الاقتصاد العملاق يبدأ بمشاريع صغيرة
لتعزيز القدرة التنافسية للمنشآت الصغيرة والحرفية لا يمكن أن تنشئ اقتصادا قويا ( عملاقا ) بدون المرور بالمنشآت الصغيرة والحرفية. فهي بمثابة الجنين لهذا العملاق الاقتصادي، وهي بمثابة تجهيز لجيوش الحرفيين والمهنيين المغمورين لتشييد ذلك الصرح الاقتصادي.وكانت تلك الدراسات والأفكار هي نتاج عقول لدول نهضت باقتصاد ثابت غير مزعزع، وقادر على المنافسة العالمية، وحينما تم تصدير تلك الأفكار للدول النامية كانت بمثابة زرع أعجب الزراع نباته، ثم أصبح هشيما تذروه الرياح وذلك بسبب عدم قابلية وقناعة البعض بتلك الأفكار والدراسات أو بسبب تخاذل الحكومات وتقصيرها في تقديم الدعم الفني والتكنولوجي للمشروعات الصغيرة، أو هروب الحكومات بتلك المشاريع من مأزق سياسي واقتصادي تواجهه، وهي غير مؤهلة له، لكن لإلهاء ضغوط الطبقة الشعبية وخاصة الفقيرة من الركود الاقتصادي.فأدارت تلك الحكومات ظهرها لصغار المنتجين والصناع والمشروعات الصغيرة، وأقامت لها جداراً من العوائق القانونية والضريبية والإدارية التي أحبطت المستثمر الصغير، وأجهضت مشروعه. فتحولت الحكومات من مساند وميسر وداعم لتلك المشروعات إلى عدو ومنافس شرس وعائق لتقدمها، ولم تلتفت إلى أدوات الربط بين ذلك الاقتصاد وأهميته لاقتصاد الدولة، وتركت تلك المشروعات مثقلة بالديون والضرائب والالتزام.
أضف إلى ذلك جهل تلك المؤسسات التصديري لمنتجها، مما ترتب عليه زيادة في رقعة البطالة العمالية وإنهاك اقتصادي، فانعكس على شكل أزمة للدول ذاتها.
العوائق التي أجهضت تلك الدراسات والأفكار للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر في دول العالم الثالث:
- البيئة: لم تولي تلك الدول أي دراسات ميدانية جادة لمساحتها الجغرافية وحصر ما يمكن أن يتوفر من موارد في كل مساحة ( مدينة أو قرية ) لإقامة مشروعات تتناسب مع تلك الموارد. وعدم وجود دراسة جادة للطبيعة السلوكية لسكان تلك المناطق وميولهم الحرفية والصناعية والتجارية والزراعية. وترهل الثقة بين الحكومات ووعودها وبين المستثمر الصغير أو صاحب المشروع. وعدم استقرار القوانين الاقتصادية وعدم وضوحها وتغيرها أو تعديلها باستمرار. وعدم التناسب بين موقع المشروع ومنافذ التوزيع أو الترويج وما يترتب علية من تكاليف النقل والتخزين والمقرات أضف إليها الضرائب وعدد العمالة ورواتبهم والرسوم ونقص بعض أدوات التصنيع. والعقيدة الوظيفية للموظف أو المسؤول ( وزير وغيره ) أفقدته الإبداع والمخاطرة والبذل في تلك المشروعات لإنجاحها.
- البورصة: خروج البورصة من دورها التنموي للمشروعات الصغيرة بسبب العوائق التي تقدمها، ومنها التكاليف العالية لمتطلبات التسجيل فيها مما يعيق المنشآت الصغيرة في إصدار الأسهم. وعدم وجود بورصات مالية صغير بلوائح أخف وطأة على المبتدئين لكي تتناسب مع مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة القابلة للنهوض والتطور والنمو لطرح أسهمها على الجمهور، ثم تتدرج للالتحاق بالبورصات الكبيرة. وهذا ما فعلته الدول الاقتصادية الكبرى مثل (فرنسا وإنجلترا وألمانيا )، فأنشأت بورصات تتناسب مع تلك المشروعات بلوائح أخف وتكلفة أقل وتوعية أكثر.
- التأجير التمويلي: وهو إمكانية تأجير أصل من الأصول للمشروع الصغير مقابل دفعات مالية ميسرة ودورية للمؤجر الذي يحتفظ بحق الملكية، وتعتبر تلك الدفعات تكاليف تشغيل الأصل، وهذا يمكّن صاحب المشروع من التغلب على نقص رأس المال لديه.
- التأجير التكنولوجي: وهو الحصول على معلومات وبيانات مالية واقتصادية من مؤسسات ومراكز تدعمها الحكومة أو القطاع الخاص عن مشروعه، والنظام الأمثل لإدارته وتكلفة المنتج وآخر تطوراته مما يقلل تكلفة المشروع، ويوفر هامش من الربح.
- الشراء والإيجار: وهو اكبر عائق للمشروع لأنه ( بمثابة إعلان لميلاد المشروع الصغير)، ونظراً لارتفاع موقع المشروع يلجأ صاحب المنشأة إلى استئجاره لعدم قدرته على التملك، مما يهدده بالطرد بعد انتهاء مدة التعاقد أو رفع القيمة الإيجارية بما يتناسب مع نجاح المشروع، مما يهدده بالتوقف. ولذلك وجب التركيز على الشراء الإيجارى للمشروع وهو أن يسدد المستأجر دفعة مبدئية مرتفعة ثم تنقل ملكية المشروع له عند سداد أخر دفعة ( القسط الأخير ).
تجربة رائدة لبنجلاديش والصين
هذه بعض العوائق التي أجهضت مجالات التنمية في تلك البلدان. والحق يقال كانت بنجلاديش رائدة في تطبيق تلك المفاهيم والدراسات، والصين التي حولت كل منزل إلى مصنع صغير ينتهي منتجه إلى مصانع الدولة العملاقة ( الصناعة التجميعية ).فأصبح كل صيني مهندسا وصانعا وخبيرا، والدولة ليس عليها إلا حصاد ما ينتجه شعبها من منتجات. لذلك غزت العالم من أقصاه إلى أقصاه في الوقت الذي تربع العالم الثالث على منتجه الخام، وقام بتصديره خام دون أن يجهد نفسه في إقامة متاريس اقتصادية قوية تكفيه التدخلات الغربية، حتى كادت الأراضي تنفق من مخزونها الاقتصادي الخام، وأصبح اقتصادنا عبارة عن أوراق دولارية في بنوك غربية لا تثمن ولا تغني من جوع اللهم إلا ابتزازنا بتلك الأموال.
كتبنا وكنا نظن أننا نكتب وقرأت ما كتبنا أكتب تعليقك ربما يكون نافلة القول التى تقيمنا إنتقد أو بارك أفكارنا لربما أنرت لنا ضروبا كانت مظلمة عنا أو ربما أصلحت شأننا أو دفعتنا لإصلاح شأن الآخرين
محمد زين العابدين
عدد زيارات الموقع