العقلية المصرية كانت ولازالت لغز يُحير العقول فمنذ عصور سحيقة استطاعت مصر أن تُبهر العالم بعقول أبنائها الذين شيدوا حضارة تصل إلى حد الإعجاز العلمي وقد اختلف علماء التاريخ والآثار في تحديد المدى الزمنى لظهور تلك الحضارة فالبعض يقول سبعة الاف عام وهو الشائع لدى العامة أما الباحثين في علم المصريات يؤكدون أن تاريخ الحضارة المصرية يرجع إلى ستة عشر ألف عام ولسنا بحاجة إلى الإسهاب في الحديث عن عظمة تلك الحضارة لمن لا يعرفها فيكفى أي إنسان دقائق معدودة يقف فيها أمام الأهرامات ذلك البناء العظيم ليدرك مدى عبقرية العقل المصري القديم كما يكفينا عشرين دقيقة فقط لمشاهدة ظاهرة تعامد الشمس على تمثال رمسيس الثاني بمعبد أبو سمبل لندرك إلى اى حد وصلت عبقرية العقل المصري القديم .
يقول علماء المصريات أيضا وهو ليس من باب الافتراء ولكنها حقيقة مؤكدة أن الحضارة المصرية القديمة بدأت كبيرة ثم أخذت بالتضاؤل واكبر شاهد على ذلك أنها بدأت بتشييد الهرم الأكبر خوفو ثم تبعه هرم أصغر منه بناءٍ هو هرم خفرع ثم الهرم الأصغر منقرع وقياس على ذلك أخذت تلك الحضارة في التضاؤل رويداً رويداً على مر العصور حتى أصبحت مصر تحتل المركز المائة بين دول العالم حتى على المستوى العلمي .
وهنا يأتى سؤال يطرحه الكثيرين ماذا أصاب العقلية المصرية هل فقدت مقومات عبقريتها أم أن المصريين الحاليين ليسوا أحفاد الفراعنة ولكن تأتى إجابة الباحثين في علم المصريات لتحسم الجدل بأن الجينات المصرية لم تتغير وان من يعيشون على ارض مصر حاليا بالفعل هم أحفاد الفراعنة إذن ما الذي حدث ؟
تجيب الكثير من المواقف التي واجهتها على أرض الواقع في عدة مجالات لتفسر ما أصابنا من تدهور وتخلف نعانيه الآن فقد ساقتني الأقدار أن أتواجد في عدد من مجالات العمل والدراسة ولا ادعي شرف التميز لكنه البحث والاجتهاد من اجل تقديم عمل منفرد ومتميز عن سائر الأعمال التقليدية ، ولكن عندما يجتهد الإنسان ويصل بعمل إلى مرتبة التميز يظهر نوعان من البشر احدهما هادم لكل عمل ناجح بغية مداراة فشلة أمام نجاحات الاخرين والنوع الثاني سارق لهذا العمل لنجدنا أمام مواقف تُظهر فنية ومهارة في هدم أو سرقة نجاحات الآخرين .
لازلت أذكر حين إلتحاقى بالدراسات العليا بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بقسم تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة حين اخترت موضوع البحث عن معاناة مرضى الفشل الكلوي من الاكتئاب مقارنة بمرضى الأورام مشمولا بدراسة فعلية لعدد من الحالات وقد حصل البحث على تقدير امتياز للمادة البحثية وما أن انقضت سنتا الدراسة حتى أجد اتصال هاتفي من زميل لى بذلك القسم يسألني عن رغبتي في استكمال دراساتي بالماجستير ونظراً لتعارض أوقات الدراسة مع متطلبات عملي أجبت بعدم استطاعتي لذلك فيعرب الزميل عن رغبته في الحصول على البحث ليحصل من خلاله على درجة الماجستير ومع اندهاشي لهذا الطلب يقدم الزميل التبرير المنطقي وهو كوني إنسانة محبة للعلم ومساعدة المرضى والمهم دائما تحقيق الهدف النبيل بصرف النظر عن الاسم الذي يوضع على البحث والغريب أن يوجد من الأصدقاء من يؤيد هذا المنطق ولكن يأتي رأى زميل لنا ليحسم الجدل ” أنتى ستقدمين إلى المجتمع أستاذ جامعي مزيف فهل يليق أن يدرس أبنى على يد أستاذ سارق ” وهكذا اتصلت بالزميل ورفضت عرضه وزمالته لي .
لم يقتصر الأمر على الدراسة فحسب بل في موقف مشابه أجد اتصال من أحد مُعدي البرامج بقناة تليفزيونية يطلب منى إعداد برنامج عن أهم مشكلات المواطن وان هذا الطلب جاء بعد متابعة جيدة لعدة مقالات كتبتها على صفحتي الشخصية فيسبوك وعندما تسألت عن فريق العمل بالبرنامج يجيب أن أفكاري سيقدمها باسمه هو وان من يحب وطنه لا يعنيه بأي اسم تقدم أعماله ، انه منطق لا يختلف كثيرا عن منطق زميل الدراسة السابق .
ثم نأتي الى ميدان العمل العام بإحدى المنظمات حينما استطعت تقديم عمل لم يُكلف تلك المنظمة جنيه واحد فإذا بأحد الزملاء بتلك المنظمة ممن يسعون إلى النجاح السريع يطالب بالحصول على أحقية إدارة هذا العمل بعد قيامي بتدريبه عليه لأنه اعلي كفاءة ولدية من القدرات مالا أملكة ورغم تناقض العبارات السابق ذكرها إلا أننا نستطيع من خلال تلك المواقف أن نرسخ لعلم جديد تنفرد به مصر أسمه علم ” الفهلوة ” وهو علم يجنى الكثيرين ثمار تطبيقة على أرض الواقع هنا فقط فى مصر .
لم تكن تلك المواقف إلا حيل صادرة عن صياد ماهر ذكي يبحث عن نجاحات الآخرين ويتحين الفرص لينقض عليها لأنه ببساطة لا يريد أن يجهد عقلة فى تقديم فكر جديد ولكن المؤكد أن هؤلاء إن أجهدوا عقولهم بالبحث لاستطاعوا تحقيق النجاح في وقت اقل مما أضاعوه في محاولة سرقة نجاحات الآخرين وهكذا نجد ان العقلية المصرية تحمل مقومات الذكاء لكنها رفعت لافتة ” عفوا مُغلق للتحسينات ” ولكن الأمر يزيد سؤ بكلمة ” أشمعنا أنا “عندما يجد النابغين أن حقوقهم ضائعة ما بين السرقة والتهميش فيقومون برفع نفس اللافتة ” مُغلق للتحسينات ” ليصبح العقل الجمعي فى مصر خارج نطاق الخدمة الى أجل غير مسمى .