برجاء نشر هذا المقال أو نشر معانيه
الإعلام المخلول، بين ملوك الرياء وعشاق الفلول
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
0127435754
7 نوفمبر 2011
بارك الله فيك يا جريدة التحرير. فعلا، اسم على مسمى. حيرتني المصري اليوم، وقررت من قبل، عندما نشرت أقوال المخلول الذي كان يطلب من البرادعي أن يعرف كيف "يزغط الوز" لكي ينتخبه، قررت أن أحرمها من الجنيه اليومي، ولكني لم أستطع فهي من قلة من الصحف التي تقرأ.
تتحفنا المصري اليوم أحيانا بآراء سطحية من إعلاميين مخضرمين من أعمدة النظام الدكتاتوري الفاسد وحماة أسيادهم الأباطرة. الجريدة النافعة يجب أن تحقق ما تؤمن به حقا، إذ كيف يعلن السيد مجدي الجلاد في الغدوة والروحة دعمه للثورة والفقراء والعدالة والدولة المدنية ويستأسد بين الحين والحين، وفي الوقت نفسه يسمح بنشر مقالات فاسدة تدحض الثورة وأهدافها السامية بل وتثير الفتنة أحيانا. لن يكون ذلك على سبيل الموضوعية، بمعنى نشر الآراء المتعارضة، وإنما تكون الموضوعية بنشر الأخبار والأحداث المتعارضة لأنها وقائع. أما الآراء المخربة فنشرها تخريب وتدمير للحق والحرية والعدالة، وخاصة إذا كان المقال يعلو فيه صوت الرياء والنفاق والحنين لعصر الدكتاتور الفاسد ونظامه اللعين. ويكفي مثل هذه الآراء أن "تبرطع" في الساحة الواسعة للصحف التي يطلق عليها "القومية" أو المتحدثة بلسان النظام، أيا كان سيادة هذا النظام، صالحا كان أم طالحا، قردا كان أم أسدا.
في اليوم السابع من نوفمبر 2011، نشر بالمصري اليوم مقال من مثل هذا النوع المخرب بعنوان "تسريح الجيش - العراق نموذجا". ذكر الكاتب الإعلامي العبقري الحكيم أنه تحدث من قبل عن النخر في أركان الدولة، وإشارة معاليه إلى أن من بين السبل المهمة للنجاح في مهمة إسقاط الدولة هو تفكيك الجيش، أو بحد أدنى تقليصه حجماً ودوراً، وحصاره والتشكيك في ولائه وجدواه. ويقارن معاليه بين الجيش المصري وقيادته المصرية الوطنية والجيش العراقي الصدامي وقيادته المتهورة المغرورة، وما قرره بول بريمر من تسريح جيش العراق 2003 بحجة عدم تكرار مغامراته وعدم قمع الشيعة والأكراد بالداخل وتهديد إسرائيل.
هل يتصور سيادة الكاتب العبقري أنه يوجد في مصر مخلوقا، آدميا أو غير ذلك، يود تفكيك الجيش المصري؟ وهو الجيش الذي يتمنى كل مخلوق في مصر، آدميا كان أم غير ذلك، أن يكون بحق الجيش الذي لا يقهر في المنطقة. وسيادته يعلم طبعا معنى "الجيش الذي لا يقهر". الجيش المصري ليس مفقود العقل يا سيادة العاقل العبقري حتى يذبح أهله المصريين كما كان يفعل الجيش العراقي حتى يطلب بعض المصريين تفكيك جيشهم أو إضعافه. نحن يا أيها الكاتب العبقري لن نطلب من أمريكا أو غيرها حمايتنا من جيشنا إذا ذبحنا، لأنه جيش مصري شامخ أولا، وثانيا لأننا نستطيع أن نُقًوم جيشنا بنفسنا إذا تعدى حدوده، لأنه هو نحن، شأنه شأن آبائنا وأبنائنا يا أيها العبقري الحكيم. جيش مصر لم يسمى أبدا جيش عبد الناصر أو جيش السادات أو جيش الملك أو جيش المخلوع كما كان يسمى جيش العراق بـ "جيش صدام"، وإنما دائما وبكل شرف وشموخ هو "جيش مصر"، ومصر وحدها، أيها العبقري الحكيم. لن تعلمنا أنت أيها الكاتب العبقري ولن يعلمنا إياد علاوي العراق الذي ذكرته في مقالك أن الجيش "ركن ركين من أركان الأمة وصمام أمن البلاد وركيزتها." أنت أيها الكاتب العبقري، شأنك شأننا جميعا، لا نعلم شيئا عن "العقيدة العسكرية للجيش المصري" التي تقول أن هناك بعض الأصوات تنادي اليوم بتغيير تلك العقيدة لتضيف إلى مواجهة الخطر التقليدي، إسرائيل، قضية "مواجهة الجريمة المنظمة والإرهاب." كل ما نعلمه عن الجيش المصري هو ما تنشره الجهات الخارجية وليس المصرية مثل منظمة "قوة النيران العالمية Global Fire Power (GFP)" والتي تقول عن الجيش المصري المعلومات التالية، والتي نعرض بعضها بصورة مقارنة مع إسرائيل:
<!--يأتي ترتيب الجيش المصري رقم 16 على العالم من حيث القوة، وإسرائيل رقم 10. الخمسة الأوائل هي أمريكا، روسيا، الصين، الهند، بريطانيا، وتركيا رقم 6.
<!--الميزانية المصرية المعلنة للدفاع 7.15 مليار دولار، إسرائيل 16 مليار دولار.
<!--القوة البشرية العاملة 458500 فردا، إسرائيل 187000 فردا فقط.
<!--القوة البشرية الاحتياطية 479000 فردا، إسرائيل 565000 فردا.
<!--عدد الطائرات 884، إسرائيل 1964 طائرة أي أكثر من الضعفين والربع ضعف، ناهيك عن النوعية.
<!--عدد الأسلحة المرتكزة أرضيا 48740، إسرائيل 12552.
<!--عدد المدفعية المجرورة 2240، إسرائيل 550.
<!--الوحدات البحرية الكلية 220، إسرائيل 64.
أيها الكاتب العبقري، أظنك تعلم أن هناك اتفاقا في الرأي الآن بين عامة الشعب حول فكرة أننا إذا دخلنا حربا الآن مع إسرائيل فلن تكون الغلبة في صالحنا. ولذلك يقال في مواقف الاستفزاز الإسرائيلي المتكررة لنا مثل حادثة قتل جنودنا علي الحدود الأخيرة "لن نستدرج إلى حرب الآن." هل فكرت أيها الكاتب العبقري عن السبب في ذلك بالرغم من الإحصائيات السابقة التي تضع الجيش المصري في ترتيب أعلى من الجيش الإسرائيلي؟ أُعلم سيادتك، أن هذا من باب الأكاذيب الإحصائية Statistical lies كما يسميها علماء الاجتماع، ذلك لأن الجانب الحقيقي المهمل هنا هو النوعية وليس مجرد الكم. الإيمان والعقيدة والتنظيم والتقنيات العالية والردع النووي والإدارة الفعالة والتخصص الوظيفي العسكري للجيش هي أهم المقومات التي تجعل الجيش الإسرائيلي أقوى من الجيش المصري بل والجيوش العربية كلها التي تفتقد مثل هذه المقومات. وفي تاريخنا الإسلامي العريق كان المائة يغلبوا ألفا من الكفار، ثم عندما وهن المسلمون أصبح المائة يغلبوا مائتين بإذن الله.
كان من المفروض عليك أيها الكاتب العبقري أن تساهم بأفكارك النيرة في كيفية التحول من وضع حالي لجيشنا إلى جيش لا يقهر يتسلح بالردع النووي، ولا تتوقف فقط عند مجرد ادعاء الوطنية والخوف على الجيش وتفكيك الدولة وتلك الترهات والمقولات المبتذلة الخاوية. وحتى لا أكون مقصرا مع سيادتك أرجعك إلى مصدرين ينعشان فكرك في هذا الموضوع:
المصدر الأول: هو المرجع الذي حرره الرائع الوطني المخلص المرحوم الدكتور محمد السيد سعيد عام 1997 "مبادرة للتقدم، استيعاب التكنولوجيا المتقدمة في مصر"، (مركز الدراسات الإستراتيجية بالاشتراك مع مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية) والتي أرجع فيها سيادته تفوق إسرائيل على الدول العربية كلها بسبب تكنولوجيا C3، القيادة والسيطرة والاتصالات وإدارة المعارك، تكنولوجيا الطيران والفضائيات، تكنولوجيا المعلومات، تكنولوجيا الصواريخ المضادة للصواريخ، التكنولوجيا المساعدة للفنون العملياتية، التكنولوجيا النووية، تكنولوجيا التدريع وتكنولوجيا الغواصات.
المصدر الثاني: مرجع للعبد لله بعنوان "التنمية في خدمة الأمن القومي" (منشاة المعارف بالإسكندرية عام 2000)، ص ص 171-183 تحت عنوان "التقدير النسبي للموقف العسكري المصري، والذي يتناول قضايا مثل المركزية الإستراتيجية لمصر، الإبداع والابتكار، السير في طريق التآزر العربي، تنمية الدروع البشرية الأمنية وسد الفجوات الأمنية، النهوض بسياسة التصنيع المحلي مع استيراد الضروري لتوفير واستيعاب التكنولوجية العسكرية المتقدمة.
سيادة الكاتب العبقري، أنت تخاطب الملايين ومسئول عن تلويث أفكارهم والحط من روحهم المعنوية فلتقل خيرا أو لتصمت. نحن نحب جيشنا أكثر من سيادتك، هو يضحي من أجلنا ونحن نضحي من أجله، ننتقده سياسيا بصوت عال وهو يستجيب، فكفانا نفاقا حتى لا نفسد حكامنا.
ساحة النقاش