مقدمة
تحية لنشطاء تويتر ولـ: ليليان وجدي
قام النشطاء في مصر على تويتر بعمل دعوة للتدوين اليوم ضد التحرش الجنسي.
في ذهني، وفي قصاصات أوراقي المبعثرة أفكار كثيرة تراكمت على مدار سنوات للتعامل مع هذا الملف، لكن لم أجد الوقت المتاح لذلك أبدًأ. فقط إحدى المدونات المصريات استطاعت دفعي للكتابة وتحدي ضيق الوقت من كثرة "تويتاتها" المثابرة على موقع الحوار الاجتماعي "تويتر" عن القضية: "ليليان وجدي"، فلها الشكر، فهي السبب في خروج هذا المقال إلى النور.
سأتناول الموضوع من جوانبه الكثيرة، بما يسمح به الوقت، ومن وجهة نظري الشخصية، غير المتخصصة، رغم قراءتي وتأملي واهتمامي بهذا الموضوع، وذلك من خلال نقاط تتناول الأفكار الرئيسة للموضوع.
أولا: ما هو التحرش الذي نتحدث عنه
التحرش الجنسي هو أحد أنواع تحرش الإنسان بأخيه الإنسان.
التحرش قد يكون تحرش كرامة، بإهانة الضحية أو السخرية منه.
وقد يكون تحرش بسبب عاهة ما، أو نقطة ضعف ما (مثلًا: تحرش المجتمع بالعانس والمطلقة وتحرش المجتمع بالضرير وصاحب الإعاقة الذهنية، أو المتأخر دراسيًا أو مهنيًا، إلخ) ويدخل فيه اللفظ والإيماءة والتحرش المادي بالدفع باليد أو الركل أو العبث بالملابس أو النميمة..الخ.
كل هذه تحرشات - في فهمي لكلمة تحرّش - لكنها لا تتصل بالجانب المتعلق بالأعضاء الجنسية أو بالاستمتاع الجنسي أو بشهوة جنسية لدى المجرم يستمتع بها من خلال تعامله مع الضحية بالنظر، أو لفظيًا، أو جسديًا.
أما التحرش الجنسي فهو هذا الذي يتصل بهذه الأمور، وهو ما يدور حوله هذا المقال، الذي أرجو من الله الهداية والصواب فيه، فله وحده الكمال.
ثانيا: تقسيمات ومفاهيم
ولابد في هذا المقام من التفرقة بين النظر المباح والمسموح به للوجه أو في العين مباشرة - أو حتى ناحية جزء من الجسد بشكل عفويّ - ولفترة زمنية معتادة مقبولة لا تعني شيئا مسيئا، وفي حدود ما تسمح به طبيعة العلاقة والموقف (نظر المدرس في وجه طالبته وهو يشرح الدرس، غير نظره بنفس المدة والثبات في وجه امرأة لا يعرفها في المترو، ونظر نفس المدرس لطالبته أثناء الدرس من زاوية عين غير معتادة مما "قد" يفسّر على أنه استمالة للطالبة، يكون تحرشًا، حتى لو لم تظهر هي الضيق أو القلق تحرّجًا منه ﻷنه أستاذها)، وبين المزاح البريء، والمزاح المسفّ بألفاظ مكشوفة - الذي قد تشارك فيه بعض النساء في العمل مثلًا دون حرج - والمزاح المتحرش المؤلم نفسيًا والمزعج، والمقلق من غرض الفاعل، بين المغازلة "العادية النظيفة" المباحة أحيانًا (مثل أن يقول زميل لزميلته في العمل: شكرًا يا جميل، وهو يقولها طول اليوم للجميع)، والمغازلة المتحرشة المسببة للضيق (مثل أن يقول نفس الموظف لزميلة أول يوم لها في العمل معه: شكرًا يا جميل)، وكذلك بين التحرش بدرجاته، وانتهاك العرض، والاعتداء الجنسي، والاغتصاب الجنسي، والاغتصاب الجنسي المصحوب بالاختطاف.
كما لابد أن نفرّق بين أن تتم هذه الجرائم - وهي جرائم لا جدال على الإطلاق في تصنيفها كجرائم في أي تشريع - من شخص غريب، وبين أن تتم من شخص مستأمن ومعروف للضحية، كما ينبغي أن نفرق بين كونها تتم انفرادًا بالضحية أو تتم بواسطة مجموعة من المجرمين (الذئاب البشرية)، وأخيرًا، بين أن تتم في السرّ وتلعق الضحية آلامها في عزلة، أو يتم استغلال ذلك في جولة أخرى من التعذيب وفي جريمة جديدة مستقلة، لفضحها به، بالإخبار اللفظي أو من خلال صور، وكأنها كانت هي التي تقوم بالجريمة لا مجنيًا عليها!
وأخيرًا: لابد أن نفرّق بين التحرش، وهو فعل استمالة أو استمتاع بالضحية بدون موافقتها، وبين "الاستغلال الجنسي" وهو يستعمل نفس وسائل وأساليب المتحرش، لكنه ينجح في إقناع الضحية بما يتم معها، وبإذابة رد فعلها الطبيعي (كالغضب أو الرغبة في الهروب، إلخ) وتحويل سياق الجريمة إلى إقناعها أنه حبّ وعلاقة سويّة ممتعة للطرفين وليست جريمة.
والاستغلال يفرق عن العلاقة السّوّية بين طرفين في أمور كثيرة تجعلنا نصنفه أنه استغلال، منها أساس العلاقة، وانها جاءت بشكل غير طبيعي، وانتهت بشكل غير طبيعي، وتستمر أيضًا بشكل غير طبيعي تحت مظلة التخويف من إفشائها أو التهديد بفضح الضحية أمام أهلها - وهو تكنيك شائع جدًا - وغير ذلك، مما لا يكون موجودًا أبدًا في علاقات الحب الطبيعية، وأيضًا خصائص الطرفين، فكثيرًا ما نجد اختلافًا كبيرًا في العمر أو الطبقة الاجتماعية وغير ذلك، ويكون الشعور بالذنب والخوف من كشف العلاقة موجودًا دائمًا لدى الضحية، مدمّرًا لنفسيتها ومشوّهًا لشخصيتها، وهو ما لا يوجد في علاقات التقارب والحب السويّة التي تحتوي على الجانب الجنسي، والتي لا جريمة فيها ولا إصابات نفسية (على الرغم من أنها قد تكون في نفس اوقت محرمة شرعًا لو لم تكن في إطار عقد زواج سليم).
أردت من هذا التقسيم التفصيلي - على عجل، ولا أدّعي أنه يشمل كل الحالات والانواع - أن أبين أن درجات الألم ودرجات المعاناة النفسية ليست واحدة، وأن هذه الجريمة البشعة - جريمة التحرش - قد تصل - في بعض صورها - لدرجة كبيرة جدًا تجعلها والاغتصاب متقاربين، وذلك لو حدثت في وضع تستأمن فيه الضحية المجرم على نفسها تماما- كالمعلم أو الطبيب أو الجار - وخاصة لو كان قريبا لها - كابن الخالة - وخاصة لو كان من محارمها الأقربين في نفس مكان المعيشة كالأخ أو الأب - نعم حدثت وتحدث! - وحاصة لو كان في وقت أو ظروف تجعل المصيبة أكبر، كوقت خطبة أو زفاف مثلًا، أو صاحَبَها متابعة وإلحاح أو تهديد أو في مكان خال من الناس وتم استغلال ذلك ﻹجبار الضحية على الاستسلام، أو تم المساس الجسدي بأعضاء الضحية أو العبث بها أو إيذائها وهو ما ينقلنا إلى موضوع مستقل وهو: انتهاك العرض، فضلًا عما لو ازداد فصار اغتصابًا أو اختطافًا.
ثالثا: نوع الجنس
نعم، فقد يكون الضحية ذكرًا، وقد يكون المجرم أنثى، وقد يكون الاثنان من نفس نوع الجنس، وهذا يحدث من الشواذ جنسيًا.
هل تريد المتابعة حقًا؟
أنا نفسي تعبت من ذكر كل هذه الأمور المفزعة والمقززة، ولكن ماذا نفعل؟ هل نظل، ويظل أبناؤنا يعانون في صمت؟
كنت سأذكر هنا مثلًا واقعيًا قصّه علينا أحد أساتذتنا في الجامعة، لكنني لن أذكره لسبب واحد: لن يصدق أحد! نعم! فقد اعتاد مجتمعنا ألا يصدّق أن به فجورًا، أو أنه مريض، أو أنه حتى من البشر الذين يمكن أن يخطئوا!
1- مجتمع يدعي العفة وينتهكها
المجتمع المصري معروف بعشقه وولعه بالدين والتدين والرموز والشعائر الدينية وكذلك الأخلاق من غض البصر واحترام خصوصية البيوت والحرص على الحشمة في الملبس.
لكننا نرى أمامنا قمة الهرم الأخلاقي متمثلًا في "المعلّم/المدرّس" يقوم بهذا الجرم في أعلى - أو أحقر بمعنى أدق - درجاته: مع طالباته وهو مؤتمن عليهن، يدرّس لهن في مكان خاص ومكان له حرمته "منزل إحداهن"، وبشكل جماعي معهن جميعًا!
وقد نجد نفس هذا المدرّس في المدرسة اليوم التالي يتلو الآيات وينهر الطالبة عن الغش، أو يجلس بين جيرانه أو أقاربه ممسكًا مسبحة أو مصليًا بينهم في المسجد!
نموذج تكرر في مجتمعنا حتى صار ظاهرة مخيفة!
نموذج جسّده "سي السّيّد" في ثلاثية نجيب محفوظ، رب العائلة الذي يظهر التقوى والتدين والقيم الاجتماعية الفائقة، وفي مكان آخر يخلع كل شيء ليمارس كل شيء كان يرفضه ويستنكره ويعاقبهم عليه أمامهم! مع الفارق، أن شخصية السيد أحمد عبد الجواد كانت تمارس العلاقات غير الشرعية برضا الطرف الآخر، لكنه لم ينحدر لدرجة "ألإفساد والاستغلال الجنسي" الموجودة في نموذج المدرّس، أو "التحرش" الذي أكيد أن المدرس قد بدأ به، وأكمل الطريق، مستغلًا براءة الطالبات.
2- مجتمع تعود على عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لقد أدى بنا طول الحكم العسكري البوليسي القمعي منذ ثورة جمال عبد الناصر إلى اليوم إلى أن يرى الإنسان المصري المنكر أمامه فلا يتحرك، وإذا تحرك هاج عليه الناس وقالوا له: وانت مالك! وربما ضربوه وقتلوه ليسكتوه.
منذ عدة سنوات كنت أقف في طابور الخبز في الهرم بجوار مسكني، وكان الممر داخل الفرن ضيقا لا يتجاوز عرضه المتر ونصف المتر، ويقف به طابور الرجال وبجواره طابور النساء، فلا يكاد يمر أحد خارجًا بعد شراءه الخبز إلا ويحتك بأجساد الرجال والنساء شاء أم أبى، إلا إذا مرّ بحرص شديد جدًا، ونادرًا من يفعل!
وجدت رجلا ضخما في الستين من العمر يلقي ويدفع بجسمه آخر امرأة في طابور النساء، وهو يمد يده بربع جنيه كي يأخذ خمسة أرغفة سريعا دون وقوف في الطابور، فحمي الدم في عروقي، وظللت أنظر له، وقلت له بحدة وصوت عالِ:
- أعط النقود ﻷحد يأخذ لك الخبز. فلم يهتم بكلامي
مر قليل من الوقت وخرجت امرأة من وسط الطابورين تحمل خبزها، وكنت وصلت أنا إلى منتصف طابور الرجال، فوجدت هذا الرجل يدخل قريبا مني، وقد حشر نفسه بصدره في المرأة التي في آخر الطابور والتي تليها، فصرخت في وجهه بصوت عال جدا وبقوة:
- أنا قلتلك ادي الفلوس لحد يجيب لك! انت بتحشر نفسك في الحريم ليه!
انت عارف ان اللي بتعمله ده اسمه ايه في القانون؟ ده اسمه تحرش!!
ماذا حدث؟
- وجدت من خلفي يصرخ في وجهي: إنت مريض؟ تحرش أيه! أنت مريض؟
- ووجدت نفس هذا الرجل، بعد أن أخذ منه رجل آخر النقود، يبتعد قليلا إلى الوراء، ويقول: كله منكم..انتو اللي خربتوا البلد!!
العجيب في كل هذا..أنه لم تتحرك ولم تتكلم ولم تعلّق امرأة واحدة من الواقفات أو من اللاتي تحرش الرجل بهن بجسده!!
3- ثقافة تبيح الجسد: للمزاح والعقاب والسخرية
ذهبت قدسية الجسد...التي غرسها الإسلام
نعم! للأسف هذه ثقافتنا - بمعنى كلتشر culture - التي جعلتنا لا نستنكر أن يمزح أحدنا ويقول نكاتًا ويسخر من جسد الآخر، سواءًا كان هذا الآخر رجلًا أو امرأة، فهذا: طويل واهبل - ولا أدري ما العلاقة بين الطول والهبل! - وهذا قصير أوزعة، ولا أعلم معنى أوزعة، لكنها ذمّ وتحقير والسلام! فلا يبقى أحد إلا أهبل أو أوزعة!
وهذه تخينة غبية، وهذه رفيعة كالعصا. وهذه لعوب، ﻷنها حسناء، وهذه وجهها "يقطع الخميرة من البيت!" ﻷنها متواضعة الجمال، وهذا يلبس نظارة، فهو "أعمى" - وذلك ﻷن العمى لدينا شتيمة! - وهكذا وهكذا وهكذا...
هذه "مأساة ثقافية" .. وهي استحلال انتهاك الجسد لفظيا..وربما تكون هي البوابة الثقافية لانتهاكه لاحقًا بالتحرش، ثم انتهاكه بعد ذلك ماديًا!
هذه الثقافة ليست من الأديان، على اختلافها في بلادنا! فمن أين جاءتنا!؟ ونحن شعوب التدين كله؟
هذه بذرة الشيطان..شيطان التحرش! فهل نستطيع اقتلاع كل هذا الميراث الثقافي الخبيث؟
4- مجتمع لوّام للضحية، لوّام للذات، جبان عن المواجهة، لا يريد التضحية في سبيل الكرامة
نعم، حتى وإن قام بثورة الكرامة، ثورة 25 يناير!
نعم، فقد فعلها بعد أن صار أضحوكة العالم بالفعل، ولعقود!
نعم، قام ليزيح المجرم عن الأمة التي اغتصبها، ولكن بعد.. ثلاثين عامًا من الاغتصاب الجماعي الفاحش العلني!
أعتذر لو اختلف معي البعض، لكن صدقوني: الطريق طويل لنتحرر من هذه الجذور الفكرية-النفسية-الاجتماعية التي تسري في دمائنا، وتحارب فينا عقيدتنا! وتجلعنا منافقين أمام الله! نرقى المنابر ونهزّ المساجد بالحديث عن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحرمة المال والدم والعرض - العرض..لاحظت! -ثم نخرج إلى الشارع، ونسكت عن كل منكر، ونصمت عن عمل أو قول كل معروف، ثم ندّعي أننا أكثر شعوب الأرض تدينًا! بل قل: نفاقًا..إذا لم نغتسل من عار الجبن الذي قد يصل إلى الشرك، والذي زرعه فينا الحكم العسكري الفاجر على مدار أكثر من خمسين عامًا متواصلة!
وﻷننا نلوم الضحية، ﻷننا نجبن عن أن نقوم ونأخذ بثأرها، ونغيّر المنكر باليد أو اللسان، كما تمليه علينا ثقافتنا العربية الإسلامية المركوزة في ضمائرنا ونرددها ليل نهار، فإننا نتركها تواجه "كل" هذه الجرائم وحدها! ودون حتى ترتيبات حماية!
نترك المدرس مع الطالبة في حجرة مغلقة!
نترك الشارع دون رجال قانون "شرطة" كافين
يتعامل الشرطي مع شكوى التحرش ببرود ولا يقوم ليأخذ لها حقها
يترك الناس الضحية وحدها في المكان وينصرفون، ولا يساعدوها حتى بشهادتهم معها
يتصل بهذه النقطة أيضًا:
نزعة التبرير لجريمة التحرش:
- فالشباب لا يجد زواجا، فكيف يعبّر عن مشاعره؟ فهو: معذور!
- والبنات تلبس ما يكشف من جسدها ما يثير الشباب، فهو: معذور، وهي المخطئة.!
- والبنات تحب أن ترى الشباب يعاكسها، فتشعر بانها أنثى وهناك من يهتم بأنوثتها، فيعطيها ذلك أملًا في الزواج والارتباط، فهذه: ليست جريمة بل هي ترويح ومزاح مباح وخروج من الكبت والعقد الشرقية!
- الشاب يداعب فتاة في الشارع بكلام رقيق فهو لم يؤذها، فهذه: ليست جريمة!
والحقيقة إن الردّ التفصيلي على هذه الحجج الواهية التي قوّضت "أمن النساء" في بلادنا، وجعلت شوارعنا ووسائل مواصلاتنا غير صديقة للنساء - Non-Women-friendly - مما أدى في النهاية، وبحكم طول مدة بقاء هذا الأمر الواقع على ما هو عليه - إلى تكريس نزعة إجلاس النساء في البيوت، وكأن أصحاب هذه النزعة - رغم نبل أصل مقصدهم عمومًا من ضرورة عدم إهمال المرأة ﻷولوية بيتها وأطفالها وزوجها قبل عملها - يستبيحون التحالف مع الشيطان ومع المجرم المتحرش، ولو على حساب شرفهم وشرف نسائهم ونساء الأمة، من أجل إثبات أن خروج المرأة من بيتها شرً كلّه، وهذه هي النتيجة، والتي قد يزيدون في شططهم فيفسرونها على أنها: انتقام أو غضب الله!
أما بخصوص إلقاء التهمة على الملابس الكاشفة وغير المحتشمة،
فهذا كمن يقول: وجدت بيتًا ترك صاحبه بابه مواربًا أو سيارة وبها مفتاحها، فأخذت ما في البيت، أو أخذت السيارة، فهذه ليست سرقة ولا جريمة، بل صاحبها هو المخطيء ولو تريدون معاقبة أحد فعاقبوه هو ﻷنه هو "السبب"!
من أين أتى منطق الاستحلال الجنوني هذا؟
هذا ضد كل الشرائع الدينية والإنسانية وضد كل التشريعات القانونية في العالم! بل وضد أبسط مباديء العقل وتنظيم المجتمعات الإنسانية بل والحيوانية!
لنفرض أن شخصًا وجد امرأة مغمى عليها في الطريق، وقد تعرت عنها ثيابها بفعل الرياح، هل لو اغتصبها تكون هي المخطئة أنها: أولًا خرجت من بيتها، ثانيًا أغمي عليها في الشارع وغابت عن الوعي!؟
وكما ذكرت ليليان وجدي - صبّرها الله على هذه النقاشات المستفزة حقًّا!- في ردّها على أحد هؤلاء الحمقى: وهل من يعتدي على طفلة في السابعة أو العاشرة من عمرها يكون معذورًا أيضًا ﻷنها لم تكن تلبس ملابس محتشمة وأثارت غريزته!!
لقد أهان هؤلاء الدين ومقاصده وشرعه حينما استعملوه درعًا قانونيًا يبرروا بأحكامه وشرائعه الراقية - التي يلوونها ليًّا ويلعبون بها - جرائمهم البشعة ويريحون بذلك نفوسهم المريضة التي اعتادت على الإجرام، فلا تستيقظ ضمائرهم أبدًا وهم يجمعون الفجور إلى الإيمان! والإجرام إلى التقوى، في نفاق إجراميّ احترافيّ عجيب، استهوى كثيرًا من قطاعات مجتمعنا للأسف!
كلمة لابد منها بخصوص الاحتشام
نعم! الاحتشام واجب، واجب في المسيحية واليهودية قبل مجيء الإسلام، والكتب أمامي، الكتاب المقدس وكتب التربية والوعظ المسيحية وإجابات القساوسة على أسئلة إخواننا المسيحيين على جريدة وطني كلها تجمع على وجوب احتشام المرأة المسيحية، فلا تبرج، ولا مبالغة في الزينة إلا للزوج وبين المحارم.
لكن هذا شيء، و"المرض" المستشري في شوارعنا وبين "كثير" من رجالنا شيء آخر تمامًا!
صحيح إن "الاحتشام" يساعد بلا شك على تهذيب غرائز النفوس وعدم توفير المناخ الذي يجب ألا يكون إلا في غرف النوم الزوجية فقط، لكن الشخص السويّ نفسيًّا لا يتحول لمجرم متحرش متسبب في آلام الآخرين لمجرد أنه وجد أمامه امرأة غير محتشمة!
كما أن الشخص السويّ العفيف لا يتحول لسارق وجرم لو وجد أمامه كمية من الألماس والنقود!
فالمنتقبة يُتحرش بها بالتحديق في عينيها بشدّة، والتحديق في قدميها وجسدها!
والمحجبة ذات الطرحة الطويلة يرمقها الرجال في شوارعنا محدّقين في عينيها بشدة ومتفحصين لكل جسدها!
أما غير المحجبة فتتلقى الكلمات الفاحشة ودعوات الفجور صراحة، سواءًا كانت محتشمة بأي درجة من درجات الاحتشام أو غير محتشمة.
أما عن أعمار الضحايا
فقد رأيت من يتحرش - لفظيًا، أي: يعاكس - بامرأة في عمر والدته بين الخمسين والستين، تلبس عباءة سوداء طويلة وعادية الجمال والمظهر!
5- دراما وفنون مروّجة ومدربة ومشجّعة على التحرش
فمن كليبات نرى فيها "الفنان!" - وما هو بفنان ولكنه مجرم - يقف "يقطع الطريق" على فتاة نشاهد أنها لا تعرفه أصلًا، ويمد يده ليوقفها عن السير! ويلاحقها بعد ذلك ويسير خلفها باقتراب مرعب، لنراهما في النهاية وقد صارت بين يديه في احتضان كامل، وقد تحقق الهدف، بعد الإلحاح والمثابرة في التحرش وقطع الطريق!
كل هذا يحدث مع أرق الكلمات العاطفية! ومع أكثر التوزيعات الموسيقية عذوبة واحترافًا، أو قد يقف المغنّي مع مجموعة، ليصير التحرش هنا جماعيًا!، وكله يتم مع ألحان جميلة وعبارات غزل! فيتشجع الشباب الذي لم يتربى تربية الأسوياء، ويقلّد هذا النموذج في الشارع، تمامًا كما رأى في الفيديو كليب!
ما علاقة فن الغناء العاطفي بهذا "الأداء/التعليم" التحرشي الإجرامي الفجّ؟
هذه التدريبات العملية ليست مستحدثة، فهي موجودة من أيام فتى الشاشة أحمد رمزي وفاتن حمامة، على الرغم من أنها لم تكن بهذه السماجة والبلطجة وكانت فقط من أجل إعطاء وردة أو إلقاء خطاب حب من مراهق، لا لينتهي - في ثوان - إلى جلسة جنسية يلتصق فيها الجسدان بعد ترصد والحاح وقطع طريق!
هذا المحتوى الذي قدّم طوال اليوم وعلى جميع القنوات، لا يلقى رفضًا، بل سكوتًا مجتمعيًا منافقًا وموافقًا، من اﻷهل في البيت أمام الأولاد، ومن الناس في الشارع ومن الناس في السينما وبلا أي اعتبار لخدش الحياء العام، فيمر بعملية "اعتماد اجتماعي" تجعله يكتسب "مشروعية اجتماعية"، يبني عليها المتحرش - لا إراديًا - تحرشه وسلوكه الإجرامي، وهو ما لا يجد من يستنكره في أي مكان بالفعل! فالجميع صار موافقًا ومتفقًا ضمنيًا: أن التحرش شيء عادي، وأن التحرش ليس جريمة، وأن التحرش موجود ﻷن البنات عايزين كده!، وهو لم يكلف نفسه في أن يسأل هل البنات فعلًا عايزين كده أم انه لم يجد إجابة يغطي بها حمرة الخجل من النفاق وبيع الضمير، فردد حجّة شائعة، وكاذبة أيضًا.
خاتمة وثورة مضادة
شكري العميق للأخت الفاضلة/ ليليان وجدي على جسارتها على بحث هذه المشكلة وعلى مثابرتها طوال اليوم تحثّنا، نحن جمهور تويتر المصريين، على الكتابة عنه في يوم التدوين عنه. وإني ﻷختم مقالي المتواضع هذا بتكنيكات عملية، اهتديت إليها أو رأيتها أو قرأتها، أقدّمها بين يديكم، لتساعدكم أن تقوموا بشيء يحفظ شرف مصر، وشرف بنات مصر، ويحفظ سمعة مصر، وسمعة المصريات في العالم العربي والعالم أجمع، ويحبب القادم إلى بلادنا: فينا وفي شوارعنا، وفي ذلك أكبر دليل على تديننا، وأكبر برهان أمام الله أننا نحبه وننتمي إليه، مسلمين ومسيحيين.
كيف تقوم بثورة مضادة على التحرش إذا حدث أمامك
(مع مراعاة أن ليس كل تكنيك أو حل يصلح أن يقوم به الجنسين، فاختر المناسب للحالة والممكن لمن هو مثلك)
أولا: حالة ركوب المواصلات:
1- ترى شباب (يركبون معك وسيلة المواصلات) يعاكسون بنات في الشارع والأتوبيس يسير:
تكنيك 1: ارفع صوتك بذكر الله وأنت ناظر ببصرك إليهم، مثلًا:
"أستغفر الله..أستغفر الله.." بصوت عال يجذب الأنظار أن هؤلاء يفعلون شيئا خطئا
2- ترى شباب في الشارع يعاكسون بنات في الشارع وأنت تشاهدهم من داخل وسيلة المواصلات، أو تشاهدهم وأنت تسير لكنهم بعيدون عنك:
تكنيك 1: تشتمهم شتيمة غير قبيحة لكنها ستثير نظر الناس ليبحثوا: من الذي يقوم بعمل استحق عليه هذه الشتيمة؟ وتجعل المتحرشين يتنبهوا أن هناك من يراهم و"يهتم" بجريمتهم وبدأ مقاومتهم فيخافوا ويرتدعوا، كما تعطي للضحية إحساسا بالاطمئنان أن هناك من رأى الجريمة، وتفاعل، وأخذ خطوة إيجابية، فهي إذن ليست بلا ثمن، وهناك من يمكن أن يساعدها ضدهم لو تجرؤوا أكثر.
لنسمي هذا التكنيك: أسلوب التجريس الفوري
- درجة فعاليته: فعال جدًأ: لم يخفق معي في أي مرة استعملته فيها.
- الكلمات التي يمكن استعمالها: بس يا وسخ!.. أو اي كلمات شبيهة من ابتكارك
- الأسلوب: النظر في زاوية مواربة، توحي أنك تشتم شخصًا آخر، لكنهم - والجميع - بالطبع سيفهموا من المقصود! وذلك تفاديًا لتطور الموقف إلى مشاجرة وضحايا لو شعروا أنك تشتمهم هم، في حين أننا حققنا ما نريد دون دماء.
3- يمر بك في المواصلات المزدحمة رجل/امرأة يحاول التماس الجسدي "غير المعتاد" معك:
تكنيك 1: إظهار أنك واع ومدرك لما يريد فعله بك من خلال النظر اليه بحدة في عينيه، والتحرك قليلا لو المكان ضيق، أو الابتعاد تماما لو المكان يسمح.
تكنيك 2: محاولة الانتقال من المكان مع إظهار التبرم، بأن تقول له مثلًا، وبصوت عال فيه حدة وضيق وصرامة:
- تيجي مكاني!؟
- ثم تصرّ، وتقول له: تعال، تعال مكاني، وتزحزح نفسك خلفه أو بعيدًا عنه، وخارج نظاق سيطرته عليك.
تكنيك 3: لو استمر في محاولاته، لابد حينئذ من استعمال العنف المباشر والردع، بالضغط على جزء من جسده يجعله يتألم تماما ويبتعد كالرقبة أو الرسغ، وما يمكن التضييق عليه بحركة اليد والذراع، أو بتحريك الذراع أو الكوع بسرعة - تبدو نوعا ما طبيعية، حتى لا تتحول لمشاجرة! - وتطعنه بكوعك في فم معدته أو ضلوعه السفلى.
وإذا اشتكى ليظهر أنك من بدأت بإيذائه، أظهر أن هذا بسبب كهرباء أو شيء شكّ يديك، فأزحتها بسرعة غير قاصد أن تؤذيه (على نمط: احنا آسفين يا مخلوع!).
4- تشاهد في المواصلات المزدحمة رجل/امرأة يحاول التماس الجسدي "غير المعتاد" مع غيرك:
- تواجهه وتلاحقه بنظراتك الحادة.
- تلاحق الضحية رنظاتك التي تنقلها بينه وبين الضحية لتشعرها بما تتعرض له فتغيّر مكانها وتتفادى الجريمة.
- تتوجه لتقف بجواره، وتحاول أن تخلق حاجزًا بينه وبين الضحية، فتجعل جسدك حاجزًا بينهما، أو ذراعك، أو حقيبة معك، ولا تستحي أبدًا، ﻷنه لم يستح من الجريمة فلا تستحي أنت من الواجب!
- لو فشلت كل المحاولات، يمكنك أن تتحدث مع أحد الجالسين: فيه واحدة/طفل باين عليها تعبانة، تكسب ثواب وتقعدها؟
ثانيًا: حالة السير في الشارع
1- ترى شبابًا في الشارع يعاكسون بنات في الشارع وأنت تشاهدهم وأنت تسير لكنهم قريبون منك:
- اقترب من الشخص/الأشخاص الذين يقومون بالجريمة بجدية قاصدا إياهم.
- استوقفهم بصوت عال يجذب ويشتت انتباهم عما يفعلونه من معاكسة: - "لو سمحت"
- قف لمدة ثانية - لتكسب وقتًا تسير فيه الضحية بعيدا أكثر وهم منشغلين بك -
- ثم اسألهم سؤالا عن مكان في المنطقة وببطء وتطويل في صيغة السؤال، وبجدية وصرامة كاملة مثلا: -باقول حضرتك ايه - وتميل عليه قليلًا كأنك تسأله عن شيء شخصي، فيهتم أكثر - في هنا مكتب عقارات؟ قالوا لي هنا في الشارع ده. أو: فيه حضرتك هنا سنترال. فين مكانه؟
وايا كان الرد..رد عليه بكل جدية ورسمية ودون تبسم وبصوت عميق فيه وقار لتجبره على احترامك:
ألف شكر ليك يا فندم
بهذا تكون حققت أهدافا كثيرة: منعت الجريمة، وتركت الضحية تغادر المكان الموبوء، وأشعرت المجرم بدرجة متوسطة أن هناك شيئًا غريبًا ضده (ﻷنه سيسأل نفسه: هو كان يبحث عن مكان فعلا؟ أم كان يريد تأنيبي على المعاكسة؟) ولكن جديتك في طرح السؤال والانصراف لن تجعله يواجهك بسخرية أو استفزاز غالبا. جربت هذا الأسلوب أكثر من مرة وكان المتحرش مرة شخص واحد ومرة شخصان، وكانوا مع مجموعة رفاق معهم، ونجحت في المرتين بفضل الله.
2- ترى شبابًا في الشارع يعاكسون بنات في الشارع وأنت تشاهدهم وأنت تسير لكنهم بعيدون عنك منك:
نفس التكنيكات المذكورة في رقم 2 في أولا أعلاه
ملاحظات هامة:
1- لماذا لم أنصح بمواجهة المتحرش بجريمته؟
أ. لن يقرّ أنه كان يفعل شيئا خطئا، بل قد يتهمك أنت أنك تريد أن تقيم علاقة معها وتظهر انك تحميها، ويتشاجر معك
ب. في حالة المشاجرة، وتصعيد الأمر للشرطة أو لو تصادف مرورها، ستكون مشكلتك أن الشاهدة قد انصرفت، فليس هناك في ثقافتنا - بمعنى كلتشر culture - أن الفتاة تردّ جميلًا لمن يدافع عنها، وإلا اتهمتها الشرطة قبل المجتمع أنها إذن على علاقة به! فالثقافة والمجتمع والشرطة والقانون سيجعلون منك أنت الآخر ضحية، مادام الشهود غير موجودين ليبرروا هجومك أو اتهامك اللفظي للمتحرش ويؤكدوا أنك كنت فعلاً تمنعه من الجريمة، لا أنك تتهمه وتمارس السبّ والقذف ضدّه بالباطل وتشوّه سمعته بما لم يفعله!
- بالنسبة للرجال الذين تحاول فتيات التحرش الجسدي بهم
اهرب فورا. استمرارك في المكان، مع استمرار قيامهن بالتحرش بك، واضطرارك إلى الشكوى، لن يجعل أحد يصدق كلامك في أن امرأة أو فتاة تتحرش برجل! بل قد تتهمك هي، وتصبح أنت متهما، وتعاقب قانونا وتحبس في السجن!
- لا تخلو بامرأة لا تأتمنها على نفسك، والكلام أيضًا للمرأة
في أول ذهابي ﻷمريكا منذ سنوات، ولدى وجودي بمؤتمر في فندق، بادرني أحد الأصدقاء العرب بنصيحة: لا تركب أسانسير مع امرأة وحدكما! فإنك لا تدري، قد تكون متحرشة وتتهمك أنك حاولت معها كذا أو مددت يدك على جسدها! لذلك أحببت أن أنقل لك النصيحة كما وصلتني، رغم إباحة بعض علماء الإسلام ركوب الأسانسير ﻷنه حافلة عامة وليست مكانا خاصًا فيكون خلوة مثل د. علي جمعة، إلا إني أكرر النصيحة: نعمن لا تركب أسانسير مع امرأة واحدة إلا مع من تثق أو تتوقع أنها امرأة سويّة غير متحرشة غالبًا، أي من زميلات عمل أو مشاركات في مؤتمر مثلًا معروفات بحسن السيرة، وذلك فقط للاحتياط.
ظاهرة التحرش وكيفية مواجهتها والقضاء عليها تمامًا
لابد أن تتضافر جهود جميع مكونات الدولة والمجتمع من أجل هذا الهدف، وفي عجالة سريعة جدا:
الدولة:
- توفير مواصلات آدمية، لا وقوف فيها، ومواصلات خاصة للنساء،
- توفير ما يجعل اماكن العمل مريحة وصديقة للنساء، مثل توفير دورات مياه خاصة للنساء، وآليات لتوثيق ورصد ورفع شكاوى التحرش عند حدوثه بمكن العمل،
- عمل توعية شاملة في اماكن العمل والمواصلات والمدارس والجامعات..الخ فيعلم الضحية قبل المجرم ماذا يفعل به، وكيف يتصرف ويواجه
المؤسسات الدينية
- التركيز على مواجهة المنكر في كل مكان ومحاربة المجرم والدفاع عن أعراض النساء، كل النساء بغض النظر عن دينهن أو التزامهن الديني أو احتشامهن، وعدم التعلل بحجج سخيفة لا تمت للدين ولا للمروءة بصلة
المؤسسات الاعلامية
- كتاب ومنتجي ومخرجي وممثلي الدراما وفناني الكليب: عليهم وضع ميثاق شرف ألا يخرج من تحت أيديهم أعمال تعطي للتحرش مشروعية، وتظهره على أنه سلوك عادي في مجتمعنا المصري، وأن المرأة المصرية بائعة هوى تنتظر من يتحرش بها لتقع بين أحضانه بسهولة، ولكن عليهم تغيير النمط إلى مواقف مقاومة التحرش، ومواجهته في الشارع بل والأسرة أو العائلة أو الجيرة.
قوانين وجهات تطبيق القانون (الشرطة)
اجراءات ومؤسسات واليات: حماية بنات المدارس، الساحات العامة، الخ والتعامل مع الشكاوى والتنسيق مع المنظمات الحقوقية
الأسرة:
لحين ما نجد أمامنا دراما وفيديو كليب ومحتوى محترم غير مشجع على جريمة التحرش، عليكم متابعة ما يراه الأبناء وتقبيح هذه السلوكيات أمامهم
- مؤسسات الشباب:
التوسع في تنظيم دورات تدريبية للفتايت على الدفاع عن النفس وخاصة فن الايكيدو وهو فن السيطرة السريعة والسهلة على الخصم من خلال مفاصل جسده ومواطن الضعف فيها، ولا يحتاج لقوة جسدية.
تحية خاصة للمخرجة / نهي رشدي
فهي صاحبة أول قضية تحرش بمصر، وسط الركام الكثيف المسكوت عنه، قامت وقالت: لا .. لن أسكت على الجريمة بعد اليوم.
لماذا يجب علينا جميعًا التوحد تحت راية محاربة التحرش؟
يجب علينا جميعا بمختلف نشأتنا وأفكارنا ومذاهبنا الفكرية وأدياننا أن نتّحد حول هذا الهدف: أن نعلن مصر بلدًا خاليًا من التحرش الجنسي، وذلك لما يلي:
آثاره على الفرد والمجتمع
التعرض للتحرش الجنسي، سوءًا لفظيًا خادشًا ومؤذيًا أو جسديًا مرعبًا ومخيفًا ومهددًا، أو صاحبه تخويف أو استغلال للاستئمان، أو استغلال لظروف المكان أو غير ذلك، أو تكرار حدوثه، يؤدي إلى آثار رهيبة وسيئة على النفس البشرية الهشة أصلًا، كما خلقها الله "وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفًا" - سورة النساء 28، وهذه حقيقة، فالإنسان تؤثر فيه النظرة المجرمة، واللمسة المنتهكة لمكان محرم من الجسد، كما يشعره بالإذلال أن الغير قد استمتع بهذا الإيذاء!
وقد يتسبب ذلك كله في إحداث حالة صدمة نفسية وعقلية وشعورية تستمر أو تختفي بعد شهور أو سنين، لكنها تترك ندوبًا وجراحًا عميقة لا تزول مدى الحياة، وخاصة لو كان المجرم قريبًا أو جارًا يراه الضحية كل يوم، ينكأ الجرح ظهوره أمام عيني الضحية!
وإن التعرض للتحرش قد يؤدي إلى إثارة اهتمام الضحية بشكل مرضي بهذا الجانب الجنسي من جسده، فينزلق إلى إدمان الجنس ويصبح غير مستقر جنسيًا Over-Sexed أو مدمًنا جنسيًا، أو شاذًا جنسيًا، ثم متحرشًا جديدًا في نهاية المطاف، ما لم تتداركه عناية الله، ويسيطر بإرادته على نوازعه التي تسبب في ظهروها ما تعرض له، أو باستغراقه في التدين أو العمل الاجتماعي أو العلمي أو المهني، فيخسر المجتمع شبابه وبناته في وحل الجريمة والتمزق النفسي، ويصبح مرتعًا للمجرمين والمتحرشين في دائرة مفرغة تتوالد كل يوم في المواصلات والشوارع والمدارس والجامعات.
التحرش اللفظي: الكتروني أيضا
نعم، فلتحرص أخي الذي يستعمل النت في المراسلة أو الحوار أو التشات على انتقاء الألفاظ وعدم التساهل المفرط في الألفاظ مع الأصدقاء، حتى لا تُفهم خطئًا، ولا تتسبب - بدون قصد منك، وبحسن نية في إزالة الحواجز أو المزاح..إلخ - في إيذاء نفسي وتحرّش غير مقصود.
كلمة إلى المتحرش الثوري
هل لابد أن تكون في ميدان الثورة لكي تكون إنسانًا سويًا؟
ألم تطهرك أيام الثورة وتحلّق بك في سماء مباديء الحق والعدالة والخير؟
ألم تكن على استعداد حقيقي للموت في سبيلها؟
لماذا بعد الثورة تمارس رذيلتك وتنظر إلى أجساد محرمة ولا تستحي من نفسك؟
كلمة إلى المتحرش المسلم
ما دمت على كلمة التوحيد، فلتكن موحّدًا حقًّا! ولتترك سيرك وراء إبليس والتحجج بحجج لو قالها متحرش بابنتك أو والدتك لصفعته على وجهه!
اصفع نفسك إذن الآن، وتب إله الله فورًا، ولا تكتف بالتوقف عن عادتك المفضوحة في الشارع، ولكن قاومها، فمقاومة المنكر جزء أصيل من دينك.
كلمة إلى المتحرش المصري
أيًّا كان دينك وأيًّا كانت عقيدتك: لو كنت إنسانًا فقط لاحترمتك!
لو كنت تريد الحياة على هذه الأرض الطاهرة، أرض مصر، فلا مكان لك بيننا..إلا بشرط وحيد: ألا تكون مجرمًا متحرشًا!
إصرارك على هذه الجريمة بعد استشهاد ألف مواطن من حولك.. يدل على أنها تمكنت منك!
إما أن تطلب مساعدة المتخصصين من الإخصائيين والأطباء النفسيين لعلاجك من النهم الجنسي وانعدام الشعور بإيذاء الآخرين وعدم مراعاة أي قيم..
وإما أنك سيأتي اليوم الذي تخرج فيه من أرضنا..أو تقضي عمرك بين السجون داخلها..وهو ما لا نريده لك..
كلمة إلى علاء عبد الفتاح ومنال حسن و ليليان وجدي و موقع خريطة التحرش المصري:
كفاكم شرفا أن مدوناتكم هي من أول وأكثر المدونات تأثيرًا ومناقشة لهذه القضية المسكوت عنها
برافو عليكم يا ولاد مصر :)
كملوا ومصر كلها معاكم
ساحة النقاش