كتاب يوميات في السيرك
من اليوم الأول "الأسر طوعاً"
البطل المصري البورسعيدي
بطل معركة الجميل 19566 " محمد مهران "
أي حرية أو أسر لابد أن يكون لهما هدف و قيمة إنسانية , تعود على البشرية منهما لتكون لحياة الإنسان نفسها قيمة , فكم من المجرمين عاشوا حياة " كارمن " يظنون أنفسهم أحرارا و هم أسرى شرورهم , ماتوا غير مأسوف عليهم تلعنهم الإنسانية .
و كم من الأسرى تم أسرهم في المعارك , يجدون كل ألوان العذاب , و يفضلون الأسر عن بيع الوطن ، ربما يفقدون حياتهم , أو يصبحون في أوطانهم مفقودين في حرب لم يُستدل عليهم , و لا تعلن عنهم قوات العدو , و ربما يتم الإفراج عنهم يوماً في اتفاقية تبادل أسرى , و ربما يفقدون أغلى ما لديهم في الأسر , مثلما فقد البطل " محمد مهران " البورسعيدي عينيه حباً لمصر , فكان الأسر أكبر تتويج لبطولاته
ولد " محمد مهران " في ظل الاحتلال الإنجليزي , و عاش ناقما على أفعال جنود الإحتلال , و بعد ثورة يوليو 1952 بشهور , أعلنت القوات المسلحة المصرية فتح معسكر لتدريب الفدائيين تحت اسم فدائيو حرس وطني بورسعيد , و انضم له شباب بورسعيد و من بينهم " محمد مهران " ، و ظل هذا الشباب يطارد الإنجليز حتى اضطروهم لتوقيع اتفاقية الجلاء في 19 أكتوبر 1954 , و أهم بنودها انسحاب القوات البريطانية من مصر في موعد أقصاه عشرين شهرا , لذا استمر الشباب في العمل الفدائي حتى انسحب الإنجليز تماماً في 18 يونيو 1956 , و كانت بورسعيد سبب استقلال مصر و إنهاء الإحتلال إلى الأبد , و أحتفل ناصر مع شباب بورسعيد على أرض بورسعيد , و تم إنزال العلم البريطاني و تمزيقه ووضعه تحت الأقدام .
و لكن كان هناك احتلال آخر للمجرى الملاحي لقناة السويس من قِبل فرنسا و بريطانيا , فكان قرار الرئيس " جمال عبد الناصر " التاريخي في عيد الثورة عام 1956 بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس شركة مساهمة مصرية , و من هنا كانت مؤامرة العدوان الثلاثي 1956 من قبل فرنسا و بريطانيا و إسرائيل .
في يوم الجمعة 27 يوليو 1956 تم استدعاء فدائيو بورسعيد , و تشكيل كتيبة حرس وطني فدائي بورسعيد , و كان " محمد مهران " قائد السرية الثانية , و كانت مهمته حماية مطار بورسعيد و منطقة الجميل , و تم تدريبهم على نفس الأرض المكلفين بحمايتها , و أستمر التدريب حتى بداية العدوان الثلاثي في 29 أكتوبر 1956 .
و في يوم الاثنين 5 نوفمبر 1956 , قامت قوات الإحتلال الإنجليزي بالقصف الجوى على بورسعيد مع أول ضوء كعادتها اليومية منذ بداية العدوان الثلاثي , لكن يوم 5 نوفمبر كان العدوان في أبشع صوره .
و في هذا اليوم كانت هناك عملية إنزال بالمظلات للعدو , تعامل معها البطل " محمد مهران " و رفاقه بالبنادق و الرشاشات , و لكن مع الأسف وصل جنود الإنجليز للحفرة المختبئ بها " محمد مهران " و أسروه , و حكموا عليه باقتلاع عينيه لترقيع قرنية الجندي الإنجليزي الذي أصيب بنيران مدفعيته ، حاولوا كثيراً مساومة " محمد مهران " و تعذيبه لإفشاء أسرار الفدائيين مقابل ترك إحدى عينيه , و لكنه يقول لهم ما كان لي أن أخون وطني و لو كان الثمن عيناي , و بالفعل تم استئصال عينيه ، فيُضحى محمد مهران بعينية بعد أن استأصلها له الطبيب الإنجليزي في جراحة إجرامية تخرق كل القواعد الدولية و الإنسانية كعادة المُستعمر دائماً , و لكن أبداً ما كان " محمد مهران " ليختار أن يخون الوطن , و يفضل الحياة في الظلام و فقدان بصره على أن يفقد وطنيته و ضميره الإنساني , و يعود " محمد مهران " بعدها بطلا مصريا ترفعه مصر فوق الأعناق .
و فشل العدوان الثلاثي و رحل إلى غير رجعة , و بقي " محمد مهران " بطلا مصريا عظيما ، قالوا له ستكون عبرة لأمثالك فكان قدوة , و شرفا لكل مصري وطني مخلص ، ربما غاب النور عن عين هذا البطل , و لكن لم يغب نور الله في قلبه , و لم يبتعد يوماً عن أضواء الإعلام و التاريخ الوطني و الإنساني , لأنه كتب اسمه في سجل التاريخ بحروف من نور .
و هكذا نجد أسرا يصنع بطلا قوميا كأسر " محمد مهران " فكان في الأسر أكثر قوة ممن أسروه , لأنه تحرر من ذاتيته , و فضل الوطن على نفسه , و نجد حرية لا يدرك الإنسان فيها أنه أسير أهوائه و نزواته , بل هو عبد لها .
ساحة النقاش