بينما نحن جلوس إذ طلع علينا رجل
الكاتب : محمد حيدر محيلان
بينما نحن جلوس ذات يوم في منزلي وعندي ثلة من الرجال نتجاذب أطراف حديث ذي شجون ، نستغيب وننم ونعلك (لحم إخوتنا... أحياء) المتنفذين العاملين أو التاركين...لمناصبهم ، ومن هم على الكراسي متشبثين وغير تاركين ، فنجلد هذا ونسفه موقفه ونخطئ ذلك ونفند قراره، فلا نجا منا كبير ولا رحمنا صغير ..ونشكوا الفقر حينا ونلعن الحاجة أحيانا.. ونستعرض الحكومات فنعظم احد الرؤساء ونكفر آخر... نتحسر على ماضي ونلعن حاضر...
إذ طلع علينا رجل شديد بياض الشعر أشيبه ، أشعث أغبر، شديد سواد الثياب ، عليه أسمال بالية ، تغطي عينيه نظارة سوداء( ريبان) ويلف رأسه ويلثم وجهه بشماغ أردني ... لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلينا، فأسند رِجل على رِجل ووضع يديه على مسندي الكرسي وقال: يا محمد أخبرني عن حال الأمة ؟
فقلت : بائسة يائسة، تصوم النهار بلا اجر ولكن من قلة الأكل، وتقوم الليل بلا ثواب ولكن من الجوع والألم والمرض ، وتشكوا لله من قرارات الحكومة، وتدعوا عليها بالويل والثبور .
يلهثون لكسب الرزق وعفة العيال، ضاقت ذات أيديهم ، ودار بعضهم على الناس يستعطي، والبعض الآخر يغلق بابه على نفسه يموت حياءا وفقرا وقهرا... تحسبهم أغنياء من التعفف.
قال: صدقت ، فعجب الحضور له يسألني ويصدقني. وهم مصغون ولا يتحدثون .
قال: فأخبرني عن النواب : قلت: بعضهم من شرار الأمة وجاهليها لا يدري ما يجري حوله ولا يدري انه لا يدري،وآخرون لا يرعون حرمة بعض، ولا حرمات المجلس، ولا تأخذهم فينا إلا ولا ذمة ،وآخرون يقولون مالا يفعلون ، ويقررون ما لا يعرفون ، همهم راتبهم وضالتهم مصالحهم .
قال: صدقت ، قال: فأخبرني عن انتماء الناس ووطنيتها ؟
قلت: إن الجائع لا انتماء له ، ويكفر بالأوطان التي يمتهن فيها، ولا ولاء لجائع ،ينتمي للرغيف ويوالي للدرهم، وأني أخشى على تبدل الناس وانقسامهم وأخاف أن يمتطي صهوتهم الطامعون المغرضون ويقودونهم للهاوية .. والجائع ارعن،ومقود لضعفه، يدهشه بكاء أطفاله وعُري أهله، ويسيطر عليه ويوجه دافع إشباع حاجته وعيش أولاده.
قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الحكومة
قلت: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال فأخبرني عن ايجابياتها وسلبياتها وخدماتها ؟؟
قلت :لا ايجابية لها وشرها أكثر من خيرها ،وذاموها أكثر من مادحيها،تجبي الضرائب والرسوم ولا تقدم الرعاية ولا الأمان ولا العلوم ،ونخشى أن تودي بالضمان الاجتماعي، وجناياتها: ذلت وأفقرت الفقير، وأغنت الغني الفاسد، وما زال يلد الرئيس رئيسا والوزير وزيرا، وان يعين الرئيس ذوي الحظوة والقرابة والمحسوبية ، وترى الحفاة العراة رعاء الشاة ما زالوا رعاة حفاة عراة وان حصلوا على أعلى الشهادات والكفاءات..
فتململ السائل كأنما أوخزه الجواب ،ثم انطلق، ولم يحتسي فنجان القهوة الذي برد ... فتبعته للباب وإذا به يركب سيارة ضخمة ... فرجعت للندامى ولم يبرحوا أمكنتهم بعد، فلبث مليا ثم قلت يا إخوة أتدرون من السائل؟؟؟ قالوا الله أعلم، قلت : لعله هذا الرئيس أتاكم متخفيا يستعلم عن حالكم، ويعسكم في الليل ليسبر ردة فعلكم، لكي يفرض عليكم ضرائبا جديدة .
ساحة النقاش