<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman";} </style> <![endif]-->
إن عزة المسلم : في التزامه بشرع الله تعالى ، ومرضاته الدائمة الواعية له سبحانه ، وإحساسه الصادق بمعيته عز وجل ، وثقته في نصره سبحانه لأوليائه . وحمايته لهم من كيد أعدائهم .
فهذا رسول الله r يوم الهجرة _ وهو يعلم جيدا أن القوم يريدون الفتك به ، ويخططون للخلاص منه ، ولكنه - كان رابط الجأش ، ثابت الفؤاد ، ثاقب النظر ، جيد التخطيط ، هادئ التفكير ، حسن الإعداد والاستعداد . . وما ذلك وغيره : إلا لأنه كان يستصحب معونة الله ، ويستعين بقدرته سبحانه ، ويشعر ، بل تغمره r معية الله ، حتى لكأنه لا يرى القوم ، ولا يشعر بهم ، بل صار لا يعبأ بمكرهم ، ولا يهتز لغليانهم وهياجهم .
( إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ) "13 "
وفي صحيح البخاري . . عن أبي بكر قال : " كنت مع النبي r في الغار ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بأقدام القوم ، فقلت : يا نبي الله . . !! لو أن بعضهم طأطأ بصره : رآنا ، قال : اسكت يا أبا بكر ، اثنان الله ثالثهما " "14 "
طمأنينة لا حدود لها ، نابعة من دوام ذكر الله ، مبنية على ثقة مطلقة في معية الله ونصره .
وكان فزع أبي بكر _ لا على نفسه ، بل _ على رسول الله r ، بسبب أن الكفار _ من هول صدمتهم من هذا الخروج العجيب ، من بين أيديهم ، وسيوف فتيانهم ، وشدة بحثهم ، وكثرة انتشارهم _ وصل بعضهم إلى المكان الذي اختبأ فيه ، منهم ، النبي r وصاحبه .
ولكن الله تعالى : يحمي من يحتمي به ، ويعين من يستعين به ، ويستجيب لمن يدعوه ، ويطمئن من يذكره ، ويعز من يعتز به .
في رواية للإمام أحمد "15 " . . عن أسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما ، قالت : فهيأنا لهم سفرة . . . وخرجوا يطوفون في جبال مكة ، حتى انتهوا إلى الجبل الذي هما فيه ، فقال أبو بكر لرجل مواجه الغار : يا رسول الله ، إنه ليرانا ، فقال : كلا إن الملائكة تسترنا بأجنحتها ، فجلس ذلك الرجل ، فبال مواجهة الغار ، فقال رسول الله r : لو كان يرانا ما فعل هذا .
ولذلك : فما على المسلمين بعامة ، والحركة الإسلامية بخاصة _ إذا أحسنوا الالتزام بشرع الله ، فهما وسلوكا ، وأجادوا الإتباع لرسول الله r ، وأتقنوا التخطيط ، وأجادوا الاستعداد ، وبذلوا كل ما في وسعهم ، وأخلصوا في الاستعانة بالله تعالى ، وصدقوا في التوكل عليه _ أن لا يخافوا من مكر أهل الأرض جميعا ، وأن لا يخشوا تفوق أسلحتهم ، ولا كثرة عددهم ، ولا حداثة آلاتهم ، ولا تنوع آلياتهم ؛ لأن الله تعالى يكون معهم . . بتأييده ، وطمأنينته ، ونصره ، وإعزازه .
يقول تعالى ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) "16
ويقول سبحانه ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ) "17 "
ولهذا : فلا مجال لليأس عند من يستنصر بالله ، ولا مجال للهوان أو الذل عند من يعتز بالله سبحانه وتعالى .
وما رأينا إنسانا اعتز بغير الله تعالى ، إلا أذله الله عز وجل ، وألقى به إلى غير مبتغاه .
وما رأينا شعبا اعتز بغير شرع الله وقانونه إلا ألبسه الله ثياب الجوع والخوف ، بعد الصغار والهوان والتبعية .
ومن هنا : لا يمكن أن تهتز ثقة المؤمن بنصر الله لبريق تفوق الأعداء ، إذا هو صدق في الاستعانة بالله عز وجل ، وجد في الاستعداد ، وبذل ما في الوسع ، وتسلح بالصبر البناء ( فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم آلف يغلبوا آلفين بإذن الله والله مع الصابرين ) الأنفال 66
وليست هذه دعوة للتواكل والسلبية ، بل هي التنبيه على ضرورة ترجمة الاعتزاز بالله تعالى إلى عمل بناء ، يرفع الهامة ، ويشحذ الهمة ، ويجدد الثقة ، ويبني النفوس ، ويعين على المواجهة .
خاصة : في هذا العصر الذي هرع فيه كثير من المنتسبين للإسلام إلى الشرق وإلى الغرب بحثا عن مصادر للعزة والقوة ، وعميت أبصارهم ، لا . . ( إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور ) "18 " عن الاعتزاز بالله تعالى .
وصدق الله إذ يمن علينا في هذا التنبيه ( أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا ) "19 " لا يملكها سواه ، ولا ينعم على أحد بها إلا هو سبحانه وتعالى .
وإذا كان هذا المفهوم الإسلامي الواضح جيدا في دروس الهجرة ، قد غاب عن جموع المسلمين عامة : فإنه لا ينبغي أن يغيب عن الحركة الإسلامية بخاصة ، وعلى دعاة الحركة وقادتها أن تولي هذا المبدأ التربوي عناية كبيرة في نفسها أولا ، وفي تربية أبناء الحركة عليه ثانيا ، بغرض تكوين هذا الجيل الذي لا تهزه الصوارف ، ولا تصرفه الزخارف ؛ بسبب اعتزازه بالله تعالى ، ورغبته في مرضاته .
ويوم يوجد هذا الجيل : شيوخا وشبابا ، نساء ورجالا ، سيملك القوة ، ويزهو بعزة الله ، ويحسن القيادة ، وينشر العدل ، ويوجه العلم لخير أهل الأرض ، و. . ، و. . الخ .
وساعتها : ستنقاد لهم الدنيا ، ويتصاغر أمامهم الطغاة ، وتعنوا لهم وجوه الجبابرة
ــــــــــــ
ساحة النقاش