عندما تداعب نفوسنا نسمات شهر رمضان المبارك
وحين نعايش أجواءه المفعمة بالدعاء والإيمان
وعندما نرى مظاهر الاحتفال به في الكثير من البلدان،
فإنه يخطر بالذهن العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام، ومنها:
لماذا كل هذه الحفاوة بهذا الشهر الكريم؟
وما سر هذه البهجة والحيوية التي تلحظها لدى الكثير من المسلمين؟
حتى يخيل إليك أنك في عرس أو مهرجان:
فالأنوار والزينات ترصَّع بها المساجد والمآذن،
والألعاب وأشكال الفوانيس تستهوي الكبار قبل الأطفال،
وزينات والأنوار على واجهات البيوت والمحال،
وموائد الرحمان تنتشر في كل مكان،
وتلحظ عشرات الفوازير والمسلسلات التي تتنافس في تقديمها مختلف وسائل الإعلام.
والعديد من المسابقات التي تقوم بها المؤسسات والهيئات،
وترى زحاما على متاجر الحلوى والطعام،
وإقبالا على المساجد في مختلف الصلاوات وفي التهجد والقيام،
وتنافس وتسابق في شتى ألوان الخير والطاعات
وزيارات وعزومات وسهرات وخيام،
رغم أنه في هذا الشهر يحدث امتناع عن الطعام والشراب والشهوة في نهار رمضان،
فما سر هذه الحفاوة البالغة؟
ولماذا تلك الفرحة الغامرة؟
في بلدان العالم الأسلامي ولدى الأقليات والجاليات المسلمة.
يعطينا القرآن الكريم السبب الأول لهذا الاحتفال وذلكم المهرجان فيقول:
(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان...) (البقرة: 185)فهذا الشهر يستمد بهاءه من عظمة الكتاب الذي أنزل فيه،
بل والليلة تستمد قدرها من عظمة ما أنزل فيها:
(إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر) (القدر: 1-2).وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن: كما يخبرنا سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) (متفق عليه).
فما أحوجنا أن نقرأ ونتذوق ونتدارس هذا الكتاب العظيم.
ويشير الحديث القدسي الجليل إلى سبب آخر وهو دخول المؤمن في علاقة خاصة مع ربه تستوجب جزاءا متفردا: يقول الرب الودود:
(كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به... يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) (أخرجه البخاري).وحين يفعل المؤمن شيئا أو يترك شيئا من أجل الله يحس بلذة روحية وراحة نفسية تزداد كلما استشعر أنه يدخل في علاقة متفردة مع خالقه القادر العظيم الكريم.
وتدلنا السنة النبوية المطهرة على سبب ثالث وهو مضاعفة الله تبارك وتعالى الأجر والثواب للصائمين العاملين وتنوع صنوف الخير في هذا السوق العامر، كما يشير الحديث الشريف الذي رواه سيدنا سلمان الفارسي وحسنه الألباني:
(أظلكم شهر كريم مبارك جعل الله صيام نهاره فريضة وقيام ليله تطوعامن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه...).
أما الواقع فيشير إلى أن شهر رمضان والعيدين تكون فرصة سانحة كي يجبر بعض المسلمين تقصيرهم في علاقاتهم الاجتماعية وصلة الرحم والنظرة والرحمة بالضعفاء والأيتام ربما بسبب انشغالهم أو كثرة أعبائهم أو تقصيرهم وهو بعض ما أشار إليه الحديث السابق:
(وهو شهر المواساة من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتقا لرقبته من النار وله مثل أجر الصائم دون أن ينقص من أجر الصائم شيئ...)وما أحوجنا أيضا أن نلتفت إلى ذلك، لذا نلحظ التدافع والتسابق إلى عمل الخير وبخاصة في العشر الأواخر من هذا الشهر والذي يتوج في نهايته بإخراج صدقة الفطر.
وأيضا يطمح كل مسلم بل وكل أنسان عاقل إلى الحصول على الجائزة في هذا الشهر الكريم والتي تتمثل في أن يعتق الله رقبته من النار، وأن يدخل من باب الريان وهو أحد أبواب الجنة التي تتزين وتفتح أبوابها لاستقبال الصائمين،كما ورد في الحديث: (إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم...) (متفق عليه)
وربما سمي هذا الباب بالريان تقديرا وجزاءا لعطش الصائمين وظمأهم أثناء الصيام،
وحتى تتحقق لهم الفرحتان:كما في الحديث:
(للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه) (متفق عليه).وإذن فرمضان سوق كبيرة وعرس ومهرجان ضخم: يفوز فيه من يفوز ويخسر فيه من يخسر فنسأل الله أن يجعلنا فيه من الفرحين الفائزين، وكل عام وأنتم بخير.
ساحة النقاش