السبت, 18 حزيران/يونيو 2011 11:46 دائمًا ما كان أهل الخبرة والعقل والحكمة يخرجون على الناس بكلمات بسيطة قليلة ، لكنها كانت تلخيص وتوصيف كامل لحالة شخص ما أو فئة ما من فئات المجتمع .
من ذلك مثلاً هذا المثل الذى يقول ( أسمع ضجيجًا .. ولا أرى طحنًا ) كلمات بسيطة لكنها تعبر تعبيرًا واضحًا عن حال هؤلاء القوم ، الذين تعلو أصواتهم وتنخفض حركتهم ، ويكثر كلامهم ، ويقل فعلهم بل إن منهم من لايوجد له فعل على الإطلاق .
فى المشهد المصرى ملمح من ذلك وصورتان بينهما اختلاف وتمايز واضح :
الصورة الأولى هى لأصحاب الضجيج والصوت العالى الذين لا نشعر بوجودهم إلا من خلال أصواتهم العالية وفقط .. هم يتحدثون كثيرًا ، يساعدهم فى ذلك منابر الإعلام التى ترفع رايتهم ، وبعض الصحف التى تعيش على المتناقضات وتلعب دور الشريك المخالف ، لكنهم بين الناس لا وجود لهم .. لا أحد يعرف عنهم شيئًا .. لم يعرفهم الناس ولم يلتقوا بوجوههم إلا ن خلال الشاشات والجرائد ، أما أن يقابلوهم فى أزمة من أزمات المطحونين أو مشكلة من مشاكل أسرة يقسم أفرادها أوقاتهم ليقف كل منهم فى طابور الخبز أملاً فى الحصول على الرغيف ، فذلك ليس من شأنهم لأنهم النخبة المثقفة .. النخبة التى تصنع للشعب المسكين طريق المستقبل المفقود وتضيئ له أنوار الديمقراطية ، وبالتالى فهم وحدهم الذين يملكون قوارب النجاة ، وهم وحدهم الذين يعرفون شفرة حل المعادلة.
هؤلاء الذين ملئوا الدنيا ضجيجًا عن الدستور وأولوية وضعه ، والانتخابات وضرورة تأجيلها حتى تتماسك سائر القوى السياسية ويكون لها دور فاعل فى الشارع المصرى ، وحتى تستطيع تكوين قاعدة جماهيرية عريضة ، هؤلاء لم نسمع عن أفعالهم شيئًا ولم نراهم فى الشوارع والحوارى – على الأقل فيما قمت به من حالات متابعة للقوى الفاعلة فى المجتمع المصرى قبل كتابة هذا المقال – ولم يتعرفون على الناس ويحاولون المساهمة فى حل مشاكلهم وتخفبف معاناتهم وفى كل مكان كنت أذهب إليه لم أكن أقابل أحدًا من هؤلاء ، ولم أكن أجد إلا أصحاب الصورة الثانية الذين يسمونهم الإسلاميين على اختلاف مسمياتهم وتكويناتهم ، كنت أراهم يعملون ولا يتحدثون يصنعون طحينًا لا ضجيجًا والأمثلة على ذلك كثيرة منها على سبيل التوضيح أزمة أنابيب البوتاجاز ، والتى كان لهم دور كبير فى تيسيرها للناس وبأسعار رمزية ، وكذلك توفير الخضروات والمواد الغذائية ، والمحافظة على النظام فى طوابير الخبز ، وتوفير الأدوية لمن يحتاجها ولا يملك ثمنها ، وغيرها مما لا يسمح به المجال الآن . كنت أرى طحينًا ولا أسمع ضجيجًا. إن الذى يتحدث كثيرًا دون أن يفعل شيئًا هو فى حقيقته مفلس لا يملك شيئا يقدمه للناس. والغريب حقًا إنهم لا يكتفون بالضجيج وفقط ، وإنما يتهمون أهل الطحين بأنهم الأكثر تنظيمًا والأكثر عملاً ، والأكثر تحركًا بين الناس إذ المفروض أن يكتفوا بالضجيج وفقط مثلهم ؛ حتى يصاب الجميع بالصمم وليت ضجيجهم ضجيجًا لصوت ماكينات المصانع التى تعمل ، أو صوت إنتاج يعلو بسببه دخان العمل يغطى سماء بلادنا بدلاً من سحابة الأرز التى كانت تغطيها فى النظام البائد ، ولكنه ضجيجًا يصيبنا بالصداع ووجع الدماغ ، والله يرحم عمنا "بيرم التونسى" حينما قال ياهل المغنى دمغنا وجعنا شوية سكوت لله ( مع كامل الاحترام والتقدير لكل صاحب موهبة ).
محمد مدحت عمار
طالب فى الاعدادى واحب الاسلام وهوايتى الكمبيوتر والمقالات والنت و كاتب صغير »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
47,771
ساحة النقاش