تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

دعونا نحزن، وانتظروا أنتم يوما تشخص فيه الأبصار

بقلم

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

01227435754

4 مارس 2012

من لا يحزن إما جاهل، أو "جِبِلة" أو مريض نفسي، أو بعضٌ من أولئك، وتكون هذه هي الطامة الكبرى. كان أسوتنا الحسنة، الحبيب صلى الله عليه وسلم، يحزن حزنا شديدا مثلما حدث عند موت زوجه أو موت عمه، أو استشهاد عمه حمزه، أو فراق فلذة كبده إبراهيم، أو كُفر قومه وعنادهم، فسرعان ما يواسيه الرحمن سبحانه وتعالى إما بالوحي أو الهداية أو التأديب، ثم يشهد له "وإنك لعلى خلق عظيم".

مرت أيام نبهني فيها بعض أصدقائي لماذا لا أكتب، فقلت لهم لأني أَعطيت نفسي أجازة حزن. فنظر إلى أحدهم ممن فيه شدة، وقال أين البرادعي "بتاعك"؟ فقلت له إنه ذهب ليمارس نشاطه الوطني في ملعب "فيه حَكَم"، ثم قال لماذا تدافع عنه بهذا الشكل، فقلت له "من الآخر"، عندما أنظر إليه يتحدث تترغرق عيناي بالدموع، فقال لماذا؟ إنها حالة مرضية، فقلت له لأني أصدقه، أصدق علمه وقدرته وأحاسيسه وصدقه وحبه لمصر وشعبها، وهذه هي الكاريزما في مفهومي.

لم يُهَنُ البرادعي، ولم يُهَنْ أحرار مصر كلهم، ولكن أُهينت مصر، أُمنا، بحجمها وتاريخها وشعبها، وأهين العدل على أرضها، وطُعن القضاء المسلوب استقلاله من قديم، وأهين رونق الحياة وينعها المتمثلان في شبابها ومستقبلها، وأهدرت دماء شهدائها، وأهملت جراح مصابيها، ودُهست مشاعر الثكلى من أمهاتها، وطحنت قلوب المحتاجين من أهلها، وأطفئت أنوار الأمل في ثورتها المجيدة، وعطلت مسارات البناء والتنمية لتحقيق العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وبعد هذا كله، كيف لا نحزن؟ وكيف لا ندمع؟ وكيف لا ندعو الله سبحانه وتعالى أن ينتقم من الظالمين؟ وكيف لا ننتظر يوما تشخص فيه أبصار هؤلاء الظلمة الدنيويين الجشعين أيا كانت مسمياتهم أو انتماءاتهم أو أيديولوجياتهم؟

المجلس العسكري يبتهج لنجاحه في تنفيذ خطة أقطاب النظام السابق، ومع هذا يرتعد من مصيره المظلم، وأقطاب النظام السابق ينعمون في معتقلاتهم الفخمة، ويتهللون لقرب خلاصهم، وسباعهم من الفلول واللصوص يبتهجون لاقتراب عودة أسيادهم، وأباطرة الشرطة ينتشون بانتقامهم من الثوار والثورة التي دكت حصونهم، وأذيال الإعلام بدؤوا في رفع رؤوسهم وملاعبة ذيولهم، وأمريكا والإسرائيليون تطمئن قلوبهم، وفرسان التيار الإسلامي يفرحون بمقاعدهم وسلطانهم، وتركوا أتباعهم دون أنابيب غاز، ودون زيت وسكر ولحم، ودون بطاطس وباذنجان، وانشغلوا في الآذان واللجان، والخنوع والاستسلام، وبدت عليهم علامات الرسوب في الامتحان.

وما العمل، وما الخلاصة: ألوذ إلى ربي سبحانه وتعالى وأستلهم آيات سورة العصر، التي قال عنها الشافعي رحمه الله أنها منهج حياة، ولو لم ينزل الله عز وجل على الناس حجة إلا هذه السورة لكفتهم. ثم أتدرون كيف كان عنترة بجسمه الذي لم يكن عملاقا جبارا، كيف كان يهزم الناس؟ قال لسائل له كيف تهزم الناس يا عنترة، فقال له ضع إصبعك في فمي وأضع إصبعي في فمك، وليضغط كلانا، فضغطا إلى أن قال الآخر آآآآآآآه، فقال عنترة بصبري هذا أغلب الأعداء. الصبر على أعداء الحق أول القصيدة، ولكن علينا بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. قلت من قبل حصحص الحق، وظهر تماما أعداء الثورة وأعداء مصر وشعبها، فلنواجههم بما لدينا من عدة وعتاد وإيمان وصبر وتنظيم.

لو تحققت أهداف الثورة ونجحت في تلك الفترة الوجيزة لكانت شاذة فعلا في سنن التاريخ. ولكن يريد الله سبحانه وتعالى أن يريَنا أن الغاليَ والنفيس يستحقان التضحيات والصبر والجهاد. طليعة الثورة، شبابها وأحرار مصر من الكبار والشيوخ، يؤمنون بتكريم الله للإنسان وعزته، ويؤمنون بالحق والعدل وتطبيق القيم السماوية العليا التي شرعها الحق سبحانه وتعالى في كتبه السماوية، وعلى لسان رسله وأنبيائه، والتي أكملها الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وقوله صلوات الله عليه وسلامه "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين". وليعلم أصحاب التيار الإسلامي أن القيم السماوية ليست حكرا عليهم، وليعلموا أن العبرة بالعمل والجوهر وليست بالمظهر واللحى، وأن أثر السجود ليس في زبيبة، وإنما في وجه مضيء يشعرك بالراحة والطمأنينة عند النظر إليه، وفي صوت خفيض ولسان عف يشعرانك بالحنان والاحترام والتقدير والإخلاص.

أتمنى أن تتحقق الأمنيات التالية في سبيل إحياء الثورة وتحقيق أهدافها:

<!--أن يجتهد البرادعي ورفاقه من فرسان الحق والعمل الصالح أن يسرعوا من تجميع جميع القوى والحركات والأحزاب الثورية في حزب واحد، وليسمى ما يسمى، سواءً حزب الثورة أو حزب النهضة أو الحزب الديمقراطي أو حزب مصر فقط. أنا شخصيا مستعد للمساهمة بكل طاقتي وقدراتي وخاصة في فرع الحزب بالإسكندرية. العمل الجمعي المنظم هو أقوى أسلحة الفعالية والنجاح.

<!--دون قصد للإحراج أو إثارة للغيرة، وحتى لا أطيل في موضوع غاية في الأهمية، ولمقاومة سلاح بتار يستخدمه أعداء الثورة وهو الإعلام، أدعو باختصار شديد كلا من إعلاميي مصر الأحبة أن يتخلصوا من آثامهم التي تحيك بقلوبهم، ثم يحذو حذو زملائهم أمثال يسري فودة، ريم ماجد، دينا عبد الرحمن، محمود سعد، معتز مطر، وائل الإبراشي وآخرين من أمثالهم. الثورة مستمرة، ستنتصر، قيمها وآمالها عظيمة، مصر من خلالها عزيزة قوية، وأعداؤكم هم مصاصو دمائكم، حيث يكون كل ذلك من بين الرسائل الإعلامية التي يتبناها هؤلاء الإعلاميون الشرفاء.

<!--شباب الدعاة وخاصة عمرو خالد وأمثاله، عليهم أن يدمجوا الثورة وقيمها في برامجهم، مثل استخدام التعريف بالثورة وقيمها في برامج محو الأمية التي ينفذها عمرو خالد الآن اتباعا لمنهج "التعليم الوظيفي" الذي يعلم القراءة والكتابة من خلال كلمات وعبارات تحمل تلك القيم والمعاني الثورية.

<!--أن يتجمع مرشحو الرئاسة في فريق "رئيس ونائب رئيس ورئيس وزراء مثلا" ويتوحدوا في مواجهة المرشح التوافقي المنتظر أو أي مرشح آخر يحمل توجهات دينية إقصائية، ويكون الهدف هو نجاح مرشح للثورة والعدالة الاجتماعية بمعنى الكلمة، وتجنب هؤلاء المؤمنين بالحرية الاقتصادية غير المنضبطة وأصحاب المصالح التي تحافظ على الهيمنة العسكرية والرأسمالية المتوحشة التي نهبت مصر في عهد الطاغية السابق. الشعب ينتظر الآن نجاح هذه المهمة، حيث أن الدستور على قدر أهميته ليس بنفس الدرجة من الأهمية القصوى لأنه سيتغير، ولن يكون بالدرجة المخيفة إلى أن يتم تعديله مستقبلا. أما رئيس الجمهورية فيجب أن يكون ثوري التوجه، ويكون أيضا العاقل الرصين الذي يتعامل مع الأعداء بحكمة، سواءً عالميا أو إقليميا أو داخليا، وللأسف فقد كان النموذج الأمثل لهذه الشخصية هو الدكتور محمد البرادعي، ولكن قدر الله وما شاء فعل، والخير كل الخير في البقية.

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 170 مشاهدة

ساحة النقاش

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

96,914