تنفيذ الجـزاء الجنائى داخل المؤسسات العقابية
الفصل الأول
تطور نظام السجون
ارتبط تطور السجون بتطور أغراض العقوبة ،ونظام السجون ليس قديما ً فى عهده كما قد يتبادر الى الأذهان ، اذ لا يرجع فى نشأته الى أكثر من مائة وخمسون عاما ً على وجه التقريب ، وكانت السجون قبل ذلك التاريخ مخصصة لحبس من ينتظرون المحاكمة أو لتنفيذ عقوبة الحبس فى المحكوم عليهم ، ولم تهتم المجتمعات القديمة بأمر هذه السجون ولا بظروف من يودع فيها من المجرمين ، فكانت اما زنزانات مظلمة تحت سطح الأرض أو حفر عميقة يصعب الخروج منها ، وخلت من أى برامج اصلاح .
ومع ظهور الديانة المسيحية وانتشار تعاليمها أنشئت السجون الكنسية ، وكان رجال الكنيسة ينظرون الى الجريمة على أنها خطيئة ، ويعتبرون المجرم شخص عادى كغيره من أفراد المجتمع ، ولكنه شخص مذنب تجب عليه التوبة التى تتطلب انعزال المذنب عن المجتمع لكى يتقى الله فى عزلته ، وتقديم يد العون والمساعدة اليه حتى تقبل توبته ، ومن هنا نشأت فكرة السجن الانفرادى للمجرمين مع الاهتمام بتهذيبهم و تأهيلهم .
أما السجون المدنية فكان التطور فيها بطيئا ً ، ولعل السبب فى ذلك يرجع الى النظر للمحكوم عليهم على أنهم أشخاص غير عاديين .
أما عن الأماكن الأولى التى تعد نواة السجون الحالية ، فيعتبر سجن برايدويل BRIDEWELL فى انجلترا النواه الأولى لهذه السجون ، ففى عام 1557 وافق الملك ادوار السادس على تحويل قصر برايدويل فى لندن – وهو أحد القصور الملكية القديمة – الى مؤسسة للعمل والتعليم لطائفة المتشردين والعاطلين عن العمل ، أطلق عليها دار الاصلاح HOUSE OF CORRECTION يخضع فيها المحكوم عليهم للعمل والنظام فى ذات الوقت حتى يمكن استئصال عادة الكسل من نفوسهم واخراجهم من حالة التشرد التى يعيشونها .
ثم بدأ تعميم هذا النظام فى مناطق عدة سواء داخل انجلترا أو خارجها ، ففى عام 1959 أنشئ فى أمستردام بهولندا سجنا ً للرجال ، وفى العام التالى أنشئ فى المدينة سجنا ً خاصا ً بالنساء ، وطبق فيهما نظام قريب من دار الاصلاح الانجليزية ، حيث كان يسود فيهما العمل الجماعى نهارا ً والعزل ليلا ً بين المسجونين .
أما فيما يتعلق بالجرائم الخطيرة فقد ألغيت العقوبات البدنية واستبدلت بها عقوبات سالبة للحرية ، الا أن تنفيذها كان مصحوبا ً بقسوة كالقيد بالسلاسل والتجديف فى السفن القديمة والايداع فى مكان مظلم ( 1 ) .
أما القرن العشرين فيتميز بتطبيق أفضل أساليب المعاملة العقابية ، نظرا ً للتقدم الذى أحرزته العلوم التى تهتم بأساليب التربية والاصلاح كعلوم النفس والاجتماع والتربية ، وكـذلك تأثير آراء مـدرسة الـدفاع الاجتماعى التى نادت باصلاح المحكوم
(1) انظر الدكتور / جميل عبدالباقى الصغير – فى مؤلفه علم العقاب - طبعة 1996 - ص 124
عليهم وتأهيلهم كغرض أساسى للعقوبة .
ونتيجة لما تقدم ظهرت المبادئ الحديثة التى تقوم عليها المعاملة العقابية كتصنيف المحكوم عليهم على المؤسسات العقابية المختلفة ، بل وداخل المؤسسة الواحدة ، كما أصبحت كل مؤسسة تضم مجموعة من الاخصائيين فى مختلف النواحى الطبية والاجتماعية والدينية للاشراف على التنفيذ العقابى ، كما ظهرت وسائل عقابية جديدة مثل نظام السجون المفتوحة وشبه المفتوحة ، ووجدت نظما بديلة لسلب الحرية مثل نظام الاختبار القضائى ونظام العمل بدون مقابل للمنفعة العامة .
الفصل الثانى
أنواع السجون ( أنواع المنشآت العقابية )
تتعدد أنواع السجون وفقا ً للفلسفة العقابية السائدة فى نظام قانونى ما ، ففى الفكر التقليدى كان معيار تقسيم السجون يستند الى الطبيعة القانونية للجريمة ومدى جسامة العقوبة قبل النظر الى الشخص المجرم ودوافعه للاجرام .
أما فى ظل السياسة العقابية الحديثة فان تقسيم السجون يستند الى الغرض الأساسى للعقوبة وهو اصلاح الجانى وتأهيله على نحو يقتضى معه تصنيف المحكوم عليهم الى مجموعات تتشابه فى الظروف ودرجة الخطورة الاجرامية ودرجة القابلية للتأهيل .
وتتعدد أنواع السجون على أساس علاقة السجناء بالعالم الخارجى الى سجون مغلقة تماما ً وسجون مفتوحة وسجون شبه مفتوحة .
أولا : المؤسسة العقابية المفتوحة " السجون المفتوحة " :-
تقوم هذه المؤسسات على فكرة الثقة فى المحكوم عليه وتنمية احساسه بالمسئولية ، ومن أجل هذا تتميز هذه المؤسسات بأنها بدون أسوار أ, قضبان أو أقفال والحراسة فيها ضعيفة ، ذلك أن نزلاءها يحترمون النظام ولا يحاولون الهرب اقتناعا ً منهم بجدوى وجودهم فيها ، وتأخذ المسسات المفتوحة صورة مستعمرة زراعية مستقله أو ملحقة بأحد السجون التقليدية أو شبه المفتوحة .
وتشتمل المنشأة المفتوحة على أقسام متعددة ، فالى جانب القسم المعد للشئون الادارية العامة توجد اقسام للتجارة والصناعة ، هذا بخلاف الاماكن المعده لاستقبال النزلاء لدى بداية الحاقهم بها ، وأخرى لتطبيق الجزاءات التأديبية .
ولم تكن توجد مؤسسات مفتوحة فى جمهورية مصر العربية ، وبدأ انشاء المؤسسات المفتوحة مؤخرا ً فى جمهورية مصر العربية ومن بينها معسكر عمل المسجونين بجنوب التحرير ، وسجن القطا القديم ومازال الأمر فى مرحلة التجربة والتقويم .
أ- شروط الايداع فى المنشأة المفتوحة :
اتجهت بعض النظم الى جعل تطبيق نظام المنشأة المفتوحة بمثابة مرحلة تدريجية بين الايداع فى منشأة مغلقة وبين العودة الى المجتمع ، غير أنه قد ثبت عدم نجاح هذا النظام ، لذلك فالاتجاه الغالب يجعل القبول فى المنشأة المفتوحة متوقفا ً على توافر شروط معينة تتعلق بشخصية المحكوم عليه ، فيفضل صغار السن بوجه عام ومن تمكنه حالته الصحية من العمل فى المستعمرة الزراعية .
ومن الوجهة المهنية فان الزراعيين هم أكثر استعدادا ً للعمل فى هذه المنشآت المفتوحة .
وبالنسبة لمدة العقوبة فان هذا النظام يجب أن يقتصر على من يحكم عليه بعقوبة قصيرة المدة .
وأثبتت التجارب عدم ملاءمة تطبيق نظام المنشآت المفتوحة لفئات معينة من المجرمين مثل المعتاد على الاجرام وغير الممتثلين للأوامر والنظم والمقلبين نفسيا ً والمصابين بالمثلية الجنسية ( 1 ) .
وحاليا ً يتم فى مصر ايداع المحكوم عليهم بعقوبة الحبس مع الشغل بالسجون المفتوحة اذا توافرت فيهم الشرو المطلوبة ، خاصة ما يتعلق بالجوانب الصحية والسلوكية ومدى قابلية المحكوم عليه للاندماج الاجتماعى والتعاون مع الغير .
ب- مزايا نظام المؤسسات المفتوحة:
من مزايا هذا النظام أنه قليل التكاليف سواء من حيث انشائه أو من حيث ادارته ، اذ يتخذ عادة شكل مستعمرات زراعية واسعة ، ولا يحتاج الى حراسة أو مبان ضخمة ، ويحقق تنظيما ُ أفضل للعمل ، ويساعد على تعلق احدى الحرف ، ويؤدى الى تحقيق التوازن البدنى والنفسى للنزلاء ، لأن الأعمال تتم فى وسط حر وفى علاقات طيبه مع الآخرين ، وكل هذا يمنح المحكوم عليه الثقة فى نفسه مما يساعد على اصلاحه وتأهيله .
ج- نقد نظام المؤسسات المفتوحة :
وقد أخذ على هذا النظام أنه يساعد على الهرب ، الا أن هذا النقد مبالغ فيه لأن نسبة هرب النزلاء الخاضعين لهذا النظام ضئيلة جدا ً ، كما أن هرب النزيل يشكل جريمة جديدة تجعله عرضه لعقوبة جديدة ، وربما يترتب عليه نقله الى سجن مغلق ، يضاف الى ذلك أن هرب بعض النزلاء لا يعنى فساد نظام المؤسسات المفتوحة ، وانما يرجع الى سوء نظام التصنيف وما ترتب عليه من ايداع أشخاص غير جديرين بهذا النظام .
وقيل أيضا ً فى نقد النظام المفتوح أنه يهدر القيمة الرادعه للعقوبة ، لكن هذا النقد فى غير محله ، لأن هذا النظام ينطوى على سلب لحرية النزيل ، وفى هذا ما يكفى لتحقيق ردعه ، خاصة اذا أخذنا فى الاعتبار الصفات الخاصة التى يجب أن تتوافر فى النزيل الذى يستفيد من هذا النظام ، فهو شخص أهل ثقة لتحمل المسئولية ، ولـهذا يكفيه سلب حريته حتى يتحقق ردعه .
ويرى البعض أن هذا النظام " نظام المؤسسات المفتوحة " يتيح المجال لعلاقات قد تنشأ بين المحكوم عليهم وغيرهم من الفئات غير المتوافقة مع المجتمع مما يعوق برامج تأهيلهم واصلاحهم ، ويمكن مواجهة هذه المشاكل باقامة هذه المؤسسات فى أماكن بعيدة عن الحضر .
(1) انظر د/آمال عثمان ، د/ يسر أنور – فى مؤلفهم أصول علمى الاجرام والعقاب – الجزء الثانى – علـــم
العقاب طبعة 2010 – ص 193 .
ثانيا ً : المؤسسات العقابية شبه المفتوحة :
تعتبر المنشآت شبه المفتوحة مرحلة وسط بين المؤسسات المغلقة وبين المؤسسات المفتوحة ، ذلك أن الأمر قد يتطلب ايداع المحكوم عليهم فى مكان أشد حراسة من المؤسسات المفتوحة وأكثر تحررا ً من المؤسسات المغلقة ، وذلك اذا كانت حالتهم تتطلب معاملة وسط بين الثقة الكاملة ( مما يتوافر فى نزلاء المؤسسات المفتوحة ) ، وبين الحذر الكامل ( مما يتوافر فى نزلاء المؤسسات المغلقة ) .
وتتلائم فكرة المؤسسات شبه المفتوحة مع نظام التفريد التنفيذى العقابى ، الذى يتطلب أن تكون المؤسسات العقابية على درجات من حيث درجة التحفظ ، ويرتبط بذلك تغيير أسس المعاملة وفقا ً لنظام كل منها ، مما يتيح الفرصة لاختيار المؤسسة التى تلائم حالة المحكوم عليه .
تقدير نظام المؤسسات شبه المفتوحة :
يتميز هذا النظام بقلة التكاليف ، ويسمح بتنظيم أفضل للعمل ، كما يتيح للمحكوم عليه حفظ توازنه البدنى والنفسى ، لأنه يعمل فى وسط قريب من الحياة العادية ، الأمر الذى يساعد على تأهيله واصلاحه .
وأخذت مصر بنظام المسسات شبه المفتوحة فأنشأت عام 1956 سجن المرج وهو مؤسسة عقابيه متوسطة الحراسة ينقل اليه الأشخاص الذين اقتربت فترة الافراج عنهم ، وذلك بقصد اعدادهم وتأهيلهم للحياة الاجتماعية قبل الخروج اليها ، وفى سنة 1965 أنشئ معسكر فى مديرية التحرير للعمل ، ويرسل اليه المحكوم عليهم الذين بقيت على الافراج عنهم فترة قصيرة ، وذلك بشرط أن يثبت صلاحيته للعمل فى المعسكر وبشرط استقامته وحسن سلوكه فى السجن السابق .
ثالثا ً : المؤسسات العقابية المغلقة :
تقوم هذه المؤسسات على فكرة عزل المحكوم عليهم عن المجتمع نظرا ً لخطورتهم الاجرامية ، ويتطلب تطبيق هذه الفكرة أن يكون طابع هذه المؤسسات الرقابة المشددة والتحفظ على المحكوم عليهم وفرض الجزاءات التأديبية بقصد تنفيذ العقوبة عليهم بحزم ، واتباع أساليب دقيقة فى الحراسة لحفظ الأمن والنظام داخلها ، فنجد أن السجن من هذا النوع يحاط بسور عال يتعذر اجتيازه كما هو الحال بشأن الأسوار التى تحيط بالقلاع أو الحصون ، ويراعى فى اختيار مكان السجن أن يكون بعيدا ً عن المدن .
ويعزو علماء العقاب فكرة المؤسسات المغلقة الى أن الرأى العام لا زال ينظر الى مرتكبى الجرائم على أنهم أفراد خطرون مما يقتضى عزلهم فترة عن المجتمع حتى يمكن تجنب أضرارهم ، كما أن العزل التام عن المجتمع يحمل فى طياته معنى الردع ، ولا زالت العقوبة تهدف من بين أغراضها الى تحقيق هذه الغاية .
وفى ظل السياسة العقابية الحديثة أصبح غرض الاصلاح والتقويم واعادة الكييف الاجتماعى للمحكوم عليه لا يقل أهمية عن غرض الردع ، لذلك تحرص النظم العقابية على تنفيذ برامج متعددة داخل المنشآت المغلقة لضمان لتحقيق الأغراض المختلفة للعقوبة ، وبحيث تؤدى هذه البرامج الى استجابة المحكوم عليه لتلك النظم وتنفيذ ما يفرض عليه من التزامات وقيود عن اقتناع وبارادة حرة .
وفى الدول التى أخذت بنظام السجون المفتوحة نجد أنها لا زالت تحتفظ ببعض السجون المغلقة تخصصها للمجرمين المحكوم عليهم بعقوبات طويلة المدة أو المعتادين على الاجرام والعائدين ، وبصفة عامة تخصص تلك السجون للمحكوم عليهم الذين تتطلب معاملتهم أسلوبا ً خاصا ً يغلب عليه طابع الحزم .
ومما سبق يتضح لنا أن هذا النوع من المؤسسات يصلح فى الحالات التى يكون الهدف من العقاب هو الردع والزجر قبل أن يكون الاصلاح .
السجون المغلقة فى جمهورية مصر العربية :
تعد جمهورية مصر العربية من بين الدول التى لا زالت تأخذ بنظام المؤسسات المغلقة بالنسبة لكافة طوائف المجرمين ، حيث تنص المادة الأولى من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 عى أنه :
" السجون على أربعة أنواع ( أ ) ليمانات ( ب ) سجون عمومية ( ج ) سجون مركزية ( د ) سجون خاصة تنشأ بقرار من رئيس الجمهورية تعين فيها فئات المسجونين الذين يودعون بها وكيفية معاملتهم وشروط الافراج عنهم ، ويصدر وزير الداخلية قرارا ً بتعيين الجهات التى تنشأ فيها السجون من كل نوع ودائرة كل منها " .
1- الليمانات :-
نصت المادة الثانية من قانون السجون على ايداع الرجال المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة بالليمانات ، وتنص المادة الثانية من القانون رقم 95 لسنة 2003 على أنه : -
" تلغى عقوبة الأشغال الشاقة أينما وردت فى قانون العقوبات أو فى أى قانون أو نص عقابى آخر ، ويستعاض عنها بعقوبة السجن المؤبد اذا كانت مؤبدة والسجن المشدد اذا كانت مؤقته " .
واعتبارا ً من تاريخ صدور هذا القانون يكون تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بعقوبة الأشغال الشاقة بنوعيها " المؤبدة والمؤقته " فى السجون المخصصة لذلك على النحو المقرر بمقتضاه لعقوبة السجن المؤبد أو المشدد بحسب الأحوال .
وبناء على ذلك يكون تنفيذ عقوبتى السجن المؤبد والمشدد فى السجون المخصصة ، وقبل ذلك كان لا يودع فى الليمان النساء المحكوم عليهن بالأشغال الشاقة ، وكذلك كل من تجاوز الستين من عمره من الرجال والمرضى الذين تحول حالتهم الصحية دون البقاء فى الليمان ، فهؤلاء جميعا ً كانت تنفذ عقوبتهم فى السجون العمومية .
ومن قبل كان يوجد فى جمهورية مصر العربية ثلاثة ليمانات أحدها فى طره والآخر فى أبى زعبل والثالث فى وادى النطرون .
2- السجون العمومية :-
توجد السجون العمومية فى كل جهة بها محكمة ابتدائية ويودع فيها المحكوم عليهم بعقوبة السجن ، وكذلك النساء المحكوم عليهن بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد ، والرجال المحكوم عليهم بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد الذين ينقلون من السجون المخصصة لذلك لأسباب صحية أو لبلوغهم سن الستين أو لقضائهم فيها نصف المدة المحكوم بها أو ثلاث سنوات أى المدتين أقل ، وكان سلوكهم حسنا ً خلالها ، ويصدر مدير عام السجون قرارا ً بتشكيل لجنة لتقدير صلاحية المسجون لنقله ، واذا انحرف سلوكه بالسجن جاز اعادته مرة أخرى وفقا ً لقواعد معينة .
وأخيرا ً فانه يودع فى تلك السجون أيضا ً المحكوم عليهم بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر ، الا اذا كانت المدة المتبقية وقت صدور الحكم عليهم أقل من ذلك ولم يكونوا مودعين من قبل فى سجن عمومى ( المادة 3 من قانون السجون ) .
3- السجون المركزية :-
وتودع فيها الطوائف الأخرى من المحكوم عليهم من غير من سبق ذكرهم ، أى المحكوم عليهم بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر ، أو المحكوم عليهم بالحبس مدة لا تزيد على ذلك اذا كانت المدة الباقية – وقت صدور الحكم – أقل من ثلاثة أشهر وذلك بسبب خصم ما قضاه المحكوم عليه فى الحبس الاحتياطى .
كما يودع فى هذه السجون الأشخاص الذين ينفذ عليهم الاكراه البدنى اذا لم يقوموا بتنفيذ العقوبات المالية ، ومع ذلك فانه يجوز وضع هؤلاء فى سجن عمومى اذ كان أقرب الى النيابة أو اذا ضاق بهم السجن المركزى ( المادة 4 من قانون السجون ) .
4- السجون الخاصة :-
السجون الخاصة تعد لأنماط وأنواع معينة من المسجونين ولا تخصص لتنفيذ نوع معين من العقوبات .
وانشاء السجون الخاصة يتوقف على توافر الخبراء والفنيين للاشراف على نظمها ، وما تقتضيه من فحص المحكوم عليهم من الوجهة العضوية والنفسية والعقلية والاجتماعية ، وذلك حتى يمكن بيان أسلوب المعاملة الذى يتفق مع ظروف كل حالة ، كما يتوقف انشاء هذه السجون على توافر الامكانات المالية لمواجهة مختلف النفقات التى تقتضيها نظم المعاملة بها ، وتعتبر مؤسسة المرج من قبيل السجون الخاصة ويودع بها الأحداث متى كانت سنهم وقت ارتكاب الجريمة تزيد على خمسة عشر عاما ً ولا تجاوز الثمانية عشر عاما ً .
وتوجد فى مصر مؤسسات عقابية خاصة ببعض الطوائف مثل سجن النساء بالقناطر ( المادة 48 من اللائحة الداخلية للسجون ) ، والمؤسسات العقابية الخاصة بالأحداث حيث ينفذون بها العقوبات السالبة للحرية على أن يصدر بتنظيمها قرار من وزير الشئون الاجــتماعية بالاتفاق مع وزير الداخلية ( المادة 49 من قانون الأحداث ) ، كذلك تخصيص أقسام خاصة يقيم فيها المحبوسين احتياطيا ً بعيدا ً عن أماكن غيرهم من المحبوسين ( المادة 14 من قانون تنظيم السجون ) .
ويلاحظ على النظام العقابى المصرى أنه ما زال بعيدا ً عن التطور الذى يسود نظام السجون على المستوى الدولى ، وذلك لأنه ما زال يعتنق الفكر التقليدى الذى يوزع المحكوم عليهم على السجون المختلفة استنادا ً الى نوع الجريمة والعقوبة المحكوم بها دون الأخذ فى الاعتبار شخصية المجرم والبرامج التأهيلية المناسبة له .
ففى فرنسا توجد سجون خاصة بصغار السن الذين لا تتجاوز أعمارهم 28 عاما ً حيث تتيح برامجها استكمال التعليم والتكوين المهنى وغرس القيم والمبادئ السليمة ، كما توجد سجون خاصة لكبار السن .
الفصل الثالث
نظـم الســــــــجـون
تتعدد نظم السجون على أساس علاقة النزلاء بعضهم ببعض ، فهناك النظام الجمعى والنظام الانفرادى والنظام المختلط بين هذين النظامين ، وقد تجتمع الأنظمة السابقة أو بعضها فى نظا واحد يطلق عليه النظام التدرجى .
ونخصص لكل نظام من هذه الأنظمة مبحثا ً مستقلا ً .
المبحث الأول
النظـــام الجمــعى
يقوم هذا النظام على أساس الجمع بين المحكوم عليهم ، اذ يعيش الجميع معا ً ليلا ً ونهارا ً ، فينامون سويا ً فى عنابر كبيرة ويتـناولون وجباتهم معا ً فى قاعة الطعام ، ويعملون جنبا ً الى جنب ، ويسمح لهم بالحديث فيما بينهم .
ويعتبر هذا النظام أقدم نظم السجون واستمر تطبيقه حتى نهاية القرن الثامن عشر حيث كان السجن مجرد مكان للتحفظ على النزلاء أو لمجرد ابعادهم عن المجتمع ، حيث كان الهدف من العقوبة هو الزجر أو الردع .
ويتميز هذا النظام بأنه ليس مكلف للدولة سواء من حيث انشائه أو من حيث ادارته ، كما أنه ينظم العمل والحياه داخل السجن على نحو أشبه بالحياة العادية ، وبالتالى يمكن المحافظة على الصحة النفسية والعقلية للنزلاء ويسهل تنفيذ برامج الاصلاح المقررة لتأهيلهم ( 1 ) .
وأخذ على هذا النظام أن الاختلاط لا يساعد حقيقة فى اصلاح ا لمحكوم عليه ، بل على العكس يكون مصدر خطر عظيم عليه ، ذلك لأنالاختلاط بين المسجونين مفسدة خلقية واجتماعية : مفسدة خلقية تتمثل فى انتشار العادات السيئة والأفعال غير الأخلاقية بين النزلاء ، ومفسدة اجتماعية تتمثل فى تأثير الفاسد منهم على الصالح ، وتكوين عصابات اجراميه لتنفيذ مخططاتها فى الخارج بعد تنفيذ العقوبة ، ولذا قيل أن النظام الجمعى يحول السجن الى مدرسة للجريمة ، وذلك علاوة على خلو هذا النظام من أساليب التأهيل .
ومع ذلك يمكن الحد من عيوب النظام الجمعى عن طريق تصنيف المحكوم عليهم بحيث يقتصر الاختلاط على أفراد كل طائفة والذين يتقاربون ف مدى خطورتهم الاجرامية ، وكذلك يمكن تدعيم أساليب التأهيل بحيث يغلب تأثيرها على تأثير العناصر الفاسدة ( 2 ) .
(1) انظر الدكتور / جميل عبدالباقى الصغير – المرجع السابق - ص 131
(2) انظر الدكتور / محمد أبوالعلا عقيدة – أصول عم العقاب – الطبعة الخامسة سنة 1995 – ص 275 .
المبحث الثانى
النظام الانفرادى ( البنسلفانى أو الفيلاديلفى )
يقوم هذا النظام على أساس عزل كل سجين بحيث تنقطع الصلة تماما ً بينه وبين المسجونين الآخرين ، ويلزم بالاقامة فى زنزانة خاصة لا يبرحها الا حين تنقضى مدة عقوبته ، ويفترض تبعا ً لذلك أن يتضمن السجن عددا ً من الزنزانات بقدر عدد نزلائه ، وتصمم كل زنزانه على أساس أنها مكان للنوم والأكل والعمل وتلقى الدروس الدينية والتهذيبية .
ويرجع أصل هذا النظام الى الكنيسة التى كانت تنظر الى الجريمة على أنها خطية ، وكانت ترى أن اصلاح الجانى لا يتم الا عن طريق عزله فى السجن بعيدا ً عن الناس ليراجع نفسه ويتوب الى الله .
يتميز هذا النظام بتفاديه لمساوئ الاختلاط الناجمه عن النظام الجمعى ، ويتيح ظروف التأمل فى الجريمة والندم عليها ، الأمر الذى يتحقق معه المعنى الكامل للردع والايلام لعتاه المجرمين ، نظرا ً للقسوة التى تصاحب تنفيذ هذا النظام من عزل المسجونين عن الجميع .
ومع ذلك فان هذا النظام أيضا لم يسلم من النقد ، فقد أخذ عليه ارتفاع تكاليفه ، اذ يتطلب اعدادا ً خاصا ً للسجن بحيث يتضمن زنزانات بقدر عدد نزلائه ، كما أن هذا النظام يكون صعب التنفيذ فى حالة زيادة عدد المسجونين عن عدد الزنزانات ، ويضاف الى ذلك أنه يؤدى الى اختلال التوازن البدنى والنفسى للسجين مما يعرضه لأمراض خطيرة كالسل والجنون ، وقد يصل به الأمر الى الانتحار ، الأمر الذى يؤدى الى خروج معظم المحكوم عليهم من السجن محطمين جسمانيا ً ونفسيا ً ومعنويا ً .
ورغم أن عيوب هذا النظام أدت الى هجره الا أن ذلك لا يعن فناءه نهائيا ً ، فما زال له مجاله الضرورى ، اذ يمكن اللجوء اليه كجزاء تأديبى لمن يخرج عن النظام داخل السجن ، أو كتدبير أمن داخلى فى حالة ما اذا كان السجين مصابا ً بمرض معدى أو شاذ جنسيا ً .
المبحث الثالث
النظام المختلط ( الأوبرنى )
يقوم هذا النظام عل الجمع بين النظامين الجمعى والانفرادى ، فيطبق النظام الجمعى نهارا ً حيث يجتمع المحكوم عليهم فى قاعات الطعام والعمل والتعليم ودروس التهذيب وأوقات الفراغ ، ولتفادى مساوئ الاختلاط يفرض هذا النظام على النزلاء التزام الصمت طوال فترة الاختلاط حتى يمنع الاتصال بينهم وتأثير السئ منهم على الصالح ، أما فى الليل فينصرف كل مسجون الى زنزانته حيث لا اختلاط ولا اتصال ، وقد طبق هذا النظام عام 1823 فى سجن أوبرن بولاية نيويورك .
ويتميز هذا النظام بأنه يجمع النزلاء نهارا ً مع بعضهم فيخفف من الأضرار التى تصيبهم فى صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية ، كما أنه أقل تكلفة من النظام الانفرادى لأن التعليم والتهذيب يتم بمعرفة معلم أو واعظ واحد .
ولكن يؤخذ على النظام المختلط أنه من الصعب تنفيذ الصمت الذى يفرض على المسجونين ، لأنه مخالف للحاجات الطبيعية للانسان ليعبر عن انطباعاته للمحيطين به .
المبحث الرابع
النظام التدرجى ( الأيرلندى)
يقوم هذا النظام على أساس تقسيم مدة العقوبة السالبة للحرية الى عدة مراحل ، ينتقل المحكوم عليه من احداها الى الأخرى ، وفقا ً لنظام معين يبدأ من العزل الى الحرية الكاملة مرورا ً بمراحل أخرى متوسطة تمهد للوسط الحر كالعمل الجماعى نهارا ً والعزل ليلا ً .
ويتوقف الانتقال من مرحلة الى أخرى على سلوك المحكوم عليه ، فاذا كان سلوكه حسنا ً يتطور نحو الاصلاح ، انتقل من المرحلة الأشد الى المرحلة الأقل منها صرامة وهكذا ، أما من كان سلوكه غير ذلك فيمكن اتباع نظام أكثر شدة معه .
والفلسفة التى يقوم عليها هذا النظام انه لا يعتبر سلب الحرية غاية فى حد ذاته ، بل هو وسيلة للتأهيل التدريجى للمحكوم عليهم ،واعدادهم للحياة خارج السجن من خلال برامج تأهيل تنفذ خلال عدة مراحل ، ينتقل المسجون من مرحلة الى أخرى وفقا ً لمدى استفادته تأهيليا ً من المرحلة السابقة ، حيث أن خروجه من نظام سلب الحرية الصارم الى جو الحرية الكامل خارج السجن دفعة واحدة قد يجعله ينتكب طريقه ، وبالاضافة الى ذلك فان هذا النظام يقوم على فكرة مكافأة المسجون على سلوك حسن تشجيعا ً له على الاستمرار فيه أو الاستزادة منه .
وفى الحقيقة ان النظام التدرجى يفضل الأنظمة السابقة ويتفوق عليها باحتوائه على برنامج تأهيل المحكوم عليه واصلاحه ، ذلك لأن التأهيل ينفذ على مراحل فتقوى لدى المحكوم عليه عوامل التكيف على عوامل العودة مرة أخرى الى الجريمة.
ساحة النقاش