3 - الدول الفقيرة والنامية :

يرى أنصار العولمة أن الاعتقاد الشائع بأن اقتصاد العولمة يخدم مصالح الدول الغنية على حساب الدول الفقيرة، هو اعتقاد مبالغ فيه، ويتسم بالتعميم والتبسيط. فدلالات تحرير التجارة بالنسبة للدول النامية، مركبة وليست بهذه البساطة.
فى قضية العمالة مثلا، تخشى الطبقات العاملة فى الدول المتقدمة من منافسة العمالة المدربة ذات الأجور المنخفضة فى الدول النامية، وهذه بالفعل ميزة متوافرة للدول الأقل دخلا بشرط توافر التدريب والمهارات اللازمة. ففى بداية السبعينيات من القرن العشرين استطاعت اليابان وكوريا الجنوبية وهونج كونج وتايوان وسنغافورة ومؤخرا الصين وبدرجة أقل البرازيل أن تغزو أسواق العالم بمنتجاتها الصناعية وبأسعار منافسة بسبب ما توفر لها من تكنولوجيا مرتفعة مع عمالة رخيصة. هذه الدول نجحت فى استغلال حرية التجارة فى ظل العولمة لصالحها بسبب تفوقها فى إنتاج المنسوجات والجلود، بل وبعض الصناعات الحديثة مثل الصلب والسيارات والمنتجات الإلكترونية. وقد تفوقت تلك الدول فى الإنتاج بحيث أصبحت تنافس الدول الصناعية فى عقر دارها.
من ناحية أخرى، فإن الغرب، أو الدول المتقدمة بشكل عام، ليست كتلة متماسكة تسعى فى جهد منظم لفرض سيطرتها على العالم الثالث من خلال العولمة كما يتصور البعض، فالمصالح والمنافسة الاقتصادية فى ظل العولمة حولت أصدقاء وأعداء الأمس إلى متنافسين.
ومن أمثلة الخلافات الاقتصادية الحادة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى مفاوضات تحرير التجارة، قضية تحرير تجارة المنتجات الزراعية. ففى حين تسعى الولايات المتحدة إلى تحرير التجارة فى تلك المنتجات ومنع تقديم الدعم للمزارعين، ترفض دول الاتحاد الأوروبى ذلك وتصر على تقديم المعونات والدعم للمنتجين الزراعيين، باعتبار السياسة الزراعية، والظروف المعيشية للمزارعين فى الاتحاد الأوروبى، هى أمور ذات دلالة وأهمية اجتماعية، ولا يمكن إخضاعها لاعتبارات السوق العالمية.
والاختلاف والمنافسة فيما بين الدول الغربية لا يقف عند حد المفاوضات التجارية، وإنما يمتد لجذور ثقافية وشعبية. وقد قام مؤخرا رئيس نقابة الكونفيدرالية الزراعية فى فرنسا بمعاونة بعض زملائه، بتخريب أحد فروع سلسلة مطاعم ماكدونالدز الأمريكية فى شهر أغسطس عام 1999، واستقبله المتظاهرون من الفرنسيين استقبال الأبطال. وقد تم تخريب المطعم على أثر فرض الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات على بعض المنتجات الزراعية الفرنسية، نتيجة لرفض فرنسا استيراد الأبقار الأمريكية المغذاة بالهرمونات.
هذه وتلك مجرد أمثلة بسيطة على حجم الخلافات بين الدول حول تحرير التجارة، وقد تتفق مصالح بعض الدول النامية فى قضية معينة مع هذا الطرف أو ذاك، ولا يوجد تعارض تام ومستمر بين مصالح الدول النامية والدول المتقدمة، كما يصور رافضو العولمة.
4 -
العولمة والمنافسة:
يرى أنصار العولمة ان المنافسة فى ظل العولمة هى أكثر من مجرد حروب قطع الرقاب بين عمالقة المال والأعمال. وهناك مثال الاتحاد السوفييتى السابق ودول أوروبا الشرقية التى منعت المنتجات المستوردة من الدخول إلى أسواقهم المحلية، أو بعبارة أخرى حمت منتجها من المنافسة الأجنبية، ولكنها لم توفر الحافز أمام المنتجين للتطوير والتميز، ولذلك تخلفت تكنولوجيا الإنتاج فى هذه الدول كثيرا عن مثيلاتها فى الدول الغربية.
فالمنافسة هى خبرة مستمرة تنتج بالممارسة الفعلية قيما عصرية مثل أهمية الموارد البشرية والإيمان بالعمل، وما يتبع ذلك من المثابرة والتحلى بروح البحث والاستكشاف والتجربة، والمثابرة والمغامرة وحب التجديد والتخطيط المستقبلى المستمر، واحترام الوقت، ومرونة اكتساب المهارات الجديدة، والقدرة المستمرة على ممارسة النقد الذاتى، وغيرها من القيم الهامة للنجاح فى عالم المنافسة العالمية.
وتوجد فى العديد من الدول خاصة الدول المتقدمة، قوانين لضبط المنافسة وحماية حقوق المستهلك، ومنع تحول المنافسة على أرض الواقع إلى منافسة احتكارية.
ففى الولايات المتحدة الأمريكية صدرت أحكام قضائية قبل عدة أعوام ضد شركة أى تى أند تى للاتصالات، وذلك لاتباعها أساليب احتكارية تضر بالشركات المنافسة، وبحقوق المستهلكين. ومؤخرا صدر حكم قضائى مماثل فى مواجهة شركة مايكروسوفت للكمبيوتر لنفس الأسباب، حيث كانت شركة مايكروسوفت تربط تشغيل منتجاتها ببعضها البعض، وبالتالى يضطر من يحتاج إلى شراء بعض البرامج التى تتفوق فيها مايكروسوفت إلى شراء منتجات أخرى، قد تقدمها شركات منافسة بجودة مماثلة وأسعار أقل. ولذلك صدر الحكم القضائى بتفكيك شركة مايكروسوفت إلى شركتين، لمنعها من الممارسات الاحتكارية التى تضر بحقوق المستهلك والمنافسين الصغار.
وهناك جمعيات خاصة لضمان حقوق المستهلك فى مواجهة الاحتكار فى العديد من الدول، وتتمتع هذه الجمعيات بثقل كبير فى التأثير على السياسات العامة خاصة فى الدول المتقدمة، حتى أن رالف نادر وهو رئيس جمعية هامة لرعاية المستهلك فى الولايات المتحدة الأمريكية، قد رشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة لخلافة الرئيس بيل كلينتون.
ولكن المشكلة تظل أنه لا توجد تشريعات مماثلة للتشريع الأمريكى المقاوم للاحتكار فى كل دول العالم، وحتى فى حالة إقرار قوانين مضادة للاحتكار فى كل دولة من دول العالم، فالمشكلة سوف تستمر لأن نشاط الشركات العالمية يمتد على نطاق العالم أجمع، بينما القوانين المناهضة للاحتكار تعمل - فى حالة وجودها - على نطاق الدولة فقط، مما يتطلب ابداع حلول، ووضع قواعد تعمل على نطاق العالم ككل لمواجهة مشكلات العولمة.
من ناحية ثانية فإن، المشاركة السياسية فى معظم دول العالم الثالث ليست بالنضج الكافى، بحيث تعطى جمعيات حماية المستهلك الثقل الذى تحظى به فى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، مما يعقد على أرض الواقع من الحلول النظرية الممكنة لمكافحة الاحتكار، أو حتى تلك الحلول الممكنة فى مناطق أخرى من العالم.
5-
العولمة والعنف :
يرى أنصار العولمة أنها أصبحت تنسب إليها كافة المشكلات والشرور. فالجريمة المنظمة، والمافيا الدولية سابقة على العولمة الحديثة. وإذا كانت حرية الانتقال، وسهولة التنظيم فى عصر العولمة قد سهلت عمل الجريمة عبر الحدود الدولية، ونقلتها من المحلية إلى العالمية، فإنها تسهل فى المقابل التنسيق بين الدول لإرساء القواعد العالمية واتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الجريمة على النطاق العالمى.

 

 

المصدر: أ/ هناء عبيد - موسوعة الشباب السياسية http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/YOUN57.HTM
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 149 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة mowaten

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,489