البرلمان بعد ثورة 25 يناير
مقومات البرلمان القوى
أهميته خلال المرحلة الراهنة
دوره فى اختيار الأسلوب الأمثل لوضع الدستور
مهندس
مختار حسن الغباشى
رئيس الوحدة المحلية لقرية محلة مرحوم
مقومات البرلمان القوى
يعيش عالمُنا العربيُّ اليوم أحداثًا متسارعةً عبر ثَوْراتٍ وانتفاضاتٍ لشعوبٍ تنْشُد التغيير والإصلاح، وتتوق للحرية والعدالة، وتسعى نحو الأمن والسلام.
وإن من أبرز التنظيمات الإجرائية والتراتيب الإدارية التي عمَّت العالمَ كلَّه، ما يسمَّى بالانتخابات، فلقد عمَّت فكرة الانتخابات والتصويتات ميادينَ عديدةً في الحياة المعاصرة، سواءً كانت هذه الانتخاباتُ برلمانيةً، أو مجالسَ بلديةً، أو جمعيَّاتٍ عموميةً كنوادٍ أدبيةٍ وغيرها، أو حتى انتخاباتٍ رئاسيةً. فالانتخابات الآن هي وسيلةٌ لتحقيق مبدأ الشورى، قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} والآية عامَّةٌ للحاكم مع الشعب، وللناس بعضهم مع بعضٍ. والانتخابات تتفرَّعُ عن دليل "المصلحة المرسلة"، وتحكمها قاعدة: "جلب المصالح ودرء المفاسد"، هذا هو تكييفها الشرعي باختصار.
الأمانة والكفاءة
إن ولاية أمرٍ من أمور المسلمين شأنُها عظيم، وخطرها جسيم. والإنسان المسلم ينبغي له أن يعي جيِّدًا مقوِّمات الترشيح والانتخاب. وأهمُّ ركيزتين أو معيارين لانتخابٍ سليم وترشيحٍ قويم: الأمانة والكفاءة.
قال شيخُ الإسلام ابنُ تيميةَ - رحمه الله - في كتابه: (السياسة الشرعية): "فإن الولاية لها ركنان: القوة والأمانة، كما قال تعالى: {إِنَ خَيْرَ مَنِ اسْتأْجَرْتَ الْقَوِيٌ الْأمِينُ}، وقال صاحب مصر ليوسف - عليه السلام -: {إِنَكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}، وقال تعالى في صفة جبريل - عليه السلام -: {إِنَهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَ أَمِينٍ}".
إذًا يشترط فيمن يُنْتخَبُ رئيسًا أو مديرًا أو مسؤولاً أو مُرَشَّحًا أو ممثِّلاً لأمرٍ ما، بل لو اخترتَ سائقًا أو نجَّارًا أو أجيرًا أو عاملاً، فإنه يُشترط لهذا الاختيار أو الانتخاب شرطان أساسيان:
الشرط الأول: الأمانة، والأمانة تستلزم الإيمانَ والاستقامةَ والتدين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ" (رواه الإمام أحمد بسند صحيح). فلابد أن يكون المُرَشَّح أمينًا دَيِّنًا صَيِّنًا مُصَلِّيًا حفيظاً لحدود الله مُعَظِّمًا لمحارم الله، يخشى الله ويراقب الله، قال إمام الحرمين الجويني - رحمه الله - في كتابه: (الغِيَاثي): "منْ لا يُوثَق به في باقةِ بَقْلٍ (حزمة فجل) كيف يُرى أهْلاً للحَلِّ والعقد؟! ... ومن لم يتَّقِ الله لم تُؤمنْ غوائلُه، ومن لم يَصُنْ نفسه لم تنفعه فضائله".
ولهذا لا يستحقُّ صوتَك صاحبُ الهوى والبدعة والضلالة، ولا يستحقُّ صوتَك المنحرفُ اللَّاهثُ وراءَ الشهرة والشهوة، ولا يستحقُّ صوتَك المُتَنَفِّعُ الذي يتخذ مصالحَ المسلمين مطيَّةً لتحقيق مصالحِه الخاصَّة ورغباتِه الذاتية. إنه لا يستحقُّ صوتَك إلا الحفيظ الأمين، كما قال يوسف - عليه السلام -: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأرْضِ إِنِي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "حفيظ أي خازنٌ أمين، عليمٌ ذو علمٍ وبصيرةٍ بما يتولاَّه"، وفي قصة العفريت الذي عرض نفسه على سليمان - عليه السلام - أن يأتيه بعرش ملكة سبأ:
{قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِي عَلَيْهِ لَقَوِيٌ أَمِينٌ}.
أما الشرط الثاني فيمن تنتخبه وتختاره، فهو: الكفاءة والمهارة والقوة والتخصص وحسن التصرف والتدبير. هذه الكفاءة هي صفة العلم الواردة في مؤهلات يوسف - عليه السلام - لِيَسْتَوْزِر وزارةَ المالية والتموين {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأرْضِ إِنِي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، وهي القوة التي جاءت في قوله تعالى {إِن خَيْرَ مَنِ اسْتأْجَرْتَ الْقَوِيُ الْأمِينُ}، قال الإمام النَّسَفي - رحمه الله -: "إن خير من استأجرت القوي الأمين كلامٌ جامعٌ؛ لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان: الكفاية والأمانة في القائم بأمرك، فقد فَرَغ بالُك وتمَّ مرادُك ". والقوة في كلِّ ولاية بحسبها، قال ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه: (السياسة الشرعية): "فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ إلَّا أَصْلَحَ الْمَوْجُودِ وَقَدْ لَا يَكُونُ فِي مَوْجُودِهِ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِتِلْكَ الْوِلَايَةِ فَيَخْتَارُ الْأَمْثَلَ فَالْأَمْثَلَ فِي كُلِّ مَنْصِبٍ بِحَسْبِهِ.. ثم قال: اجْتِمَاعُ الْقُوَّةِ وَالْأَمَانَةِ فِي النَّاسِ قَلِيلٌ؛ وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَشْكُو إلَيْك جَلَدَ الْفَاجِرِ وَعَجْزَ الثِّقَةِ. فَالْوَاجِبُ فِي كُلِّ وِلَايَةِ الْأَصْلَحُ بِحَسْبِهَا. فَإِذَا تَعَيَّنَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ أَمَانَةً وَالْآخَرُ أَعْظَمُ قُوَّةً؛ قُدِّمَ أَنْفَعُهُمَا لِتِلْكَ الْوِلَايَةِ وَأَقَلُّهُمَا ضَرَرًا فِيهَا..إلخ ما قال رحمه الله من كلامٍ نفيسٍ".
طرق معرفة الأمانة والكفاءة
وهنا عادةً ما يُطرح سؤالٌ: كيف تُعرفُ كفاءةُ وأمانةُ من يجب أن يقع عليه الاختيار؟، والجواب ببساطةٍ: من خلال سمعته وذِكْره بين الناس، ومن خلال الاطلاع على سيرته العلمية والعملية، ومن خلال سؤال أهل الذكر والفكر الثقات، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما شفاءُ العِيِّ السؤالُ". أنت يا رجل إذا جاءك خاطبٌ يريد ابنتك، ماذا تفعل؟ ألست تسأل عنه، وتتحرى فيه الخلق والأمانة؟ لأنه سيتوَّلى ابنتك، فكذا الشأنُ فيمن سيتولَّى أمرك.
ومن أدبيَّات الترشيح والانتخاب التجرُّدُ من كل المؤثِّرات الضاغطة التي دائمًا تُفْضي إلى الانحراف عن اختيار الأصلح والأمثل، فيجب التخلِّي عن الأهواء المُضلَّة والعصبيَّات الجاهلية، فلا مودةَ، ولا قربى، ولا مجاملةَ، ولا قبليَّةَ، ولا مناطقيَّةَ، ولا محسوبيةَ.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه (السياسة الشرعية): "فَإِنْ عَدَلَ عَنْ الْأَحَقِّ الْأَصْلَحِ إلَى غَيْرِهِ لِأَجْلِ قَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ صَدَاقَةٍ أَوْ مُوَافَقَةٍ فِي بَلَدٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ طَرِيقَةٍ أَوْ جِنْسٍ أَوْ لِرِشْوَةٍ، أَوْ لِضَغَنٍ فِي قَلْبِهِ عَلَى الْأَحَقِّ؛ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ وَدَخَلَ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}".
إن الناخب ينبغي له أن يتذكَّر أنه مستشارٌ في هذه العلمية الشُّوْرِيَّة، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ". تذكَّرْ أن صوتك أمانة، والأمانة مؤدَّاةٌ إلى أهلها، قال تعالى: {إِنَ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}. تذكَّرْ أن صوتك شهادة، والشهادة بيِّنةٌ لا يجوز الزُّورُ فيها، قال تعالى: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ}.
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ". قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟، قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ" (رواه البخاري).
وأحبُّ أن أشير هنا إلى أهمية المشاركة الفاعلة في عملية الانتخاب والترشيح، ولو قيل بِقِلَّةِ جَدْواها، فأوَّل الغيث قطرة، وإن الازْوِرارَ عن المشاركة قد يُعطي رسالةً لأصحاب القرار بأن الشعبَ وَعْيَه ما يزال دون ثقافة الانتخاب، وقد تُشْغَلُ المقاعدُ بذوي التوجهات المشبوهة.
إنَّ من يرنو إلى الإصلاح إذا ظلَّ يحمل رُوحًا يائسةً، ونفساً مُحبطةً، مُنْزويًا عن المشاركة، مكتفيًا بتسديد ضربات النَّقد وصرخات السُّخط، فلن يتقدَّم بخطوةٍ واحدةٍ نحو الأمام. إنَّ المدافعة والمغالبة سنَّةٌ اجتماعيةٌ من سنن التغيير، وإنَّ رياح التغيير ينبغي أن تحمل في طيَّاتها روحَ الفألِ، وأملَ النصر.
مقومات عملية الترشح
ومن المقوِّمات التي ينبغي أن يراعيها المسلمُ في عمليَّة الترشُّح تركُ الاستشراف نحو المناصب. فإنَّ حرصَ المرءِ على المناصبِ ابتداءً مذمومٌ؛ فقد صحّ عند مسلمٍ من حديثِ عبدِ الرحمنِ بنِ سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبدَ الرحمنِ لا تسْألِ الإمارةَ، فإنَكَ إن أُعطيتها عن مسألةٍ وُكلتَ إليها، وإن أُعطيتها عن غيرِ مسألةٍ أُعِنْتَ عليها". وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر - رضي الله عنه -: "يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ" (رواه مسلم).
أمَا من آنَسَ في نفسه كفاءةً وأمانةً، وأحبَّ نفعَ أمَّتِه، وأحبَّ قطعَ الطريق على تولِّي الأشرارِ زمامَ الأمور، فهو مأجورٌ مشكورٌ إن شاء الله، ومعانٌ مُسدَّدٌ بإذن الله، فقد طلبَ يوسفُ الصديقُ - عليه السلام - مَهامَّ الخزائن: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.
إنَّ كلَّ إنسانٍ تولَّى وِلايةً يجبُ أن يُدرك ضخامةَ المسؤوليةِ، وعبءَ الأمانةِ، التي نَأَتْ عن حملها الأرضُ والسماواتُ، والجبالُ الراسياتُ: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، فليست المجالسُ البلديةُ، ولا المناصبُ الحكوميةُ، وجاهةً اجتماعيةً، ومكاسبَ شخصيةً. قال أبو ذَرٍّ - رضي الله عنه -: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ (ألا تولِّيني منصباً) قال: فَضَرَبَ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا" (رواه مسلم).
ينبغي أن ندرك جيِّدًا أنَّ المناصب ليست للأضواء والوجاهة، وليستْ منبراً للتمادح والتمَلُّق، بل طريقاً إلى الحِسْبةِ الإدارية والمالية، وسبيلاً إلى الإصلاح والعمل والإبداع.
قد رشَّحُوك لأمرٍ لو فَطِنْتَ له فارْبَأْ بنفسك أن ترعى مع الهَمَلِ
إن الناسَ قد شَبِعتْ مُزايداتٍ كلاميةً، وملَّتْ وُعوداتٍ استهلاكيةً، وضجَّتْ من الضجيجِ الإعلاميِّ، والصخبِ الدِّعَائيِّ. الناس الآن - في عصر الثورات - أضْحَتْ تريدُ عملاً، تريد إنجازًا، تريد صِدْقًا، تريد إصلاحًا للأوضاع الخاطئةِ، والتجاوزاتِ الفَجَّة، والسلوكياتِ المُنحرفة.
قال الله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
كيف تنتخب نائبًا للبرلمان
في بعض الدول والكيانات السياسية المستقلة يعزف المواطنون ويمتنعون عن المشاركة في أنشطة الحياة السياسية لسبب واضح هو شعورهم بأن تصويتهم لمرشّح ما سيكون كعدمه وما ذلك إلا نتيجة لأعمال التزوير التي تشوب العمليات الانتخابية أو عندما يكون نائبهم أو مرشحهم يمارس دورًا شكليًا لإكمال نصاب المجلس المنتخب له فحسب.
ومن جهة معاكسة وإذا كان للمجلس النيابي دوره المحوري في صناعة القرارات وصياغة القوانين ورسم السياسات ومحاسبة المسؤولين وتقييم أدائهم بما يتوافق مع المصالح العُليا والعامة للوطن والمواطنين، فإن الأمر يختلف تماماً حيث يشجّع هذا المُنَاخ الصحي أي شخص على أن يلعب دوره المنوط به ويؤدي أمانته ويشارك مشاركة إيجابية ويساهم في تقديم ممثل له بالبرلمان يثق في حنكته وأمانته ويطمئن إلى أنه سيوصل صوته إلى حيث ينبغي أن يصل.
وسنتعرف الآن على تفاصيل وجزئيات محورية تهمّك في هذا الموضوع وتساعدك على القيام بواجبك الوطني لكي لا تندم يوماً ما.
ما هو البرلمان ومن هو نائب البرلمان
البرلمان أو مجلس النواب أو مجلس الشعب هو هيئة تشريعية تمثّل السلطة التشريعية في الدول الدستورية، حيث يكون مختصاً بحسب الأصل بجميع ممارسات السلطة التشريعية وفقًا لمبدأ الفصل بين السلطات.
ويتكون البرلمان من مجموعة من الأفراد يُطلق عليهم اسم النواب أو الممثلين. ويكون التحاقهم بالبرلمان في الغالب عن طريق الانتخاب والاقتراع العام باستخدام الأساليب الديموقراطية. ويتم اختيارهم بواسطة المواطنين المُسجلين على اللوائح الانتخابية في عملية الانتخاب أو الاقتراع العام والمباشر.
ويكون للبرلمان السلطة الكاملة فيما يتعلّق بإصدار التشريعات والقوانين أو إلغائها والتصديق على الاتفاقات الدولية والخارجية التي يبرمها ممثلو السلطة التنفيذية ومتابعة أداء السلطة القضائية.
ويطلق على البرلمان تسميات مختلفة حسب كل دولة مثل مجلس النواب أو المجلس التشريعي أو مجلس الشعب أو مجلس الأمة أو الجمعية الوطنية. ولكن يبقى له في النهاية دوره الذي لا يختلف باختلاف مسميّاته.
أهميّة الدور الذي يلعبه البرلمان في الدولة
يلعب البرلمان دورًا رئيسيًا في الحياة العامة والسياسية بشكل خاص، حيث يتولى البرلمان عدة مهام تمثّل في مجموعها عصب التوجهات السياسية للدولة. فهو أول الجهات المنوط بها التصديق على القوانين وإجازتها من خلال الاقتراع أو التصويت عليها بالقبول أو بالرفض.
كما تكون له صلاحيات واسعة فيما يخص التصويت على القوانين والتشريعات والتنظيمات التي تشكل الإطار العام للأهداف الأساسية لكافة أنشطة الدولة في شتّى الميادين.
كما تكون له الكلمة العُليا فيما يخص القرارات المصيريّة للدولة مثل حالات شنّ الحروب وتأميم المنشآت والممتلكات وحلّ الحكومة وفرض حالة الطوارئ وتعليق العمل بالدستور وعزل كبار المسؤولين كرئيس الدولة والمصادقة على الاتفاقيات الدولية أو تعديلها أو رفضها بالكلية.
ويضاف إلى تلك الأدوار الدور الرقابي الذي يتمثّل في محاسبة ومراجعة المسؤولين مهما كان منصبهم وتقديم النقد للجهات التنفيذية بالدولة. وقد تُفرَض أحياناً قيود ما على دور البرلمان في بعض الدول التي لا يخضع بعض كبار مسؤوليها للمثول أمام البرلمان للمسائلة. وهذا يحدث لإضفاء الطابع الجدّي على الأداء البرلماني دون تنفيذ توصياته، وما ذلك إلا تزييناً لديموقراطية باهتة.
أهميّة الدور الذي يقوم به النائب البرلماني
هناك صنف من الناس يبخّس ويحبط ويفشّل أية مبادرات للإصلاح والترميم في المجال السياسي. وباعث ذلك هو ما تنطويه عليه طبيعتهم من سلبية أو تشاؤم. إن ما عليك تجاه ذلك هو أن تمضي قدُماً في مبادراتك ولا تعطي سمعك لهم، وأن تؤمن بأن أي خطوة -مهما كانت صغيرة- هي كفيلة بأن تشارك في عملية الإصلاح.
وقد تبيّن لك مما سبق الأهميّة الكبرى والدور الفاعل والصلاحيّات الواسعة الممنوحة للبرلمان والذي يتشكّل في الأصل من نوّاب يصلون إليه بالانتخاب. إن هذا النائب الذي قد يكون مرشّحاً من قبلك، سيتحدّث عن أبناء دائرته أو عن الطائفة التي يمثّلها، وسيستطيع أن يوصل صوت ناخبيه إلى الجهات المعنيّة، وإذ كان أسلوبه يتّسم بالحجة والبيان والمنطقية فسيتمكّن من استقطاب أصوات تتعدّى دائرة النوّاب حوله.
الفرق بين النائب أو المرشح المستقل والحزبي والمُعين
يصل النائب إلى البرلمان بإحدى هذه الطرق التالية:
الاقتراع أو التصويتلصالح النائب عن طريق الانتخابات البرلمانية، وهي أولى هذه الطرق وأكثرها شيوعًا وعن طريقها يحصل على أغلبية أصوات الناخبين دون غيره من المرشّحين، حيث يقدم النائب نفسه لأبناء دائرته ويتطوع لأن يكون نائبًا عنهم في البرلمان. وسيكون هو أمام خيارين اثنين، إما يرشح نفسه بشكلٍ مستقلٍ وإما أن يكون مرشّحًا من قبل حزب ينتمي إليه أو يعمل تحت مظلّته.
والمرشح المستقل تكون له رؤية مستقلة وتوجّه فردي وبرنامج انتخابي يخصّه. ويتوقّف نجاح المرشّح المستقل على مدى شعبيته ومصداقيّته والتي يجنيها من خلال خدماته لأبناء دائرته أو من خلال سمعته الطيّبة ومساهماته في مسيرة العمل العام.
أما المرشّح الحزبي فيتم ترشيحه من قبل حزبه لينافس على المقعد البرلماني في دائرته الانتخابية وهذا لا يتأتّى إلا بعد دراسة وتمحيصٍ من قبل حزبه، وعقد مقارنات بينه وبين الأشخاص الآخرين المؤهّلين بين كوادر الحزب، وهذا أمر توليه الأحزاب السياسية أهمية ًبالغةً كي لا تخسر هذا المقعد أو ذاك في هذه الدائرة أو تلك. وليس هذا فحسب، إذ قد تطرح بعض الأحزاب أكثر من مرشّح يتبع نفس الحزب في دائرة واحدة حتى يضمن الحزب الفوز بأصوات الناخبين في دائرة ما. ولكن البعض يوجه نقدًا ولومًا لهذا الإجراء الذي من شأنه أن يشتّت الأصوات بين أكثر من مرشّح تابع لنفس الحزب في دائرة انتخابية واحدة مما يخدم بدوره مرشحًا آخر يحظى ولو ببعض الإجماع.
وجدير بالذكر أن بعض الأحزاب تنتهج طريقة تصعيد المرشّحين من خلال إجراء انتخابات داخل الحزب بين الأعضاء لترشيح النائب الذي يحصد عددًا أكبر من الأصوات داخل الحزب أولاً، وهذا بالفعل هو ما يجري قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية على سبيل المثال، حيث يقوم كل من الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي بتصعيد المرشّح الذي يحظى بالقبول أولاً داخل حزبه لضمان نجاحه في الانتخابات الرئاسيّة التالية.
أما النواب المعيّنون فهم المقصودون في الحالة التي يحقّ فيها لرأس الدولة في بعض الدول سواءً كان رئيس الجمهورية أو الملك أو السلطان أو الأمير أن يعيّن عددًا محدّداً من النوّاب لكل دورة انتخابية ويتم اختيارهم من بين شخصيات المجتمع اللامعة وممن كانت لهم بصمات واضحة في مسيرة تنمية المجتمع، وذلك مثل ما يحدث في البرلمان المصري.
معايير اختيار نائب البرلمان
ربما تكون النقطة الأهم هي معايير اختيار نائب البرلمان وسُبل تقييمه قبل التصويت لصالحه، ولا بد لكل صاحب صوت أن يدرك قيمة صوته الانتخابي وأهمية ترشيحه لنائب ما، من خلال إدراكه للدور المحوري الذي يقوم به النائب داخل البرلمان ومدى تأثيره في مسيرة العمل العام في كل دولة أو داخل أي كيان سياسي مستقل سواء على الصعيدين الداخلي أو الخارجي.
وقد يجد الناخب سهولة في الحكم على مرشّح كان قد فاز بالفعل بدورة سابقة وذلك من خلال التقييم الفعلي لأداءه أثناء فترة وجوده بالبرلمان وبذلك يكون من حق المرشّح الذي نحج من قبل أن يعلن عن نفسه في دعايات ترشيحه لفترة جديدة ويقول بأن (ماضيه يزكيه).
ولكن يجب أن لا تنحصر خيارات المرشّحين -فقط- فيمن سبق وفاز بعضوية البرلمان وأدّى أداء مرضيًا. إذ يمكن أن يبزغ نجم مرشح جديد يكون أكثر وعيًا وإلمامًا بدقائق الأمور ويكون لديه برنامج هادف شامل شريطة أن يكون من المشهود لهم بالكفاءة والجديّة وأن يحظى بسمعة حسنة وألا يكون ممن أثيرت حوله أي شبهة تطعن في مصداقيّته أو تقدح في بياض صحيفته.
لا بد لنائب البرلمان الذي ستنتخبه وتمنحه صوتك أن يكون من المشهود لهم بنظافة اليد والأمانة والصدق والشرف وأن يكون صاحب دور فعال في العمل العام ومحافل الخدمة الوطنية وفي خدمة من حوله، وقبل هذا كله يجب أن يكون مؤهلاً لتولي هذه المسؤولية.
ولا يعني التأهيل أن يكون حاصلاً على مؤهل علمي أو أكاديمي فقط ولكن يقصد بالتأهيل أن يكون أهلاً لهذا المنصب وأن تكون لديه رؤية مستنيرة وواعية لكل ما حوله وخاصة المشكلات التي يعاني منها أبناء دائرته وأن تكون لديه خطة عمل وبرنامج انتخابي سيعمل به بعد انتخابه.
وأما عن كيفية التقييم فهي تتمّ عن طريق جمع المعلومات والخلفيات والتي تتأتى من خلال نشاط ذلك النائب قبل وأثناء العملية الانتخابية ومن خلال التحليل الموضوعي لخطاباته ولقاءاته الجماهيرية ومناقشته شخصيًا في بنود برنامجه واستطلاع رؤيته المستقبلية لكيفية تقديم الخدمات والدعم وإيصال صوت أبناء دائرته إلى صنّاع القرار وسعيه الدؤوب لحل مشاكل أبناء دائرته خاصة فيما يتعلّق بالجهات والهيئات الحكومية.
إن التقييم الجاد للمرشّح يكون في المقام الأول من خلال القراءة المتأنّية لبرنامجه الانتخابي ومدى إمكانيّة تطبيقه في ظل الظروف الراهنة وبالنظر إلى العائد الذي سيعود عليك بصفة شخصية وعلى أبناء الدائرة الانتخابية بشكل عام بعد التصويت لصالح هذا النائب. ومن الطرائف التي ورد ذكرها في هذا المقام ما نُقل عن نائبٍ كان قد رشح نفسه في الانتخابات البرلمانية بإحدى الدول النامية وذكر ضمن برنامجه الانتخابي أنه في حالة نجاحه في الانتخابات سيطالب بضم مدن دائرته لقائمة المُدن الرئيسية والتي يُعلن عن حالة طقسها ضمن وقائع نشرة الأحوال الجوية! ولك أن تتخيل العائد الذي سيعود على أهل الدائرة من هذا الإجراء والخسارة التي سيتكبدونها إن لم يحدث ذلك!
جدير بالذكر أن التصويت في الانتخابات البرلمانية هو إجراء لا يجوز الرجوع فيه أو التراجع عنه بعد إتمام عملية التصويت. و بناءًعلى ذلك، فكّر جيدًا قبل أن تعطي صوتك لمن لا يستحق ثم تندم.
كيف تتأكد من أن اختيارك كان صائباً
لا يتوقف دورك عزيزي الناخب على الإدلاء بصوتك والخروج من اللجنة الانتخابية، بل يتعدى ذلك إلى متابعة أداء هذا النائب الذي اخترته سواء داخل البرلمان أم خارجه. وعملاً بالحكمة التي تقول "العبرة بالأفعال لا بالأقوال"، ينبغي عليك أن تقيّم أداء هذا النائب بأعماله قياسًا على أقواله وعلى برنامجه الانتخابي الذي طرحه قبل انتخابه.
ومن المعلوم أن لكل نائب مقراً خاصاً به يلتقي فيه بأبناء دائرته وعشيرته سواء لحل مشاكلهم أو لتوصيل صوتهم إلى حيث يريدون وربما لمناقشة الأمور العامة التي يمكنه عرضها على البرلمان من أجل المصلحة العامة. كما ويمكنك في هذا المقرّ أن تلتقي بهذا النائب وتناقشه في أدائه، وتطرح عليه ما لديك من أفكار ومقترحات قد تسهم جدّيًا في الارتقاء بأدائه البرلماني. وثق أنه لن يغلق الباب في وجهك لأنه ببساطة إن كان قد فاز بصوتك بالفعل ودخل البرلمان فإنه حتمًا سيحتاجه في الدورة التالية أيضًا.
وحريّ بنا أن لا نحكم على النائب بالفشل عند ترفض مساهماته أو عندما لا يؤخذ بمقترحاته وذلك لأن الأمور داخل البرلمان يحكمها قانون الأخذ برأي الأغلبية، وقد يكون رأيه أو اقتراحه لا يصب في اتجاه المصلحة العامة وبذلك يكون له العذر، باعتباره بذل وسعه في تحقيق الهدف ولو لم يتمكن من الوصول له من أول مرة.
أخيرًا لا تجد حرجًا في أن تمارس هذا الدور الفعال والإيجابي مع نائب البرلمان في دائرتك حتى وإن لم تكن قد أعطيته صوتك مسبقاً لأن مآل الأمور في النهاية تحكمه المصلحة لأبناء الدائرة وللوطن. وحتماً ستعود الإيجابيات عليك أنت ومن حولك بالنفع من خلال الارتقاء بالخدمات العامة من صحة وتعليم وتشغيل وتوسع في الإنتاج الزراعي والصناعي وتحسّن في الأداء العام للجهات الخدميّة. وليكن في حسبانك أيضاً أن جميع هذه الإنجازات تحتاج وقتاً لتظهر نتائجها على أرض الواقع حيث يجب ألا يُغفل عامل الوقت الذي يُستَهلك ليصل مردود أداء رأس الهرم والطبقات التي تحته إلى قاعدة الهرم التي هي أوسع ما فيه.
ساحة النقاش