أن أى حضارة قد تشمل عدداً ضخماً من البشر مثل الحضارتين الإسلامية والصينية، أو قد تتضمن عدداً محدوداً مثل الحضارة الهندية القديمة أو حضارة السكان الأصليين فى أمريكا. فالحجم والعدد لا يحدان من القدرة على امتلاك ثقافة متميزة ومنفصلة أو انتماء حضارى مختلف عن الآخرين، دون أن ينفى ذلك وجود تباين فيما بين الحضارات يتصل بأهمية ووزن وتأثير كل حضارة على مسيرة الإنسانية سواء من منظور تاريخى أو فى المرحلة الآنية. كما أنه ليس للحضارات بدايات ونهايات واضحة المعالم، ويصدق الأمر نفسه على عدم وجود حدود قاطعة للحضارات لأنها مختلفة عن الدول بمعناها الحديث. وبما أن البشر من الذين يتولون تعريف - وإعادة تعريف - هوياتهم عبر الزمن الممتد، فإن مكونات ومحددات الحضارة قد تتغير عبر هذا الزمن دون تغير ثوابتها الأساسية وجوهرها الاصيل. وكما ذكرنا آنفا فالحضارات تتفاعل وتتداخل فى أحيان كثيرة، وبالتالى فإن المدى الذى تنشأ فيه الحضارات أو تختلف عن بعضها البعض يتغير بشكل مستمر، إلا أنه رغم ذلك فإن كل حضارة هى كيان قائم بذاته، والخطوط القائمة فيما بين الحضارات حقيقية بالرغم من أنها ليست دائما قاطعة.
وكما ان الحضارات تتصف بالديناميكية، تنمو وتسقط، فإنها أيضاً تتوحد وتتقسم. وهنا يصنف كويجلى سبع مراحل تمر بها كل حضارة: الاختلاط، الهضم، التوسع، الصراع، العالمية، التآكل، والتعرض للغزو، بينما تحدث ميلكو عن خمس مراحل هى شبه الاقطاعية ثم الاقطاعية ثم شبه نظام الدولة ثم نظام الدولة ثم الطور الامبراطورى. ومن جانبه تحدث توينبى عن نمط مختلف يعتبر نشأة الحضارة رد فعل لتحديات ثم المرور بفترة نمو تتضمن تعزيز السيطرة على البيئة المحيطة وهو ما ينتج عن فعل أقلية نشيطة وفعالة ومؤثرة، ثم يعقب ذلك زمن اضطرابات وقلاقل، يتلوه صعود دولة ذات صفة عالمية، ثم الوصول إلى حالة التفكك. وتقترب فكرة الأقلية النشيطة عند توينبى من فكرة الطليعة الثورية لدى لينين ومفهوم النخبة المؤمنة لدى سيد قطب مع الأخذ فى الاعتبار بالطبع الفارق بين الحضارى والسياسى والأيديولوجى.
ونقطة أخرى يتعين الإشارة إليها هنا هى أن الحضارات تولد وتنمو وتشيب وتشيخ وتموت، مثلها فى دورتها مثل حياة البشر، إلا أن الفارق هو أن الحضارة عادة ما تكون طويلة العمر مقارنة بالبشر، كما أنها قد تكون أكثر قدرة على التأقلم والتكيف مع الظروف المحيطة. ولهذا اكتسبت صفة التنظيم الإنسانى الأكثر استمرارية منذ فجر التاريخ البشرى، وهى تتجاوز النظم السياسية وأشكال الدولة المختلفة والتحولات الأيديولوجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعاقب الأجيال. ونتعلم من التاريخ أيضاً وجود حضارات جاءت كنبت من حضارات أخرى، والمثال الأبرز هنا هو ما يسميه البعض حضارة أمريكا اللاتينية والتى يرونها نتاجا من واستمرارا للحضارة اللاتينية الغربية، وكذلك ما يسمونه بحضارة أمريكا الشمالية التى يرونها فرعاً لحضارة انجلوساكسونية، علما بأن ما يسمى بحضارتى أمريكا الشمالية واللاتينية هما حضارتان قصيرتان جدا من جهة العمر مقارنة بحضارات العالم الأخرى.
كذلك فإن الحضارات تعانى من فترات توهج وإشعاع وفترات تراجع وانكسار، وأبرز مثال على ذلك الحضارة العربية الإسلامية. وهى حضارة بدأت طور نموها وتطورها بالنقل المكثف عن حضارات قائمة سابقة عليها أو معاصرة لها مثل الحضارات الفارسية والاغريقية والبيزنطية أو الرومانية الشرقية ثم الرومانية والهندية والصينية، ولكنه نقل واع وانتقائى ويخضع للمراجعة والإضافة والإثراء والتطوير الكمى والنوعى، ثم أسهمت لقرون طويلة فى مسيرة تقدم الحضارة الإنسانية واستقت من ينابيعها حضارات أخرى لاحقة لها فى مقدمتها الحضارة الغربية، ثم أصيبت بحالة ركود استمر عدة قرون قبل أن تحاول منذ القرن الثامن عشر جهودا متصلة للإحياء والانتعاش والتجديد.
ويكاد يوجد شبه اتفاق بين الأكاديميين من التخصصات ذات الصلة بالموضوع حول ما يمكن تسميته بالحضارات الكبرى فى التاريخ وتلك الموجودة فى عالمنا المعاصر، بالرغم من خلافهم حول إجمالى الحضارات التى وجدت عبر التاريخ الإنسانى. فقد تحدث توينبى على سبيل المثال بداية عن 21 حضارة ثم رفع العدد فى مراجعة تالية و أفكار ثانية له إلى 23 حضارة، بينما عدد سبنجلر ثمانى حضارات كبرى، بالإضافة إلى إسهامات أخرى تراوحت بين سبع و24 حضارة بحسب كل تصنيف والتعريف الذى تبناه. ويتوقف فارق العدد على الحديث عن أصول واحدة لحضارات مختلفة وبالتالى ردها إلى اصل حضارى واحد، مثلما هو الحال بالنسبة للحضارتين الصينية واليابانية، وينطبق الشئ نفسه على الحضارتين الغربية والأرثوذكسية. ونخلص من قراءات كثيرة إلى ان هناك 13 حضارة منها خمس مندثرة هى حضارات مصر القديمة، وبلاد ما بين النهرين، والاغريق، وبيزنطة، والهندية القديمة فى أمريكا، بجانب حضارات مازالت قائمة وهى الصينية واليابانية والهندية والاسلامية والغربية والأرثوذكسية والأفريقية وأمريكا اللاتينية، وسنعرض هنا بايجاز لكل من الحضارت الكبرى التالية الموجودة على الساحة العالمية حتى الان، وذلك بحسب التدرج التاريخى لنشأة هذه الحضارات:
المصدر: د. وليد عبد الناصر - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN16.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
284,461
مقالات مختارة
- النظـم الانتـخابيـة
- يعنى ايه القائمة الفردية .؟ ويعنى ايه نظام القائمة النسبيه؟ وازاى هتتحدد نتيجه الانتخابات ؟
- خصائص البرلمان - 1
- الاحزاب السياسية فى مصر - 1
- أصــل المجـتمـع المـدنــى-1
- البيئة الدولية واثر العولمة
- تطور المجتمع المدنى فى مصر-1
- مفهوم المشاركة الســيـاســـية - 1
- دور الشباب فى المشاركة السياسية - 1
- جذور غياب التسامح - 1
ساحة النقاش