د/ نبيلة بن يوسف
معظم الشعب الجزائري مع اختلاف مستوياته الفكرية والعلمية وبأفراده غير المتعلمين من فئات عمرية مختلفة الشاب والكهل والشيخ، ينتابهم الخوف من التغيير، وعلى رأس التغيير الرجل الحاكم، رغم أنهم يعلمون أن "فخامته" لا يحكم ويفوض السلطة لغيره، إلاّ أنّ الخوف ينتابهم من تغييره، ويتمنون شفاءه وبقاءه على رأس هرم السلطة. في حين يوجد من هذا الشعب حوالي 20 بالمائة من يتمنون تغيره لا لأنهم تواقون للتغيير باحثين عن أمل جديد فقط، بل خدمة لمصالحهم الشخصية؛ منهم المرشحون والمساندون لهم والمتعاطفون معهم في انتظار مناصب أم حتى أشباه مناصب تجعلهم يغيرون حياتهم هم، دون الاهتمام بالتغيير الايجابي العام. والنسبة الباقية تائهة بين الاختيار، محاولة إبعاد المسؤولية عن نفسها، ناقمة على الوضع الحالي والمستقبلي حتى وإن لا تعرف المستقبل لكن هي ناقمة عليه وعلى من يحكم ويقود. إنّ التغيير لا يقوم على تغيير الشخص الحاكم فحسب، كما حدث في الدول العربية لما ثارت شعوبها ناقمة ومطالبة برحيل الحاكم، ... راح حاكم وجاء آخر...، السؤال الذي بقيت هذه الشعوب تردد طرحه؛ ما هو الجديد بعد رحيل الحاكم ؟ أين وصلنا ؟ وما هي الآمال التي جسدنا ؟ عميقة هي تلك الأسئلة بعد التجربة، إنه البحث عن كنه التغيير ونتائجه ... للوصول لتحقيق الهدف "التغيير" يجب التفكير في تحديد المشاكل والقضايا العالقة التي حالت دون تحقيق نمو وتطور وتقدم والبقاء في دائرة مغلقة عوض المضي قدما. الأسئلة الواجب طرحها لمعرفة أين نسير؛ تغيير ماذا؟ للحصول على ماذا؟ وكيف السبيل إليه؟ ، ومتى هو الوقت المحدد لرفع المطالب؟ كيف ترفع عبر أي قنوات تمر؟ّ، كيف أجعلها تؤثر في القادة وبالتالي تصبح من الأولويات التي تتطلب المعالجة والبحث والتحليل، لوضع سياسات بعد اتخاذ قرارات بعد مشاورات من القمة إلى القاعدة من المواطنين المعنيين أولئك المنضمين إلى مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية...، وإن كان متخذي القرار وصناعه على قدر من الوعي والكفاءة العلمية والميدانية، وعلى قدر من كفاءة التعامل مع الآخر بمعرفة عقليات وسيكولوجية أفراد المجتمع، فإنّ الأمر يتطلب النزول إليهم في الشوارع لمعرفة المشكلة وتحديدها ومعرفة أسبابها الحقيقية، في وقت قتل انعدام الثقة بين الشعب والأحزاب السياسية والمجتمع المدني التفاعل والنقاش وطرح الانشغالات من المواطن إلى المؤسسات المذكورة التي أصبحت معظمها فاقدة لاستقلاليتها بطرق مختلفة وبصفة مباشرة وغير مباشرة. لما ينشأ حزب سياسي "جمعية" بأمواله وأفراد من المنخرطين فيه والمتعاطفين معه أوالعاملين على المصلحة الآنية وإن كان ذلك منافيا للقانون الجزائري، لكن الأمر لا يسلم وجود بعضها في خدمة حزب معين أوفي خدمة شخصيات مرشحة لرئاسة الجمهورية، فكيف للمواطن أو مجموعة من المواطنين أن يطرحون مشكلتهم لمثل هذه الجمعيات لاسيما إن كانت المشكلة تتنافى وتتعارض مع مصلحة الحزب وبالتالي الجمعية؟، فهل ترفع الجمعية الانشغال والمشكلة إلى مراكز القرار؟ بالتأكيد لن تفعل وفي حلقة الانتظار الطويل لن يبقى على تلك المجموعة من المواطنين إلاّ التعبير بطريقة غير رسمية إما انتظار الحاكم أو أحد ممن ممثليه في الهيئات الرسمية أن ينزل للميدان ويسأل ... وفي أغلب الأحيان لن تحدث ولم تحدث من زمن الفاروق...، وإما اللجوء إلى أسلوب آخر من المطالبة وهو الأسلوب العنيف الذي قد يجعل من هم في القمة ينزلون مضطرين لمعرفة المشكلة وجعلها من الأولويات ونقلها إلى طاولة صنع السياسات، أو تصغير المشكلة وتهميشها، وترك الأسلوب العنيف يأخذ عقابه بأسلوب العنف المضاد. قد تخمد النار وتعود بعد وقت قد يطول وقد يقصر نفس المطالب بنفس التفاصيل أو ببعض الإضافات حسب الممستجدات. وقد لا تخمد وتتسع دائرة الحرائق ولا تجد من يطفئها، حتى وإن نزل الحاكم للميدان وممثليه معه، وعزموا على تحديد المشكلة وحلها ارضاءا للجماهير الملتهبة؛ إلاّ أن النار تكون قد التهمت الأخضر واليابس، وطالت كل الفئات واختلط الحابل بالنابل،...، وأصبح الطغيان هو الطاغي على البلاد. تلك هي الحلقة التي تعيشها معظم شعوب المنطقة العربية والإفريقية، رغم معرفة الحاكم باستفحالها إلاّ أن الأصبع لا ينزع من الأذن حتى لا يسمع إلاّ صوته وصوت الحاشية التي تعمل على توسيع نفوذها ومالها على حساب الشعب، وقد لا تنقل له الأخبار السيئة والحزينة عن حال الشعب والبلاد عامة، وتنقل له كل المسرات وما يريح البال، حتى يطمئن و يواصل سماع صوته وصوت الحاشية التي ساعدته في ترتيب الأمور وبسط الاستقرار والسلم. كذلك كان حال القادة اللذين رحلوا مضطرين من مناصب طال بقاءهم فيها ولم يتصوروا هم ولا أكبر المحللين السياسيين أن أخرتهم ستكون تجمع جماهيري ضخم في ساحات كبرى رافعين لافتات "ارحل"، والعبرة أن يأخذ العبرة غيرهم من الحكام حتى تكون نهايتهم في الحكم مشرفة، وتبقى أسماءهم خالدة في تاريخ الدولة بل في التاريخ البشري. وأن يتعظ القائمون على تغليط الحاكم مما حدث لأمثالهم أثناء وبعد الثورات الشعبية من محاكمات واستحواذ على الأموال والممتلكات. أين المرشحون الجدد لرئاسيات أفريل 2014؟ وما بقي إلاّ أسابيع معدودة حتى يتقدم الناخبون الجزائريون إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جمهورية جديد، وفقا لدستور البلاد 2008 المعدل لدستور 1996 في المادة 74 "مدة المهة الرئاسية خمس سنوات يمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية". علما بأن الرئيس بوتفليقة قد أعلن في أفريل 2011 عن تعديلات عميقة في دستور البلاد، ولازالت اللجنة المختصة بالتعديلات لم تفرج عن مسودة الدستور المعدل الجديد. من خلال المادة القانونية أعلاه يتضح أن العهد الرئاسية غير محددة. ومصطلح "إمكانية تجديدها" مطاطي يجعلها حسب الرغبة الشخصية وحسب الإرادة السياسية، وحسب الظروف القاهرة التي أقر بها الدستور كحالة الحرب، وتلخيصا لها حسب "المصالح". ومن هذا المنطلق يتوقع تقدم مرشحين إلى جانب ترشح الرئيس الحالي مادام الدستور يسمح له بذلك مرة رابعة، والمنافسة تنطلق أثناء الحملة الانتخابية، بل قبيل ذلك لما يعلن صراحة الراغبين في الحكم الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة، وكالعادة حملات المرشح الرئيس تطغى على جميع المتنافسين / المرشحين لأنه بدأها قبلهم في حضرة وسائل الإعلام المساعدة على نقل الخبر، وضع حجر مشاريع و توزيع أعمال كاملة مطابقة لبرنامج الرئيس الذي عزم على العمل به وإن طال الأمد من عام1999، مشاريع وبرامج منها التي هي قيد الإنشاء ومنها التي أنشئت ولو بمقاييس بعد المتابعة والتقييم أثبت أنها مضروبة بالغش والنصب والاحتيال في الجانب المالي أو الجانب التقني أو كلامهما...، لكن المرشحون الباقون سيقدمون برامج غير محسوسة للشعب في شكل آمال وأحلام ... قد تتجسد وقد تنطفئ بمجرد البدء فيها ...، ولأن الشعب يريد المحسوس ولم يعد صاحب صبر، فيختار ما هو موجود ويريد الإبقاء عليه حتى إن كان ذاك "الموجود" يشكو من نقائص وعلل كثيرة "إنه الخوف من التغيير"، هذا الأخير مُــؤسَس وليس نابع من فطرة الإنسان المعروفة بحب التغيير والمغامرة والمجازفة وقدرة الصبر والانتظار والمشاركة في الفعل، لكن التأسيس طال أمده حتى يتسنى للمؤسس أن يجعل الفكر منغلقا لا يطلب سوى المحدود ولا يسعى إلاّ في قدرة ووسع المؤسس، وأن يتخذ الراغبون والداعون للتغير واللذين لم ينجحوا بعد سنوات في التغيير المنشود عبرة له. كسر الإرادات والهمم بالتخويف والتهويل جعل السهل مستحيلا، لا يمكن إلاّ توقع انسحاب المرشحين عشية الانتخابات وإخلاء السبيل لمرشح واحد كان من المنتظر أن يبقى الزعيم زعيما مدى العمر فهنيئا لزعيم لا يموت في نظر الخائبين والخاضعين والخائنين وهم الخاسرون.