ان العولمة بشكل عام هى ذلك الشكل الجديد للحياة فى كل أنحاء العالم الآخذ فى التطور يوما بعد يوم، وهى عملية مستمرة ومتغيرة بمعنى أن شكلها الحالى ليس هو شكلها النهائى. والعولمة فى سعيها لصهر الزمان والمكان فى كل ركن من أركان الأرض، تحدث تغييرات هائلة فى أسلوب الحياة الذى عهدناه فى مختلف المجالات.
وتتداخل بشكل كبير تعريفات العولمة مع سياسات العولمة ومظاهرها على أرض الواقع فى مختلف جوانب الحياة من سياسة، واقتصاد، وثقافة، واتصال، وفن. وسياسات العولمة هى مجموعة السياسات التى تتبعها الدول والمنظمات، والشركات، والشبكات الفضائية، وغيرها، والتى تؤدى سواء عن قصد أو غير قصد إلى تذويب الحدود والقيود التى كانت من قبل تعوق الاتصال والتشابك العالمى فى كل المجالات وعلى كافة المستويات. فسياسات العولمة هى تلك المجموعة من السياسات التى تعمل على تحقيق الحرية الكاملة لانسياب وتدفق المعلومات، والمعاملات، وزيادة التشابه بين قيم وسلوكيات، وأذواق، وأسلوب حياة البشر فى جميع أنحاء الأرض، بغض النظر عن الحدود والفوارق بين الدول.

أولا : عولمة الاقتصاد:
لقد بدأت العولمة أول ما بدأت فى مجال الاقتصاد، فمنذ النصف الثانى من القرن العشرين اتبعت الدول المتقدمة سياسات لزيادة التبادل الاقتصادى وتحرير التجارة فيما بينها، وتم إنشاء المؤسسات والقواعد الدولية التى تنظم هذه المعاملات. وقد نتج عن هذه السياسات تدريجيا ظاهرة العولمة الاقتصادية كما نعيشها فى عالم اليوم.
وتعنى العولمة فى مجال الاقتصاد بشكل عام زيادة التبادل التجارى بين الدول، نتيجة لتخفيض وإزالة الرسوم والحواجز الجمركية وغير الجمركية، أمام انتقال السلع والخدمات. فليست هناك دولة تنتج كل الخامات والسلع والخدمات التى يحتاج إليها مواطنوها. ولذلك تبادلت القبائل والعشائر والدول منذ الأزل البضائع والسلع فيما بينها. وفى العصر الحديث توسع تبادل المنافع بين الاقتصادات المختلفة بشكل كبير، خاصة فيما بين الدول الغربية المتقدمة بعد الحرب العالمية الثانية.
ونتيجة لسياسات التحرير التجارى، أصبحت كل دولة أو مجموعة من الدول تتخصص فى إنتاج السلع والخدمات التى تستطيع إنتاجها بأفضل جودة وأقل سعر، وهو ما يعرف فى علم الاقتصاد بـالميزة النسبية، على أن يتم التبادل التجارى بين منتجات الدول المختلفة، لتحقيق أقصى كفاءة فى الإنتاج، وأفضل استخدام وتخصيص للموارد الاقتصادية للدول المختلفة.
وقد ازدادت هذه الظاهرة وتوسعت فى نهايات القرن العشرين، وأصبح يطلق عليها الاعتماد المتبادل، بمعنى أن كل دولة كانت تعتمد على غيرها من الدول لتوفير بعض حاجاتها الأساسية، والعكس صحيح.
ومع مرور الوقت، اتخذت العلاقات الاقتصادية بين الدول أشكالا جديدة تتجاوز التعاملات التجارية التقليدية، التى تقتصر على معاملات الدول مع بعضها البعض، وكانت مظاهر الاتصال والاندماج العالمى قد انتقلت من الاقتصاد إلى غيره من نواحى الحياة.
فإلى جانب التبادل التجارى بين الدول، تطورت أشكال جديدة من النشاط الاقتصادى عبر حدود الدول متمثلة فى الشركات العالمية، أو الشركات متعددة الجنسية. ويطلق على هذه الشركات متعددة الجنسية لأن رإسمالها يكون فى الغالب مملوكاً لأفراد ينتمون إلى دول وجنسيات مختلفة، كما أن نشاط هذه الشركات إنتاجا وتسويقا يمتد إلى أكثر من دولة. وفى الربع الأخير من القرن العشرين، اتجهت الشركات العالمية العملاقة إلى تخطى حدود دولها، وبدأت تفتح بعض فروع لصناعاتها أو تنقل بعض أجزائها إلى الدول النامية خاصة فى آسيا مثل تايوان وهونج كونج وكوريا، وسنغافورة، للاستفادة من العمالة الرخيصة هناك. وتهدف الشركات العالمية العملاقة من وراء ذلك إلى إنتاج السلعة بنفس الجودة العالمية ولكن بتكلفة أقل، لأن العمال فى الدول المتقدمة يتقاضون أجورا مرتفعة، ويعملون عددا محددا من الساعات، ولديهم نقابات قوية وفعالة للدفاع عن حقوقهم. ولذلك لجأت الشركات العالمية لنقل إنتاجها للدول الآسيوية لخفض تكلفة الإنتاج، وتوفير السلع بأسعار أقل. فأصبح من المألوف أن نجد منتجاً يحمل ماركة أمريكية مثلا لكنه مصنوع فى تايوان، وذلك ابتداء من الملابس والأحذية وحتى الأجهزة الكهربائية والإلكترونية.
وقد تطور نشاط هذه الشركات العالمية من افتتاح فروع لمصانعها فى الدول النامية، إلى تقسيم صناعة المنتج النهائى إلى عدة عناصر، يتم إنتاجها فى المناطق الدول التى تتوافر فيها أكفأ ظروف للإنتاج، وتصب فى النهاية فى صناعات تجميعية للمنتج أو السلعة النهائية، بحيث يبدو العالم كمصنع واحد كبير، وسوق واحدة متسعة. كما تستعين هذه الشركات العالمية بالكفاءات اللازمة من مختلف الجنسيات، وتعتمد فى تمويل نشاطاتها على المدخرات العالمية فى البنوك الدولية.
وقد تضاعفت قوة وحجم مبيعات الشركات العالمية فى العشرين سنة الأخيرة، حتى بلغ حجم مبيعاتها السنوية مئات البلايين من الدولارات. وتفوق القوة المالية لبعض هذه الشركات القوة الاقتصادية لبعض الدول، فمبيعات شركة سونى السنوية تساوى الناتج المحلى لمصر، بينما تتجاوز المبيعات السنوية لشركة آى بى إم مجموع الناتج المحلى لكل من دولتى تشيلى وكوستاريكا، ويساوى دخل شركة كوداك الدخل القومى لدولة بورما.
وهذه الشركات العالمية العملاقة أصبحت تتمتع بمكانة فى التجارة الدولية تضاهى وأحيانا تفوق مكانة الدول، فهى مسؤولة الآن عن أكثر من 60% من التجارة الدولية، وتسيطر هذه الشركات العالمية على 33% من أصول الإنتاج العالمية وعلى 75% من الإمكانات العالمية المخصصة للبحث والتطوير فى المجالات المدنية. فلم يعد الإنفاق على التطوير العلمى والتكنولوجى حكرا على الدول والحكومات، وإنما فرضت المنافسة بين الشركات الكبرى أن تتبنى تلك الشركات برامج مستمرة للتطوير التكنولوجى، حتى تتمكن من تحسين منتجاتها وابتكار المنتجات الجديدة التى تلائم احتياجات السوق. وتقوم الشركات العالمية العملاقة بتوظيف ملايين الموظفين بشكل مباشر عبر فروعها فى العالم، بالإضافة إلى الوظائف التى توفرها من خلال التعامل مع الموردين والمقاولات المحلية فى الدول المختلفة.
وإلى جانب عولمة الإنتاج والاستهلاك، ظهر بُعد هام جدا للتفاعلات العالمية فى مجال المال والأعمال، ويتمثل فى وحدة الأسواق المالية الدولية، والتأثير المتبادل بين البورصات العالمية. ففى بناية واحدة فى نيويورك، يقوم نظام إلكترونى يمكن أن يحرك مئات المليارات من الدولارات حول العالم يومياً. وهذه الصفقات والمعاملات آخذة فى الربط بين قرارات ومقدرات الناس فى مختلف أنحاء الأرض بصورة لم يسبق لها مثيل.
واليوم أصبحنا نلمس الأهمية المتزايدة التى يلعبها الاستثمار الأجنبى فى اقتصادات الدول، فقد أصبحت معظم الدول النامية حريصة على إتمام الإصلاحات اللازمة فى اقتصاداتها الداخلية لاجتذاب الاستثمار، أو رأس المال الأجنبى لتمويل ودفع التنمية، وهو ما يربط فرص التنمية لدى معظم الدول، خاصة النامية، بالقرارات، والاستثمارات العالمية.

 

 

المصدر: أ/ هناء عبيد - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN54.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 114 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,155