عندما نستخدم تعبير النظام في السياسة ، نشير الي أمرين في وقت واحد : أولهما هيكل أو بناء معين يتكون من طرف أو أطراف تمارس أدوارا أو وظائف محددة. ويشير هيكل النظام الحزبي إلي الأحزاب القائمة عندما يكون هيكل النظام متعددا، أو الحزب الحاكم الوحيد عندما يكون هيكل النظام أحاديا . ولذلك نتحدث عأمة عن نظام تعدد حزبي ونظام حزب واحد. أما نظام الحزبين فهو نوع من أنوع نظام التعدد الحزبي عندما يكون هناك حزبان كبيران رئيسيان بينما بقية الأحزاب صغيرة.
أما الأمر الثاني، فيما يتعلق بمفهوم النظام فهو التفاعلات أو العلاقات التي تحدث بين أطراف أو وحدات هذا النظام من ناحية، وبينه وبين النظم الأخري في المجتمع من ناحية ثانية.
ونركز هنا علي ما تعرفه النظم السياسية المعاصرة من تنوع في أنماط النظم الحزبية والتي تتراوح بين نمط الحزب الواحد، الي تعدد الأحزاب بتطبيقاته المختلفة.
وفي حقيقة الأمر فإن دراسة أنماط النظم الحزبية الحديثة ، وتتبع نشأتها ومراحل نموها وتطورها ، والظروف المصاحبة لها، ينبغي ألا تاخذ شكل عملية حسابية بسيطة، قوامها جمع للمزايا وطرح للمساوئ للوقوف علي أفضل نمط للنظام الحزبي لأن هذه الطريقة الآلية من شأنها أن تتغافل عن حقيقة أن هذه المزايا أو تلك المساوئ إنما تكتسب هذه السمة في تفاعلها مع الظروف التي يجري فيها تطبيق نمط الحزب الواحد أو تعدد الأحزاب. فالديمقراطية ببساطة شديدة ليست عملية نمطية كمسائل الحساب أو التجارب العملية بحيث تكون قابلة للنقل بصورتها، وإنما الديمقراطية شئ مختلف تماما لأنها ترتبط بظروف المجتمع وحاجاته وتجربته التاريخية ونفسيته الجماعية وطموحه العام وما الي ذلك من العوامل المحددة لنجاح أو فشل نمط معين للنظام الحزبي في مجتمع معين، وفي مرحلة تاريخية معينة وعلي ذلك يمكن القول بأن أفضل نمط للنظام الحزبي هو ذلك النمط الذي يتلاءم مع ظروف المجتمع .
لقد غدت قضية الديمقراطية وثيقة الصلة بما حققه الانسان من تطور في حياته السياسية والاجتماعية أكثر من كونها مرتبطة بمفاهيم ثابتة أو جامدة قد تكون بعيدة عن حقائق الحياة. ويجدر التنويه بأن هذا لا يعني ما يذهب اليه البعض من تطرف في تقدير خصوصية كل مجتمع بما يحتم ان ينفرد كل بلد بديمقراطية خاصة به .
أولا : النظام الحزبي والتجربة التاريخية :
إن إنتهاج مجتمع معين لطريق تعدد الأحزاب أو الحزب الواحد هو محصلة تجربة تاريخية اجتازها هذا المجتمع وشكلت معالم طريقه في هذا السبيل .
1 - التجربة التاريخية وتعدد الأحزاب :
نشأ نمط تعدد الأحزاب وتطور وأخذ صورته الراهنة في مجتمعات رأسمالية متقدمة صناعيا واجتماعيا وثقافيا ، وهي مجتمعات شهدت آثار الثورة الصناعية واقتصاديات السوق ونظريات المنافسة الاقتصادية. وفوق ذلك وجدت فيها طبقة وسطي عريضة، شاركت في هذه الحضارة الصناعية علي أساس مفاهيم جديدة. ومن ثم كان نمط تعدد الأحزاب وليدا طبيعيا لمجتمع حديث صناعي سمحت ظروفه بالتطور التدريجي البطئ. وفي مسار هذا التطور تشكل رأي عام قوي مستنير أصبح دعأمة هأمة تستند اليها الديمقراطية الليبرالية القائمة علي تعدد الأحزاب والحرية الفردية ولذلك فليس من الغريب أن ترتبط نشأة الأحزاب - كما سبق توضيحه - بتطور البرلمانات والتوسع في حق الاقتراع العام ، وبروز الأنظمة النيابية.
وفضلا عن ذلك فإن نمط تعدد الأحزاب في إطار الديمقراطية الغربية، لم يأخذ شكلا واحدا ثابتا، وإنما تواءم مع معطيات التجربة التاريخية . ومثال واضح لذلك هو تطور النظام الحزبي في الولايات المتحدة الامريكية. فمن المعروف ان الآباء المؤسسين للجمهورية الامريكية لم يكونوا يميلون الي تشجيع الأحزاب السياسية. ولم يتضمن الدستور الأمريكي أي اشارة الي الأحزاب السياسية. وفي الفترة الأولي لتكوين الجمهورية الجديدة، لم يكن بها سوي حزب واحد هو الحزب الفيدرالي ، ثم بدأ توماس جيفرسون في تكوين الحزب الديمقراطى - الجمهوري ( الحزب الديمقراطى حاليا ) . وكان انتخابه الرئيس الثالث للولايات المتحدة ، (1801 - 1808) من خـلال تنافـس حـزبـي وكان جـيفرسون بـذلك هو أول الـرؤسـاء الديمقراطيين . ويلاحـظ أن الرئيس جيفـرسون عندما حدد ســمات الديمقراطية الأمريكية في أول خطاب تاريخي له يوم توليه الرئاسـة لم يذكـر ضمن هذه السمات تعدد الأحزاب وذلك علي الرغم من شمول حديثه للعديد من المظاهر الأساسية للديمقراطية الليبرالية، وإنما أشار بوجه عام إلي حق المواطنين في تغيير حكوماتهم عن طريق التصويت أو التأثير علي سياسة هذه الحكومة من خلال ضغط الرأي العام. كما أنه لم يذكر حرية التنظيم عندما عدًّد حريات الأفراد التي حددها بحرية الكتابة والكلام والاجتماع. ومع ذلك لم يمض وقت طويل حتي تطور النظام الحزبي الامريكي في طريق التعدد، وحدث الاستقطاب بين حزبين كبيرين علي النحو المعهود الآن، وهما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري.
ودلالة ذلك ، أن نمط تعدد الأحزاب تأثر بخصوصية الوضع في الولايات المتحدة تماما كما حدث للديمقراطية الغربية - الأوروبية - لدي إنتقالها الي أمريكا حيث اصطبغت باللون المحلي فاتخذت طابع النظام الرئاسي وطابع الحرص علي اللامركزية واستقلال الولايات وطابع التوازن بين الفئات والأجناس والأديان المختلفة التي هاجرت الي أمريكا . وقد حدث ذلك في ظل ظروف مواتية لتطبيق الديمقراطية الليبرالية التي وجدت فرصة للازدهار حيث كانت الرأسمالية الأمريكية آنئذ في مرحلة الصعود والنمو .
هذا في حين أن انتقال هذا النمط من الديمقراطية الي بلاد لم تمر بالمراحل التي مرت بها الحضارة الغربية قد لقي صعوبات كبيرة.
ومن ناحية أخري كان للتجربة التاريخية تأثير هام علي أداء النظام في ظل تعدد الأحزاب. فيمكن التمييز بسهولة بين نظم تعدد أحزاب مستقرة مثل سويسرا والدول الاسكندنافية ونظم تعدد أحزاب غير مستقرة مثل ايطاليا وفرنسا في عهد الجمهورية الرابعة علي سبيل المثال، وكذلك يمكن التمييز بين نظم حزبية تقوم علي احتمال تغير الحزب الحاكم مثل بريطانيا ونظم اخري توفر سيطرة حزب واحد لمدة طويلة ، مثل الحزب الديمقراطي المسيحي في إيطاليا والحزب الديمقراطي الليبرالي في اليابان عقب الحرب العالمية الثانية.
ساحة النقاش