بين الاحتكار والاحتقار وعبر التاريخ!

د. محمد جمال حشمت
 

 

 

 

 

خلق الله سبحانه وتعالى النفس البشرية وبها المتناقضات وجعل قيادتها ونتاج أفعالها لصاحبها ليتحمل أجر أو وزر ما يقدم عليه ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾ صدق الله العظيم.

 

ولعل الآية القرآنية التي تكررت كثيرًا في القرآن ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ تؤكد على أهمية الإيمان والعمل أي ضرورة تلازم الجانب العلمي والجانب العملي في حياة الإنسان وبناء على هذه الأركان الستة في النفس البشرية- الفجور والتقوى والتزكية والتدني والإيمان والعمل- نستطيع أن نفهم ماذا يحدث؟ ولماذا؟ والملاحظ أن الشعب المصري رغم هدوئه وطول باله وصبره على حكامه إلا أنه يلقى من هؤلاء الحكام احتقارًا شديدًا لا تخطئه العين في النظرة الدونية من أهل الحكم وما يتواصوا به من أن هذا الشعب غير ناضج ولا يصلح معه إلا الضرب كما سمعت من أحد ضباط الشرطة، ومن التهديد المتواصل لو لم ينضبط الشعب على بوصلة أهل الحكم ولسنا في حاجةٍ لسرد ما جاء بتقارير التعذيب والسرقة والنهب وتدني مستوى الخدمات من صحة وتعليم ومواصلات وصرف صحي، وما زاد على ذلك من تعمد قتل الشعب المصري كما يحدث في السجون وفي توزيع القمح المسرطن واستعمال المبيدات المحرمة دوليًّا، والسماح بجعل مصر مقلب زبالة كبير لمخلفات الشعب من ناحية ولنفايات العالم من ناحيةٍ أخرى، كما لم ينس هؤلاء الحكام أن يستثمروا نفوذهم ويحتكروا الثروة بجانب السلطة في مصر!!

 

فهل يستحق المصريون كل هذا الإجرام من حكام اللحظة الذين يحكمون الخناق على مصر وشعبها بل يعبثون بحاضرها ومستقبل أبنائها؟! ويكفينا الواقع الذي نحياه كمقياسٍ على التخلف والتدني والتدهور الذي تعانيه مصر في ظل الحكم الحالي ولندرك حجم التخلف الذي صرنا إليه لو طبقنا معايير تحدد قياس الوضع السياسي في الإجراءات الديمقراطية وحقوق الإنسان والوضع الاقتصادي طبقًا للناتج القومي واستغلال الموارد ودخل الفرد، أما معايير الوضع الاجتماعي فيحددها درجة التجانس بين مكونات الوطن البشرية ودرجة التوافق أو التراضي بين السلطة والشعب، وأخيرًا الوضع الصناعي ومعاييره بحالة البحث العلمي وحجم التصنيع وحسن الاستخدام الأمثل للموارد!!! وطبعًا التفصيل في كل نقطة ستصل بنا إلى الصفر الشهير في كلِّ مجالٍ، وأتحدَّى منصفًا من أهل الحكم أو مريديهم أو حماتهم أن يتناول مصر في إطار هذه المعايير كي نتعرف على مصر التي هي بقرتهم الحلوب وتبدو غريبة عن شعبها وأبنائها!!

 

ولكي نكون أكثر علميةً لعلنا نخرج بتصورات ووسائل للخلاص والنهوض من هذه المحنة التي طالت، نعود قليلاً لبعض مراكز الأبحاث المتخصصة في دراسة مشاريع النهضة لعالمنا المعاصر مثل بيت الخبرة للتدريب والتطوير في قطر، وهو يقدم اجتهادات مشكورة استغرقت سنوات في استقرائها وتأصيلها يجب الاستفادة منها بأي قدرٍ، فالهدف النهائي هو انتشال الأمة من لحظاتِ التخلف والضعف والانهيار الذي أوصلنا إليه حكام ونخب وصمت شعوب!!

 

ولعلي في هذا المقام أرصد جانبًا واحدًا من أساسيات مشروع النهضة الذي يُلاقي الكيد من الخصوم والجهل من الأحباب ألا وهو أهمية دراسة التاريخ، وقد استغرق سرد التاريخ حوالي ثلث القرآن الكريم للتربية والعبرة والتعلم من تاريخ الأمم.. فهل أدركنا حكمة التعبد بها؟! وكيف لنا أن نخوض معركة متكررة يقع فيها الطغاة باستمرار بينما نحن لم نتعلم دروس النجاح منها في مواجهة الظلم والظالمين ونبذل جهدنا في الدعاء فقط - رغم أهميته- دون أن يصحبه فهم ووعي وتضحيات؟!

 

ومن علامات التأخير أننا نرى في الساحة كثيرًا من العاملين في مشروع النهضة الذين لا يريدون تحمل أي نوعٍ من المخاطر وإنما يريدون نجاحًا وإنجازًا باردًا مبردًا لا عوجَ فيه، فهم محجمون عن أي مبادرة أو فعل حقيقي لاعتقادهم بوجوب تحمل غيرهم التكاليف، أما هم فلم يحن دورهم بعد، فلصعوبة الأوضاع ووطأتها الشديدة فإقدامهم غير وارد وصبرهم طويل ولا يدري هؤلاء أن "الغنم بالغرم"، وأن كل العظماء تحملوا وأقدموا حين أحجم الآخرون "وما فاز باللذة إلا الجسور".

 

وهنا وجب رفع الواقع لكل العاملين والمؤمنين والمتحمسين في المشروع الإسلامي لنحدد مكان وأهمية ونوعية دراسة التاريخ في عقولهم بأسئلة مباشرة عن عدد كتب التاريخ المقروءة، نوعيتها، التجارب البشرية المطلع عليها أم فقط من التاريخ الإسلامي، كيف تقراءها؟ الجوانب التي تُركِّز عليها؟ أهمية دراسة التاريخ… وهكذا كي نتعرف على النمو العقلي لصناع النهضة ووعيهم في مرحلة اليقظة، فمهما علت العاطفة فهي وحدها لا تكفي لأن معادلة النصر تقوم على "أولى الأيدى والأبصار"؛ أي من يمتلكون القدرة التنفيذية مع الرؤية وبعد النظر.

 

ودراسة التاريخ ليست دراسة للماضي، إنه قاعدة الحاضر كما أنه انعكاس كليهما على المستقبل.. إنَّ غاية القائد أن يفهم القوانين العامة وأن يفهم النواميس الكونية وأن يفهم سنة الله في خلقه؛ لأنه يتعامل مع السنن، وانظر إلى قول الشهيد حسن البنا في مؤتمره الخامس "لا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها، وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض".. هذه القدرات المتنوعة للقائد في فهم القوانين ثم الاستفادة منها في التعامل مع قوانين أخرى هي المحصلة الكبرى لدراسة التاريخ.

 

إن نظرة واحدة على عمليات التحرك لتغيير الواقع في التاريخ تضعنا أمام نماذج لا حصرَ لها من الممكنات، فما قراءاتنا حول المشاكل التي واجهها قادة التغيير والحلول التي جربوها؟ ماذا نقرأ مثلاً في: تجارب الأنبياء غير المحاربين والأنبياء المحاربين؟ كم عدد المحاولات التي جربها الرسول- صلى الله عليه وسلم- للانتقال من شريحة البدء إلى إيجاد شريحة التغيير؟ وما دلالات هذه المحاولات المتنوعة؟ وما الاستجابات المختلفة لقضايا الواقع وما دلالتها؟ وما العبرة من تحركات ومآلات الخوارج وغيرهم.. وماذا نقرأ في التجربة الألمانية والفرنسية والبريطانية والروسية والصينية؟ وما تجارب الثوار في أمريكا الجنوبية وما العبرة منها؟
إن تنوع الوسائل والنماذج تعطي سعةً لا حصرَ لها سواء على مستوى الإستراتيجية أو على مستوى التكتيك.. فكل تجربة تغيير أو احتشاد للنهضة في مجتمع ما هي إلا خبرة مضافة ودرس يحتاج إلى تعلم، وتدريب القادة على القراءة والربط والمقاربات وعمل النماذج هو أول أولويات طلاب النهضة!!

 

أسوق هذا الحديث للمتعجلين أو المتبسطين الذين يظنون أن مظاهرة كبيرة العدد- لا يعد لما بعدها- كفيلة بإسقاط هذا النظام!!

 

آثرت ألا أتحدث على فضيحة هذا النظام الطفولي الذي أدمن الإساءة لنفسه ولوطنه ولشعبه وما فعله في مرشحي الشورى المنافسين له وهو ما لم يخرج على الوصف الذي وصفت به دوره في الحياة السياسية بمصر؛ حيث حولها لملعب اعتقل كل مَن فيه من لاعبين منافسين وجمهور وحكام ولم يبق إلا فريقه العاجز الفاشل المنافق ليخوض به مباراة حرمت على المنافسين، كما حرم الحاكم بأمر الله الملوخية على الشعب المصري.

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 131 مشاهدة
نشرت فى 10 يونيو 2011 بواسطة mohamedmedhat1

ساحة النقاش

محمد مدحت عمار

mohamedmedhat1
طالب فى الاعدادى واحب الاسلام وهوايتى الكمبيوتر والمقالات والنت و كاتب صغير »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

47,740