تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

أما أمريكا فنحن كفيلون بها

بقلم

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

01227435754

13 فبراير 2012

اللهم أجرنا من حكم العسكر والمتاجرين بالأديان، أما أمريكا فنحن كفيلون بها. وقديما قالوا في الأمثال "عدو عاقل خير من صديق جاهل". والسؤال الساذج البسيط، هل كانت أمريكا أو إسرائيل أو كلتاهما مسئولتين عن الوكسة، أو قل عن الخيبة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تضع مصر الآن في ذيل الدول المتخلفة، عربية كانت أم غير عربية؟ أليس المسئول الأول هم قادتنا وحكامنا وحكماؤنا الذين نهبوا مصر وخربوها في الأربعين عاما الماضية بصورة خاصة؟ الشعب الذي يتشدق به المتاجرون بالأديان، والذي يتشدق به العسكر اليوم، والذي يقولون عنه أنه المعلم نظرا لضعف مشاركته في العصيان المدني، هذا الشعب كان من الممكن أن يكون بالفعل رجالا من أمثال أبي عبيدة عامر بن الجراح وحمزة وعلي رضي الله عنهم أجمعين لو أحسن استلهامه يوم خروجه لمبايعة عبد الناصر من جديد بعد النكسة، أو يوم السادس من أكتوبر عام 73، أو يوم الحادي عشر من فبراير 2011، وهي أيام كلها تفجرت فيها طاقات المصريين الجبارة تعلن عن استعدادها لبناء دولة الفخر والقوة والعزة، ولكن التحدي الأعظم كان دائما يواجه بقادة يتسمون بفقر الرؤية وخيلاء العظمة وشهوة الاستبداد، وكانوا كلهم قادة عسكريين.

أما تلك الروح المصرية الجبارة المتمثلة في شباب مصر الطاهر ذوي العقول الطازجة الراجحة وذوي الهمم الوطنية الشامخة فقد أزاحت أفسد من حكم مصر في تاريخها، ليحل محله أذناب له على رأس النظام، ولتستمر أعوانه من الهكسوس والتتار متجذرين في جسد الدولة وأحشائها. ويحاول هؤلاء الشباب الأطهار مع المخلصين من شعب مصر الأحرار أن ينقذوا مصر من هيمنة العسكر والمتاجرين بالأديان الذين تحالفوا تحالفا مصلحيا من أجل مصالحهم وأطماعهم الخاصة التي تعادي المصلحة المصرية التي بلورتها الثورة الينايرية المستنيرة في أيديولوجيتها البسيطة "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية"، والتي لم يتحقق منها شيء حتى الآن.

ماذا يريد العسكر؟ يريدون أن تظل المؤسسة العسكرية دولة فوق الدولة المصرية، ظاهرا كان أم باطنا. استعلاءً منهم وغرورا ببطش القوة وانتشاءً بزي الكاكي والنياشين النحاسية ظنوا أنهم نبلاء القرون الوسطى وحماة الحمى، ومن ثم فقد استحلوا الاستمتاع بثلث الاقتصاد المصري والترفع عن المحاسبة من الدولة المصرية التي استذلوا شعبها برموز المخلاة والسخرة والعدس والملوخية كاملة الأوراق، وأخيرا تمكنوا من غسل عقول الجنود البسطاء ليجلدوا الثوار ويعروا النساء ويهدروا كرامة الشباب والإنسان المصري على العموم. هل هذه أيديولوجية المؤسسة العسكرية القوية الرادعة لكل عدو تسول له نفسه التحرش بأرض الكنانة؟ لن تكون هناك مؤسسة عسكرية قوية إلا في ظل دولة قوية تمكن تلك المؤسسة من الاستقلال وبناء القوة البشرية والتنظيمية والتسليحية على السواء. هل يرى العسكر أن قوتهم في قوة مصر، أم يريدون أن يركبوها وهم تحت رحمة الأعداء وذل التبعية لهم وهوان التمسح بهم تجنبا لبطشهم وقهرهم؟

وماذا يريد المتاجرون بالأديان؟ هل يريدون الخلافة وأستاذية العالم؟ هل يريدون شرع الله؟ هل يريدون أن ينتقموا ممن قهروهم من قبل ويصفوا حساباتهم معهم؟ أعتقد أن الخلافة وأستاذية العالم هذه أمور فاشية نازية استبدادية لم يرد ذكرها في آية أو في حديث، وإلا فلماذا لا يرددها السلفيون؟ وإذا كانوا يريدون أن ينتقموا ممن قهروهم من قبل فقد تحالفوا معهم من أجل كراسي الحكم. إذن فماذا يريدون؟ يبدو أن السياسة قد جذبتهم كما يجذب الضوء الفراش فيفقده الرؤيا، وإلا فلو كانوا على قلب رجل إسلامي واحد لما تعددت أحزابهم بين الحرية والعدالة والنور السلفي وحزب الوسط المصري وحزب الفضيلة وحزب الأصالة وحزب الإصلاح والنهضة وحزب البناء والتنمية وحزب مصر البناء وحزب النهضة السلفي وحزب التيار المصري وحزب الريادة وحزب السلام والتنمية وما أدى ذلك إلى خلق أحزاب مسيحية وحتى شيعية. وليعلموا جميعا أن هذه أحزاب دينية ليس لها شرعية دستورية حسب المادة 4 من الإعلان الدستوري. إذن، أنا أتوقع أن هذا الطوفان المتوجه نحو ممارسة السياسة من جانب التيارات الدينية سوف يفقد هذه التيارات كثيرا من زخمها الديني المتطرف، ومن ثم فإن أتوقع إما أن تلغى هذه الأحزاب جميعها في المستقبل على أنها غير دستورية أو أن ينتهي التطرف الديني في مصر نظرا لحتمية انسياق هذه التيارات وخضوعها لقواعد السياسة ومدنية تكتيكاتها وإغراءاتها الدنيوية المتمثلة في النفوذ والشهرة والمنفعة المادية الأنانية.

لقد أوقعنا المجلس العسكري، سامحه الله، في مأزق لم يعد هو نفسه قادرا على الخروج منه بأمن وسلام. المأزق هو أمران أحلاهما علقم، إما أن يحكم هو، وهو أمر مرفوض محليا وربما عالميا أيضا، وإما أن يمنح "اللجام" إلى جلالة الإخوان فتجرب فينا حكم الشعائر وحرب الشيطان واقتصاد الريان. والعجيب أن تتداول الأخبار نبأ ترشيح الجماعة لخيري الشاطر كي يشكل الوزارة، وقد قام بالفعل بالانتهاء من تشكيلها كما تدعي المصري اليوم وغيرها. ولست أدري كيف تتجمع السلطة التشريعية والتنفيذية في آن واحد في قبضة جماعة كانت بالأمس محظورة، ولا زالت حتى اليوم سرية البناء والمهام، ومجهولة الشرعية القانونية، ومعدومة الشفافية، ذراعها فقط هو السلطتان التشريعية والتنفيذية، ولا ينقصها حينئذ إلا تنفيذ القضاء الشرعي على طريقة الدويلات الدينية الفاشلة. والمصيبة الكبيرة أيضا هي عملية تجهيز الرئيس القادم الذي سوف يرعى تلك المهزلة الانتقامية من ثورة الخامس والعشرين من يناير البريئة، هذا الرئيس الذي قال عنه عمرو خفاجي بتعبير بليغ في نهاية برنامجه التليفزيوني الأخير "يسقط الرئيس القادم." وهنا تصبح مصر دولة دينية، براية مدنية، كي تحاج بها إسرائيل كل من يتهمها بالعنصرية والفاشية، تلك الدولة اليهودية التي لا تحمل من الدولة الدينية إلا اسمها، أما كيانها فهو مدني راق دفع بها إلي مقدمة الدول العصرية القوية.

الخلاصة: يفخر المنتفعون والرجعيون بجميع صورهم والجاهلون المرعوبون بأن الشعب المصري لم يشارك في الإضراب أو العصيان المدني يوم 11 فبراير الماضي، ولا يعلمون أن العصيان المدني الحقيقي هو عدم قدرة الكوادر الواعية المبدعة التي تمثل خلاصة الموارد البشرية المصرية في المشاركة الحماسية والتعاون الخلاق مع حكومة وبرلمان من المفترض أن يكونا عصارة ثورة يناير الحبيبة وحصادها. أنا شخصيا لا أستطيع أن أفرض على عقلي أو روحي أو مزاجي أو قيمي ما يمكنني من المشاركة في هذه المهزلة الحكمية لمصر الحبيبة، ولكن عزائي لنفسي أني أتعامل مع الشباب بحكم وظيفتي وأرى فيهم ثورة يناير الحقيقية، ثم في النهاية على حكامنا المصممين على حكمنا أن يعلموا أن العصيان المدني الحقيقي هو فشل المؤسسات المصرية بكافة أنواعها عسكرية كانت أم شرطية أم مدنية بالإضافة إلى مدة عمل المواطن المصري المتمثلة في 27 دقيقة مخجلة يوميا.

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 149 مشاهدة

ساحة النقاش

asmaaeldsouky

نحن الآن فى مباراة طاحنة بين فريقين الأول نصفه على الأقل ملئ بالأمراض النفسية والعقد والفريق الثانى فى فترة نقاهة من أمراض دامت سنيين والحكم عين على الملعب وعين على طريق آمن يخرج منه عند انتهاء المباراة وجمهور المنتفعين ينتظر الفريق الفائز ليصفق له ويمشى خلفه ونحن أيضا فى انتظار النتيجة .

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

100,678