سلسلة مقالات "دعوتنا"
لقد كانت الحاجة مساة إلى الدعوة، بل كانت ضرورة ملحة أن تقوم فى الأمة عامة، وفى مصر خاصة دعوة جديدة تبنى ما هدم الاستعمار، وتصلح ما أفسده الحكام، وتنعى الحاية مما لوثتها به عصور الانحطاط، وتقاوم ما يخططه أعداد الإسلام.كانت الناس فى حاجة إلى دعوة تجدد القول بالمعرفة الواعية، وتجدد القلوب بالإيمان الدافق، وتجدد الحياة بالالتزام الصادق، وتقف بالمرصاد للأفكار الهدامة، والدعوات المخرفة، والهيئات المضللة التى تغزو العقول بالشبهات وتغزو النفوس بالشهوات. كان الإسلام فى حاجة إلى دعوة تملأ الساحة، وتسد الثغرة، وتعبئ الأمة، وتستنهض هممها، وتفيقها من غفوتها، فعلماء الأزهر كانوا مشغولين بقضايا داخلية، وكانت السلطة الحاكمة قد ورثت من عهد الاستعمار أن تعزل الأزهر عن التأثير فى الحياة وأن تضيق على علمائه وأبنائه حتى تلهيهم لقمة العيش عن هموم الدعوة إلى الدين، وقضايا الأمة المصيرية، وكانت الطرق الصوفية مشغولة بأذكارها، وأورادها، وبعضها بموالدها وموائدها عن التصد للإصلاح وحمل راية الدعوة ليتجدد الإيمان فى الأمة.فكانت الأمة إذن فى حاجة إلى دعوة جديدة، تجدد دعوة النبى الأمين، بقوم عليها الغيورين على هذا الدين وهم القابضون على دينهم فى أيام الشدائد والفتن. ولقد كان من دلائل التوفيق فى ظهور حركة الإخوان المسلمين أنها جاءت دعوة فى أوانها وأحوج ما يكون المسلمون إليها، إذ تنازعت أقطارهم، وتكالبت عليهم أمم الأرض جميعا، وخضعت كلها – تقريبا – للاستعمار الانجليزى والفرنسى والبلجيكى والإيطالى والبرتغالى والأسبانى والهولندى، ثم كانت تقاسم الاستعمار الانجليزى والفرنسى كثيرا من ديار المسلمين فى اتفاقية (سايكس بيكو) المعروفة، وبعد ذلك أعطى من لا يملك من لا يستحق، إذا أعطى الانجليز وعدا لليهود بإقامة وطن قومى لهم فى فلسطين فكانت بمثابة الخنجر المسموم الذى وضع فى قلب هذه الأمة، ومع الاستعمار جلبت كل المفاسد من النساء الكاسيات العاريات إلى حانات الخمور والملاهى إلى الصحف والمجلات التى غزاها الفكر الغربى الصليبى والمعادى للإسلام والهادف إلى إقصائه والإجهاز عليه، فضلا عن المحاولات الحثيثة لطمس هوية الأمة، وأصبحت المسلمات العقدية والفكرية والشرعية عرضة لتشكيك، وظهر فى مصر كتاب (الشعر الجاهلى) لطه حسين عام 1926 والذى شكك فيه فى صريح القرآن، ومن قبله كتاب (الإسلام وأصول الحكم) للشيخ على عبد الرازق عام 1925 وهو الذى جرد فيه الإسلام من الحكم واعتبره مجرد رسالة روحية، وهو ما لم يقل به أحد قط طوال العصور الماضية، وكانت سقوط الخلافة عام 1924 إيذانا بأن القلعة باتت بلا حراس وأن الحمى أمسى مستباحا لكل من هب ودب حتى اجترأ عليه الجبناء، وكان سقوط الأمة فاجعة من الفواجع الكبرى فى تاريخ الأمة زلزل كيانها، وهز بنيانها، أشبه بدخول الصليبيين بيت المقدس، ودخول التتار لبغداد فى العصور الماضية وثار ثائر المسلمين فى كل مكان ونادى المنادون وعقدت المؤتمرات من أجل إعادة السلامة ولكن العقد قد انفرط ولم يكن من السهل جمعه من جديد فقد كانت المؤامؤة أكبر وأعمق من تلك المحاولات الحزينة.وقد كان من أبرز ما يجد الحاجة إلى دعوة جديدة هى تلك الموجة العاتية للتغريب الفكرى والاجتماعى والتى أسماها الإمام الشهيد حسن البنا (طغيان المادة على بلاد الإسلام) وقد بين – رحمه الله – آثار هذا الغزو الغربى المكثف الذى عمت أخطاره الأمة الإسلامية بأسرها إذ عمل الأوروبيون جاهدين على أن تغمر موجة هذه الحياة المادية بمظاهرها الفاسدة وجرائمها القاتلة جميع البلالد الإسلامية التى امتدت إليها أيديهم فأغروا كبار المسلمين بالاستدانة منهم والتعامل معهم واستطاعوا بذلك أن يكتسبوا من التدخل الاقتصادى وأن يفرقوا البلاد برؤوس أموالهم ومصارفهم وشركاتهم ونظامهم الربوى الفاحش واستأثروا بذبك بالثروات الطائلة ولم يكتفوا بذلك حتى أنشألوا المدارس والمعاهد العلمية والثقافية فى عقر ديار الإسلام تقذف فى نفوس أبنائه الشك والإلحاد وتعلمهم كيف ينتمون لأنفسهم ويحتقرون دينهم ووطنهم ولغتهم وينسلخون من تقاليدهم وعقائدهم ويقدرون كل ما هو غربى ويؤمنون بأن ما يصدر عن الأوربيون وحده هو المثل الأعلى فى هذه الحياة.د . محمد عبد المنعمعضو مجلس الشورى
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 85 مشاهدة
نشرت فى 11 يونيو 2011 بواسطة mohamedmedhat1

ساحة النقاش

محمد مدحت عمار

mohamedmedhat1
طالب فى الاعدادى واحب الاسلام وهوايتى الكمبيوتر والمقالات والنت و كاتب صغير »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

47,718