ناني محسن أحمد عبد السلام

كاتبة - مديرة مواقع التأمين الصحي فرع القناة وسيناء

تقرير أعدته : ناني محسن


في رحلة البحث عن ما صاغته أيدي مرضى الايدز من رسائل دونوها ليسمع الناس أنينهم المكتوم فهل سيجدون من يشعر بهم أم سيكون هذا المقال ذاته محل نفور لكن لو تخيل أحدنا إصابته بالإيدز عن طريق نقل دم ملوث دونما ارتكاب إثم أو فاحشة فحتماً سيقرأ ويشعر بل سيبحث عن نظراء يمرون بنفس الحال وحينها سيلتمس الأعذار لإيقانه أن الجميع معرض للإصابة وأن الايدز مرض كأي مرض لكنه مختلف بفقدان الرحمة لمرضاه رغم أن بينهم أطفال أبرياء لا يعرفون الخطايا ولا يعرفون ما جريمتهم لكنهم مدركين أنهم معاقبين على إثم يجهلونه كالرسالة التي نشرها موقع العربية نيوز وبعثها طفل ابن العشر سنوات ليقول لنا ” لا تقتلوني ” أما الرسالة الثانية والتي نشرت عل موقع نظرات على بوابات كنانة أونلاين من شاب يلخصها “بحمده لله على المرض وتغير حياته إلى الأحسن بعد الايدز” وإليكم الرسائل :


الرسالة الأولى : طفل عمره عشر سنوات ” لا تقتلوني “


” إذا وصلت رسالتي هذه إليكم فلا تعتقدوا أنها رسالتي الأولى، إنها السابعة أو الثامنة وربما كانت تاسع رسالة، فلطالما كتبت الرسائل إليكم دون أن أتمكن من إرسالها،  ليس لرغبة مني في عدم إرسالها، لكن أسباباً وأحكاماً أشد من إرادتي أدت إلى إعدام تلك الرسائل


رسالتي الأولى : لم أرسلها لأنها ذابت بين يدي بفعل الدمع الهاطل عليها مدراراً من عيني


 رسالتي الثانية : لم أرسلها لأني يئست منكم، يئست أن يفعل أحد منكم لأجلي شيء أي شيء .


رسالتي الثالثة : لم أكتبها لأن شعوراً بالقهر في داخلي أغلق كل شيء، شل تفكيري وجمد قدرتي على كتابة شيء.


رسالتي الرابعة : لم أكتبها لأن شعوراً بالظلمة في أعماق نفسي أغلق عيني وحجب ناظري فانعدمت قدرتي على رؤية شي .


رسالتي الخامسة : لم أرسلها لأنها تلوثت بدمي الذي تعتبرونه نجساً.


رسالتي السادسة : لم تستطع أوراقها احتمال غضبي عليكم وعلى الآخرين وحتى على نفسي فتمزقت وتناثرت كلماتها .


رسالتي السابعة : لم أرسلها لأنها لم تكن سوى لون أسود يجلل صفحة بيضاء، وذلك ليس بغريب عن إنسان يعيش حياة لا بارقة أمل فيها.


ورسالتي الثامنة : أحرقتها أمي في لحظة يأس.


لست الوحيد الذي يكتب رسائل ولا يرسلها، فمن هم في مثل حالي لا يأتي ساعي البريد إلى بيوتهم ، لكن هذه المرة قررت أن أكتب رسالتي، فقرروا أنتم أن تستمعوا إلى كلماتي، فإذا لم تفعلوا فإني حارق رسائلي كما أحرق نيرون مدينتيه ؟


بدايتي ستكون بالسلام عليكم، فأنا منكم، أعيش معكم وتحيتي السلام – تحية الإسلام –  والسلام هو الأمان، أعطيكم الأمان، فهل تعطونني إياه ؟ أنا واحد من هذا المجتمع واحد منكم ، لا أحقد عليكم ولا أكره منكم أحداً ، أحبكم ، أحب الأطفال في مثل سني ، أحب من يكبرني من الشباب وأتشبه بهم ، فلماذا تبتعدون عني ، أمد لكم يدي مسلماً فتجتنبني أياديكم ، فقط لجهلكم أن دائي لا ينتقل بالسلام ، فأمي التي أعيش معها بمرضي هذا منذ عشرة أعوام ، تعانقني وأقبلها دون أن تصاب بالمرض ، وأنجبت لي منذ أيام شقيقاً غير مصاب.


إني أبادركم السلام فاستجيبوا لي ، احتضنوني بينكم حتى لا يصيبني اليأس ، إنكم برفضكم السلام الذي أبادركم به تعلنون الحرب علي وعلى أمثالي، وتنبذونني وتنبذونهم لتضعوننا في الزاوية الضيقة الحادة لنختنق بين مستقيمين بل بين سقمين سُقم المرض وسقم المعاناة من الوحدة،  فلا أجد إلا أن أحصر نفسي داخل تلك الزاوية الحادة أداري العار الذي تصموني به.


عندما بلغت السادسة من عمري ذهبت إلى المدرسة، لم أكن أعرف في ذلك الوقت حقيقة مرضي. لاحظت في اليوم الأول أن جميع الأطفال يسيروا ويلعبوا في جماعات إلا أنا، حاولت أن أقترب منهم فابتعدوا عني، عندما عدت إلى البيت سألت أمي عن سبب ذلك فأشاحت بوجهها عني وانهمرت الدموع على خديها، عندما سألت والدي تنهد ثم قال: الله يجازي اللي كان السبب.


لم أجد جواباً لسؤالي، لكن و ببراءة الأطفال ذهبت في اليوم الثاني إلى المدرسة وحاولت الانخراط في إحدى المجموعات لكنهم انصرفوا عني، حتى صديقي الذي دعاني إلى تقاسم الإفطار معه بالأمس رأيته اليوم يتجنبني،عندما سألته عن السبب أخبرني أن أمه قد طلبت منه عدم الاقتراب مني.


كنت أتمتع بإصرار شديد لأن أحلامي كانت كبيرة وطموحاتي كانت عظيمة، ذلك الإصرار دفعني إلى الدخول للعب كرة القدم مع أطفال فصلي، لكن أحدهم دفعني خارجاً فسقطت وجرحت يدي اليمنى وأخذ الدم ينزف منها. تجمع التلاميذ حولي وكذلك المدرسات والناظرة دون أن يقترب أحد منهم لمساعدتي، وحدة البستاني تقدم ورفعني وضمد جرحي، ثلاثة أشهر قضيتها بالمدرسة كانت كافية لأدرك حقيقتي، ليس حقيقة مرضي، فذلك كان أكبر من عقلي الصغير… لكن حديث المدرسات والتلاميذ فيما بينهم أوصلني إلى بعض الأفكار عني والتي لم ولن تفارقني أبداً فأنا طفل منبوذ وخطر عند بعضهم بل ونجس عند البعض الآخر، واعتبرني آخرون أنني نتيجة أللعنة الإلهية وأشياء أخرى لم أفهمها فى ذلك الوقت.


كبرت وكبرت مأساتي معي،  كنت آوي إلى الفراش مبكراً فأضع الغطاء على وجهي لأبكي وأبكي و أبكي لعل الدموع تمحو خطيئتي، فهلا ذرفتم دمعة لأجلي لعل دموعكم تمحو خطيئتكم اتجاهي.


كان أخي الصغير يشرب من ذات الكوب الذي أشرب منه ويأكل بملعقتي أحيانا ولم يصب بالمرض، أما أقاربنا عندما يزوروننا فلم يكونوا ليأكلوا عندنا شيئاً. بل كانوا يتجنبوا لمس ألعابي وأي شيء يخصني، ثم تقلصت زياراتهم حتى تلاشت كلياً.


عندما أُجرح كانت تُعلن حالة الطوارئ في البيت، فإذا ذهبت إلى المستشفى كانت تتغير الوجوه ويبدأ الهمس بين الممرضات. لم أتمتع بالحياة الطبيعة قط، ولم يكن مرضي بأشد إيلاماً لي بالقدر الذي كان يؤلمني تعاملكم معي.


ماذا أريد؟؟؟


أنا قوي، أستطيع مواجهة مرضي بكل صبر وثباته جأش، لأنه واقع ويجب إن أتعايش مع هذا الواقع الذي وجدت نفسي فيه أو وضعني الآخر فيه. لكن هل أستطيع أن أكون قوياً كل الوقت، إنني استمد قوتي من قوتكم إن وجدت، لكنكم وبكل أسف مازلتم ضعفاء، نعم ضعفاء بجهلكم ولن تستمدوا القوة إلا بالمعرفة، معرفة طبيعة مرض لا ينتقل إليكم إذا صافحتموني 

 

nannymuhsen1

بقلم نانى محسن أحمد عبد السلام

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 201 مشاهدة
نشرت فى 23 إبريل 2017 بواسطة nannymuhsen1

ناني محسن عبد السلام

nannymuhsen1
»

ابحث فى الموقع

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

295,102

ناني محسن نموذج مشرف للمرأة