موقع الكاتب: د. "محمد حيدر" صادق محيلان

موقع ثقافي فكري يضم منشورات الكاتب في الصحف والمواقع الاليكترونية

استحضار أدب الاختلاف .. بقلم : محمد حيدر محيلان

الثلاثاء, 27 كانون1/ديسمبر 2011 19:35 اقلام

 

إن ظهور وانتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ووسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء بهذا الكم وبهذه السهولة أتاح للجميع تشاركيه الفكر والرأي والتفاعل بحرية واسعة والتعليق على الأفكار والآراء كتابة وصوتا ومواجهة, فيستطيع أي كان أن يدخل لآي موقع أو محطة إعلامية أو ثقافية, ويرشح من دلائه ويكيل وينضح من وعائه , الى أوعية الآخرين ما يريد أو ما يفيض من وعائه, وقد ينثر كنانته بوجه السامع ومرأى القاريء فتتطاير اسهمه فتجرح المقصود وغير المقصود.

 وان ما يجري على الساحة المحلية الأردنية من بعض التشاجر والتطاول والتسفيه بالألسن والتعارك الايدي وغيره,على اموروقضايا قد تكون مهمة وعظيمة وأخرى عادية , يستحق الوقوف والمراجعة, فلا يجوز ان يستبد ذوي القرار والسلطة برأيهم إذا كان جائرا وباطلا وغير صائب ويحتاج لمراجعة وتصويب , فكثرما تجد مسؤولا حين يترك منصبه يتخذ موقعا متمترسا او مواجها ويبدأ يكيل من التهم والنصائح التي لم يعمل بها ابان تسنمه المسؤولية, ويبدا بتسفيه وتهميش خليفته والتقليل من وعيه وفهمه وغيره من اسلحة الدمار الشامل, وبالمقابل لا يعقل ان يثور المواطن وينفعل ويبدأ بالصراخ والشتائم ويتحول للفعل والتخريب والتدمير للمؤسسات المدنية والرسمية والمنشات الخاصة والمرافق العامة بدون ان يعطي فرصة للحوار العقلاني والحضاري المتمدن, ومن غير استحضار لادب الاختلاف الذي يفترض أنً ,هم الجميع هو البحث عن الحقيقة والوصول للعلم الصحيح والرأي الرشيد الذي يتم من خلال ضبط النفس والحكمة في طرح القضية وتداولها للوصول الى نتيجة مقنعة وترضي كل الاطراف. فنحن نفهم الاختلاف انه التباين في الرأي والمغايرة في الطرح.والاصل في الاختلاف ان لا يؤدي الى الشقاق والنزاع ومن ثم الى القطيعة او العراك والعدوان بكافة اشكاله , بل يجب ان يؤدي الى بداية الحوار العقلاني, ويقدم للتفاهم والوصول الى كلمة سواء. انظر الى ادب القران كيف يعالج الاختلاف بخطابه للنبي عليه السلام( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الا نعبد الا الله ولا نشرك به احدا )آل عمران(64).فيجب ان يبدأ الانسان بنقد نفسه اولا وفاسحا المجال لحق الاخرين في ابداء رأيهم محسنا الضن بهم لا مغتابا ولا متصيدا لاخطاء الاخرين من اجل اسقاطهم اجتماعيا. وعلى المختلف والناقد والمخالف في الرأي ان يتمتع بصفة الموضوعية والعدالة والقدرة على المحاكمة, تاركا حب الذات والعلو والظهور, ولا متشعيا ومتعصبيا ومؤلها لاشخاص ورموز هم مخلوقات تخطيء وتصيب وكلامهم غير منزل ,وينطق بعضهم عن هوى ومقاصد شخصية. وانه من الطبيعي ان يختلف الناس في الفكر والرأي والمبدأ,لاختلاف وتعدد مشاربهم ومنابعهم الفكرية والمذهبية وطرق ووسائل عيشهم الحياتية.يقول عليه الصلاة والسلام ) وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيرا)فها نحن نرى اختلافا وتباينا وتضاربا وعراكا .وكما يقول العلامة ابن القيم: ("وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم ولكن المذموم , بغي بعضهم على بعض وعدوانه(" وهو فعلا , فلا ضير من الاختلاف وتغاير الافكار والاراء, ولكن الخطير والمفتت لشمل الامة والممزق لوحدتها, اللجوء للقوة والعنف الكلامي او الفعلي الذي ينتقل من اللسان على شكل شتائم او فتاوى ,مثل التكفير والتفسيق والتبديع والتشويه والتسفيه والتهميش وحتى اغتيال للشخصيات ,ثم اذا عجز اللسان عن قهر الاخر انتقل العراك الى الايدي ثم لادوات التكسير والتقتيل . انظر الى الهبوط في معالجة الموقف :عجزالدماغ عن الاقناع بالفكرة يؤدي الى احالتها للسان واللسان حين يضعف يحيلها الى اليدين وهي اذا ضعفت احالت الى الاسلحة المختلفة, لالغاء الاخر ومحوه من الوجود, والاصح هو الارتقاء في معالجة الموقف فاذا عجز الدماغ عن معالجة الموقف وغابت الفكرة الصحيحة – وهذا لا يعيب صاحبه- لان (فوق كل ذي علم عليم) ان نرتقي لمرجعية عقدية او فكرية او تشريعية او لحكيم يفصل بيننا كما حصل مع النبي عليه السلام واصحاب الحجر الاسود اثناء بناء الكعبة , (القصة المعروفة), فلا يجوز ان تحضر العصبية الجهلاء والقبلية الشوهاء والاممية البغضاء والفوقية الرعناء والعاطفية العمياء, ويحضر الباطل واشياعه واتباعه , والادوات والاسلحة الا سلاح المنطق والحق, والحكمة , ويغيب العقل والإنصاف, ,فكيف سنعقلن الامر ونقيد شياطين النفوس ونهديء الخواطر ونطفيء غليان الصدورعند المتعنتين والمتنطعين ومن يبغون العلو وحب الظهور, يقول الشافعي : " ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة " وقال : "ما ناظرت أحداً إلا قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه فإن كان الحق معي اتبعني وإذا كان الحق معه اتبعته" وقولته المشهورة ( انا على صواب يحتمل الخطأ وغيري على خطأ يحتمل الصواب). فالاصل بالانسان العاقل أن لا يتكلم بغير علم.كما يقول الحق تبارك وتعالى: في الكتاب العزيز):"وّلا تّقًفٍ مّا لّيًسّ لّكّ بٌهٌ عٌلًمِ إنَّ السَّمًعّ وّالًبّصّرّ وّالًفٍؤّادّ كٍلَ أٍوًلّئٌكّ كّانّ عّنًهٍ مّسًؤٍولاْ) 36("الإسراء.( فلا بد للعاقل من الإحاطة بما في المسألة قبل أن يخالف وان لا يخالف فقط من اجل المخالفة, للظهور وحب الغلبة وانتصار المجالس,بل انتصار لحق متأكد ,ولفكرة صائبة ومبداء قويم.فان في ادب الاختلاف والتحاور الرشيد العقلاني يتحقق المنشود من الحوار والفهم والعلم السليم,ويظهر الحق المنشود ويزهق الباطل المردود, ويقوى التماسك المجتمعي وتزيد القدرة على المحاورة والمناقشة الهادفة وتقبل الآخرو وتنجلي الاءحن والضغائن وتموت الفتن وتتوسع للآفاق وتتمحص الأفكار, كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : إني رأيت مناقشة الرجال تمحيصا لأفكارهم . فإنه لا بد من إحياء روح التسامح في الأمة لنتجنب التباغض ونبث روح الأخوة والمودة بين ابناء الوطن ,ولا بد من تأكيد أدب الاختلاف وتجنب سلبيات الخلاف ولا بد من التأكيد على أن للاختلاف أسباباً موضوعية مشروعة ووجيهة يجب إبرازها واستثمارها لرأب الصدع وإصلاح ذات البين والوصول للمبتغى والهدف الاسمى.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 108 مشاهدة
نشرت فى 27 أغسطس 2012 بواسطة mohammadhaider

ساحة النقاش

الدكتور (محمد حيدر) صادق محمود محيلان

mohammadhaider
موقع ثقافي فكري للكاتب الدكتور "محمد حيدر" صادق محيلان . - الكاتب من مواليد مدينة اربد عام 1963. - الاصل من سوم - عشيرة المراشدة - درس في مدارس اربد الابتدائية والاعدادية والثانوية وترعرع في مرابعها . - قضى معظم مراحل دراسته يعمل في محل ابيه , وحتى الانتهاء من »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

54,397

مختارات :السعي في حاجة الناس:

 

السعي في حاجة الناس:

 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم      :

من سعى لأخيه المسلم في حاجة فقضيت له أو لم تقض، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق.