موقع الاديبة الفلسطينية ناديا كمال / عطر الورد


عندما  يكون القاضي ....غريمك  !!!!! الكاتبة الفلسطينية ناديا كمال - القدس


 

 

ضجيج  يملأ  المكان  ،  وأصوات  متداخلة   بين  كلام وصراخ ،  وصوت القاضي  يقول  : افتتحت الجلسة ، فعاد  الهدوء الحذر  إلى قاعة المحكمة  ، والكل يرقب  ما سيجري  من أحداث  ،  وعيون أم تيسير تشخص  البصر للسماء ،  ترجو الله  أن ينصفها  ،  فهو الحكم العدل  ،  ولا عدل  في  محكمة الدنيا ، وتسرح  في  خيالها   لتتذكر  صباح  ذلك  اليوم الذي  ودعت  فيه ابنها  تيسير وهو  ذاهب إلى عمله  المعتاد   كسائق  على تاكسي  الأجرة   ،  ودعواتها  له  ترافق  يومه  وهي  تقول   :(  اللهم  ارض  عنه  ويسٌر أمره  وارزقه من حيث  لا يحتسب  ، وأبعد  عنه أولاد  وبنات الحرام )   وزوجته  تردد  ( اَمين يا رب العالمين ، اللهم ردُه إلينا سالما غانما )  وضحكات   بناته الأربع   وطفله ياسر  ترافقه  حيث  يتجه  وكلُها أمل  أن  يعود  سريعا  مصطحبا  معه الحلوى والألعاب والأطايب كما  عودهم كل  يوم ....

 

 

مضى  تيسير      إلى عمله    ،  متوكلا  على الله   وقانعا بما رزقه  ربه  من  المقسوم ، وكان  يردد  صباح  مساء  وعيونه   شاخصة إلى السماء  مخاطبا  ربه الكريم :( اللهم ارضني  بما  قسمت  لي ، وبارك  لي  فيه  وارزقني رزقا حلالا  طيبا   يكفيني  ويكفي  أهل بيتي  ) ....

 

 

مضت  ساعات  وساعات  واقترب  موعد  العودة إلى البيت  ،  شعرت  أم تيسير   بشعور  غريب  في  صدرها  وشوق  ولهفة غير معتادة   على إبنها  ،  لقد  تأخر تيسير    تقول والدته  لزوجته  ،  ليتك  يا ابنتي  تتصلين  به  لنطمئن  عليه  ،ترد  الزوجة   أيضا  بلهفة   مخفية وتحاول  أن تخفف  عن  الوالدة   ما  تشعر به من قلق  :  حسنا  يا خالة  الان... الان   أتصل  ، ولكن  هدئي من روعك  ، ربما   أتاه  طلب  مفاجيء  فاضطر  أن يتأخر  ،تصيح  الوالدة بصوت  مخنوق   :  قلت  لك  اتصلي   به  ،  حسنا  ...حسنا  ....، ترد  الزوجة وهي  تحاول  أن تتماسك  ولا  تظهر   خوفها وقلقها  ، لحظات ليست قليلة  وهي  تتصل  عالموبايل   ولا   يسمع  صوت  ولا جواب  ، تعيد   الكرة  مرات ومرات  ، ولكن  دون  جدوى  ،تقول  الزوجة لوالدته  والشحوب  بدى على وجهها   :  تيسير لا يرد عالموبايل   ،  ربما  لا يسمعه  ،  ربما  معه ركاب  ولا  يريد  أن يرد  أمامهم ،  ربما   الموبايل  فقد الشحن ،  ربما ....وربما  ....وربما ،  أسكتي  بالله عليك  ، تقول لها  أم تيسير   وقلبها يخفق من شدُة القلق  والدهشة ، تجلس الإثنتان  تارة  وتتنقلان  في   محيط البيت تارة  أخرى  جيئة وذهابا ،  لعل  خبرا  سعيدا  يأتي من بعيد  ليطمئن قلبيهما  ،  فلا  خبر  ولا جواب .....فجأة  يرن   الموبايل

 

 

تسرعان الخطى الإثنتان  لعل  هناك  جواب يشفي  قلبيهما   المتعطشان   لخبر سعيد ،ترد  أم  تيسير ،  إنه  أبو تيسير  ،  يسأل  ويطمئن عن أحوال البيت  وأهله ،  وفي صوته  نبرة حزن غير معتاده  سابقا ،  فتخبره  أم  تيسير   عن  قلقها  وخوفها  على إبنها  ، يحاول أن  يطمئنها في الوقت الذي  بدأ  فيه  قلبه يخفق  من القلق  ،  يقفل  معها   ويبقى شبح القلق  يطارد  كل  من في  البيت .....ساعة   تلو ساعة تمر إلى أن  يقترب الليل   حتى  يرن الموبايل من جديد  ، إنه  قريب   لهم  يبكي  بصوت   مخنوق  ليخبرهم  أن  تيسير  استشهد  ،  اااااااااااه  يا  ولدي  ، تصرخ  أمه  مغشيا  عليها من  هول الصدمة  ، وزوجته  تتوقف  عن الكلام  والحركة ،  وتسكن  الدهشة والحزن  جميع   أرجاء البيت  ومن  فيه  ،  ويسود  حزن  قاتل      في كل الارجاء ،  فيغدو البيت  كمدينة الأشباح  لا يسمع  فيه  سوى الصراخ والعويل  ......الكل  يسأل  كيف  ؟؟ ومتى ؟؟ ولماذا  ؟؟؟

 

 

لحظات  رهيبة تمضي  ويمتلئ  البيت   بالأهل والأحبة والجيران  ،  والكل  مذهول  من الخبر ،  لا أحد  يصدق  ما جرى ،  والكل يريد  أن  يفهم  كيف  ومتى ولماذا ؟؟؟؟ وأخيرا   أفرج  عن  الجثمان  من مشرحة  ( أبو كبير  )  وجاء الرجال  والشباب   مرددين  ( بالروح  بالدم  نفديك  يا  شهيد  ) والكل  يبكي  وعلامات الدهشة  والحزن  بادية على الملامح  وما زالت النساء  تجهل   حقيقة الواقعة  وماذا جرى للشهيد !!!!إحدى القريبات تنادي  إبنها   بصوت  حزين  ودموعها  تملؤ   العيون  ، ماذا  جرى يا ولدي  أخبرني بالله  عليك ؟؟؟فيجيبها  ولدها  بحزن  شديد   وقلب  محترق   وعزم على الأخذ  بالثأر والإنتقام ،  لقد   وقع  تيسير  ضحية  لشقيقين  من الصهاينة ،  خدعوه  وأوهموه أن يوصلهما إلى حيث  يقيمان  في  تل أبيب  ، وما أن وصلا   باب البيت  حتى أخبراه   أنهما  لا يملكان المال   نقدا   وأن يصاحبهما الى الشقة الخاصة بهما  كي  يأخذ أجرته ،  ولأنه طيٌب القلب   صادق النية ،  صدٌقهما   ومضى معهما الى البيت ،  وما هي إلا  دقائق  معدوده   تفنن بها الأخوان  في  طعن تيسير في كل مكان من جسده  الضعيف  ،  أكثر من 25  طعنه   تخلٌلت  جسده    ، وألقوه  بعدها  في  سيٌارته  وتركوه  ينزف  حتى الموت ......                                                                                                                                                                                               اااااااااااااااااااااااااااااااااه  يا  ولدي   تصرخ  أم  تيسير مجددا  بعد  أن   صحت من  غفلتها !!!!  لتجد  نفسها

 

 

تستمع  لصوتا     كريها   شاذا  في  المحكمة  هو  صوت أحد الاخوين  القاتلين  وهو  يردد  :  قدٌمناه  قربانا  وهدية لشعبنا في  العيد .....وصوت القاضي   ينطق  بالحكم   تقفل   القضية    لأن  القتلة مجانين   ولا  يؤاخذون   على تصرفاتهم  .....جن  جنون    أهل الشهيد   تيسير  .......وحاولوا أن  يهجموا على القاضي  ومن معه  ....ولكن الشرطة منعتهم   ....وتصرخ   الأم الثكلى   من غير وعي  : قتلتم  إبني   يا   أحفاد  القردة  ....ماذا فعل  لكم ؟؟؟؟؟منكم   لله  .....منكم لله  ......  وتعود  بعدها إلى  الغيبوبة ......وما زال القاضي  يردد  ويصمم  على أن الجناة ........مجانين  ..!!!!!!

 

 

المحاكم  هنا  كلما  كان  الجاني  يهودي  والمجني  عليه  فلسطيني   ،  يكون  الجاني  دائما   مجنون  أمر قد  تعودنا  عليه  في  بلد  محتل   يحكمه  الظالمون  ،  حيث  لا  حق   للمقتول   في  هذه الحالة  ولا   عتب   على ما  يفعله المجانين   ....فإذا  كان غريمنا القاضي  فلا تنفع  شكوى ولا عتاب  ....!!!!!!!!

 

 

 

’’ قصة حقيقية يحدث  مثلها دوما فى عيد استقلالهم وذكرى نكبتنا "


 

 

بقلم :   ناديا كمال

 

 

القدس  .......

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 99 مشاهدة
نشرت فى 29 فبراير 2012 بواسطة nadia-alwardhmh

ساحة النقاش

ناديا كمال / عطر الورد

nadia-alwardhmh
فلسطينية الاسم ,,,,,فلسطينية الكلام والصمت ,,,,فلسطينية الوشم ,,,,,فلسطينية الاحزان والجرح ,,,,, نعم فعِنْدَمَآ يَقُولُونَ لِيْ : يَآ فَلَسْطِينـِــــيْة ... ..أشْعُرُ وَكَأنِّيْ ' مَلِكـة ' فِيْ هَذَآ الكَوْنْ ..! وأقول لاعدائي :عذِّبوني، هجِّروني، و ان اردتم حتى اقتلوني و لكن … من ارضي ابدا لن تقتلعوني !! »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

15,779