Subject: الإسلاميون المتسعودون والدولة الدينية
الثقافة غذاء، وتبادل الفكر دواء، والتواصل الاجتماعي شفاء، وتفاعل الفكر نماء.
إن لم يعجبك قولي فأرشدني،
وإن ضقت بي ذرعا فأخبرني،
أو بلوكمي، أو سبام مي.
أ.د. محمد نبيل جامع [email protected]
الإسلاميون المتسعودون والدولة الدينية
إذا كنت من أعداء الثورة فلن يفيدك هذا المقال
مع رجاء نشر هذه الرسالة أو نشر معانيها
بقلم
10 أغسطس 2011
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
0127435754
هاجرت العمالة المصرية الشابة هربا من الفقر والظلم والفساد الذي فاض به الكيل في عصر الطاغية مبارك وكهنته إلى دول الخليج، وخاصة السعودية، فوجدت الحرمين الشريفين ومظاهر التدين البالغة وثراء المجتمع ورفاهيته، فاتخذت من التدين الظاهر هناك ملاذا يمسح آلام الظلم والفساد اللذين عانت منهما، وأعجبت بثراء المجتمع السعودي ورفاهيته.
أقنعتهم الثقافة السعودية أيضا أن هذا الثراء وذلك الخير العميم هو نتيجة للتدين، ولم تدرك العمالة البسيطة أن التدين هذا كان موجودا أثناء فقر المجتمع السعودي قبل حرب أكتوبر 1973م التي رفعت سعر برميل البترول من 3 دولار إلى أكثر من 30 دولار. ولا يمكن أن ينكر أحد فضل الله على العمالة المهاجرة، ومن بينها كاتب هذا المقال، حيث كانت لها نصيب من ثراء هذا المجتمع السعودي مقابل عرق هذه العمالة وشقائها وغربتها.
وعادت العمالة المهاجرة إلى مصر والكثير منها مُطَعم بعقائد وقيم وسلوكيات غريبة على الثقافة الإسلامية الوسطية الأزهرية المصرية أدنى عواقبها هو نكران الصفة الإسلامية عن المجتمع المصري، ووصمه بأنه معقل الراقصات والفسق والفجور والخمور، بل وبلغ بالبعض أن يكفر هذه الثقافة الإسلامية المصرية الطاهرة.
حاولت هذه العمالة العائدة - والتي يعبر عنها عنوان المقال بالـ "الإسلاميون المتسعودون" – أن تطبق منهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى غرار النمط السعودي المتسم بالعنف والخيزرانة والسجن لأبسط المخالفات الاجتماعية مثل ظهور الوجه أو ظهور شعرة من شعر النساء أو عدم صلاة الفجر في المساجد للرجال، ونسيت تماما منهج الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الذي يبدأ بالحكمة والموعظة الحسنة والاستطاعة ابتداءً من اليد حتى القلب.
عادت هذه العمالة المهاجرة لتمثل طُعما عنيفا على شجرة مباركة راسخة، شجرة ترفض هذا الطعم العنيف الذي يصمم بدوره على تغيير ثقافة هذه الشجرة بدلا من أن يذوب هو فيها ويقبل الغذاء الذي تمده به، ويتأقلم ويتعايش مع هذا الأصل، ويبقى في نفس الوقت محتفظا بمذاقه الخاص في ظل مدنية الدولة المصرية وتسامحها.
هل يستطيع هذا الطعم أن يزيل هذه الشجرة المباركة ذات الجذور الغائرة في عمق التاريخ بفرعونيتها وإغريقيتها ورومانيتها وقبطيتها وإسلاميتها؟ هيهات هيهات، هي فورة أو زوبعة في فنجال يتحمل أوجاعها المصريون الأصليون مسلمون وأقباط، فكان الله في عون الشجرة المباركة من هذا الطعم العنيف.
وهنا أنادي أبنائي الشباب، والكبار على السواء، من هؤلاء الإسلاميين المتسعودين، وأقول أن ثورة 25 يناير المستنيرة لم تأت لكي تطبق المنهج السعودي في الدين وحكم الدولة، وإنما قد قامت هذه الثورة بفضل الله لتزيل الفقر والجهل والمرض والظلم والفساد الذي بعثكم في البداية كعمالة مهاجرة للبحث عن لقمة عيش كريمة وليس لاستيراد نظام قيمي سعودي هو نفسه يتغير بالفعل نحو الحداثة والدولة المدنية بحكم تيار الاستنارة العالمي في ظل العولمة وحياة القرية الواحدة. لقد عشت بنفسي بالرياض عام 75م ثم عشت فيها حديثا وشتان ما بين العالمين، ولا يزال منحنى التنوير يتصاعد هناك.
انظروا إلى السماحة المصرية التي سمحت للشيخ السعودي عدنان الخطيري، الوهابي ومرجع السلفية الرئيسي، أن يخطب في مسجد الجمعية الشرعية بامبابة قائلا، وهو مطمئن لسماحة مصر الحبيبة، إن مصر لن تقام بها دولة إسلامية وبها راقصات يرقصن ويغنين ولا يأمر شعبها بالمعروف.
ولذلك فإن أناشدكم أبنائي المتسعودين راجيا أمرين اثنين فقط:
<!--ارجعوا إلى زيكم المصري الجميل سواء الجلباب الفلاحي أو الصعيدي أو سراويل الصيادين الجميلة أو الملابس المدنية العادية، واخلعوا مظاهر الثقافة البدوية وتعلموا الإسلام الوسطي الأزهري السمح من أمثال المرحوم الشيخ الغزالي والشيخ القرضاوي أطال الله في عمره والمرحوم الشيخ سيد سابق و... و... و... وانضموا إلى إخوانكم شباب وشعب مصر لكي نتم ثورة يناير المستنيرة ونحقق مطالبها، فهنا يكون استثماركم الأعظم في سبيل الله ونصرة الحق والعدالة.
<!--إن رفضتم الرجاء الأول فهذا حقكم وتلك حريتكم تحت سماء مصر الحبيبة، ولكن اتركونا أيضا من فضلكم نعبد الله دون إزعاج لنا أو إرهاب. لا تطالبونا بفتح القدمين أثناء صلاة الجماعة كالجمل الذي يقضي حاجته وذلك حتى لا تمر الشياطين من بيننا، ولا تزعجونا بالخطب أو بالوعظ السياسي في المساجد بما فيها من إهانات للمؤيدين لمدنية الدولة حتى لا تثيروا الفتن والفرقة بين المصريين، ولا تمنعونا من الصلاة بين أعمدة المساجد لتحقيق وصل الصف مع أن الحرمين الشريفين مليئان بالأعمدة والناس تصلي بينهما، ولا تطيلواعلى العجزة والمرضى في صلاة الجماعة فهذا ليس من صحيح الدين، وتذكروا أن هناك من أمثالكم من يعيش في الدول الغربية، ومنهم مواطنون بها، وقد تزينوا باللباس المدني ولا يسعون إلى إقامة دول دينية في هذه الدول. ثم في النهاية "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ" و "إنً هَذا الدِينَ مَتِينُ فَأوغِلْ فيه بِرِفْقٍ، ولا تُبَغِّض إلى نفسك عبادة الله، فإن المُنْبَتَّ لا سفرا قطعَ، ولا ظهراَ أبقى". صدقت يا حبيبي يا حبيب الله، صلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك أجمعين.
إن مصر الآن بعد أن رزقها الله بالثورة المستنيرة تواجه أعظم التحديات لإتمام هذه الثورة وتحقيق مطالبها الجميلة، تحديات لا تقتصر على شياطين النظام البائد الذين لا زالوا أحرارا ينفثون السم في أحشائنا، أو من فلوله الهائمة هنا وهناك، وإنما تمتد إلى ما عمقه مبارك وكهنته من ثقافة ومؤسسات فاسدة وبيروقراطية جاثمة تعوق المبادرات الإصلاحية الحقة والتي لا يختلف عليها اثنان. هل هذا يا أبنائي وقت التفرق والتعصب والانحراف عن الصراط المستقيم وهو العدل.... العدل.... العدل....؟
وكل عام وأنتم بخير
ساحة النقاش