موقع الكاتب: د. "محمد حيدر" صادق محيلان

موقع ثقافي فكري يضم منشورات الكاتب في الصحف والمواقع الاليكترونية

ذكرى وفاة امي

17/10/2011

 

محمد حيدر محيلان

انصدع حزنا ويتفتت خاطري وتذوب حشاشتي الما وأضعف شوقا وحسرة وبنوة.. وابكي... بطفولة.. كما كنت ابكي عندما كانت تتركني وهي ذاهبة لزيارة خالتي...واصرخ .. ولكني كبقية الرجال .. ابكي لوحدي بصمت او بداخلي واغص بحزني ولا اكاد ابلع ريقي واتحشرج .. وان الخبير بالبكاء الداخلي يراني ويحزن لمنظري ومن لا يبكي لفراق امه فهو بلا قلب .. او بلا ذاكرة وبلا مشاعر او لا يفتقد امه .. ومن لا يفتقد امه الغائبة لا يفتقد احد ولا يحزن لفراق احد ..كيف وهي امي ثم امي ثم امي ...وهي اب لمن فقد اباه صغيرا. ابكي وابكي واحزن وامارس النواح وتراتيل الحزن على امي بطريقتي الخاصة كما كانت امي تسلي وحدتها بالنواح والبكاء على ابن اخيها (غازي) وكنا نبكي معها ونحزن ونشاطرها الالم ونحن اطفال.. اليست امنا؟؟ فنبكي ان بكت ونضحك ان ضحكت . فانا ادعو كل الفاقدين امهاتهم: تعالوا نبكي ونحزن على أمهاتنا الراحلات كلما راينا اما فاضلة جليلة ترتدي الزي الاصيل الذي هو الاخر يموت مع صاحبته وينطوي معها الى غير رجعة اولئك المحافظات القدامى او المحاربات القدامى .. اللواتي تسقط الراية من ايديهن واحدة تلو الاخرى دون ان ترفع الراية واحدة من بناتهن وتكفن احداهن بالرايات الماجدة وبالاثواب الطاهرة وتدفن معهن الحطات والشنابر والجدائل العفيفة التي ما ظهرت ولا رأها احد سوى ازواجهن او بناتهن وقصاصات اظافرهن التي تشهد على جدهن وتعبهن وسهر الليالي.. كان كل شيء يخصهن مقدس وهو كذلك.. اولئك النساء كن مجموعة من القيم النبيلة الفاضلة والمروءات الجميلة تتحرك بأدب جم واتزان وتجلس بتؤده وتتكلم بترو وبالفاظ محسوبة عليها, غلافها الحياء وضابطها الدين والخلق ومحتواها الامثال والحكم وناطقها فم حيي ولسان عفيف محترز . كنَ امهات حقيقيات مؤهلات تستحق الواحدة منهن لقب ام عن جدارة واقتدار وبكل معنى كلمة( أم) الكبيرة المعاني والدلالات , وكن يحرصن على نقل وتعليم بناتهن على القيم الفاضلة ضمن مدارسهن الداخلية المنضبطة قبل ان تغزونا وتُغير علينا المدارس الدخيلة والخارجية وعلى بيوتنا وتقتحم ابوابنا عنوة !ّ!! او قل نحن اسهمنا في دخولها ولم نوصد الباب في وجهها ولم يندى جبيننا اوتتحرك حميتنا فساهمنا أو تواطئنا على مقتل الفضيلة وهدم مدارس الامومة الفاضلة واضعفنا ذلك الجيل والغينا مفرادته ومصطلحاته وقيمه وكل ثقافته واستسلمنا لثورة (الجينز والبدي) والتحرر الكاسحة التي غزتنا في عقر دارنا واجتاحت تراثنا وعاداتنا الفاضلة وهزمتنا شر هزيمة والقت بامهاتنا بالأسر وكممت افواههن وكبلت ايديهن وعزلتهن عن القرار وفرضت على بناتنا ثقافة وعادات تتعارض مع الدين والقيم النبيلة كالثقافة (الهيفاوية او النانساوية ) وثقافة الشد والنفخ والقص فاصبح العريس يسأل عن حالة العروس فيجاب (خالي قص نفخان) او فيها تعديل بسيط انف وحواجب. ...رحم الله امي وكل الامهات الفاضلات, ما زلت افرح وينجبر خاطري عندما ارى احدى الامهات في احدى القرى ما زالت تكافح وتنتصر لثقافتها فتعتمر الفضيلة على راسها بحطتها العريقة الاصيلة ويلفها ثوبها الاسود بالوقار والحياء والجمال..واحزن حينما ارى ابنتها التي تمشي معها ترتدي جينزا وبدي واشارب كأنها تعيش حالة صراع اجتماعي تريد ان تواكب الموضة وتحافظ على التراث او تريد ان ترضي امها واهلها والشارع فصعب ذلك المنال . بالامس كانت ذكرى وفاة امي فابكاني الحدث وحديثها الذي كنت اختزله ومر امامي كل شريط الذكريات فانجرحت نفسي ورقت روحي واحسست بدفء امي وحضنها يقترب مني ويعاتبني فأبكي بمرارة والم وانكسار وخجل وتقصير واحسست بان حبلي السر يضطرب ويهتز بحنين وشوق للتسعة شهور التي التصق بها مع امي, ويخشع قلبي حزنا وادبا وحياءا ونفسي تهبط خجلى وروحي منكسرة الخاطر تتحسر وتذوب حياءا وتقصيرا,مهابة لجلال المناسبة وتقصير الابن العاق (محمد) الذي يتذكر امه كل عام مرة فابكي وابكي وابكي ولا اضن ذلك يشفع لي او يبر امي بشيء .. فأنا ادين لها بكل شيء غير الحليب فقد علمتني ان اكون كبيرا وصلبا وثابتا مهما تساقطت على وانهالت الحوادث والمصائب وحاربني الاقربون وتنكر لي الاصدقاء..فتلك اليتيمة علمتني صبرها الجميل وطبعها الجليل وبالها الطويل وخلقها النبيل تلك الام امي ورثت منها رقة الشعور وصفاء الخاطر وعلمتني وانا صغير الكلام والسلام والصفح وحسن الوئام.. افخر وانا احكي لهجة امي وامثال امي.. وحينما اذكر ضحكة امي ابكي لاني افتقدتها . وافخر بابي الذي سيسمع هذا... ولكن المقام مقام امي..فيا رب اني الوذ ببابك وادخل عليك بجاه احبابك وانت الكريم العفو ان تكرم امي وتدخلها عظيم جنانك, فلو كنت انا مكانها وهي مكاني لدخلت عليك الف مرة باليوم لترحمني ولبكتني العمر كله وناحت علي الدهر كله ورثتني بما انا اهله ,ولكني العاق المقصر ارجوان تلفها بعطفك ورضاك كما لو انها حية لفتني بعطفها ورضاها ودعائها, وبلغها يارب حبي ودعائي وشوقي و اخبرها اني وان قصرت معها الا اني احس بها دائما بين جنبي واشكرالله انها امي .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 196 مشاهدة
نشرت فى 27 أغسطس 2012 بواسطة mohammadhaider

ساحة النقاش

الدكتور (محمد حيدر) صادق محمود محيلان

mohammadhaider
موقع ثقافي فكري للكاتب الدكتور "محمد حيدر" صادق محيلان . - الكاتب من مواليد مدينة اربد عام 1963. - الاصل من سوم - عشيرة المراشدة - درس في مدارس اربد الابتدائية والاعدادية والثانوية وترعرع في مرابعها . - قضى معظم مراحل دراسته يعمل في محل ابيه , وحتى الانتهاء من »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

54,027

مختارات :السعي في حاجة الناس:

 

السعي في حاجة الناس:

 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم      :

من سعى لأخيه المسلم في حاجة فقضيت له أو لم تقض، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق.