برجاء نشر هذا المقال أو نشر معانيه
الرجوع إلى الحق فريضة
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
0127435754
[email protected] 8 أكتوبر 2011
ألا تشعر قارئي العزيز بأننا تائهون؟ والعجيب أننا الذين نتوه أنفسنا بأنفسنا. معظم مرشحي الرئاسة الآن يريدون انتخابات الرئاسة قبل الدستور فيما عدا الدكتور البرادعي الذي يرى أن يكون الدستور أولا. ائتلاف شباب الثورة يضع ثلاثة سيناريوهات مختلفة. والعجيب أن مرشحي الرئاسة التابعين لتيار الإسلام السياسي والأحزاب السياسية المساندة لهم قد غيروا رأيهم وعكسوه، إذ كانوا يصممون على أن تكون انتخابات الرئاسة بعد الدستور، ولكن الدستور بالنسبة لهم كان بعد الانتخابات البرلمانية. وهنا نتساءل ما هذا الذي في بطن الشاعر، والذي يتغير بهذا الشكل؟ والسبب في ذلك هو غياب المنطق وغياب الموضوعية نتيجة للسعي وراء ما يعتقد بأنه المصالح الشخصية أو الحزبية. هذا بالإضافة إلى السعي الحثيث نحو إنهاء المرحلة الانتقالية بأسرع ما يمكن، وعلى أي صورة، لسرعة التحول من الإدارة العسكرية إلى الإدارة المدنية للدولة، وهذا هو السبب الأساسي وراء هذا التسرع والتخبط.
الجميع يتفق على ضرورة السرعة بقدر الإمكان في نقل السلطة إلى سلطة مدنية، ولكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب مستقبل مصر ومنطقية إجراءات هذا التحول، وخاصة أنه يمكن أن يتم التحول السليم في نفس المدة التي يمكن أن تنتهي في يونيو القادم على أكثر تقدير.
الإصرار على ما يعتقد الإنسان أنه الحق فريضة، وذلك لكي لا يكون الإنسان مسئولا عن كوارث يمكن أن تترتب على وجهة النظر الأخرى. ولكن إذا نجحت وجهة النظر الأخرى فيجب أن يسعد الإنسان بها، ويكون أول المهنئين لأصحابها.
ينادي هذا المقال بضرورة وضع الدستور أولا ثم إجراء الانتخابات الرئاسية ثم إجراء الانتخابات التشريعية، وذلك للأسباب التالية:
<!--الدستور هو أساس المبنى وأعمدته الرئيسية، هو الذي يحدد إذا ما كان هذا المبنى برجا، أم فيلا، أم فندقا، أم مستشفى، ويحدد كم من الأدوار سيتحمل هذا المبنى. إذن، الدستور يحكم بناء الدولة. إذا لم يوضع أولا فلن نعلم ماذا سيكون شكل هذه الدولة وبناؤها وأداؤها.
<!--الدستور هو القانون الأعظم الذي يمثل القواعد التي تنظم قواعد ممارسة السلطة في الدولة، وهو الذي يبني الدولة بناء على التوافق الشعبي. ويقوم الدستور بحماية الشعب من الممارسات الجائرة التي قد تتخذ بالسلطات الأساسية للدولة، والتي قد ترتكب بممثلي الشعب المنتخبين أنفسهم. هذا ويضمن الدستور درجة من الثقة والتماسك اللازمين لحياة الطوائف المختلفة من الشعب مع بعضها البعض. ويحدد الدستور كذلك كيفية بناء الدولة، وما هي سلطاتها ومن يستخدمها. ويضمن الدستور حدود سلطات الحكومة مع توضيح حقوق المواطنين، كل ذلك من أجل تحقيق تطلعات المواطنين لبناء مجتمع العدل والرخاء والأمن والحرية. كما يجب أن يكون الدستور مختصرا، شاملا، محددا، متناولا لبناء الحكومة والحريات والسلطة.
<!--الدستور يمثل الغايات العظمى للدولة بالإضافة إلى الوسائل الأساسية لتحقيق تلك الغايات. هل غاية الدولة هي مصلحة الفرد بصرف النظر عن الجماعة كالدول الرأسمالية، أم مصلحة الجماعة بصرف النظر على الفرد كالدول الشيوعية سابقا، أم توازن بين المصلحتين الفردية والجماعية، وما هو شكل هذا التوازن؟ ثم يحدد الوسائل هل هي من خلال المشروعات الصغيرة أم المشروعات الكبرى، من خلال القطاع الخاص أو العام أو التعاوني أو المجتمع المدني، وهل هي من خلال المركزية أم اللامركزية؟... وهكذا.
<!--حيث أن الدستور يمثل هوية الدولة وغاياتها العظمى والوسائل الأساسية (أي القيم والمعايير) فمن المعروف أن بناء الدول يتم على أربعة طوابق، الطابق الأرضي هو القيم، الطابق الثاني هو المعايير (الوسائل والضوابط الأساسية)، والطابق الثالث هو التنظيم والإدارة، الطابق الرابع هو الموارد المادية والطبيعية والبشرية والتقنيات المتوافرة. إذن الدستور يسبق بقيمه ومعاييره تنظيم الدولة من حيث تنظيم أجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، ليس هذا فحسب بل هو الذي يحدد طبيعة هذا التنظيم ونمط استغلال الموارد.
إذن كيف نضع العربة أمام الحصان، ونتوقع سير العربة؟
السيناريو المقترح:
<!--وضع الدستور، بتكوين لجنة المائة بواسطة من شيوخ القضاة وممثلي شباب الثورة وممثلي الأحزاب والنقابات والاتحادات العمالية لجنة (من عشرة فقط) مشكلة من ممثل للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وتسعة آخرين والفلاحية والمجتمع المدني والإعلام ومن آخرين. ثم تختار لجنة العشرة لجنة المائة التي تقوم بوضع الدستور، ثم يتم الاستفتاء عليه. المدة شهران.
<!--انتخابات الرئاسة، بفتح باب الترشيح ودعوة المواطنين للتصويت وإجراء انتخابات الإعادة بين المرشحين الأعلى أصواتا وتسلم الرئيس المنتخب سلطاته الدستورية من المجلس الأعلى للقوات المسلحة. المدة شهران ونصف كما اقترح مرشحو الرئاسة.
<!--انتخابات مجلسي الشعب والشورى على ثلاث مراحل في كل منهما بين كل مرحلة وإعادتها خمسة أيام. المدة شهر ونصف.
وهكذا يستغرق هذا السيناريو ستة شهور. إذا بدئ العمل به في أول ديسمبر القادم ينتهي البناء المؤسسي للدولة في أول يونيو 2011. وتنطلق ثورتنا المباركة وشعبها الصابر إلى العبور العظيم، بناء مصر الحديثة.
واطمئنوا شباب وشعب مصر، قطار الثورة يتحرك، والفلول قد يئسوا، ويحاولون اللحاق به.
ساحة النقاش