ثامناً: الحضارة الأفريقية، تتعرض الحضارة الأفريقية للكثير من الجدل بشأن جدية وجودها من عدد لا بأس به من المؤرخين والعلماء الغربيين باعتبارها حضارة منفصلة وقائمة بذاتها، وذلك فى ضوء العديد من الاعتبارات. فهناك أولاً واقع أن شمال القارة الأفريقية وجزءاً مهماً من وسطها وشرقها هى أجزاء تنتمى تاريخياً ومازالت للحضارة الإسلامية، كما أن دولاً وكيانات جغرافية داخل القارة تمثل كل منها ادعاءً تاريخياً له ما يبرره لهوية حضارية قائمة بذاتها. وتبرز هنا الحالة الإثيوبية. كما أن عقوداً - بل فى بعض الأحيان قروناً- من الاستعمار الغربى قد أدت إلى التأثير ثقافياً ودينياً - ولو أحياناً على السطح - على شعوب بعض مناطق أفريقيا، خاصة فى سياق تنصير قطاعات من هذه الشعوب فى غرب ووسط وجنوب القارة، بل وفى شرقها أيضاً. وقد لعب المستوطنون الأوروبيون من هولنديين وبرتغاليين وفرنسيين وبريطانيين دورهم فى إيجاد تأثيرات ثقافية فى الأماكن التى استقروا بها فى القارة، كما كان للمستوطنين الهنود فى شرق وجنوب شرق وجنوب القارة دور مماثل، وإن كان أقل تأثيراً، وكذلك كان للمستوطنين اللبنانيين فى غرب القارة. إلا أنه بالرغم من كل هذه التأثيرات والاعتبارات، فقد بقيت حقيقة أن الغلبة فى أفريقيا -خاصة غير العربية- هى لانتماءات متداخلة من العرق والقبيلة واللغة، مع وجود شعوب أفريقية لديها قناعة بوجود تراث حضارى لها فى أزمنة بعيدة. بل أن عدداً من المفكرين الأفارقة روجوا لنظريات حضارية عامة تشمل الأفارقة عموماً أو قطاعات عديدة منهم، ونذكر هنا المفكر والفيلسوف الأفريقى الراحل رئيس جمهورية السنغال الأسبق ليوبولد سنجور ونظريته حول الحضارة الزنجية ودورها المحورى فى بناء الحضارة الفرعونية المصرية القديمة باعتبار الحضارة الزنجية أصل تلك الحضارة المصرية، وكذلك تأكيد مفكرين أفارقة آخرين على حجم وتميز مساهمة الشعوب الأفريقية فى إثراء وتطور الحضارات الأخرى، خاصة الحضارة الإسلامية، كما رأى رئيس غينيا الراحل أحمد سيكوتورى وشقيقه إسماعيل، أو فيما يتعلق بالتراث المسيحى. وفى الأزمنة الحديثة نجد من يبشر بهوية أفريقية ثقافية متميزة تستلهم ما هو مشترك من تقاليد قبلية إيجابية وإن كانت بدائية، بما فى ذلك ربطها بأيديولوجيات حديثة أو العقيدتين الإسلامية والمسيحية، وتحضرنا هنا أمثلة رئيس كينيا الراحل جومو كينياتا ورئيس تنزانيا الراحل جوليوس نيريرى. ويتعرض الغرب للاتهام باستمرار من جانب شمال أفريقيا العربى والمسلم بأنه يتآمر لتحريض أفريقيا جنوب الصحراء وتجميعها وتعبئتها فى إطار هوية وإن كانت مصطنعة تحت قيادة دولة غير إسلامية - مثل جنوب أفريقيا مثلاً- لفصل أفريقيا عن شمالها وإقامة حواجز مصطنعة بينهما خدمة لمصلحة الاستفراد الغربى بأفريقيا وثرواتها.
وفيما يتعلق بالعلاقة والتلاقى بين مختلف الحضارات، فإن ذلك يمثل واقعاً تاريخياً ثابتاً على الأقل منذ الألفية الثانية قبل الميلاد. وكانت هذه العلاقات أحياناً تتصف بالمحدودية أو بالكثافة أو بالحدة، وفى بعض الأحيان كانت غير موجودة. ويميل البعض إلى القول بأن العلاقات فيما بين الحضارات كانت فى مرحلتها الأولى أى الفترة من عام 2000 إلى عام 1500 قبل الميلاد هى أقرب إلى تلاقيات منها إلى علاقات باعتبار أن عاملى الزمن والمكان كانا يحدان من قدرة واستمرارية التفاعل فيما بين هذه الحضارات. فعلى سبيل المثال ندرت التفاعلات والعلاقات بين حضارات الفراعنة وبلاد ما بين النهرين والهند، والحضارة الهندية بالرغم من التواصل الجغرافى فيما بين الأقاليم الثلاثة. كما ساهمت محدودية وسائل المواصلات حينذاك فى الإقلال من هذه التفاعلات، إلا أن نتائج أبحاث أثرية وحفريات حديثة الاكتشاف تدل على ما يناقض هذه المقولة، سواء كان هذا التناقض يسرى على المقولة كقاعدة أو يرد عليها كاستثناء. فعلى سبيل المثال كانت العلاقة بين الفراعنة فى مصر وبلاد بونت فى الصومال تتصف بالانتظام والتواصل والاستمرارية وتستند إلى مصالح مشتركة، خاصة فى المجال التجارى. ويندرج تحت نفس العنوان العلاقة بين الفينيقيين على ساحل الشام مع مصر القديمة أو مع قرطاج فى تونس، وذلك دون الإشارة إلى بعض التقديرات غير المؤسسة بعد على أدلة علمية قاطعة بوجود علاقة وطيدة وتبادل خبرات بين الحضارة الفرعونية القديمة وحضارات شعوب أمريكا اللاتينية والوسطى والمكسيك فى نفس المرحلة الزمنية المشار إليها، كما سبقت الإشارة إلى مقولات بشان العلاقة بين الحضارة الفرعونية فى مصر وحضارة زنجية أفريقية المفترض أنها سابقة عليها ساهمت فى إثرائها.
المصدر: د. وليد عبد الناصر - موسوعة الشباب السياسية
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/Y1UN16.HTM
نشرت فى 13 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
284,102
ساحة النقاش