كنا نستيقظ قبل أن تفيق الشمس من غفوتها لأننا كنا ننام في العراء ونحن نرى الشمس قرص أحمر يستعد للابتهاج والسطو على الأرض كنا نراه يدنوا من خلف جبل بعيد عالي وضخم كنت أسأل نفسى عن الذين يقطنون هذه الجبال ويستطيعون أن يلمسوا قرص الشمس بأيديهم كم حلمت أن أكون هناك .. فركنا أعيننا من غبار التراب الذى كنا ننام فوقه وإنطلقنا بين المزارع والغيطان نجلب العشب لنعجة عاقر ( وسخلة ) ضامرة لا تنموا رغم سعارها فى الأكل وجاموسة بروز عظامها كنا نستعمله مسند لظهورنا اذا امتطيناها ..كان موسم الأربعينية حيث لا ماء فى الترع ولا المصارف وأسماك ضاقت عليها معيشتها تتقافز نحو اليابس بسبب انحسار الماء وقلة الاكسجين وأخرى دفنت نفسها فى الطين ... كانت (رجاء) تسكن وأمها في قبو من الطين على حافة الترعة تركهم أخوها وسافر الى الاسكندرية للعمل فانقطعت اخباره كانت (رجاء) صارخة الجمال تتوسط أسنانها (فللة ) تجعل ضحكتها ساحرة وغمازة فى خدودها احب أن أنظر إليها حينما تضحك ... نظرت الى القصب المنتصب والمستوى وفيه المائل على بعضه من فرط عافيته وكأنه أسوار يستحيل اختراقها تتجول داخله الذئاب والكلاب كنا نسمع عويلهم وكانت أعواد الشامي هائمة منتصبة تراقصها الرياح تتدلى منها القناديل برائحتها المميزة ..وقفنا نتدبر من أين نجمع العشب نخشى من (جاد) هذا الرجل الغبي الذى يملك عقل حمار لا يتحدث ولا يعاتب ولكن بيده مطرقة فإن وجدنا سيجرى خلفنا ويضرب بزمة وضمير وهو يلعن ويسب في أهلنا وأباءنا ... ونحن على هذا الحال خرجت ( رجاء من قبولها ) وأعطتني كسرة خبز محشوة بالسكر ففرحت بها ثم ابتسمت وقالت لي تعالى سأرفعك لتحضر لي ( السرة المعلقة ) لأن ( الشناطة ) عالية ... وسحبتني من يدى داخل القبو وأغلقت باب الخشب المتصدع خلفها ... فنظرت الى الشناطة المعلقة وفوقها السرة كنا بحاجة الى شيء أصعد عليه فأحضرت لي كوة من طين فإرتقيتها ومددت يدى لأسحب( السرة) فإذا بيدها تقبض على مناطقي وقد كانت مناطقي متورمة ومنتفخة بفعل سنى الذى يطرق أبواب المراهقة المسعورة وبيدها الأخرى قبضت على مؤخرتي ..فارتبكت وانتفضت وقفزت من على الكوة للأرض وإذا بي أجد نفسى بين أحضانها محشور بين نهدين اعياهم الظمأ (وفللة أسنانها جافة تماما ) وقد تجردت من عباءتها في غفلة منى وأنا مشغول بإحضار (السرة ) كان كل شيء متواطئ ومتأمر الأرض التي افترشتنى عليها وضغط نهديها وعصير قبلتها الجاف والحمم التي تخرج مصطحبة أنفاسها قشعريرة سرت في جسدي.. وبدأت مناطقي تتمدد فهي الأخرى متامرة حتى الباب المتصدع يتكأ على الجدار بثبات وأخي ومن معه انغرسوا بين ماء الترعة يتحسسون بأيديهم بين الطين موطن الأسماك العفية ونسوني ... قالت لي بهمس إن أمي ذهب للعزاء ولن تعود الآن لم أكن أتحكم بشيء حتى ذلك الصراخ بداخلي تحول الى خصب يروى الأرض الظامئة ..هدير انفاسها الساخنة يرقد في مناطقي .. كل شيء حولنا متآمر وكل شيء بداخلنا متآمر اهتزت الأرض تحتنا وتناثرت حبيبات الغيم السابحة في السماء ثم تجمعت بعد عناء.. فأنزلت مطر بكر حديث عهد بأرض لم ترتوى من قبل. فكان الغيث وفيرا والأرض ظمأى فارتوت وأطفأت نار مشتعلة وهدأ هدير الصراخ الذى يعوى في جسدها منذ سنين