جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
|
|
|
لا أعرف من أين أبدأ؟ ولكن ما يحضرني الآن هو أني أكره كل شيء حولي بسبب كرهي لأمي وأبي وأختي بالذات التي هي السبب في كل ما سبق.
مشكلتي هي أن أمي وأبي لم تعد لديهما القدرة لحكم السن على تربية إخوتي الذين هم في سن المراهقة، ولا أقول إنهما قد اهتما بتربيتنا عندما كنا في تلك المرحلة العمرية وأقول تربية وليس رعاية، فمن حيث الرعاية فللحق ما قصرا ولا أنكر شيئا فعلاه لنا بل بالعكس نحن كنا وما زلنا نعترف لهما بالجميل.
ولكن كما تعلمون لم يكن يوجد حينها ما هو موجود الآن ومنتشر من فساد للأخلاق وانفتاح، والحمد لله كنت أحس أنني قادرة على التمييز بين الصحيح والخطأ وبين الحلال والحرام. أما الآن فأنا أخشى على نفسي من العقوق وقلبي يعتصر ألما وحزنا على ما وصلت له نفسي؛ فأنا لم أعد قادرة على التفاهم مع أمي بالذات؛ لأنها لا تريد أن تسمع أي كلمة أو تواجه حقيقة أنها غير قادرة على تربية أختي أو أنها لا تستطيع إرجاعها إلى الصواب.
تبدأ مشاكلي مع أمي كلما حاولت أن ألفت انتباهها إلى أي تصرف خاطئ تقوم به أختي أو طباع تتصف بها.
فعلى الرغم من أن أختي مهملة وغير مرتبة ومستواها الدراسي منخفض جدا وتحب تقليد الموضة الزائفة وتتبع أخبار وتهتم بمن يسمونهم فنانين وتسمع لهم أغانيهم... إلخ، فإنها لديها من الخبث ما يفوق العالم؛ فهي تعرف كيف تصل لحاجتها بطريقتها الخاصة فتتلون وتخطط بمقدمات طويلة وبصبر إلى أن تصل وتحصل على ما تريد من والدي وغير مهم أن كان صحيحا أم خطأ، المهم أنها تشتت نفسها بكل شيء ما عدا أن تنتبه لدينها ودراستها.
أما نحن أعني أنا وإخوتي الكبار فلله الحمد والمنة كل منا يشق طريقه بنجاح وكل من يعرفنا يشهد لنا بالخلق الحسن والسمعة الطيبة ولا نريد أن نخسرهما، لذلك حاولنا وبشتى الطرق أن نحاورها وننصحها وندعو لها بالهداية، ولكن بلا فائدة بل بالعكس بدأت توسوس لوالدي أننا نريد أن نتحكم بهم ونريد أن نسير الجميع على حسب هوانا وكأننا نحن الخطأ وهي المسكينة المظلومة.. فما الحل بالله عليكم؟ وماذا أفعل؟
لا أنكر أنني في بعض الأحيان لا أتمالك نفسي وقدرتي على التحكم بأعصابي تخونني؛ وهذا ما يوصلني للخلاف مع والدتي؛ لأن لا أحد يريد أن يفهم أننا نرى ما لا يرونه ولا ما قد يتصورونه عن أجيال هذه الأيام، وأنه من واجبنا نحن الإخوة الكبار أن نشارك في توجيه وتقويم السلوكيات الخاطئة لدى إخوتنا الصغار، وأن هذا لا يسيء للآباء أو يقلل من مكانتهم واحترامهم. والله يستر من الأيام المقبلة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
الأخت الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكرا جزيلا لك على ثقتك بنا، وهدانا جميعا للصواب.. اللهم آمين.
بداية أقدر ما تعانين، ولكن رسالتك حبيبتي خلت من كثير من البيانات المهمة التي تعينني في ردي عليك: - أولا: مرحلتك العمرية، جنسيتك، بلد الإقامة، عملك، دراستك، نشاطاتك السابقة والحالية (إن أمكن)، عدد الإخوة والأخوات ومراحلهم العمرية، وهل يعيشون معكم أم في سفر أو زواج أو غير ذلك من أشكال الاستقلال عن الأسرة.
ثانيا: ثم أنتقل من بعد ذلك لرسالتك بترتيبها من حيث بدأت، من حيث حضرك بقوة وإلحاح وقت كتابتك لرسالتك: كرهك لأمك وأبيك وكل شيء في الدنيا كناتج لكرهك لهما.
هل تسمحين لي بسؤالك عن السبب الحقيقي لهذا الشعور؟ ترى ما علاقتك سابقا بأبويك؟ ما الجو الأسري العام الذي تعيشون فيه؟ هل هناك خلافات بين الأب والأم؟ هل هناك علاقات طيبة بينك وبين أبويك، وبينك وبين إخوتك وأخواتك؟
ما ذكرته خاصا بعدم قدرتهم من وجهة نظرك على تربية إخوتك المراهقين: هل هذا حقيقة هو السبب؟!!!
ما عمر إخوتك؟ ما عمر والديك؟ وما شكل العلاقة بين أبويك وهؤلاء الإخوة المراهقين؟ كذلك ما العلاقة بين أبويك وبقية إخوتك؟
هل تشعرين بقدر من المحاباة لإخوتك من قبل والديك؟ أرجو أن توضحي لي اعتراضك على طريقة التربية التي ترينها غير مجدية ومفيدة.
حددي لي -بل لنفسك- ما الذي تريدنه بالتحديد كبديل لهذه الطريقة؟ ودعينا نفكر في كيفية العمل على الوصول لها.
وهل تجدين أن هذه الطريقة اختلفت كثيرا عن طريقة تربية أبويك لك أنت وبقية الإخوة الكبار؟ وما سبب هذا من وجهة نظرك بعيدا عن وهن الكبر الذي تعتقدينه؟
وإن كان كل ما في الأمر هو مجرد تعامل والديك مع إخوتك بطريقة لا ترينها الأفضل فهل هذا سبب كافٍ للكره الذي تصفين؟ وهل هذا سبب كاف للشعور بالكره للحياة كلها؟!! أم هناك ما لم تذكريه لنا؟ ويسبب لك شعورا بالكره والمرارة؟
ما هو الوضع الجديد الذي تودين الوصول له؟ ما شكل العلاقة التي تتمنينها مع والديك وإخوتك؟ ما نوع التغيير الذي تتمنين رؤيته في حياة أختك بل وحياتك؟
ثم الأهم: ترى ما دورك أنت -من وجهة نظرك- في تحسين الأوضاع والوصول للصورة الجديدة التي أتمنى أن تصبح واضحة في ذهنك. وربما كان أحد مفردات الصورة: • علاقة طيبة من والديك تتيح لك الإبقاء على حقهما الذي تحاسبين عليه، وكذلك تتيح لك الدفء والمودة التي يحلم بها كل إنسان كمظلة يستظل به من وهج الحياة. • علاقة طيبة بينك وبين أختك تكفل لك دعوتها إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
- صفي لي ما تتخيلنه من شكل لهذه العلاقة هل هي محددة وواضحة في مخيلتك؟ ما الذي يأتي مخيلتك من صور حين تذكرين أو تفكرين بشكل علاقة جميلة مع هذا الأخت أو الأم؟ - ما الذي تفكرين فيه من مواقف تجمعك مع هذه الأخت؟ - لماذا تريدين هذه النتيجة؟ ما أهميتها بالنسبة لك؟ - ما الذي ستحققينه من الوصول لهذه النتيجة؟ كيف تذكرين نفسك بهذه النتيجة التي تتمنين؟
• أي الصفات التي تجدينها جيدة في كل من إخوتك وهذه الأخت التي ذكرت بالذات؟ وأي صفات جيدة تجدينها في أبويك؟ • وأي صفات جيدة تجدينها في نفسك وتعتقدين أنها من الممكن أن تفيدك في تحسين الأوضاع وإحداث فرق في حياتك الأسرية والعملية والدعوية على حد سواء؟
• ما هي الصفات التي تتمنين التحلي بها ويمكنك التخطيط للوصول إليها؟ كما علمنا الرسول عليه الصلاة والسلام: "إنما العلم بالتعلم؛ والحلم بالتحلم"، وكأنه عليه أفضل الصلاة والسلام يريد أن يخبرنا بما هو حق من أن كل ما في الإنسان يمكن تغييره ويمكن للإنسان أن يتعلم كل شيء، ويكتسب من الصفات ما يشاء فصدق الله العظيم حين قال: "وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ"؛ ولذلك جعلت تزكية النفس وتهذيبها درجة من درجات الجهاد. ترى أي الصفات التي ستصلين إليها بإذن الله؟
وهيا نخطط لتزكية أنفسنا معا؛ خاصة إذا ما كان الله قد أنعم علينا بالعلم الذي يساعدنا في الوصول لما نتمنى من خلال طرق علمية يمكننا الاستفادة بها، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها.. هيا معا ليعم النفع بإذن الله.
معذرة إن رددت عليك بسيل من أسئلة، ولكني لا أجد خيرا منها يوسع الرؤية ويحملك على التفكير والتأمل في نفسك أولا ثم فيما يحيط بك من أوضاع لا ترغبين فيها؛ لتنظري في أي المواقع أنت من القدرة على إحداث الفرق، وثقي أنك بذلك تقتربين مما تريدين، فلن يمكننا الوصول إلا لما نراه جليا، ولكنا لا يمكننا أبدا التخبط في الظلام فلا نعرف أي الأشياء تحديدا نريد وماذا يمكننا تحديدا أن نفعل.
ولذا كانت أسئلتي الكثيرة لتستكشفي ذاتك وقدراتك على إحداث ما تتمنين من تغيير، والحمد لله أن أي تغير ولو صغيرا يحدث فرقا، وهكذا الطريق يبدأ بخطوة، فابدئي من حيث نفسك! افهميها واعلمي ما بها ثم انطلقي خارجها مستفيدة بما علمت عنها.
وبعد ذلك أنتظر ردك ورسالتك التالية واضحة.. نقية من غضبك الكثير ولومك الكثير ونقدك الكثير، بل سيكون ما نفكر به: كيفية إيجاد البديل.
انظري مليا لتلك الدائرة التي تؤثرين فيها حتى لا تسقطي في دائرة النقد واللوم والاتهام. لنبدأ معا صفحة جديدة من حياتنا قانعين بأننا مسئولون عن أنفسنا فقط ونحاسب على أفعالنا فقط، فيكون الأولى بالتفكير هو ما يجب علينا نحن فعله وليس ما على الآخرين ما الذي نفعله نحن فيشارك في تغيير أنفسنا والآخرين. فنحن في الحقيقة لا نغير إلا أنفسنا، وتغيير الآخرين يكون بمثابة رد الفعل على تغيرنا نحن.
أما عن أختك التي لم تحدثيني عن تفاصيل مشكلاتها معك أو مع والديك، كما لم تحدثيني عن صفاتها الطيبة التي يمكنك النفاذ إلى قلبها من خلالها؛ فأود أن أذكرك بأمرين معها: أولا لا تفكري بأن تقومي بدور الأم معها؛ فهذا ما لم تقبله أو تقبله منك والدتك؛ فضلا عن أنه ليس الطريق الأفضل لتصلي لما تريدين. فكوني لها أختا ولكن كما ينبغي أن تكون الأخوة. اقتربي تفهمي، استمعي كثيرا جدا، انقدي قليلا جدا، وصلي حبك، حاولي أن تري النصف الممتلئ من صفاتها الجيدة، وأعلميها بما تعرفين عنها من إيجابيات، قللي الإشارة للسلبيات، وصلي لقلبها بالحب والفهم والتشارك من خلال دورك الحقيقي كأخت...
النقطة الثانية التي تعينك أن تعلمي أن كل مرحلة عمرية لها سماتها الخاصة التي تحدد أطرا للتعامل مع التفاصيل المختلفة في الحياة. وكذلك كل جيل له تفاصيله الحياتية والتي إن أمعنا النظر فسنجد أننا كنا نقوم بنفس الأعمال التي ربما ننتقدها اليوم؛ لأننا ننظر إليها بعد سنين من الخبرة وهذا ليس عدلا، فإن أردنا العدل الذي يوصلنا للحب فعلينا بالنظر من خلال عين هذا الجيل، وليس نقده وكفى.
كوني أختا.. ولأنك كذلك. وليس مطلوبا منك أبدا أن تؤثري إلا من خلال هذا الدور، فيمكنك من خلاله عمل ما لا يمكن للأم أن تعمله، على شرط أن تعرفي الطريق إلى ذلك. ثم لك من بعد ذلك الدعاء بالصلاح، وحينها ترتاحين أنك فعلا فعلت كل ما يمكنك فعله، وتلقين الله مؤدية أمانة الدعوة التي بين يديك.
ها أنا أكررها لك: إن ما نفعله من إصلاح وتقريب لسبل الرشاد ما هو إلا دعوة لله، وهو ما تودين القيام به مع أختك. وما بالنا أنها أختك في الله، وأخت تربطها بك صلة الدم أيضا.. لا شك أن الأمر يمكن أن يكون أيسر، شريطة أن نعرف كيفيته السليمة لنصل إلى مرادنا.
وكما تعلمنا: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة". وكما أخبر الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام: "لَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ".
إذن أصل وبداية الدعوة هي تأليف القلوب ومد جسور الحب.. لنصل لقلب من نريد، ثم نعرف ما هي الرسالة المناسبة وفق طبيعة هذا الشخص ووفق مرحلته كما أسلفت.
إذن هناك ضرورة لمعرفة طبيعة هذه المرحلة وطبيعة ما تمر به من مشاعر وأفكار ومناحي نمو مختلفة، ونتقدم نحو هذا أختنا خطوة خطوة. ونظل على وعي بأننا لا يمكننا قهرها وحملها على فعل ما لم تقتنع به، بل "الحكمة والموعظة الحسنة"؛ ولذا على كل من يريد الوصول لقلب إنسان أن يعرف كيف يشعر هذا القلب وكيف يطوع للحق والخير، وإن أهملنا ذلك نكون بمثابة من أهمل الواجب الذي لا يتم الواجب إلا به.
الدعوة طريقها اللين والحب والفهم والتقبل والمعرفة والحكمة؛ فعلينا أن نعرف كيف نفعل ذلك.
فربما إن قصرنا نحن في الاقتراب بهذه الوسائل وأمعنا في النقد واللوم والتجريح ربما نكون كمن يعين الشيطان على أخيه، ويصده عن الحق بسوء تقديمه له.
اعلمي ذلك أختي الحبيبة والزمي جانب الرفق واللين مع أهلك قدر جهدك، وتذكري هدفك، وإن لم أنكر عليك غيرتك عليهم ورغبتك في الإصلاح، ولكن حين نخطئ الطريق لا يمكننا الوصول.. وفقك الله وأعانك على نفسك وعلى الحق.. اللهم آمين.
|
نيفين عبدالله
مدير مركز أجيال للاستشارات و التدريب الأسري
ساحة النقاش