عماد الدين أديب ولميس والبرادعي والخديعة الكبرى
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
01227435754
5 ديسمبر 2011
والله مظلومة، ... ولكن "عظيمة يا مصر يا أرض النعم، يا مهد الحضارة، يا بحر الكرم"، والفضل لبلبل العرب وديع الصافي. ورضي الله عنك يا سيد الأنصار، يا قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي عندما قلت "لولا الإسلام لمكرت مكرا لا تطيقه العرب" وهو الذي سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "المكر والخديعة في النار". ولعنة الله على السياسة التي قلت عنها في نهاية دورة تدريبية في ألمانيا حول الانتخابات وطرق النجاح فيها "كنت أعلم أنها قذرة، ولكن ليس بتلك الدرجة من القذارة". وقد ناداني حب الحق ومصر والثورة وشباب مصر أن أكتب فيها منذ اندلاع ثورة يناير الحبيبة بالرغم من كرهي الفطري لها لأني لا أحب المراوغة منذ النشأة حيث كانت أمي رحمها الله تقول لي في صباي "والله يا نبيل يا ابني إنك طيب" وتقصد هي طبعا "ساذج أو عبيط".
وتدعونا الفطنة المطلوبة الآن، أن نحلل ما يمليه علينا أسامة هيكل في إعلامه المسموم الذي يتعدى طبعا القنوات الحكومية إلى القنوات الخاصة التي يقوم بقفلها وفتحها كما يشاء أمراؤه. ظهر علينا ليلة البارحة، بعد اختفاء طويل ثم ظهور مفاجئ غير مبرر، وباختيار غير رشيد من واضعي الخطة الجهنمية، ذلك المتحدث باسم الدكتاتور الباغي بأمره الرئيس المخلوع الأستاذ عماد الدين أديب (كما كان يشاع آنذاك)، ليخدعنا بطريقته الفريدة الحكيمة التي لا "تنطق عن الهوى"، يحمل معه لوحاته ونقاطه المعدة سلفا بكل اهتمام وجدية وتدبير، ليلقي علينا محاضرة تخلو من الابتكار والإضافة إلا من بعض الأفكار غير البريئة التي حاول أن يبثها في الطيبين من المشاهدين بمعاونة متقنة، وعلى غير طبيعتها، من المذيعة لميس الحديدي. واعذرني يا أستاذ عماد فهذا مقال سياسي وليس تحليلا علميا باردا خاليا من المواقف والتحيزات القيمية والسياسية.
يرسل إلينا "بشير الخير" عماد أديب رسائل أربع:
<!--"المحروس" مرشح رئاسة الجمهورية المنتظر "لم يظهر بعد"، وهو تعبير الفلول المتداول بين مدعي الحكمة منهم، بما يحمله هذا التصريح العجيب من استهتار وإقلال من شأن قائمة مرشحي الرئاسة المحتملين المحترمين الحاليين.
<!--"الجسم الصلب أو البناء الصلب" لنظام الحكم المصري هو الجيش، وهو الذي يضع الرتوش حوله سواءً كانت مدنية أو غير مدنية، بالرغم من اعترافه أن الدول المتقدمة مدنية والجيش فيها تحت سيطرة الدولة.
<!--الاقتصاد الحر، كما كنا في عهد مبارك، هو الطريق لبناء الدولة الحديثة. ونسي أن يذكرنا بأن هذا الاقتصاد الحر كان أنموذجا مثاليا لأسوأ ما شهدته الكرة الأرضية من رأسمالية متوحشة ألقت بمصر في عهد المخلوع إلى أسفل سافلين.
<!--لابد من ظهور رجل شجاع، بشجاعة علي كرم الله وجهه عندما تقدم وقتل الوليد بن عتبة في بدر، والتشبيه من عندي، ليذهب ويطلب من المجلس العسكري أن يفاوضه على كيفية الخروج المشرف من الحكم الآن وموقف الجيش في الدولة المدنية المصرية الجديدة.
<!--القوى الفاعلة على الساحة السياسية الآن ثلاثة هي الثوار، والمجلس العسكري، والإخوان مع أقرانهم السلفيين، وبالطبع نسى العبقري، عماد أديب، البلطجية المحليين المختبئين في السجون الفاخرة وعلى كراسي الحكم في أجهزة الدولة حتى الآن، وكذلك نسي البلطجية العالميين أمريكا وإسرائيل اللتان ترعيان البلطجية المحليين، ثم في النهاية نسي بقية الشعب المصري كله، والذي يظهر ساعة الحسم والقرار الحقيقي.
والآن ما رأيك أيها القارئ الكريم في تلك المسرحية المملة؟ هل تسمح لي ببعض التعليقات عنها؟
<!--ما أن أدرك التحالف بين المجلس العسكري، والإخوان، والبلطجية المحليين والعالميين أن الخطوة الأولى من خطتهم الجهنمية لاستمرار عسكرة الحكم المصري واستمرار دعائم النظام المباركي الفاسد وأيديولوجيته الظالمة قد نجحت بامتياز بسيطرة الإسلام السياسي الانتهازي المستخدم في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية حتى بدأت إجراءات الخطوة الثانية وهي القضاء المبرم على العدو اللدود لهذا التحالف الرجعي وهو محمد البرادعي الذي قد ينجح في سباق رئاسة الجمهورية، وهنا تكون الطامة الكبرى والنكسة العظمى والتي لا يحلها إلا غياب البرادعي عن المشهد السياسي، ولكن حينئذ سينكشف السر ويظهر 85 مليون برادعي. لقد تأكد هذا التفسير من جانبي حينما رفع عماد أديب صوته للمرة الوحيدة في محاضرته في حماس وانتفاخ مفتعل شديدين معترضا على البرادعي الذي سألته عنه لميس الحديدي، عن قصد مخطط، "مصر تحتاج لرجل يخرج من الصندوق ببرنامج بناء حقيقي لبناء مصر". لماذا لا تخرج علينا أنت يا أيها الحكيم بذلك البرنامج؟ يا أستاذ أنت تدير أشغالك بكفاءة، وكذلك الدولة لها من يديرها بكفاءة ولكن قبل الكفاءة إخلاص وضمير وحب للشعب البائس ومعرفة وصلات عالمية وحكمة لمواجهة أعداء مصر من بين الدول المجاورة وغير المجاورة وقدرة على تشغيل الموارد البشرية المصرية بكل طاقتها المكنونة، ونادرا ما تجود مصر برجال دولة مناسبين لذلك أمثال البرادعي ورفاقه أبو الفتوح وحمدين صباحي.
<!--لماذا تحاول أن تضفي علينا واقعا غير صحيح، وهو أن نظام الحكم المصري مادته الصلبة هي الجيش. أهل هي عافية؟ أهل تحكم فوهات الدبابات ورصاصات البنادق الشعوب؟ علمنا التاريخ أن المؤسسة السياسية (الحكومة بسلطاتها التنفيذية والقضائية والتشريعية) هي التي تحكم وليس الجيش أيها العلامة. الجيش والشرطة هما منظمتان "وليستا مؤسستين" يدخلان ضمن بناء الحكومة لغرض تحقيق وظيفة الأمن الخارجي والأمن الداخلي فقط، يعني مثل شيخ الغفر والغفر بالنسبة للعمدة على مستوى القرية. إن عسكرة الدول واستعمارها من خلال ذلك هو أسلوب أمريكي للسيطرة على العالم ولتحقيق خريطة الشرق الأوسط الجديد بما فيها من تقسيم مصر إلى أربع دويلات، وسيادتك علامة في اللغة الإنجليزية، فاقرأ المراجع الأكيدة لعلماء السياسة الأمريكيين أنفسهم والتي تؤكد هذه الحقيقة.
<!--أنت تفترض أن المجلس العسكري يقتسم الثورة مع الثوار. أليس هذا افتراءً على الحقيقة؟ الجيش لم يقم بالثورة، وكان سعيدا جدا في ظل النظام السابق كجزء صلب منه كما تقول، واستمر ثلاثين عاما يشاهد التخريب الذي يحدثه هذا النظام في مصر وشعبها الفقير تاركا العنان لحيتان النظام ورجال أعماله تنهب ثروات الشعب وتنهش عظامه قبل دمائه. صحيح حما الجيش الثورة والثوار ولكنه لم يدافع عنهم عند الهجوم الغادر الشرس من جانب البلطجية وحرس النظام القديم، وتَرَك الشهداء يسقطون والجرحى يُبتلون بتكسير العظام وفقء العيون ابتداءً بمعركة الجمل حتى مجزرة ماسبيرو امتدادا لشارع محمد محمود، وهو كان يمكنه ذلك كما فعل وأوقف البلطجة تماما في المرحلة الأولى من الانتخابات التي لا زالت جارية حتى مساء الغد. لقد انتقد طوب الأرض المجلس العسكري في تباطئه وتواطئه وعدوانه على الشهداء ومحاكمة الثوار عسكريا، وها أنت لم تشر في تحليلك إلى درجة من هذا الفشل في إدارة المرحلة الانتقالية وتأخرها لهذا الحد. هل هذه موضوعية؟
<!--ما هذا الأدب الجم في التعبير عن الرئيس مبارك والرئيس السابق، وكأنه لم يُخلع، وكأنه لا يُحاكم بتهمة قتل مواطنين شرفاء، ناهيك عن جريمته العظمى والأساسية وهي تدمير مصر؟ كيف تساويه بعبد الناصر والسادات؟ يا أخي ألا تشعر بأحزان المصريين وعذابهم وبؤسهم في كل مكان عشوائيات كان أم قرى أم أحياء عفنة؟ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. ثم ما هو إعجابك بالمسرحية الفكاهية، مسرحية حكومة الجنزوري؟
<!--يا أيها الأديب المبجل: لن تَرْشُ أنت أو غيرك الثوار بمجرد لقائهم، أو محاكمة قتلة الشهداء والمصابين ومفقئي العيون، وتعويض أسر الشهداء والمصابين ولو بإنشاء مائة وزارة لذلك، لأنهم ليسوا طالبي ذلك فحسب. هم وأحرار مصر كلها وشعبها المعذب، الذي قرر إنهاء هذا العذاب بعد أن عرف طريقه، لن يرضوا إلا بتحقيق مطالب الثورة كاملة، وهي بيت القصيد، عيش وكرامة وحرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية والتي لم يتم تحقيق أي منها حتى الآن، وهي للأسف الشديد إما أنك قد تجاهلتها عن قصد، أو نسيت أن تذكرها في محاضرتك "البريئة". ظهورك المفاجئ يا سيدي الكريم في دائرة الإعلام بعد هذا الغياب الطويل لا يفترق عن غيابك. فما رأيك إذن لو تستريح؟
ساحة النقاش