ولد يعقوب صروف في قرية الحدث بلبنان، ثم أرسله والده إلى مدرسة الأميركان في عبيه ثم إلى الجامعة الأميركية في بيروت. وبعد ذلك تولى رئاسة وإدارة مدرستي الأميركان في صيدا و طرابلس. وفي سنة 1876 أنشأ مجلة المقتطف في بيروت و معه الأديب فارس نمر و ظلت تصدر مدة تسع سنوات تقريبا ثم نقلت بعدها إلىالقاهرة سنة 1888 وظل يديرها ويشرف على مايكتب فيها إلى آخر حياته. وقد صارت لها شهرة واسعة وحملت إلى الأقطار العربية كلها ثمرة جهود الرجل الجبارة في حقلي العلم والفن وقد توفي يعقوب صروف سنة 1927 .
أهم ما ترك يعقوب صروف من الآثار مجلة المقتطف التي رافقتها نحو اثنين وخمسين عاما، فكان أكثر مقالاتها العلمية و الفلسفية والفنية من قلمه. ومن أهم ما نشره في المقتطف واسترعى انتباه الكثيرين درس طويل عن نوابغ العرب والإنكليز قابل فيها بين المعري وملتن، وابن خلدون ومسيتسر، وصلاح الدين و ريشارد قلب الأسد. وقد ألف يعقوب صروف وعرب كثيرا من الكتب قبل انتقاله غلى مصر منها سر النجاح و الحرب القدسية و الحكمة الإلهية و مرآة العصر. ومما عربه مع فارس نمر سير الأبطال والعظماء ومشاهير العلماء و أما عن أهم رواياته فكانت فتاة مصر و فتاة الفيوم و أمير لبنان وقد ترجم روايات كيلوباترا و تنكرد.
كان يعقوب صروف مطبوعا على حب البحث والتدقيق شأن العلماء، يقضي الساعات الطويلة في المكتبات لدرس المسائل العلمية والنظريات الفلسفية والتاريخية. وكان واسع الإطلاع على المذاهب العلمية والنزعات الفلسفية وأحداث التاريخ ورجاله، متقنا لأهم اللغات القديمة والعصرية.
وقد بسط يعقوب صروف في مقالاته العلمية التي كان ينشرها في كل عدد من المقتطف- وقد جمعت بعدئذ في كتب - اختبارات العلماء الغربيين في مختلف القضايا العلمية بأسلوب له صبغته العلمية من غير أن يكون جافا. وكان إلى ذلك يثبت في مقالاته هذه الكثير من ملاحظاته الشخصية ومن إختباراته الخاصة في الموضوع المطروق، مما يضاعف قيمته.
وقد فتح للرياضيات بابا في مجلته تطارح فيه رجال العلم المباحث العويصة وتسابقوا غلى حلها سواءا أكانت في الحساب أم في الجبر أم في الهندسة أم في غيرها. وكان يعقوب صروف الحكم المرجع. وقد وضع كتابا في بسائط علم الفلك ظهر فيه علمه وإطلاعه الواسع في ذلك العلم، كما أنه عالج في مجلته موضوعات شتى في النظام الشمسي و السيارات والثوابت والسفع الشمسية و المذنبات وما إلى ذلك. وغنه وغن لم يدرك شأو العبقريين في هذا العلم، فقد بلغ فيه شأوا عظيما، وكان بعيد الغور، واضح البيان، سهل المأخذ.
أما الطبيعيات و الكيمياء والفلسفة فقد كان صروف الصلة بين الشرق ورجالها بأوروبة فكتب عن جميع أساطينها وبسط الآراء الحديثة بسطا بين المعالم، واسع النطاق. وجال في العالمين القديم والحديث جولة اكتشاف قلما جاراه فيها آخر من أبناء هذه البلاد.
أما التاريخ فيعقوب صروف من رجاله الدين استقرأوا الحفريات الأثرية و وصفوا عادياتها واقتبسوا أخبارها من مصادرها الاصلية، حتى إنك لتستطيع أن تستخرج من المقتطف كتبا في علم الآثار ولا سيما آثار مصر التي كان يعقوب صروف يطوف بنفسه ليشاهدها ويكتب عنها. وقد تقصى البحث أيضا في أصول الشعوب وفروعها وأنسابها وتواريخها واخلاقها، معتمدا في كل ذلك أحدث الآراء، ناظرا في أقوال من سبقه نظر المحقق البصير. وهكذا كان يعقوب صروف من أبرز رجال النهضة العلمية الحديثة.
ساحة النقاش