تُبْتُ توبةً غيرَ نصوح، وسأنتخب مرسي وأنصحه
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
11 يونيو 2012
01227435754
كنت مقررا تأجيل هذا المقال إلى ما بعد الغد، بعد صدور حكم المحكمة الدستورية. ولكن ثقة مني في إدارة المجلس العسكري، وما درجت عليه أحكام قضائنا الشامخ طيلة المرحلة الانتقالية فلن أتوقع عزل شفيق. وقد رأيت أن تأجيل المقال مع استمرار شفيق في سباق الرئاسة لن يعطي فرصة كافية للقارئ للتفكير في فحوى هذا المقال قبل الانتخابات المقبلة بعد 48 ساعة، فآثرت التبكير بكتابته.
وفي البداية، استبعدت تماما التصويت لشفيق لأنه إجهاض للثورة، ودعوة خالصة للعبودية والاستبداد والتخلف وعذاب المصريين أبناء وطني الحبيب. وأنا أعتذر طبعا لجمهور شفيق، منهم مصاصو الدماء، ومنهم المواطنون الذين سَوٌدت الفوضى حياتهم ولقمة عيشهم، ومنهم المواطنون المرتعدة فرائصهم من حكم الإخوان المسلمين ودولة المرشد والذين أتعاطف معهم بكل تأكيد.
إذن، أمام غير العاشقين لشفيق، خياران، إبطال الصوت، والتصويت لمرسي.
إبطال صوتك، وخاصة لو اتفق معظم الناخبين على ذلك، سوف يؤدي إلى الفوائد التالية:
- عدم إعطاء فرصة لتزوير صوتك من جانب المزورين من الطرفين.
- المساهمة في إعلان عدم شرعية الرئيس المنتخب القادم سواءً كان شفيق أم مرسي.
- إعلان أن انتخابات رئاسة الجمهورية الأولى باطلة لأنها اعتمدت على ديمقراطية الصناديق، وليس على الديمقراطية الحقيقية العادلة.
- الضغط على الرئيس القادم أن يحاول تحسين شرعيته بمحاولة بذل أقصى جهده نحو تحقيق مطالب الثورة، ومحاولة التنصل من القوى الرجعية (حال شفيق) أو القوى الظلامية (حال مرسي)، ومحاولة مقاومة ديونهم وإملاءات من عاونوهم بغية إرضاء الشعب.
- إراحة النفس والضمير بعدم التصويت لاختيارين أحلاهما علقم.
- 6. إعلان مؤكد لواقع لا زال لم يدركه بعض الغافلين وهو "الثورة مستمرة."
إنجاح مرسي، وخاصة لو اتفق معظم الناخبين على ذلك، سوف يؤدي إلى الفوائد التالية:
- شفيق ممثل غامض للمجلس العسكري، مجهض الثورة الحقيقي والمصمم على إنهائها، أما مرسي فهو ممثل أكثر غموضا لجماعة الإخوان المسلمين التي هي جماعة عالمية أيديولوجية سرية فاشية ذات أهداف خيالية، وهي جماعة مصلحية مقفلة بالضرورة ولكنها لا يمكن أن تحكم دولة. وبالرجوع إلى مرجعيتنا الأساسية، وهي تحقيق مطالب الثورة، فالاختيار الأول (المجلس بشفيقه) لا يحققها إطلاقا بل يسعى لإتمام إجهاضها، أما الاختيار الثاني (الجماعة بمرسيها) فلم يقلْ ممثله صراحة بأن الثورة قد انتهت كما فعل شفيق. هنا يستمر أمل استمرار الثورة في ظل حكم مرسي.
- شفيق سيحقق استقرارا سريعا بالقمع والإرهاب، وهذا أمر يرفضه تماما كل إنسان حر يحترم نفسه وعرضه وكرامته، كما أن استقرار القمع ليس مستداما أو باقيا على الأمد المتوسط والبعيد. أما مرسي فسوف يموج به البحر قليلا، وسوف نصاب بقليل من دوار البحر وعدم الاستقرار، ولكن سيفرض التيار الوطني نفسه وقوته، وهو تيار أفرزته المرحلة الأولى من الانتخابات بدرجة تُعلي من كلمة الثورة واستمرارها، بالإضافة إلي دعم السلطة التنفيذية وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة لقوة مرسي، ومن ثم، فسريعا ما سيتحقق الاستقرار والسلم الاجتماعي خاصة أمام محاولة مرسي الدءوبة المتوقعة لإثبات عكس نزعة التحيز الطائفي للإخوان المسلمين.
- الحاكم الباطش الدكتاتور الدموي لا يمكنه أن يمارس بطشه بمفرده، إذ لابد أن يدعمه نظام مؤسسي راسخ يتمثل في مؤسسة عسكرية ومؤسسة شرطية تدعمه، وكذلك نظام أمني واستخباراتي يدعمه، وكذلك طبقة اقتصادية ثرية مصاصة للدماء مدنسة بزنا المال والسلطة تدعمه، وإقطاع حكومي منتفع يحتل مفاصل أجهزة الدولة الإعلامية والتعليمية والصحية والسياسية والثقافية والدينية والاجتماعية. هذا هو نظام مبارك والذي يتوافر لشفيق ولا يتوافر لمرسي.
- دكتاتورية القوة العسكرية والبطش المادي ذات الخبرة والمهارة العالية يصعب جدا مقاومتها، أما دكتاتورية التعصب الديني فهي في تقديري (وعلى عكس الشائع) أسهل تغييرا، وخاصة قبل أن تتجزر كما تجزرت آلة البطش العسكري، لأنها تمثل السوفتوير أو البرامج في عالم الحاسب الآلي حيث يمكنك تغييرها. أما دكتاتورية القوة العسكرية والبوليسية فهي تمثل الهاردوير في عالم الكمبيوتر، والتي تعني عدم المرونة، بمعنى أنك يجب أن تستمر في الخضوع لها أو تهجرها إلى جهاز آخر، ومن ثم فلن يتمكن مرسي من البطش والاستبداد قدر ما سوف يتمكن منهما شفيق.
- مرسي ليس له برنامج علمي قوي لتحقيق العدالة الاجتماعية، ومن ثم فهو سيخضع للجهود المخلصة لوزارة تكنقراطية لتحقيق هذا الهدف الأساسي من الثورة. أما شفيق فهو داعية وممثل وعبد لسياسة الرأسمالية المتوحشة القابعة في مفاصل الدولة العميقة المعتمدة على الفساد والتبعية الاقتصادية لقوى العولمة وأذرعها الثلاثة منظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. التنمية ستستمر موءودة، والفقر سيتزايد، وتتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء والظلم بكافة صوره. الانبطاح كل الانبطاح سيرضخ له شفيق، أما مرسي فالدرجة أقل قليلا، وهنا يتميز حكم مرسي على حكم شفيق ولو حتى بدرجة قليلة.
- من الناحية العلمية، أتوقع انتهاء عصر الإخوان المسلمين بأيديولوجيتهم الفاشية الحالية وتنظيمهم السري الراهن لأسباب عديدة. العالم يتغير من السحر والشعوذة إلى العلم، وكذلك يتحول من سيطرة الدين على السياسة إلى استقلال الدين عن السياسة، كما ستتحول الجماعة الإخوانية بعد صدور القانون الجديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية إلى جماعة أهلية دعوية عادية طبقا للقانون، كما أن السياسة تفرض ثقافتها على السياسيين من المرجعيات الدينية. ومن حسن الحظ أن الجماعة قد أثبتت بسلوكياتها وحماقتها في المرحلة الانتقالية رصيدا من الموبقات سوف يدفع فاتورتها كل المنتمين إلى تيار الإسلام السياسي الذي سيصبح في أقل من خمس سنوات فُلُولاً من نوع آخر لدكتاتورية دينية لن تعود أبدا في الجمهورية الجديدة، مصر الناهضة بعد الثورة الينايرية الحبيبة. ولكن في النهاية، تصور موقف المجلس العسكري لو نجح مرسي؟ أوبس.
ساحة النقاش