تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

Subject: المبادئ الإسلامية في المادة الثانية للدستور

 الثقافة غذاء، وتبادل الفكر دواء، والتواصل الاجتماعي شفاء، وتفاعل الفكر نماء.

لم يعجبك قولي فأرشدني،

وإن ضقت بي ذرعا فأخبرني،

أو بلوكمي، أو سبام مي.

أ.د. محمد نبيل جامع [email protected]

المبادئ الإسلامية في المادة الثانية للدستور

                                      بقلم                                         

5 سبتمبر 2011

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

0127435754

[email protected]

ما رأينا من دعاة الإسلام السياسي بعد الثورة الينايرية المستنيرة إلا عجب العجاب، سلوكاَ  يتراوح ما بين القذف بالحذاء في أوجه المتحدثين بالمؤتمرات، إلى رفع  للعلم السعودي في الساحات، ثم حديثا جهوريا مفعما بالغلظة والتهديد والتخوين والتكفير، ثم سباقا محموما واندفاعا متهورا نحو مقاعد الحكم في المجالس التشريعية وكرسي الرئاسة كمنتهى للغايات. كان سلاحهم في البداية هو شعار "الإسلام هوالحل"، ثم تركوه، أو تجاهلوه، واعتنقوا شعار "الديمقراطية هي الحل" طالما أن ذلك سوف يوصلهم لتلك الغايات، مع أن الإسلام السمح  الحقيقي غير الوهابي هو الحل في حقيقة الأمر، وليس هذا بالعجيب، فتلك أوحال السياسة ولعناتها خاصة للمحدثين في ممارستها. وفي هذا كله استغلال للثورة وامتطاء لها دون السعي الجاد لتحقيق مطالبها أولا.

مصر إسلامية منذ أن أنعم الله على سكانها بالفتح الإسلامي- ولكنها  في ظل هذا الإسلام النقي السمح احتفظت بتراثها وتاريخها الفرعوني واليوناني والروماني والقبطي، ومن هنا فلم ينتظر حكامها ومشرعوها مجيء الإسلام السياسي المعاصر لكي يشرع وضعها وهويتها الإسلامية السمحة، فكانت  المادة الثانية للدستور والتي لا زالت تحفظ لمصر هويتها الإسلامية ووحدتها الوطنية.

وقد رأى هؤلاء الحكام وأولئك المشرعون ما لم يره – أو على الأقل ما لم يعلمنا  به – الإسلام السياسي المعاصر من مبادئ وقيم عليا في إسلامنا السمح حتى نتخذها نبراسا وأساسا لبناء الدولة والحياة المجتمعية الراقية. ألخص هذه المبادئ وتلك القيم الإسلامية فيما يلي، مع الشكر لمن علمونا من أساتذتنا وعلمائنا وآبائنا وتلاميذنا، سواء منهم من هم في مصر أم من هم في بلاد الفرنجة، ومع الاعتذار أيضا لمن كان من المفترض أن يعلمونا ذلك وهم ممثلو الإسلام السياسي على الساحة السياسية المعاصرة بعد الثورة الينايرية المستنيرة بدلا من اللهث وراء جمع مغانمها:

<!--قيمة الحرية الدينية وتعدد  الشعوب والقبائل والشرائع والمناهج: أتت هذه القيمة ابتلاءً واختبارا لحرية الاختيار الإنساني والعلم والبيان الذي علمه الله لأكرم خلقه  وهو الإنسان. وقد وجد علماء الاجتماع والتنمية أن الحرية الدينية كانت من المسببات أو الدوافع الجوهرية لإحداث التنمية والتقدم والحداثة والقوة والمنعة.

<!--قيمة رأس المال البشري والاجتماعي: نجد في بناء الدول والمجتمعات أن العقائد والقيم هي الأساس، وأن المعايير والقوانين والأعراف هي الطابق الأول، وأن التنظيم والإدارة والعمل الجماعي هي الطابق الثاني، وأن الموارد المادية والطبيعية والبشرية هي الطابق الثالث والأخير. ومن ثم فالإنسان هو المكون الشامل في جميع هذه الطوابق، وهذا هو ما دعا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ألا يختار الذهب أو الخيل كأمنيات لنصرة الإسلام كما فعل الصحابة الجالسون معه، وإنما اختار أن يمتلئ الفناء الذي كانوا فيه يجلسون برجال أمثال أبي عبيدة عامر بن الجراح ليوليهم أمر المسلمين. ولا يكاد أي راشد فينا لم يسمع عن القيم والمبادئ الإسلامية مثل العدالة، التشارك والتلاحم العضوي المتكافئ بين الحكومة والشعب والمتسم بالاحترام والتقدير، حب العمل والاجتهاد فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، الحرية التي تطلق ملكات الإبداع والابتكار وتحقيق القفزات الهائلة في الإنجاز والتنمية، العلم والمعرفة في سبيل خشية الله وتحقيق التقدم والارتقاء، الشورى والديمقراطية والتمكين واللامركزية وتفويض السلطات وتوفير الإمكانات والمحاسبة والشفافية، القوة (قوة رأس المال البشري أي الفرد، وقوة رأس المال الاجتماعي، وقوة رأس المال الثقافي، وقوة رأس المال الاقتصادي، والقوة التكنولوجية والعلمية والعسكرية) والعزة والثقة في نصر الله ومعيته، الصبر والحلم والرفق وعدم الجهل، صلة الرحم والتحاب بين الناس والتكافل الاجتماعي والتعاون والإيثار وحب الفقراء والمساكين، صيانة النعم والنظافة والمحافظة على البيئة، الاقتصاد والوسطية في الإنفاق دون بسط كلي لليد ودون أن تكون مغلولة إلى الأعناق، توقير الكبير والعطف على الصغير، قدسية الأسرة وحقوق الجيران، الأمن والأمان، كراهة الترف والمترفين والاستهلاك التفاخري، الصدق والأمانة والوفاء بالعهد، تقديس الأنفس والأموال والأعراض والممتلكات وعدم التعدي عليها، تنمية الضمير الجمعي ومحاسبة النفس، الثواب والعقاب بدءًا بالولاية وانتهاءً بالقصاص، والخوف من النار وعذاب القبر، والرجاء في الجنة ولقاء الله سبحانه وتعالى.

<!--قيمة العلم والمعرفة: ويساء فهم العلم  والمعرفة على أنه العلم الديني فقط، فسبحانك اللهم بدأت وحيك بأمر رحيم وهو القراءة، وصلى الله على حبيبنا أول مستقبل لهذا الأمرالقرآني الكريم. والعلم هو مملكة المعرفة بما فيها من علوم طبيعية Natural sciences  وعلوم اجتماعية Social sciences وعلوم إنسانية Humanities حيث يدخل العلم الديني في الأخيرة.

<!--واقعية الإسلام وسماحته: وهي مبدأ بني على الاستطاعة والتيسير والتبشير. لم يكن المنهج الإسلامي أو السماوي خياليا كالمنهج الرأسمالي الذي يعتنق الحرية الاقتصادية وقوى السوق دون قيد أخلاقي يحد من الجشع والاحتكار والسيطرة ودون نظرة للمصلحة العامة ودون اعتبار للفقر والفقراء، وكذلك لم يكن خياليا كالمنهج الشيوعي الذي ألغى الملكية الخاصة معتقدا في إمكانية تحقيق العدالة المطلقة فانهار بأكمله.

<!--أخلاقية السلوك الإسلامي واجتماعيته: على عكس المنهج الرأسمالي ذي الاستغلال والاحتكار، وكذلك على عكس المنهج الشيوعي المعتمد على العنف والثورة الدموية والقهر، وإنما سلوك اسلامي  لا خداع فيه ولا تطفيف كيل أو وزن، ومن ثم فكان "الدين المعاملة" هو شعار الإسلام الحقيقي.

<!--المال لله: هو لله، وليس للحكام أو لرجال الأعمال، والإنسان مستخلف فيه، والمال في الإسلام وظيفته الأساسية وظيفة اجتماعية، على عكس النظام الرأسمالي الذي اتخذ المال ملكية خاصة مما خلق التناقض بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، وكذلك علي عكس المنهج الشيوعي الذي اتخذ المال ملكية مجتمعية فقط مما دعاه إلى الإيمان بالمصلحة  العامة فقط والتضحية بالمصلحة الخاصة. ولذلك فقد جمع الإسلام بين الملكية الخاصة في حدود، والملكية العامة في حدود أيضا، وفي كلتا الحالتين تبقى وظيفة الملكية وظيفة اجتماعية.

<!--نبذ العنصرية والطائفية والطبقية: أخوة عامة وتفاوت في الأرزاق تبعا للمواهب والقدرات والتضحيات والخبرات، ولكن في سبيل تحقيق مجتمع الكفاية والأمن وحرية الرأي والتعبير، على عكس المنهج الرأسمالي الذي يقر العنصرية والطائفية والصراع بين أصحاب رؤوس الأموال والعمال, وعلى عكس المنهج الشيوعي الذي يقر دكتاتورية البروليتاريا (الطبقة العاملة) في مواجهة بقية طبقات المجتمع.

<!--الطبيعة التعبدية لمنظومة القيم والمبادئ الإسلامية: عمارة الأرض من حيث تحقيق الرخاء الاقتصادي والرفاء الاجتماعي والرضاء النفسي والأمن الاجتماعي للإنسان واستحضار آيات الجمال في خلق الله، تسبيحا لجلاله، بدءًا من تأمل جمال ألوان الفراشة الرقيقة إلى تأمل متنزه السماء Sky park في سنغافورة هي من غايات المنهج الإسلامي على عكس المنهج الرأسمالي ذي الطبيعة المادية والربح فقط، وكذلك المنهج الشيوعي ذي الطابع المادي أيضا.

<!--العدالة الاجتماعية: يوضح مفهوم العدالة في الإسلام أن الهُدى في هدْي الله والضلال في قول الأيديولوجيات البشرية المنافية لهدي الله. ترى الرأسمالية أن العدالة تتحقق باعتبار العمل ضرورة لكسب العيش لمن لا يملك وليس ضرورة لمن يملك ويسود معيار "لكل على قدر عمله وإرثه"، أما المفلس أو غير القادر فمصيره الجوع والمرض والجهل والانقراض. وترى الشيوعية للعدالة أن العمل وظيفة اجتماعية يتقاضى الفرد احتياجه فقط دون زيادة، ويسود معيار "من كل على قدر طاقته، ولكل على قدر حاجته." الفرد هنا محروم من الملكية الفردية، ومحروم من الثروة مقابل عمله الجاد ومهارته الفائقة. أما في القيم السماوية فالحاجة هي معيار العمل والفائض من حق العامل أيضا حيث يسود معيار "لكل على قدر عمله، ولكل على قدر حاجته." الفرد يبدع ويعمل باجتهاد ويصبح من الأثرياء معتقدا أن المال ملك لله مستخلف فيه، فيه حق معلوم للسائل والمحروم ومستحث على الصدقات والإنفاق بشكل لم يسبق له مثيل في فكر البشر أو في أنظمتهم، وفي نفس الوقت فالإنسان الفقير أو غير القادر له حق الحياة الكريمة دون من أو أذى في المجتمع الإنساني. إذا انطلقنا من قيم كهذه فلن يكون حالنا كما هو الآن، قليلون يمتلكون الثروة والجاه والسلطان بغير حق والسواد الأعظم من الشعب لا يجد لقمة العيش إلا بالزحام في طوابير طويلة قد تتحول في آخرها إلى سراب لا خبز فيه ولا ماء.

<!--رفقا بالقوارير: رحم الله مشايخنا الأفاضل، لنرجع لهم حتى نفهم الفقه الإسلامي الصحيح في مجال الأسرة والمرأة والعلاقة بين الرجل والمرأة، ولا نستغرق في فقه  البداوة، فقه الحيض والنفاس كما أطلق عليه شيخنا الجليل ذا الوجه السمح، والصوت الحنون الشيخ  الغزالي رحمه الله وعطر ثراه.

اللهم اجعل عملنا مصداقا لقولنا، واجعل قولنا مصداقا لإيماننا، واجعلنا ممن يستجيبون لدعوتك، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ".

وكل عام  وأنتم بخير

المصدر: أ.د. محمد نبيل جامع

ساحة النقاش

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

99,735