الأسرة مؤسسة تربوية وتنموية أنشأها المجتمع في المقام الأول لكي تكون شركة إنسانية قبل أن تكون منشأة اقتصادية أو مالية ، لذا فإنه ليس من قبيل المصادفة أن يجعل النبي "صلى الله عليه وسلم " من أسس الاختيار الناجح لشريك الحياة الخلق والدين ، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم " إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. " ( أخرجه ابن ماجه )
مع استعراضه لأسس الاختيار الأخرى الموجودة في واقع الناس وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم " تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها: فَاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ " ؛ ( أخرجه مسلم )
ولكن لماذا تغليب الاعتبارات الخلقية كأحد أسس بناء البيت وإعداده دون غيرها من الاعتبارات المادية المشار إليها ؟
لأن الاعتبارات الأخلاقية هي التي تفيد في تعامل الزوجين مع بعضهما ومع الأبناء ومع الأقارب والأصهار .
كما أن الأخلاق بيد الإنسان أن يتحكم فيها ويزيدها على عكس الحسب أو الجمال فهي اعتبارات ليست بيده في معظم الأحوال .
كذلك فإن تغليب الاعتبارات المادية وجعل المادة هي أهم شيء في حياة الأبناء يؤدي غالبا إلى الصراع بينهم وإلى عدم التماسك داخل الأسرة .
وربما يكون ذلك أحد أسباب التفكك الأسري وضعف العلاقات العائلية داخل بعض المجتمعات الغربية وبخاصة عند كبر سن الأبوين ، فقد ضعف الجسم وقل الدخل بينما أصبح الابن قادرا على الكسب وهو يعامل والديه بالمنطق المادي الذي ربوه عليه ، لذا فإنه يودعهم في إحدى
دور المسنين أو يتركهم داخل شققهم وربما يموتون ويتعفنون ولا يشعر بهم أحد ، :
ورد في مجلة البيان (عدد 276) ما نصه: (ومن إفرازات هذه الأنماط المعيشية نشوء «الفرد المتجاوز»؛ وهو الشخص الذي يفكر باحتياجاته على حساب شخص آخر؛ حتى وإن كان أحدَ أفراد أسرته، كما نوَّهت إلى ذلك منظمة «جوزيف راوند تري»[5].
ولذلك فإنه ليس من المفاجئ أنه عند بلوغ كثير من مثل هـؤلاء الآبـاء والأمهــات سِنَّ الشـــيخوخة، لــن يجـدوا ما يحتاجونه من مشاعر حانية من قِبَل أولادهم الذين لن يكترثوا كما ينبغي بشأن آبائهم، ولن يستهجنوا أمر تَرْكِهِم تحت رحمة دور رعاية المسنين، التي لا يخلو كثير منها من تجاوزات وسوء معاملة، ناهيك عن افتقادها لما يعوِّض مثل هؤلاء عما يحتاجونه من مشاعر العطف العائلية الحقيقية. وهكذا تتمثل مقولة: «عقُّوهم صغاراً فعقُّوهم كباراً».
ومن الظواهر المألوفة في المجتمع الغربي أن يترك الأولاد بيوت آبائهم عند بلوغهم سنَّ الثامنة عشرة أو قريباً من ذلك، للاستقلال في مسكنهم ومعيشتهم؛ ففي بريطانيا - مثلاً - يحق للأفـراد الذين تجاوز سنهم 16 سنة أن يطلبوا المعونة من الجهات الحكومية المخوَّلة بمنحهم المساعدات المالية لدفع تكلفة سكنٍ مستأجَرٍ، وحتى إن كان ذلك دون موافقة آبائهم؛ حيث لا ولاية للآباء عليهم بعد تلك السن.
وقد اكتشف الخبراء وذوو الاختصاص من أطباء نفسيين وغيرهم – مسـتندين إلى إحصاءات ودراسات بحثية – أن ظاهرة التفكك العائلي، وهذا المدَّ الجارف من الأنانية التي تحكمها الماديات لها في واقع الحال تأثيرات مُخِلَّة على الأطفال. وهو الأمر الذي حدا بالعقلاء في عموم المجتمع إلى السعي إلى عكس السياسات التي كان كثير منهم يتفانى في ما مضى لتحقيقها).؛
فليكن تقديم الاعتبارات الأخوية والأخلاقية هو فيزة التعامل بيننا وبين الأبناء بعضهم البعض داخل بيتنا وأسرتنا ، والعملة الأكثر تداولا بيننا وبين الناس ، وإن أخر ذلك أحيانا بعض المنافع المادية فالمصالح المادية قريبة منتهية والاعتبارات الأخوية أو الأخلاقية أو الإنسانية هي الباقية والدائمة وهي التي من المهام الأساسية للأسرة تغذيتها وترسيخها.
وتذكر دائما أنك عندما تصنع من ابنك إنسانا فسيكون إلى جوارك في كل فترات العمر، وحين تصنع منه كاشيرا فسوف يتخلى عنك حين لا تكون له موردا للمال أو الدخل، هكذا علمتنا تجارب الحياة.
مع خالص تحياتي.
ساحة النقاش