سيمفونية الميرازي وصباحي ولجنة الخبراء
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
27 ابريل 2012
01227435754
والله، كثيرٌ علينا هذه العظمة يا قناة دريم. حتى الواحدة وعشرة دقائق صباح اليوم الجمعة ولأكثر من ثلاث ساعات ونحن نستمتع بمشهد أتحدى أن يحدث في أمريكا التي أدعو تليفزيونها وإعلامييوها أن يتعلموا من الميرازي وصباحي ولجنة الخبراء العظماء الذين احتشدوا تحت إدارة مُخرج عظيم ليُمتعونا بعرض عظيم، لبرنامج عظيم، لمرشح عظيم لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي. أشكرهم جميعا وهِنئْتِ يا مصر بأمثال هؤلاء الرائعين. أتمنى أن يكرر الميرازي نفس السيناريو باختلاف واحد فقط، وهو المرشح الرئاسي حتى يتبدى لنا عجز الآخرين أمام هذا القدير حمدين صباحي، واعذروا حكمي المقدم والذي قد يكون خطأً من الناحية المنطقية أو العلمية، ولكن إذا ثبت غير ذلك سأعتذر. وقبل أن أنسى، أدعو للجميع بالمزيد من الصحة حتى يستمروا في هذا العطاء الجسدي والذهني الهائل الذي بذله هذا الفريق العظيم.
وقبل البداية أرجو من القارئ أن يستبعد عن ذهنه اتهامات أو نعتيات بأن صباحي يساري أو قومي أو ناصري أو ... غير ذلك، فهذه ستيريوتيبيات تغلق عقل صاحبها وتحجر فكره ومنطقه.
في يوم 17 ابريل 2011 أي منذ عام تقريبا كتبت مقالا بعنوان "كيف تختار مرشحك لرئاسة الجمهورية" واتبعت منهجا معينا حصل البرادعي فيه على 91%، يليه حمدين صباحي 75.5%، ثم البسطويسي 67.2%، ثم عمرو موسى 60.3%، وأخيرا شفيق 59.7%. ويبدو أن أبو الفتوح كان لم يدخل السباق وقتها.
هذا كان موقفي من الصباحي وقتها، وكنت أعلم أنه رائع، ولكن لم أكن أعلم أنه بهذا الروعة التي أعلمها عنه الآن. كل يوم يُثبت هذا الإنسان للمشاهد الموضوعي أنه مصري وطني مخلص حتى النخاع، رجل دولة بمعنى الكلمة، يعيش حلم النهضة المصرية وحلم تكريم الإنسان المصري ليله ونهاره. يذكرني بالبرادعي ولكن بطعمه الخاص، لديه رؤية تفوق بفراسخ وأميال ما يمتلكها السياسيون أمثاله، مُجد مُجتهد ذكي يتمكن من حصر المشاهد المعقدة والعديدة لبرنامجه الانتخابي الرائع ثم يعرضها ببساطة وتمكن فريدين لا يقوى عليهما الخبراء. ولكي أؤكد لسيادتك هذا المعنى أقول أن الخبير العسكري الضليع اللواء دكتور أحمد عبد الحليم اتفق تماما مع رؤية حمدين صباحي فيما يتعلق بوضع الجيش والمؤسسة العسكرية وهي نقطة حساسة جدا، وهذا لمما رَفَعَ من قدر هذا الخبير العظيم في نظري أكثر وأكثر حيث كنت أعتقد أنه ربما بانتمائه العسكري قد يكون متحيزا لوضع للجيش والعسكرية المصرية قد لا يتناسب مع مهمتها ومهنيتها الوطنية المصرية.
وأود في هذا المقال المتواضع أن أحدد بعض الملاحظات حول برنامج حمدين صباحي وقدراته:
- هذا رجل لا يتلون، موقفه واحد، من إسرائيل مثلا وأمريكا، وحتى من ناصريته التي يعترف فيها بأخطاء الزعيم عبد الناصر، ولا ينتصر لشخص بقدر ما ينتصر لفكرة التنمية والنهضة والتنمية الناصرية التي تقارن فقط بنهضة مصر على يد محمد علي. وفي رأيي أيضا أن من ينكر ذلك فهو جاحد. هذا رجل واضح وصريح يتمثل في موقفه من الأمور الحساسة مثل المجلس العسكري ووضع المؤسسة العسكرية، وموقفه من التعاون مع تركيا وإيران بالرغم من أن ذلك قد يغضب العرب والمتعصبين ضد الشيعة في مصر. المتلونون نموذجهم الأمثل عمرو موسى، ثم دخل شفيق في الصورة حيث أعلن أنه سيعين نائب رئيس من الإسلاميين لاعترافه، بإشارة مترفعة، بأن هناك "ركن من الشعب" يجب الاعتراف به، وكأنما الشعب كله (أعنى 90% منه) ليسوا بمسلمين. هكذا نثق فيك يا صباحي فالرجل كلمة، والمؤمن كلمة.
- يركز برنامج صباحي على التنمية الزراعية والصناعية والتعدينية والسياحية ذات التكنولوجيا العالية التي تضيف قيمة للموارد المصرية، وهي تنمية تعضد الاستقلال الذاتي والتخلص من التبعية وخاصة فيما يتعلق بتنويع مصادر السلاح والتصنيع العسكري. وهو برنامج يعتمد على استنفار الموارد البشرية المصرية الهائلة.
- يتميز برنامج التنمية الصباحية بالتركيز على التعاون بين القطاع الخاص وقطاع الأعمال العام والقطاع التعاوني والقطاع الأهلي. ويتميز برنامج صباحي عن غيره من برامج المرشحين الآخرين بالتركيز على القطاع التعاوني. ويجب الإشارة إلى أن هذا القطاع يمكن أن يوفر الموارد المالية التي يتساءل عن مصدرها الخبراء أمام عجز ميزانية الدولة الكبير. القطاع التعاوني لو أطلق له العنان وشعر بالثقة والأمان سيمكن الشعب من إخراج "الفلوس الموجودة تحت البلاطة" في الداخل والخارج، وهي هائلة لتساهم في المشاريع التي تناسبه والتي حينئذ لن تتطلب مددا من خزينة الدولة.
- يتميز برنامج الصباحي بفكرة زيادة المعمور من الأرض المصرية، بالإضافة إلى التخطيط الإقليمي مع اللامركزية المناسبة، وهذا توجه في منتهى الأهمية يعالج بطريقة جذرية مشاكل البطالة والازدحام السكاني والبيئة المتدهورة والحياة الخانقة في الوادي والدلتا.
- يتميز برنامج صباحي بالمشروعات الكبرى وضرورة التوجه إليها مثل تنمية سيناء والوادي الجديد ومنخفض القطارة والساحل الشمالي الغربي، وهو أمر يتمشى تماما مع قضية زيادة حجم المعمور من أرض المحروسة.
- يتميز برنامج الصباحي بالتركيز على الصحة والتعليم وتحقيق العدالة الاجتماعية والعدل، تلك الفضيلة التي تعتبر أم الفضائل، كما يدرك أهمية القضاء على الفساد ووعد بإنهائه في 180 يوما.
- "سأرسل طائرة رئيس الجمهورية وبها وزير الخارجية المصري للسعودية ليعود بالجيزاوي أو بالسفير المصري." هذه العبارة بليغة للغاية، تعبر عن ميلاد الكرامة للمواطن المصري، وهي ليست هراءً أو تهورا كما قد يقول عنها عمرو موسى الذي يدعي أنه أوتي الدبلوماسية ومفهوم الدولة، وأن الآخرين جاهلون بها، وكأنما السياسة تقتصر على الدبلوماسي (بسلامته) أو وزير الخارجية (بسلامته أيضا)، وهو ما لا يذكرهما إلا افتخارا واستكبارا وتعظيما لذاته، وفي الحقيقة أنها انبطاح مقنع واستسلام خفي لأعداء المواطن المصري وسباع الرأسمالية المتوحشة وأعوانها.
ساحة النقاش