من أهم سمات العصر الحالي الثورة الإعلامية – الاتصالية التي راجت و اتسع نطاقها لتعبر الحدود الجغرافية للدول و القارات، لقد أصبحت وسيلة ضرورية شاغلة فكر و بال الباحثين في مختلف المجالات و الميادين لمعرفة آخر التطورات العلمية و الأبحاث الأكاديمية فلا يمكن نكران دور و أهمية وجود وسائل الإعلام المتنوعة لنقل المعلومة و الخبر و أهم ما توصلت إليه الأبحاث العلمية في مختلف الأمكنة و الأزمنة.

و بقدر ما للتحالف بين القوتين التقنية و الإعلامية من أداور ايجابية و خدمات جليلة للإنسانية قاطبة، بقدر ما يشكّل هذا التحالف الثنائي خطرا  قد يصيب النظام السياسي في جوهره، فـيـصبح ذلك التحالف عامل مهدد لـسمعة الدولة بجميع أجهزتها و الشخصيات البارزة و القائدة و القائمة على رسم السياسات العامة و اتخاذ القرارات الهامة.

نحاول من خلال هذه الورقة البحثية أن نبرز أهم التحديات و التهديدات المصاحبة لوسائل الإعلام     و الاتصال في محور خاص بعوامل اهتزاز هيبة الدولة. فما مدى إمكانية إساءة وسائل الإعلام و الاتصال المتنوعة لسمعة و هيبة الدولة الجزائرية ؟

        لقد حاولنا تحليل الموضوع في جملة من العوامل المهددة لهيبة الدولة و الشكل الآتي يلخص أهم العوامل المهددة المرافقة لوسيلة الدعاية السياسية و الإشاعة و أثارهما على البيئة السياسية   و النظام السياسي.

 *عوامل و أثار اهتزاز هيبة الدولة *

        1- إثـارة التشكيك السياسي

         تقوم هذه العملية على عرض الأحداث ثم تحليلها بغرض التشكيك في خلفياتها و أبعادها من طرف كتاب صحفيين، محللين سياسيين أو اقتصاديين أو هما معا حسب طبيعة الموضوع المعروض للنقاش و التحليل، و تقوم العملية على تغييب بعض عناصر الحقيقة في عرضها للموضوع و تحريف و تشويه بعض الحقائق، و التعمد على إبراز المساوئ و إبداء الأحكام المسبقة لتشكيك الجماهير في عدم إمكانية نجاعة و سلامة مشاريع أو قرارات الجهات الرسمية، و لعل الرفض الإعلامي لعدد من المخططات و المشاريع التنموية القائمة  أصبح يؤثر على نفسية المواطن مما يجعله متخوفا من النتائج في العمليات الأولى للمخطط التنموي.

       تطال عملية التشكيك السياسي القطاع الحكومي المقترح للمشروع،و الجهاز التشريعي المصوت عليه، ثم القائمين على تنفيذه من إطارات متخصصة. فالتشكيك في هؤلاء لن يبقي المواطن على ثقـة بنجاح المشروع و خدمته للشعب. و طيلة عمليتا التنفيذ و التسليم تبقى وسائل الإعلام المدعومة تترقب ابسط الهفوات لتستمر عملية التشكيك دون أن تترك فرصة للمواطن أن يخرج من تحت تأثيراتها.          و كثيرا ما تستخدم أسلوب المقارنة إمـا التذكير بالمشاريع الفاشلة و في نفس القطاع لقطع الأمـل المنتـظر،و إما المقارنة بين المشاريع المنفذة في دول أخرى من دول الجوار و تبيان الأساليب الإدارية و التنظيميـة و التقنية المطبقة لديها، و في المقابل جملة انتقادات للأساليب المنتهجة لدينا.

       و ما يساعد وسائل الإعلام في إثارة الشك السياسي هي الوعود الكاذبة المتكررة للمسئولين لاسيما أثناء الحملات الانتخابية المختلفة، و خيبة الأمل التي يصاب بها المواطن بعد كل استحقاق انتخابي بتبخر الوعود التي بنى عليها أماله و أحلامه كالمشاريع السكنية، و إقامة المشاريع للتقليل من نسب البطالة، و الاهتمام بالمرافق العمومية، و رفع الأجر القاعدي، و محاربة الفساد بكل أنواعه، كل هذا يسبب انسداد القناة الاتصالية بين رجل الدولة و المواطن ، و بالتالي اهتزاز هيبة الدولة.

       قد يساعد الإعلام في رفع مقدار الشك في نفوس المواطنين، و للعلم أن هؤلاء ينقسمون إلى ثلاثة فئات مختلفة هي الفئة المهتمة، و الفئة المهتمة الظرفية، و الفئة غير المبالية و عمل الوسيلة الإعلامية التي ترتكز على توسيع الفئتين الأولى و الثانية.

كما يختلف تأثير العملية الاتصالية باختلاف المحددات؛ أي الجمهور و الإعلاميون، و السياسيون         و عدم تطابق النماذج يؤذي إلى إخفاق مرور الرسالة السياسية.

        شهدت الساحة الجزائرية تنوعا إعلاميا مكتوبا لم يشهد له مثيل في الدولة الجزائرية، تنوع من حيث المواضيع (صحافة مكتوبة متخصصة)، و التي تصدر يوميا و أخرى أسبوعيا و شهريا أيضا، وهذا المتنفس الإعلامي كان وليد قانون صادر في عام 1990، إلاّ أن الخطر المهدد لهيبة الدولة كان في استخدامها لأغراض حزبية كمهاجمة المعارضين و أخرى شخصية بعد أن أصبحت ملكيتها حكرا على أحزاب سياسية و شخصيات بارزة في السياسة و العسكر، كما أصبحت بعضها تحت ملكية رجال المال و الأعمال.

" فإلى غاية نهاية ديسمبر 1991، بينت الإحصائيات وجود 160 جريدة، 18 منها يومية، و46 أسبوعية، و 20 نصف شهرية، و30 شهرية، و من 160 جريدة هناك 37 عنوان تابع للقطاع العام، 96 عنوان تابع للقطاع الخاص، و 28 عنوان خاص بالجمعيات ذات الطابع السياسي. دون أن أنسى بأن الكثير من الصحف الحرة و الخاصة هي ممولة من طرف أرباب الأموال و الأعمال و النفوذ" (1) . 

و عمليا أصبحت لبعض الأحزاب السياسية جرائد مثل جريدة المنتقد و الفرقان للجبهة الإسلامية للإنقاذ، و الجزائر الجمهورية(Algérie république)  الناطقة باللغة الفرنسية التابعة للحزب الاشتراكي الجزائري ، تعبر عن نشاطها الحزبي و  اتجاهاتها الأيديولوجية و مشاريعها المقترحة لجزائر ديمقراطية، و في المقابل كانت حريصة على انتقاد النظام السياسي القائم و التشكيك في القرارات الصادرة عنه، و كشف الهفوات السياسية و إن كان الرقابة من سمات الإعلام الناجح، إلا أن عملية التشكيك كانت واضحة في بعض من جوانب الكتابات الصحفية و المقالات المعبئة بألفاظ بالشتم و السب للنظام و بعض من شخصياته البارزة آنذاك بصفة مباشرة أو غير مباشرة.  

        لقد ساهم الاستخدام الإعلامي – الاتصالي لأغراض محددة بتأليب الرأي العام الوطني ضد شخصيات و قادة سياسيين عن طريق نشر فضائحهم و الزيادة عليها بهدف تشويه سمعتهم و بالتالي إبعادهم عن الحكم و القيادات الحزبية، و ما تشويه سمعة مسئول إلاّ تشويه الحكومة المسئولة على اختياره في مناصبها القيادية. أو العمل على تأليب الرأي العام الشعبي بغرض رفض سياسات حكومية.

و قد كان الاستخدام الأول شائعا منذ بزوغ عهد التعددية الحزبية في بداية تسعينات الفرن العشرين،بداية بالتراشق الإعلامي بين قادة الأحزاب و بين الأحزاب و الدوائر الرسمية، و استمر الوضع حتى وصل إلى تشويه و محاولات تشويه سمعة شخصيات سياسية و عسكرية و من أشهر مسلسلات الفضائح هو مسلسل " محمد بتشين" مستشار رئيس الجمهورية " ليامين زروال"، و كانت بعض الجرائد الوطنية قد انفردت بعرض مسلسل الفضيحة، و تلته فيما بعد سلسلة من الفضائح خصت بعض قادة الأحزاب كابوجرة سلطاني. 

       و لعلّ أبرز فترة عرفت هذا النوع من التشكيك في السياسات العامة المرسومة و المنفذة هي أولى فترات الإصلاحات الاقتصادية التي عرفتها الجزائر نهاية القرن العشرين، و كانت ابرز الجرائد المعارضة لها هي الجريدتان الناطقتين باللغة الفرنسيةHebdo Nouvel  و Le jeune indépendant. و إن كانت قنبلة 26 مليار دولار التي تناقلتها الصحافة الوطنية هي الشرارة الأولى، لما قامت بتعرية النخب الحاكمة أمام عيون الرأي العام.

و لقد أصبحت الصحافة المكتوبة بوقا للناقمين على الإصلاحات الاقتصادية خاصة أولئك اللذين كانوا من الطبقة المترفة و أضرت بهم رياح التغيير...

"فتحت الصحافة ،باستثناء القليل منها، أعمدتها الواسعة أمام المتضررين الجدد من زلازل الإصلاحات، الأغنياء و الطبقات المتوسطة العليا.... إنها اللحظة التي ترتبط فيها الصحافة بالمال ... لقد تعلمت كل جريدة ...أن تختار سندا ماليا       أو سندين في آن، و بدأت تغييب العناوين غير المدعومة، بسبب عدم تنظيم المهنة و إقامة قواعد دعم متعددة و فعالة"(1).

و إن كان بعض المشاركين في لعبة الإصلاحات يقومون على التشويه الإعلامي خوفا من انكشاف المستور. و إن كان عمل القادة يقوم على التضليل و التكتيم الإعلاميين لأنهم لم يكونوا يشكوا في استياء الشعب و سخطه، و لا بتحوّل الحال و انتشار الفضائيات لتصبح الجزائر مكشوفة و لا يمكنهم آنذاك تغطية الشمس بالغربال كما يقول المثل الشائع عندنا. و صار أول مقال نقدي في الصحافة الأجنبية يعد كأنه حملة صليبية ضد البيروقراطية الجزائرية كما عبر عنه رجل الإدارة "غازي حيدوسي".

و في ظل مراحل الإصلاحات الاقتصادية عرفت الدولة هزات خطيرة لهيبتها تجاه مواطنيها، و لعل أشهر مثال على ذلك بداية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي – و المعروف أن تكون سرية- إلا أن رسالة بأهم ما تم في المفاوضات وصل إلى مكتب زعيم التجمع من اجل الثقافة و الديمقراطية،مصحوبة بتعليق ملفق على انه من ضمن اتفاقية منه تخفيض شديد لعدد العاملين في الإدارة (تسريح)...و أراد نشرها في يومها في الصحافة المكتوبة ليدل على أن الإصلاحات خيانة، إلاّ أ، الحكومة كانت السباقة هذه المرة على شرح تفاصيل الاتفاقية للشعب قبل أن بقراء صحف اليوم الموالي. و إن نشرت أيضا على صفحات المجلة الفرنسية le Jeune Afrique (2).

         تعمقت عملية التشكيك السياسي مباشرة بعد انتشار ظهور الهوائيات المقعرة على اسطحة المنازل الجزائرية، و تتبع المواطن الجزائري البرامج و الأخبار الغربية بلهفة، مشرحة للوضع الجزائري  من مختلف جهاته، و تستضيف لذلك أخصائيين و باحثين أكاديميين، إضافة إلى شهادات حية من أفراد الجماعات الإرهابية ذاتها أو من طرف مواطنين عايشوا أحداث الرعب و الذعر. و تتبع المواطن الجزائري بقوة لتلك الحصص و السلسلة الإخبارية لم يعد ينتظر نشرة أخبار الثامنة على القناة المرئية الوطنية الوحيدة ليبحث عن المعلومة السياسية- الأمنية...، كاشفا عن العطش الكبير إلى إعلام       و اتصال، لان وسائل إعلامنا كانت كذلك الصندوق الأسود للطائرة لا يخرج منه سوى ما يسمح به،       و في التوقيت المنشود لهيمنة الحكومة عليه.  إلاّ أن فقدان مصداقية الإعلام الوطني و اهتزاز صورته من اهتزاز صورة الدولة لديه في أدائها لوظائفها، و تكريسها للمبادئ التي كانت تدعو إليها منذ ذلك الوقت كحرية الرأي و الديمقراطية، و تفقد الدولة العملية الاتصالية السياسية بمجرد فقدان الثقة بالرابطة التي تربط النخب الحاكمة بالشعب.

        لم تتوقف عملية التشكيك السياسي بل تواصلت، رغم أن الصحافة المكتوبة خنقت مرة أخرى لما اختار قادة جدد لها من قدامى الصحافيين الجزائريين الذين اعتادوا على الرقابة الذاتية عند الكتابة          و سوف تمحى من الوجود الصحف التي لا تروق للحكومة و الحكام عن طريق احتكار المطابع         و الإعلانات...،ثم بمرور الصحف على لجان الرقابة قبل صدورها. لما شهدت تضييقا من طرف الحكومة،في ظل المجلس الأعلى للدولة،كتبت جريدة النيويورك تايميز هذا الإطار افتتاحية لها، الصادرة بتاريخ 24/07/1992، قائلة :

«قامت الحكومة بإغلاق ثلاثة صحف تابعة للج. إ.إ في شهر مارس، و المجلة الأسبوعية لوماتان اليسارية        و المقربة من جبهة التحرير الوطني. و اقتحم البوليس مكاتب صحفية الجزائر اليوم و جرى طرد المحررين منها وإغلاقها،.»(1).

و لما زاد تعرض مؤسسات الدولة و رموزها إلى القذف الإعلامي بعد التنديد و التشكيك المستمر لمنظمات حقوقية وطنية و أجنبية. و بعد لمس خطورة ذلك نص القانون الجزائري في المادة 144 بالمعاقبة بالسجن من 3 أشهر إلى 12 شهرا أو غرامة مالية من 50.000 د.ج إلى 250.000 دج أو بإحدى العقوبتين في حالات الإساءة إلى رئيس الجمهورية بالرسم أو الكتابة.

و أضافت المادة 166 عدم المساس بالبرلمانيين و أفراد الجيش الشعبي الوطني، و المجلس القضائية،  و الهيئات النظامية و العمومية أيضا. خاصة بعد ابتعاد بعض وسائل الإعلام لاسيما المكتوبة – التي عرفت تعددا واسعا في الساحة الإعلامية- عن خطها الأصيل و راحت تعمل في تصفية حسابات النخب الحاكمة و الزمر المختلفة، لارتباطها المالي بأجنحة ذات مصالح. لذلك كانت عامل مهدد لاهتزاز هيبة الدولة لدى المواطن الجزائري.

 

        و قد لحق التشكيك بـالوضع الأمني، لما زادت العمليات الإرهابية مستهدفة الأبرياء العزل، فلم تكن الصحافة المكتوبة الوطنية وحدها العامل المهدد بل زادت حدة التهديد لما راحت وسائل الإعلام الغربية المختلفة في توسيع دائرة الريب و الشك السياسي. لقد شككت وسائل الإعلام الغربية و لاسيما الفرنسية منها في من يقتل من؟ و في كثير من العمليات كانت تشكك في قدرات الدولة على المجابهة         و حماية أمن مواطنيها، و إما للتشكيك في تداخل الدولة مع عمل الإرهابي أي توجيه أصابع الاتهام إليها مباشرة في قتلها و إرهابها لمواطنيها، و ما زاد الطين بلة أن أغلبية المواطنين الجزائريين كانوا يتقبلون و يصدقون ما يأتيهم من الفضائيات منتقدين قلة المعلومات  و شح التحليل على القناة الوطنية، مما كان يدعم عدم رضا المشاهد الجزائري عن واقعه إجمالا.  

و أنسب مثالين على ذلك العمل الإرهابي الذي هزّ منطقة بن طلحة، و عملية اختطاف الرهائن           و اغتيالهم في تبحريين عام 1996 و الحلقات الإعلامية حول الموضوع التي استمرت لسنوات أحسن مثال لتوضيح الفكرة، فقد ظل الإعلام الفرنسي يبحث على الأدلة التي تأكد تورط الجيش الجزائري،  و رغم  النفي الرسمي الجزائري لذلك- و إن لم يكن مكثفا و بنفس الضخامة الإعلامية التي عرفتها الدعاية الفرنسية-، بل و رغم رحلة البحث و التحقيق الصحفي الذي كان وراءه الصحفي الفرنسي الأصل "ديـدي كنتــون"Contant) Didier) لأشهر عديدة في ولاية المدية، إلاّ أن الدعاية الفرنسية رفضت و تجاهلت كل ما وصلها من تحقيقاته، و كانت قناة كنال بلوس (canal+) و راءها بعض الصحفيين أمثال بابتيت ريفوار(J.Baptite Rivoire)  تأكد على أن رجال الأمن لهم دخل في مقتل الرهبان، و تبرأ الجامعات الإسلامية منه، و لعلّ نهاية الصحفي كنتون مباشرة انتحار انظر ذلك في جريدة الفيقارو الفرنسية بتاريخ 15/02/09-  بعد إتمامه لكتابة كتابه بخصوص الموضوع تدعوا للانتباه و الحذر الشديد في وقت تشهد العلاقات الجزائرية- الفرنسية توثرا و احتقان من جهة، و إلى صدق عامل التشكيك السياسي في ضرب هيبة الدولة.

       و إن كانت الإعلام الغربي قد بدأ في التشكيك في قدرة الدولة على حماية مواطنيها قبل بداية موجة العنف الإرهابي و قد صوّر حالة الجزائر في حالة نجاح الجماعة الإسلامية من خلال الأشرطة التلفزيونية التي كانت تتكرر على القنوات الأجنبية، عرض من خلالها حالة الأفغانيين و الإيرانيين في ظل الحكم الإسلامي لاسيما حالة المرأة، و عن حالات التشديد و القمع و كتم الحريات الشخصية... ،       و لم تتوقف عند هذا الحد بل كانت تأخذ برأي محللين سياسيين و رؤساء أحزاب سياسية معارضة لوجود دولة إسلامية على أرض الجزائر، و هو الشيء الذي قد يزيد تشتت الجزائريين و فرقتهم من جهة، و عدم الردّ الرسمي الجزائري على ما كان يعرض على هذه الفضائيات هو الآخر ساهم في تصديق كل ما يعرض لمواطنيها.

       و في إطار الانفتاح الإعلامي العالمي و ما ينجر عنه من منافسة لاسيما بين الآلاف من محطاته التلفزيونية الفضائية للاستحواذ على أكبر عدد من المشاهدين، و في ظل هذا التعدد و التنوع الشديد قد يكون التنافس مؤثرا سلبيا على الجماهير و الحكومات، في إطار تنافس الشركات التلفزيونية الخاصة لاسيما في إطار حرصها على تحقيق أهداف سياسية في إطار المنافسة الدولية على مناطق النفوذ ، و الحرب على الإرهاب، و الهيمنة و السيطرة و الغزو الثقافي لتكسير الهوية بكل ما تحمله من معاني بما أن الفضائيات الأجنبية تقوم على أساس الربحية و التجارة الصرفة، للعلم أن سوق الاتصالات تحكمه مئات الشركات المتعددة الجنسيات. كما أن تحرك الدول الراغبة في الهيمنة على مناطق معينة لم يعد تحركها مرهون بالآلة العسكرية و الحصار الاقتصادي، أنما أصبح مقترن بالتحرك الإعلامي – الثقافي أو ما أطلق عليه غزو العقول، على قول وزير الخارجية البريطانية الأسبق " دوغلاس هيرد" : "أن المعركة الفكرية هي التي ينبغي خوضها و تحقيق النصر فيها". و في إطار كل ما ذكر في هذه الفقرة يتضح أن التشكيك السياسي في قدرات الدول على الحفاظ على أمن        و سلامة مواطنيها، و التشكيك في سياستها المتبعة و في احترامها لحقوق الإنسان....، فإن لم تكن وسائل إعلام الدول المستهدفة نشيطة و قادرة على الرد في الوقت المناسب و بالقدر الكافي فإن هيبتها ستسقط في نظر مواطنيها أولا و في نظر الشعوب و الحكومات الأخرى ثانيا، و لعلّ إثارة التشكيك السياسي من طرف إعلامنا الوطني أولا – و لأغراض غير شريفة و مهنية -  ثم من طرف وسائل إعلام غربية بل و حتى بعض الوسائل الإعلامية العربية – قد تكون عادة ممولة من أيدي أجنبية-.

       2- التهكم و السخرية :

       إنّ وسائل الإعلام تستخدم السخرية عبر ما يسمى بالنكت السياسية أو استعمال أسلوب التلميح  و الغمز بشكل غير صريح.

       لا يمكن نكران قوة الصورة الكاريكاتورية على صفحات الجرائد و المجلاّت و المواقع  الالكترونية أو تلك التي تتناقلها الوسيلة الاتصالية كالهواتف النقالة عن طريق البلوتوت، من خلال الاستهزاء بـشخصيات مسئولة في الإدارات السياسية – دون ذكر الأسماء تحديدا- ، أو حتى تذكير المواطن بآلامه و مشاكله اليومية من خلال الأعمال الكوميدية كالسكاتشات و إن جلها هادفة إلاّ أن بعضها قد يزيد من الضغط النفسي، و الإحساس بضياع هيبة القائمين على الدولة.

       3-الترويج و التضخيم الإعلاميين :  

       عانت الدولة الجزائرية من ظلم الترويج الإعلامي لأفكار مناوئة لخطها السياسي على المستويين الداخلي و الخارجي، و أصبح وقع الترويج أكثر بروزا بعد أن غزت القنوات الفضائية جلّ البيوت الجزائرية، و من خلال الأفلام و الإعلانات أصبح المواطن الجزائري يقارن بين ما هو معروض و ما يجسد الرفاهية الاجتماعية التي تصورها القنوات الأخرى (الغربية و العربية) التي يعيشها مواطن آخر في دولة أخرى و هو الشيء الذي يزيد من سخطه على السياسات العامة المتبعة  و مخططيها.

        قد يصبح عامل الترويج دافعا يجعل المواطن يسلك سلوكا و يتخذ مواقفا غير سليمة تجاه النظام السياسي القائم، بعد عملية المقارنة السطحية بين ما هو معروض في القنوات الأجنبية و واقعه المعاش، و قد  يؤذي به الحال إلى اتخاذ سلوك غير سليم تجاه الأجهزة الحاكمة و القائمين عليها  غير مبال بوجود قيود قانونية و أخرى سياسية؛ لأنه لم يعد يهب دولته !

       عرفت ثمانينات القرن الماضي هذا النوع من محاولات المواجهة المباشرة من طرف المواطنين الناقمين لأعوان الدولة و هيئاتها و إلى كل ما يرمز إلى مستوياتها القيادية و كانت قسمات جبهة التحرير الوطني هي أولى الأماكن المستهدفة، و إن ترجع التفسيرات لحيثيات كثيرة و مختلفة باختلاف رؤى  الأخصائيين في شتى العلوم الإنسانية، إلاّ أن الترويج الإعلامي (قبل غزو الفضائيات) عبر الأفلام السينمائية و أشرطة الفيديو، جعل البعض يقارن و يحتقن، و البعض الأخر لم يكتف بالمقارنة السطحية و البسيطة، بل تمكن من السفر و زيارة بعض الدول الغربية و العربية. و بعد عودته   اتصالــه بالأهل و الأصدقاء و الزملاء أبهرهم بحديثه عن الحياة الرغدة للمواطن في تلك الدولة التي زارها مقارنا الوضع بحالة المواطن الجزائري... فحدث و أن عرفت عشرية الثمانينات اضطرابات كثيرة كالمظاهرات الشعبية التي عرفتها عدة ولايات منها عنابة وقسنطينة و بجاية والعاصمة عام 1981، وفي ولاية سعيدة العام الموالي، وفي أفريل من نفس السنة عرفت الجزائر مظاهرات شعبية أخرى في كل من وهران وسيدي بلعباس، ومعسكر وتلمسان ومستغانم وغليزان، وفي جانفي 1984 مظاهرات شعبية في تيارت، ومظاهرات في القصبة - للمطالبة بالسكانات - ومظاهرات أخرى في جوان 1985 ونوفمبر 1986 بقسنطينة وسطيف، إلى جانب الظاهرات  الطلابية( قام بها طلبة الثانويات) المنددة بالشروط المتدهورة للدراسة.

         يرى هارولد لاسويل في كتابه الدعاية و الرأي العام أن الدعاية السياسية تعتمد على أسلوب الترويج الإعلامي للرموز و الدلالات المؤثرة على السلوك الجماهيري، لتشكيل اتجاهات و التحكم فيها، حتى يكون رد فعل الجماهير المستهدفة هو نفس رد الفعل الذي يرغبه القائم بالدعاية(1). و قد امتد الترويج الإعلامي للمدارس الفكرية الغربية أو تلك التي يطلق عليها "تينك تانك" (THINK-TANK) الساعية اليوم إلى  إبراز مساوئ و عيوب الدولة الفاشلة(*) و في إبرازها للخصائص و السمات يتضح للمواطن أنها قريبة جدا من مواصفات الدولة التي يعيش فيها و ينتمي إليها، فيزداد مقدار تناقـص ثـقـته برهبة دولته وطنيا و خارجيا.

المرافق الدائم لعامل الترويج هو التضخيم الإعلامي للمواضيع المقصودة؛ أي المبالغة في عرضها حتى تكون من القضايا الأكثر بروزا، مصدرة الصفحات الأولى بمساحات إعلامية كبيرة. و هو من أشهر أساليب الدعاية السياسية استخداما لاسيما في حالة معانة الجهة المستخدمة من ضعف في المعنويات و عدم قدرتها على الرد بدعاية مضادة. إن يرافق التضخيم الترويج، فإن التضخيم جنب المراوغة و المناورة الإعلامية و السياسية التي تحتاج لقوة الذكاء في طرح موضوع بسيط و تضخيمه كإثارة العموميات على التفاصيل لموضوع معين.

و قد كانت وسائل الإعلام الغربية لاسيما القنوات التلفزيونية و الصحافة المكتوبة تساهم بقوة في تضخيم الأحداث التي كانت تشهدها الجزائر، فتخصص روبورتاجات و حصص تقدم الخبر                   و تضخمه، مباشرة بعد قطع المسار الانتخابي في الجزائر بداية التسعينات، و قد شرعت وسائل الإعلام الأمريكية بالتنديد باحتقار حقوق المواطن في إبداء رأيه و نشرت جلّ الصحف الأمريكية آنذاك قول رئيس الوزراء الشؤون الخارجية الذي أدلى به أمام غرفة النواب "الجيش الجزائري ينقصه احترام الانتخابات و حقوق الإنسان"(2).

و ركزت اتهامها على الجيش القامع للديمقراطية و لحقوق الإنسان، بل بررت لجوء المواطن للعنف بالترويج على صفحات جرائدها خلال عامي 1990-1991 بفكرة مفادها أن النخب الحاكمة في الجزائر المثقفة ثقافة فرنسية لم تحافظ على هوية الشعب الجزائري المسلم لذلك لجأ بعض من مواطنيها للعنف ضد الدولة... !.

      و لا شك أن الإعلام كان بوقا مساهما و لو بطريقة غير مقصودة في تضخيم العمليات الإرهابية، فغير في السلوكات و الاتجاهات السياسية، و في صنع الرأي العام الوطني و الدولي حول الدولة الجزائرية. و كانت للوسيلة الإعلامية سواء الوطنية أو الأجنبية دورا في أداء الدعاية المجانية للجماعات الإرهابية.  إنّ الظاهرة الإرهابية تعد من أشهر أنواع العنف السياسي المستخدمة للإعلام      و الاتصال لإيصال الرسالة التي تنويها بغرض تحقيق أهدافها منها نشر الرعب و الذعر بين المواطنين و في سرايا الأجهزة الحاكمة. و جري الصحفي وراء السبق الإعلامي هو الذي جعل أعمال المنظمات الإرهابية تحظى بالاهتمام، و من خلال العمال التي تنشر و تذاع تلمس تلك المنظمات النجاح في التخطيط و التنفيذ، فيزداد حماسها و شهوتها للقيام بمثل تلك الأعمال مرات عديدة بغرض التأثير في النفوس و استقطاب اكبر عدد إليها، و في هذا الصدد لم يخطأ " والتر لاكير " أن " الإعلام هو أفضل صديق للإرهابي" .

 طيلة العشرية السوداء (1992-2002) ظلت عامل التضخيم الإعلامي بالمرصاد للدولة الجزائرية و لعل ابسط مثال يمكن أن نقدمه هو الوصف المستــمر للازمة الجزائرية بالحرب الأهلـيــة La guerre civil) )، و تستخدم في ذلك أسلوب التكرار المستمر لصور بشعة ملتقطة من عمليات التفجيرات الإجرامية أو من عمليات التقتيل الجماعي عن طريق الذبح أو الحرق ....، و يعتبر التكرار من أساليب الدعاية يلعب دورا في تذكير المستهدف من جهة، و شعور الجمهور المستهدف بقوة الناقل للمعلومة و بالتالي الثقة فيها. و بث الصور المروعة كأنها تصور الإرهابي على أنه بطل مغوار         و هي ما تفسد السياسات الأمنية المتبعة من طرف الدولة الجزائرية بعد أن طمأنت النفوس لمدة من الزمن و تعود مجددا حالات اهتزاز هيبة الدولة لدى نفسية المواطن الجزائري كلما تجددت تلك الصور و المجازر....و هي عوامل تنجح إذا لقيت تعتيما إعلاميا كبيرا من الطرف المستهدف و على مستواه الرسمي بصفة خاصة.

فلقد أضحى البث الفضائي مركز ثقل مضاد للسلطة القائمة خاصة و أن عمليات بثه لا تخضع إلى قوانين متعارف عليها و لا يخضع لسلطات سياسية محددة، خاصة بعد عمليات الانفتاح الإعلامي       و سيطرة الشركات المتعددة الجنسيات عليه و محاولة تحويله لسلاح استراتيجي، فسلاح الإعلام تستخدمه الدول القوية لما لا تجد أسلوبا مباشرا و حكومة قابلة للرضوخ لمصالحها و أهوائها فتستعمله لإثارة الرأي العام الوطني و العالمي حول ظلم حكومة قائمة مصور بشاعة ظلمها لشعبها و قد تكون الصور محبوكة فنيا لا يستطيع إعلام الدولة المستهدفة تكذيبها لان وسائل إعلامه لا تضاهي الوسائل التي تستهدفه. فهي بذلك تهدف إلى زرع روح اليأس و الإحباط لدى المواطن و اهتزاز صورة الدولة الحامية لديه، آملة أن يفكر هذا الأخير في الانتقام من دولته لم تحقق له الأمان و العيش الكريم حتى تتغير النخب الحاكمة بمختلف الأساليب العنيفة المعروفة لانتقال الحكم (الثورة، الانقلاب، ...) و تبقى تترقب الدولة التي سلطت الوسيلة الإعلامية غليان الشعب و يمكن أن تدعمه في هده الحالة تدعيما ماديا حتى يخلصها، و في حالة عدم تحرك الشعب أو فشله في تغيير الحكام، سيبقى لها أن تزيد من أسلوبها الدعائي في إطار الترويج و التضخيم الإعلاميين لإثارة و كسب الرأي العام العالمي لتتمكن من التدخل باسم الإنسانية دون عراقيل و نجاحها من نجاح حربها النفسية، و هو شأن عديد من دول العالم الثالث خلال نهاية القرن العشرين و بداية القرن الواحد و العشرين، بل منذ منتصف القرن العشرين في إطار الحرب الباردة، لذلك كان يقال أن الاتحاد السوفيتي لم ينهزم بقنبلة نووية، هيدروجينية  و إنما من جراء قنبلة إعلامية (البث الإعلامي الفضائي الوجه ضده). و قد وصف وزير الخارجية الأمريكية الأسبق "جورج شولتز" ذلك عام 1990 لما قال : " تقنية البث المباشر أنجع من أسلحة نووية عديدة لغزو الكتلة الشرقية، و أن شعوب أوروبا الشرقية ثارت على الشيوعية لأنها تمكنت من التقاط برامج التلفزيون الغربي والأمريكي"(1)، و أكد الزعيم البولوني أن لولا البث التلفزيوني الفضائي لما حدثت الثورة البولونية(2). 

          4-الجوسسة الإعلامية :

        و إن كانت تقتصر الجوسسة في الماضي على المخبرين و العملاء و أجهزة المخابرات، فهي في الوقت الراهن تعتمد زيادة على ذلك على ما ترصده و تنقله الأقمار الصناعية للأجهزة المخابراتية، و يمكن لها أن تساهم في تسرب المعلومات إلى وسائل الإعلام بقصد أو بغير قصد معتمدة أساليب دعائية مستخدمة فيها الترويج و التضخيم الإعلاميين. و من الأمثلة القريبة زمنيا إلى واقعنا ما أطلقته وسائل الإعلام الغربية و نقلته الوسائل الوطنية بتاريخ سبتمبر 2009، لما كتبت عن مشروع نووي محتمل في الصحراء الجزائرية و اختيارها للوقت كان مناسبا و يحتاج لمزيد من الدعاية لتضخيم الحدث فـتـلقى طريقة للتوغل واضعة الخطر المرتقب على مصالحها الحيوية في المنطقة خاصة بعد رفض السلطات الجزائرية للقواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها. و يمكن أن تكون الجوسسة الإعلامية-الاتصالية ( من طرف وسائل أجنبية) نوع من أنواع التشويش المقصود بغرض تخويف المواطن و تهديد أمنه نفسيا لما يقارن بين قدرات الدولة التي ينتمي إليها، و قدرات الدولة التي تنوي التدخل لحماية مصالحها و رعاياها على أرضه، و يسترجع في الوقت ذاته شريط الأحداث الشبيهة بحالة بلده لما كشفت الأقمار الصناعية تسلحها و ما حدث لمواطنيها من جراء ذلك، يستنتج صعوبة        و خطورة الأمر، و نقص الثقة التي يحسسها على الصعيد الداخلي بينه و بين الأجهزة الحاكمة قد  تنتقل بسهولة إلى الصعيد الخارجي.

     كانت هي الطريقة ذاتها المستعملة في افريل 1991، لما كشفت وكالة المخابرات الأمريكية عن طريق أقمارها الصناعية و ما كشفه تقرير السفيرة «آن ماري كازي» Ann Mary Casey عن وجود مشروع نووي لشراكة صينية / جزائرية في الصحراء الجزائرية، و كانت وسائل الإعلام الغربية تأكد ذلك بعد إطلاق سلسلة من الإشاعات مفادها أن الصين تساعد الجزائر على صناعة القنبلة النووية مطالبة بإلغاء المشروع ... و تأكد في النهاية أنه سوى مشروع للطاقة الشمسية في منطقة عين وسارة، و يبقى الغرض واضحا هو تسويق الخوف و الفزع في نفوس الجزائريين، و بث الإحساس بعدم الحماية الكافية و الأمن العام، و الغرض الآخر هو عدم الوفاء بوعدها في تقديم مساعدة مالية للجزائر قدرها 5 مليار دولار لإعادة هيكلة الديون، مبررة ذلك تخوفها من تحولها لصناعة القنبلة الذرية.

        بتعدد الوسائل الاتصالية تعددت وسائل الغزو الاستخباراتي و تعتبر شبكة اشلون Echleon أكبر شبكة تجسس في العالم تترأسها وكالة الأمن القومي الأمريكية بالتعاون مع أجهزة استخبارات غربية  لرصد الفاكسات و المكالمات الهاتفية و الرسائل الالكترونية...، مشكلّة خطر على المواقع الالكترونية الحكومية خاصة و نحن في عهد جديد هو عهد الحكومات الالكترونية و الحاجة الماسة     و الكبيرة إلى أجهزة الحواسيب و الانترنت، ناهيك عن خطورتها في إتلاف الوثائق الرسمية في مختلف المستويات الحكومية عن طريق الفيروسات المنتشرة حتى في البرامج المفترض أنها حامية للحواسيب من الفيروسات !.      

        ما يمكن الإشارة إليه في هذا السياق و الذي يصيب و يهدد هيبة دولنا في العالم الإسلامي أجمع  و لا يقتصر على الدولة الجزائرية هو إتلاف مواقع الكترونية إسلامية إرشادية توجيهية، و إطلاق مواقع مشوهة لعقيدة الإسلام، و مصورة كل المواقع الإسلامية على أنها مواقع تدعيم للإرهاب  و للإرهابيين في العالم، و ما يمس الدين الإسلامي يمس دولتنا الذي يعد الدين الإسلامي  من أسسها و أعمدتها. فهو إن كان لا يهز بصورة مباشرة هيبة الدول العالم الإسلامي إلا أنه يهز من هيبتها على المستوى الخارجي، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر2001  لما أصبح كل مواطن من دولة تنتمي إلى العالم الإسلامي منظور إليه على أنه إرهابي و خطر على أمن الدول الأخرى، و ينظر له بعين الحذر و الحيطة و يرغم على التفتيش الصارم.     

         5- الإجرام الالكتروني :

       كما يحاول رجال العلم و الأمن الاستفادة من البحوث العلمية و من التقدم العلمي و التقاني، فالمجرمين أيضا يصبون لذلك في عصر ثورة المعلومات و التكنولوجيا المتطورة، و تبعا لذلك فانه من البديهي أن تظهر أنواع و أشكال جديدة من الجرائم – غير المعهودة- و انخفاض احتمالات انكشاف أمرهم. 

        و إن لا يعتبر جلّ فقهاء القانون الأضرار الناجمة عن الانترنت جرائم لاعتبارات قانونية عدة، إذ يصعب متابعة و كشف فاعليها و إقامة الدليل و الحجة عليهم، للكفاءة العالية في الاستخدام. إلا أن الأضرار الناجمة عن سؤ استعمال الانترنت تعرض حياة و ممتلكات الناس للهلاك، لذلك يمكن الإطلاق عليها و لو مجازا بالجرائم التي تتسم بالغموض الشديد. و لقد أصبحت مهددا حقيقيا بعد انتشار استعمالها الواسع في قاعات و فضاءات الانترنت ثم في الحواسيب الشخصية.

        تختلف جرائم وسائل الاتصال الالكترونية باختلاف الهدف المقصود، فمنها التي تصيب النفس البشرية عن طريق التهديد و الوعيد (إرهاب البشر)، و التي تستهدف الأموال و الممتلكات الفردية          و الجماعية، و تلك التي تستهدف بصفة مباشرة أو غير مباشرة الحكومة.

إن الإجرام الكتروني و باختلاف أنواعه المذكورة قد يكون عامل من عوامل اهتزاز هيبة الدولة لدى المواطن، لما يستفز عن طريق الانترنت من خلال مواقع أو رسائل بريدية تهديدية موجهة لبريده الالكتروني الخاص (و هو ما يحدث أيضا في الهواتف النقالة الشخصية) قد يكون الغرض منها الترويع فقط أو بغرض الحصول على معلومات سرية خاصة بأجهزة الدولة، أو لما يقع ضحية مواقع تستفز نفسيته و تستنزف ماله بعد إغرائه بسلعة – وهمية- أو مقابل عمل معين عبر ما يسمى بالتجارة الالكترونية ، كما تستخدم الوسيلة الاتصالية الالكترونية في غسيل الأموال و تبييضها و تزييف العملة         و المستندات و العبث بها، و كل هذه الأغراض إن لم تجابهها الأجهزة الحكومية فإنها ستؤثر سلبا على هيبة الدولة، لما يحس المواطن أنه في غير مأمن حتى في بريده الالكتروني، و هو لا يرى و لا ينتظر أحد سوى دولته الحامية الآمنة و فشلها في ذلك يعني اهتزاز هيبتها لديه لا محالة.

و إن يتعزز القانون الجزائري بنصوص تشريعية بصفة مستمرة لمجابهة أخطار الإجرام الالكتروني، منه النص التشريعي رقم 04/15 المؤرخ بتاريخ 10نوفمبر 2004، المعدل و المكمل لقانون العقوبات المادة مكررة 07 تحت عنوان المساس بالنسق الأوتوماتيكي للمعلومات.

        غدى الإرهاب الالكتروني الوسيلة الجديدة التي تلجأ إليها  المجموعات و المنظمات الإرهابية  لإرهاب المواطنين و الحكومات، كما غدى وسيلة لاستقطاب آلاف الشباب إلى صفوف تلك الجماعات  و المنظمات، و قد تم رصد حوالي خمسة عشر ألف موقع الكرتوني مخصص لهذا الغرض في العالم.

و لا يقتصر الأمر على مساعدة هذه الوسيلة الاتصالية في  الترويج للإرهاب و عملياته الهدامة.  إنما يمتد خطرها للترويج لتجارة السلاح و المخدرات، فقد وجدت مواقع خاصة بكيفية زراعة المخدرات        و شروط زراعتها و رعايتها  بالصوت و الصورة، و تبيان المكاسب المالية التي تنجر من هذه العملية.

فرغم الجهود المبذولة من طرف الأجهزة الرسمية في مكافحة الجريمة المنظمة و الفساد بكل أشكاله ، إلاّ أن الجرائم في تزايد و بالتالي تزايد الخطر على المواطن، و لذلك تبقى  الوسيلة الاتصالية سواء أكانت أقمارا صناعية أم هواتف نقالة أم انترنت عوامل عدم استقرار و عدم أمان و بالتالي عوامل إضعاف هيبة و سمعة الدولة لدى المواطن.

الخاتمة :

قامت وسائل الإعلام الأجنبية على أربعة أسس كانت عوامل لاهتزاز مكانة الدولة و هي: حجب المعلومة، التشويش، و التضليل و التضخيم الإعلاميين. و كانت الدعاية السياسية هي اليد المساعدة في ذلك. و لم تكن الوسيلة الاتصالية- الإعلامية الأجنبية وحدها عامل اهتزاز مكانة الدولة  و إنما كانت الداخلية هي الأخرى عاملا في اهتزازها. و ستتواصل عملية إضعاف هيبة الدولة لدى المواطن الجزائري بعد كل اعتداء متزايد على رموزها ، و قد تكون وسائل الإعلام  بوقا مضخما للحدث.

- نبيلة بن يوسف، إدارة أزمة العنف السياسي في الجزائر(1992-2002)، رسالة ماجستير،قسم العلوم السياسية، معهد العلوم السياسية و الإعلام،2004،ص 140.(1)

- غازي حيدوسي، الجزائر التحرير الناقص،(ترجمة:خليل احمد خليل)، بيروت: دار الطليعة للطباعة و النشر،1995،ص152.(1)

- المرجع نفسه ، ص 156. (2)

 (1) - محمد جلال كشك،الحوار أو خراب الديار ،مصر:مكتبة التراث الإسلامي،1992،ص 76

-  صفوت العالم، الدعاية الانتخابية،مصر: دار نهضة مصر للطباعة و النشر،2007، ص ص 53-54  (1)

- تعتبر هذه المدارس الدولة الفاشلة هي تلك الدول التي لا تستطيع مجابهة أزماتها الداخلية أم الخارجية، و لا إيجاد حلول للمشاكل المختلفة لاسيما على المستوى التنظيمي. و يقوم تصنيف الدول على أساس دراسة المؤشرات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية.

 (*)

(2)- Robert Mortimer, "les Etats unis Face à la situation algérienne", Maghreb- Machrek, N°149 , (Juill-sept) 1995, p 05.

  -اياد شاكر البكري، عام 2000 حرب المحطات الفضائية، عمان: دار الشروق ، 1999،ص 142.(1)

- المرجع نفسه، الصفحة ذاتها.(2)

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 88 مشاهدة
نشرت فى 21 أكتوبر 2012 بواسطة nabilabenyoucef

نبيلة بن يوسف

nabilabenyoucef
ســــيـــــــــــــرة ذاتــــــــــــــيــــــة : التفاصيل الشخصية : الاسم : نــبــيــلـــة اللقب : بن يـــوســف العنوان : باب الوادى _ الجزائر العاصمة . الجنسية : جـــزائـــــريــــــــــــة المؤهلات العلمية : _ متحصلة على شهادة بكالوريا ، دورة جوان 1995 بالجزائر العاصمة _ متحصلة على شهادة الليسانس في العلوم السياسية،فرع التنظيم السياسي والإداري سنة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

15,781