<!--<!--<!--

الاستغفار بالأسحار

ما أكثر ذنوبنا! وما أكثر غفلتنا! وما أكثر حاجاتنا! وما أكثر فقرنا إلى الله لنناجيه ونلجأ إليه ونطلب منه! لكن متى يستجيب لنا؟ لا شك أنه يسمعنا في كل وقت، ويستجيب لنا كذلك في كل وقت، لكن – لا شك- أن هناك أوقاتًا مفضلة عند الله تعالى يحب أن يتقرب العبد إليه بالدعاء فيها، ويكون الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة، ومن بين هذه الأوقات الثلث الأخير من الليل، وهو وقت السحر.   

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجلّ: ((يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم))، وهذا دليل على حاجة العبد لربه- سبحانه- لأنه يخطئ بالليل والنهار والاستغفار إقرار بعبودية العبد لربه، وذل منه إلى المعبود، وقد أثنى الله تعالى على عباده المستغفرين بالأسحار فقال: ((الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقينَ والقَانِتِينَ والمُنْفِقِينَ والمُسْتَغْفَرِينَ بِالأَسْحَارِ)) (سورة آل عمران، الآية رقم 17)، وعدَّد الله تعالى صفات المتقين المقربين إليه فقال عنهم: ((وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يِسْتَغْفِرُونَ)) (سورة الذاريات، الآية رقم 18)، فهم يدعونه سبحانه تعالى بالأسحار، يسألونه، ويستغفرونه دائبين دائمين، وإنما فعلوا ذلك لأن الأسحار أوقات تنزلات رب العزة، وفتحه أبواب العطاء والجود والرحمة على وجه أكبر وأعظم.

وقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يتنزّل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيبَ له؟ من يسألني فأعطيَهُ، من يستغفرني فأغفرَ له))، وفي رواية لمسلم: ((من يُقرِض غير عديم ولا ظلوم؟ حتى يطلع الفجر))، وفي رواية لغيرهما: ((هل من تائب فأتوبَ عليه؟ من ذا الذي يسترزقني فأرزقَه؟ من ذا الذي يستكشف الضر فأكشفَ عنه، ألا سقيم يستشفي فيُشفى؟)).

فالله تعالى يتجلى على عباده وقت السحر بالغفران والعطاء والإحسان وإجابة الدعاء وتحقيق الرجاء، فلا يُرَدُّ فيه سائلٌ، ولا يَخِيب فيه آملٌ.

وروى عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله عزّ وجل في تلك الساعة فكن))، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أيُّ الدعاء أسمع؟ (أي أرجى إجابة) قال صلى الله عليه وسلم: ((جوفَ الليل، ودُبُرَ الصلوات المكتوبات)) أي عقب أو بعد الصلوات المفروضة، وفي رواية: ((أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد)).

فيا أخي الحبيب: في كل يوم ساعات رائعات فاغتنمها في وقت السحر، حيث الناس نيام يغطون في سبات عميق ونوم ثقيل، أما أنت وإخوانك فتقفون أمام الله، تتذللون، وتتضرعون، وتقبلون على الله سبحانه، تناجونه، وتتقربون إليه، وتستغفرونه وتسألونه الرحمة والغفران، والقبول وحسن المآل، وهو غفار الذنوب، ستار العيوب، جابر العثرات، لا يرد سائله سبحانه.

قال نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعًا: ((كان ابن عمر يحي الليل صلاةً ثم يقول: يا نافع أسْحَرْنا؟ (أي: هل دخلنا في وقت السحر) فأقول: لا. فيعاود الصلاة، فإذا قلتُ له نعم (أي دخلنا في السحر) قعد يستغفر الله تعالى حتى الفجر.

وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يخرج من ناحية داره مستخفيًا وقت السحر، وفي رواية: كان يُسمَعُ ذلك من داره وقت السحر، فيقول: ((اللهم إنك دعوتني فأجبتك، وأمرتني فأطعتك، وهذا السحر فاغفر لي))، فقيل له في ذلك، فقال: إن يعقوب عليه السلام حين سوّف بنيه - أي وعدهم بأن يستغفر لهم وقال لهم: ((سوف أستغفر لكم ربي)) - أخرهم إلى السحر، لأنه وقت إجابة.

وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ((لِمَ أخَّرَ يعقوب عليه السلام بنيه في الاستغفار؟)) قال: ((أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجاب)).

ومن أشدّ أوقات السحر رجاءً سَحَرُ يوم الجمعة، فقد روى الترمذي في حديث طويل وحسنه والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما - وفيه يقول صلى الله عليه وسلم: ((وقد قال أخي يعقوب لبنيه: "سوف أستغفر لكم ربي"، يقول: "حتى تأتي ليلة الجمعة")).

وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله وسلم أن نستغفر بالأسحار سبعين استغفارة.

وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:  ((بلغنا أن داوود عليه السلام سأل جبريل عليه السلام فقال: يا جبريل أي الليل أفضل؟ فقال: يا داوود ما أدري؟ إلا أن العرش يهتز في السحر)).

اللهم اجعلنا من التوابين، واجعلنا من المستغفرين، وارزقنا قيام الليل، واكتب لنا عز الدنيا والآخرة، وبلغنا مما تحب آمالنا.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

د/ محمد علي دبور

كلية دار العلوم – جامعة القاهرة

وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

[email protected]

المصدر: مقال شخصي

ساحة النقاش

asmaaeldsouky

ما أجمل كلام المولى عز وجل ورسوله الكريم ولكن ما يحزننى هى الغفلة التى يعيش فيها كثير من الناس فأنا بفضل الله أفسر أحلام وأسمع غرائب وعجائب من المسلمين الذين لا يعلمون من دينهم إلا القشور وما تكتبه سيادتك لا يشعر بجماله إلا قليل من الناس يا ليتك توجه خطابك للفئة التى لا تعلم إلا ألف باء الإيمان لكى ينتفعوا من علم سيادتك .باحثة سياسية وداعية اسلامية .

عدد زيارات الموقع

77,827