض في العمل واستحضر النية (تلفظ بها في نفسك) وذكر نفسك بها.
قف بين يدي خالق العباد جميعا متوسلا له قبول عملك: ذكر نفسك بأنه من يحاسب ويعطي، بل هو من يقذف محبتك في قلوب عباده فمن يرضى الله عنه يحبب فيه عباده...
إذن: * استحضر النية: اجلبها بتفكيرك في أن المنعم الوحيد هو الله، فكر فيها، فكر في أنك ترضي الله.
* حدث نفسك بأنك تطيع الله، حدث نفسك بأنك تفعل ما تفعله لله فقط لله: "أنا أفعل.... ليرضى الله عني".
* ساعد نفسك بتذكيرها أنك تجاهد لترضي الله؛ تذكر ثوابه وجزاء رضاه: رضا عن نفسك في الحياة الدنيا؛ ومحبة الله في الأرض؛ والنعيم المقيم في الآخرة.. فكر كثيرا في هذا الأمر وحدث به نفسك؛ وكرر الآيات؛ واستمر دوما في تصور الجنة.. وتخيلها فمن تصور وصل لأن في هذا التصور إعمالا للعقل بما يحرك الجوارح للوصول للهدف وهو ما يطلق عليه قوة التصور THE POWER OF VISUALIZATION، ويستخدم هذا التكنيك أخي كمساعدة على تخيل أهدافك للتحفيز للوصول لها. ويمكنك استخدام نفس التكنيك (التصور) في تصور رضاك عن نفسك؛ كيف تشعر هذا اللحظة ثبت إحساسك على هذه اللحظة وحاول أن تعيش فيها كثيرا.
* استعذ بالله من وسوسة الشيطان وامض في عملك.
* عرّض نفسك للآيات والأحاديث التي تحض على الإخلاص، وتدبرها وفكر فيها كثيرا، استحضرها في كل عمل قدر جهدك.. واعلم أنك مثاب على هذه المجاهدة.
* ابدأ صلة قوية بالله فتحبه وتحرص على عبادته وطاعته ورضاه أكثر من سواه... أخي هذا هو بابك الأول فحين نحب نسعى سعيا حثيثا لرضاء المحبوب.. ونتجاهل كل ما سواه وكل ما هو أدنى منه منزلة في قلوبنا.. أخي صلتك بالله تقويك، تشد قيمك تجعلك تشعر أنك قوي وأنت في جنب الله، إن استشعرت هذا المعنى فسيفيض شعورك بأنك قوي بأنك جيدا حقا لا تحتاج لأن يرضى الآخرون عنك حتى تحقق هذا الشعور.. سيفضي بك استمساكك برضا الله فقط أن تفعل دوما ما عليك أن تفعله وإن لم يرض عنه الناس.. بل ربما لا تلتفت مع الوقت لثناء واستحسان الناس.
• يساعدنا كثيرا في ذلك أن نبني أنفسنا لنرضى عنها ونشعر بقيمتنا وأهميتنا وأهليتنا لحب الناس واحترامهم وإن لم نفعل ما يروق لهم.. اسع أخي لاحترام الناس أكثر مما تسعى لمحبتهم.. فطلب الحب قد يثنيك عن فعل ما يجب عليك فعله، ولكن طلب الاحترام يجعلك دوما فاعلا لكل ما عليك فعله. وربما تنال الحب عن طريق الاحترام فيكون حبا حقيقيا في الله؛ حبا ممن يحبون الله ويحبون من يرضيه.. هذا هو الحب الحقيقي فليس بمهم أن ننال حب كل الناس، بل الأهم أن ننال احترام من يحبون عملنا الذي يرضي لله.
ما أرمي إليه أن نبدأ رحلة بناء ذات قوية يمكنها أن تدافع ضغوط الرفاق، يمكنها أن تشعر بقيمتها وأهميتها إذا ما رأت عملها مرضيا لله؛ مفيدا نافعا لعباد الله... وهو ما يحقق: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف..."، ودعني أفصل في رؤيتي لهذه القوة: - قوة اتباع الحق. - قوة الإيمان وسلامة القلب. - قوة العقل. - وكثرة الإنجازات، وأعني الإنجازات التي تعد في ميزان حسناتك والتي قال عنها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". هذا هو أحد مقاييس الإنجاز التي تعد فعلا والتي يحصل الإنسان رضاه عن نفسه بفعلها.
اسع لأن ترضى عن نفسك، ولن ترضى إلا إذا شعرت أنك ترضي الله.
اسع لمزيد من الإنجازات، اعرف مواطن القوة فيك واستغلها.. بل وحاول أن تزيد في كل لحظة من إنجازاتك بمعناها الإنساني: مساعدة، وبسمة، وكلمة طيبة، ونجاح في عمل، واكتشاف مزية وهبك الله إياها وشكره عليها بحسن الاستفادة منها في عمارة الأرض...
الرضا عن النفس ممكن، فقط اعرفها لتقبلها وتحبها.. وإن رضيت عن نفسك بمقياس رضا الله فلن تسعى أبدا أبدا لغيره.. اللهم إلا لحظات الوسوسة التي يكفها عنك الاستعاذة.
أخي سر في طريق الطاعات، تقبل الله عملك خالصا وتذكر مني هذه الكلمة دوما... أمتنا تحتاج لكل نفس.
|
نيفين عبدالله
مدير مركز أجيال للاستشارات و التدريب الأسري
ساحة النقاش