هل يجب أن يعتذر الإخوان المسلمون؟
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
01227435754
13/4/ 2012
طبعا يجب، وشكرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هكذا ينتهي المقال ويكون بذلك أقصر مقال في التاريخ، أو قل أقصر تغريدة في التويتر. السؤال ليس كذلك، ولكن السؤال الحقيقي: هل يستطيع الإخوان المسلمون أن يعتذروا لشعب مصر لمشاركتهم في إجهاض الثورة مع المجلس العسكري وتعطيل تنمية مصر سنة ونصف على الأقل؟
- خرج الإخوان المسلمون ومعهم بعض السلفيين إلى ميدان التحرير اليوم طلبا "لحماية الثورة" من عمر سليمان، على حد قولهم، وهم في الحقيقة يلهثون من أجل حماية أنفسهم كتيار سياسي من عمر سليمان، اعتقادا منهم ومن بقية بسطاء مصر أنه رجل قوي، وهذا تصور الجهلاء، فالرجل القوي قد يكون غاندي هزيل الجسد، أو البرادعي الوطني نقي السريرة، هو من لا يكذب، ولا يخادع، ولا يضر خلق الله، هو من ينصر الله ويكون عونا للعدل والعدالة والكرامة الإنسانية لهذا الشعب الصابر.
- تخلت جماعة الإخوان عن الدعوة، ولذلك هجرها (أو هجر مناصبها) أخلص أعضائها وآخرهم أبو الفتوح والزعفراني وأخيرا الهلباوي، وأصيبت بعد الثورة بهوس السياسة والسيطرة والحكم بعد أن ابتلعت الطعم القاتل الذي دسه لها كهنة مبارك والمجلس العسكري وقام البشري وصالح بالتمثيل الغذائي لهذا الطعم القاتل في جسد الإخوان المسلمين. وها هي بدأت الجماعة في الترنح والاستغاثة بالشعب والثورة والثوار.
- لقد قلت سابقا في بداية مشوار الثورة أن الجماعة الإخوانية بهوسها بعالم السياسة قد بدأت في كتابة نهايتها بأيديها وانقراضها إذا لم تعد للدعوة فقط. يتعلم الإخوان ببطء شديد يجب أن يتعجب له علماء التربية. حزب الحرية والعدالة يجب أن ينفصل عن حاضنته الفكرية، هذه الجماعة الفاشية، ولا يعتبر نفسه ذراعا لهيئة سرية يحار الناس في تفسير هويتها. وهنا يبدأ الحزب في التعلم وممارسة السياسة على أن يعلن أنه ليس حزبا دينيا، ويتخلى تماما عن الالتحاف بعباءة الدين ومداعبة مشاعر الشعب واستغلال جهله بالتدين الحقيقي.
- يجب على حزب الحرية والعدالة أن يتخلى عن الغرور والثقة الكاذبة التي تبدو على أعضائه الآن، ويدرك أن مصر يجب أن يشارك في حكمها، ولا يستطيع أن يحكمها، إلا كافة الطوائف السياسية والأيديولوجية التي يمثلها النسيج المصري المتعدد المتسامح الجميل عبر تاريخها الطويل.
- لكي يؤكد حزب الحرية والعدالة على صدقه في مبدأ المشاركة لا المغالبة عليه أن يسحب مرشحيه الشاطر ومحمد مرسى اكتفاءً بالبرلمان والحكومة الائتلافية المتوقع فيها تمثيل أكبر للتيار الإسلامي بحكم تكوين البرلمان الحالي، خاصة وأن وزارة الخارجية المصرية قد أرسلت بالفعل خطابا للجنة الرئاسة تؤكد فيه على أن والدة الشيخ حازم أبو إسماعيل أمريكية بالفعل.
- أصيبت الجماعة الإخوانية بمرض "القانون الحديدي لدكتاتورية حكم القلةIron law of Oligarchy"، والذي موجزه أن القيادات (بديع والشاطر وأمثالهما) ينقلبون على المطالب الشعبية لجمهور الجماعة ويسعون لمصالحهم الخاصة ببقاء الجماعة وتنظيمها واستخدام نفوذهم وسلطاتهم في تحقيق ذلك. وتفصيل هذا القانون في الفقرة التالية بالحروف المائلة والتي يمكن للقارئ المتعجل أن يتخطاها وينتقل فورا إلى النقطة السابعة:
دائما ما يوجد عدد قليل من الأفراد الذين يقومون باتخاذ القرارات حتى ولو كانت سلطة القرار مستمدة من الجمعية العامة للجماعة. ويرجع ذلك إلى فعالية هذه الحقيقة، فلو تركت القرارات بيد الدهماء فلن يحدث أي إنجاز. ويتخذ القيادات قدرا من السلطة أكبر كثيرا مما يتوافر لدي الأشخاص الذين انتخبوهم. وعندما يتواجد القيادات في السلطة فإنهم يسعون للبقاء فيها دون اعتبار لرغبات الذين انتخبوهم. وترجع هذه الحقيقة جزئيا إلى أن ذلك أمر مفيد يحقق الغاية من المنظمة، ولكنها ترجع في الأساس إلى اختلاف توزيع النفوذ والمكاسب بين أعضاء الحزب أو المنظمة، ونظرا لأن القيادات أقل عددا من الأعضاء فإنهم يمكنهم أن يكونوا أكثر تنظيما، كما أن القيادات دائما ما يتصلون ببعضهم ويتواجدون مع بعضهم في الوقت الذي لا يجتمع الأعضاء مع بعضهم إلا قليلا. كما يستطيع القادة أن يكونوا أكثر اتحادا، كما يمكنهم أن يكونوا جماعة متحدة غير رسمية من وراء الستار مما يمكنهم من سهولة اتخاذ القرارات وتنفيذ برامجهم (مجلس شورى الجماعة). ويبدأ القادة تدريجيا في اكتساب قيم مضادة لقيم الأعضاء، ذلك لأن توجهات الناس تتأثر بمواقعهم ومواقفهم الاجتماعية. الجماعة بالنسبة للعضو العادي شيء ينتمي إليه ولكنه لا يعايشه ويشترك فيه إلا كل فترة طويلة، ولا تمثل بالنسبة له مركز حياته. أما بالنسبة للقائد فهي حياته كلها وتأخذ وقتا كبيرا من حياته. ويصبح القائد أقل اهتماما بمطالب الشعب الذي انتخبه ويصبح أكثر اهتماما ببقائه في السلطة. وقد يؤدي ذلك إلى حدوث صراع بين القادة والأعضاء، ولكن يكون القادة أكثر قوة وسيطرة. وإذا لم يكن الأعضاء غاضبين بشدة بسبب شيء ما فإنهم لا يستطيعون التخلص من الدكتاتور. وتميل قوة المنظمة إلى التوجه نحو هؤلاء الذين يسيطرون على مواردها الإدارية، إذ أنهم يتحكمون في الاتصالات داخل المنظمة، ويتحكمون في نشر الأخبار، ويتحكمون في تحديد اللقاءات وأجندات تلك اللقاءات. والأكثر من ذلك أنهم يمتلكون السلطة الشرعية، ومن ثم فيمكنهم أن يدعوا أن هؤلاء المعارضين أو الرافضين ما هم إلا انفصاليون يبحثون عن مصالحهم الفئوية، ومن ثم فإنهم يدعون أنهم أعداء الجماعة ويسعون إلى تفتيت المنظمة.
- يجب أن يدرك الإخوان المسلمون والسلفيون بصفة خاصة أن معركة انتخابات الرئاسة ليست معركة للجهاد في سبيل الله ضد الكفار أو العلمانيين أو اللبراليين أو اليساريين. الدين براء من السياسة، ويجب عليهم أن يدركوا أن الدين مؤسسة مستقلة والسياسة مؤسسة مستقلة، كل منهما له وظائفه ومهامه الخاصة من أجل بناء المجتمع وتقدمه، كما يجب عليهما أن يفخرا بالأزهر الشريف وجامعته الأقدم عالميا كعمود فقري للمؤسسة الدينية المصرية بسماحتهما وشموخهما.
الخلاصة: تتعرض جماعة الإخوان المسلمين لحلقة جديدة تعتبر الأعتى من حلقات اختباراتها منذ إنشائها حتى الآن. هل ستنجح في تعديل مسارها لمصلحة مصر وشعبها؟ هذا ما لا أتوقعه. المنتفعون من قادتها هم أصحاب القرار، ولن يستسلموا لأي قوة، حتى ولو كانت قوة تابعيهم من شباب الإخوان، إلا على جثتهم، وحينئذ لن يتبقى بالفعل إلى تلك الجثة ودعاء الرحمات لها من شباب الإخوان والسلف الذين يدركون وقع الحاضر وملامح المستقبل.
ساحة النقاش