هل العسكر والإخوان سمن على عسل في التسليم والتسلم؟
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
28 يونيو 2012
01227435754
هذا المقال عبارة عن مجموعة تساؤلات مشروعة، حيث أن المعرفة تبدأ بالشك والتساؤل، وخاصة لو كان السؤال يدور حول كَبَد الحقيقة. وربما نورد بعض الإجابات المختصرة "على ما قُسِمْ".
<!--بعد عام ونصف من ثورة 25 يناير، هل تحقق شيء مادي واحد من أهداف الثورة، ولو كان حتى تطبيق الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور؟ بالطبع لا. كلام فقط.
<!--هل يعبر الرئيس المنتخب، مرسي، عن رمز حقيقي للثورة المصرية؟ طبعا لا.
<!--هل تم إجهاض الثورة المصرية "على البارد" ؟ طبعا إلى حد كبير جدا.
<!--من المسئول عن هذا الإجهاض لتلك الثورة الحبيبة؟ هي القوى غير الثورية تحت قيادة القوة الأعظم والمهيمنة حقا على القوة الصلبة والقوة الناعمة للدولة، وهي القوة الحاكمة للدولة، ألا وهي "المجلس الأعلى للقوات المسلحة".
<!--هل هناك علاقة تفاوضية، أو بمعنى أكثر عنفا "علاقة تحالفية" خفية بين المجلس العسكري والإخوان؟ 90% من المحللين السياسيين والمفكرين والمثقفين يدٌعون ذلك، وخاصة منذ التاريخ القديم للإخوان وتحالفهم الفاشل مع السلطات الحاكمة، ثم إلى لقائهم مع عمر سليمان بعد ثورة 25 يناير، ثم إلى تسليم السلطة السلس الآن للرئيس الإخواني المنتخب.
<!--ألم يكن المجلس العسكري قادرا على منع الشرطة العسكرية وقوات المظلات والشرطة المدنية من وقف الطرف الثالث المتهم بقتل الثوار وفقأ أعينهم وتعذيبهم وتعريتهم ومحاكمتهم عسكريا، إن لم يكن قد اشتركت تلك القوات نفسها في تلك المجازر؟ طبعا كان قادرا، بدليل تشغيل البلطجية ووقفهم بمجرد الضغط على زر أقرب إليه من زر خدم المكاتب.
<!--هل هناك علاقة "استلطافية" أو مجرد "طبيعية" بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورموز الثورة أمثال البرادعي، حسام عيسى، محمد غنيم، وائل قنديل، الأسواني، عمار علي حسن، شباب الثورة عن آخرهم، عبد الجليل مصطفى، يسري وريم، والقائمة ممتدة؟ طبعا لم نر أي مظاهر أو مؤشرات على ذلك بل رأينا استدعاء بعضهم للتحقيق معهم. ما معنى ذلك؟
<!--إذن، لماذا يكره المجلس العسكري تحقيق مطالب الثورة؟ ولماذا يكره الإخوان المسلمون تحقيق مطالب الثورة؟ ما هي مشكلة العسكري والإخوان مع العيش والحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية؟ بالنسبة للعسكري هذه الأهداف منافية لمصالح الحكام والأغنياء والمستبدين والمنتفعين والخاضعين لهيمنة القوى العالمية (أمريكا والغرب وإسرائيل) والقوى الإقليمية العربية الثرية وهداياها "الطرية". وأما بالنسبة للإخوان فهذه الأهداف محققة للدولة المدنية المستقلة الحديثة ذات الإبداع والحرية الشخصية والمواطنة الحقيقية التي لا يسعى إليها الإخوان مع الخلافة وأستاذية العالم.
<!--ألا يفسر العداء المشترك لثورة يناير الحبيبة من جانب المجلس والإخوان هذه النتيجة الحالية لسير المرحلة الانتقامية من الثورة؟ وألا يفسر هذا العداء أيضا ذلك الانتقال السلمي السلس للسلطة من المجلس للإخوان بما يدفع حليفا أعمى للنظام القديم مثل توفيق عكاشة لاتهام المجلس العسكري بالخيانة والتحالف مع الإخوان؟
الخلاصة: هناك المزيد والمزيد من مثل تلك الأسئلة السابقة، والتي تقودنا لخلاصة معينة وهي أن الثورة لم تصل بعد إلى طريقها الممهد "الهاي ويي، أو الطريق السريع" الذي يقودها لتحقيق مطالبها وأهدافها. وبهذا الوضع المشاهد حاليا، يبدو أننا على طريق الدولة الباكستانية أو الدولة الوهابية بالصورة الصحراوية. "الحدأة لن تلقي بالكتاكيت"، ولذلك فعلى شباب مصر وشعبها الطامح للحرية والكرامة والعدل، وعلى قواها السياسية الوطنية المخلصة بحق ألا تُعر الأحداث الحالية كثيرا من الاهتمام، بل عليها أن تركز على إحياء الثورة وتفعيلها وتحقيق مطالبها من خلال بعض التوجهات التالية:
<!--التركيز على بناء حزب الدستور، وجعله حزبا منظما ثريا قادرا على الفعل التنموي والإعلام السياسي لاستقطاب الشعب بحيث يكون أكبر حزب في منطقتنا العربية.
<!--محاولة انصهار الأحزاب الوطنية الثورية الأخرى مع بعضها أو مع حزب الدستور بقدر الإمكان، فالتفتت لا يؤدي إلى فعالية العمل الجمعي الذي لا نحسنه في ظل ثقافتنا المصرية.
<!--بالرغم من أن الدستور سينشأ تحت سيطرة العسكر والإخوان إلا أن القوى الثورية يجب أن تقاوم قدر المستطاع أي نصوص تقوض من مدنية الدولة واستقلالها عن الهيمنة العسكرية أو التضييق أو التعصب الديني.
<!--العمل قدر الإمكان على تطبيق ما يحدث عادة بعد كتابة الدساتير، وهو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية جديدة، وعدم النص على غير ذلك في فقرات "الأحكام الانتقالية" من الدستور.
<!--عدم صراع الشباب الثوري المتفتح مع الشباب المصري المخدوع والمستريح لما يعتقد أنه نصر للإسلام باعتلاء تيار الإسلام السياسي للسلطة التنفيذية. وربما نقول لهذا الشباب المخدوع دعونا ندعو الله سبحانه وتعالى ألا يكون مصيرنا كمصير باكستان أو السودان أو العراق أو إيران أو لبنان، وأن يقينا الله شر التشرذم والتفتت بل والفتنة والانقسام الديني، فالدين ليوم الدين، والحساب حساب الله.
<!--لقد أدرك الإخوة الأقباط الآن أن التوجه لقوة أو شخص معين على أنه الملاذ لهم لتحقيق المواطنة والحماية من الهيمنة الدينية للإخوان المسلمين والسلفيين على مقاليد الدولة، هذا التوجه لم يكن صائبا، فما حك جلدك مثل ظفرك. أرجو من الأحبة والإخوة الأقباط أن ينصهروا مع اخوانهم الثوريين كما حدث في الثمانية عشر يوما المجيدة لثورتنا الحبيبة، فهذا هو السبيل الوحيد لبناء دولة نفخر بها جميعا، وينعم في ظلها أبناؤنا وأحفادنا من بعدنا، بل وأبناء وأحفاد هؤلاء الرجعيين من أعداء الثورة عسكريين كانوا أم إخوانيين أم فلول للدماء مصاصين.
ساحة النقاش