الواقع والواقعية الانتقادية السّاخرة   
       قراءة نقدية في تجربة الأديب القاص
           (   مصطفى الحاج حسين ) .

----------------------------------------------------
----------------------------- إبراهيم محمد كسار 
بطاقة تعريف :
* مصطفى الحاج حسين ابن محمد من مواليد حلب
 ( الباب ) 8/2/1961 م .
* ترك الدراسة في أواخر المرحلة الابتدائية ،وعمل  
 في مهنة البناء مع والده .
* عصامي الثقافة واسعها ، أولع بالمطالعة ،
حتى بدأت تظهر أولى كتاباته وهو في الخامسة
 عشرة .
* يكتب الشعر والقصة القصيرة ، والخواطر،
والمذكرات ، والمقالات الأدبية .
* صدرت له مجموعة قصصية بعنوان (( قهقهات
 الشيطان )) بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب عام
 1998 ، عن دار الثريا بحلب .
* أورد له خطيب بدلة في مجموعة (( الساخرون ))
 قصة إلى جانب كبار كتاب القصة في سورية .
* تحدثت عنه مقالات ودراسات كثيرة في الصحف
 والمجلات المحلية والعربية .
* ينشر نتاجه الأدبي في مجلات وجرائد الوطن
 العربي .
* نال أكثر من جائزة أدبية في مجال القصة محلياً
 وعربياً منها :
  -- جائزة اتحاد الكتاب العرب بحلب 1993
 -- 1994 
          -- جائزة المركز الثقافي العربي بحلب
1992 م
       -- جائزة د . سعاد الصباح للإبداع الأدبي
 بالكويت 1994 .
* لديه مخطوطات قصصية ، إحداها (( فشّة
 خلق )) قيد النشر ، ومجموعات أخرى مخطوطة ،
 كما أن لديه مجموعة شعرية مخطوطة من قصيدة
 النثر بعنوان (( نوافذ على الجرح )) .
       لم أعهد في أصدقائي الأدباء ، أو في الكتاب
 الذين أعرفهم حماساً للأدب يماثل حماسه ، ذلك أنّه
 - باختصار شديد - ذو إصرار دائب على الأدب
 والكتابة الإبداعية .
فقد كتب الشعر ردحاً من حياته ، وكان شعره خالياً
 من الإيقاع الخارجي ، فهو - من هذه الجهة - قد
 ينتمي إلى ما يسمى (( قصيدة النثر )) لكنه من
 حيث التصوير والبناء الشعري قد ينتمي إلى شعر
 التفعيلة.
       يزخر شعره بالصور المحلّقة ، فهو يملك
مخيلة واسعة الأفق ، ويرى أن القصيدة يجب أن
 تكون مليئة بالصور الجديدة المدهشة لذلك تراه
 يسعى سعياً حثيثاً إلى المزيد من التصوير الفني .
       أمّا موضوعات شعره فمتنوّعة ، ولكن يغلب
 عليها موضوعان أساسيان هما : الهم السياسي -
 الاجتماعي ، والغزل . وقد كتب في الحب نيفاً ومئة
 قصيدة أطلق عليها أصدقاؤه تسمية(( الندويات )) 
 وقد جمع أشعاره بين دفتي مخطوط بعنوان 
 (( نوافذ على الجرح )) .
       تحوّل إلى كتابة القصة القصيرة ، فأنجز
 مجموعة كبيرة من القصص ، تقدم بمجموعة منها
 تحت عنوان (( الضّحك على اللحى )) إلى مسابقة
 الدكتورة سعاد الصباح في الكويت ، ففاز بالجائزة
 الثانية ، وتقدم بمجموعة أخرى تحت عنوان
 (( قهقهات الشيطان )) إلى اتحاد الكتاب العرب
 بدمشق
، فوافق على طبعها بالتعاون .
       إنّه القاص مصطفى الحاج حسين ، العين
 الراصدة ، والحدقة الجريئة التي تلج عالمه
 الداخلي ، كما تتسلل إلى عوالم الآخرين دون
 استئذان ، لكنها تخرج منها بعوالم قصصية ناجحة .
       إنّه القاص الذي لم يغادر - في قصصه - حلب
 وضواحيها ، فهو مخلص للمكان مرتبط به ارتباطاً
 وثيقاً ، يؤمن بأن أية بقعة من الكون تنبض بمئات
 القصص ، وما على القاص المبدع إلاّ أن يستلّ
 قلمه ، ويحاكي ما حوله تسجيلاً فنياً مبدعاً .
       إن كل شيء حوله قابل لتحويله إلى قصة
 قصيرة ، كل حدث مهما كان صغيراً ، وكل شخصية
 أيضاً يملكان كمّاً قصصياً هائلاً
لذا نجد قصصه متحركة في جميع الأبعاد ،
متسوبة إلى كل الزوايا ، متنوعة المآكل .
       وإذاً ، فلا شيء -- على الإطلاق -- لديه عصي
 على القصة وبالتالي يغدو كل شيء في الحياة
 فنّياً ، إذا ما تيسّر له فنان يستطيع تطويعه ،
 وتدجينه في أحد الأجناس الأدبية ، أو الفنّية .
       قد يقودنا هذا القول إلى أنّ قصص مصطفى
 الحاج حسين واقعية ، وهذا صحيح تماماً ، لكنها
 واقعية تمتلك حرية الاختيار ، فهو - على الرغم من
 إخلاصه للوقائع إلى درجة التسجيلية أحياناً -
 ليتدخل بخياله  الفني،  على مالا يتلاءم مع فكرة
 القصة ، أو الرؤيا التي يحبّ أن يطرحها من خلالها ،
 وهكذا تغدو واقعية
مصطفى في قصصه واقعية ذات بعدين:
1 - واقعية المضمون :
       فهو لا يكتب قصة من قصصه بمنأى عن أحد
 المصادر التالية :
       التجارب الذاتية ، تجارب الأهل والأقارب ،
 تجارب الأصدقاء ، الموروث الشعبي ، أو ما يشتهر
 من أحداث الواقع المحيط .
       فهو كاتب مفرط الواقعية ، يختار قصصه من
 الواقع المعيش غالباً ، فتطغى على قصصه سمة
 التجربة الحياتية الحقيقية ، فكل ما يكتب عنه - بلا
 استثناء- 
رآه حقيقة ، وعاش جزءاً منه ، أو سمع عنه نقلاً عن
 رواة ثقاة ، لذلك نرى تأثير قصصه -
في الغالب الأعم - سريعاً ومباشراً ، وهو يعمل على
 الفكرة أحياناً ، لكنها يجب ألاّ تكون فكرة متخيلة ،
 فيكتب قصة الفكرة ، ولكن تكون قبساً نموذجياً مما
 يحدث في الواقع عادة وإن كانت غالبية قصصه
 قصة حدث . ولنأخذ مثلاً على قصة الفكرة ، تلك
 القصة التي كانت عنوان مجموعته المنشورة
(( قهقهات الشيطان )) حيث نجد (( نوري )) بطل
 القصة ، وهو غلام بسيط ، يدخل إلى البيت ،
 فيفاجأ بوفاة أبيه ، ويرى الجميع مجتمعين يبكون ،
 فلا يستطيع أن يذرف دمعةً واحدةً .
       ويبدأ التفكير بأنه يشعر بالأسى لأنّ أباه
مات ، ولكنه - في الوقت نفسه - يسعد لهذا ،
ويسمي هذا التفكير وسوسة من الشيطان ،
فلا يمكنه إلاّ أن يبتسم رغماً عنه ، ها هو يقول :
       (( لقد مات أبي ، ينبغي أن أبكي ، حسدت أمي
 ومريم وزوجة عمي وابنتها ، حسدتهنّ على
 دموعهنّ ، المرأة دائماً جاهزة
للبكاء .. يالسعادتها .. ابتهلت إلى الله أن يمنّ عليّ
 بدمعة واحدة ، لعنت الشيطان الرجيم في سري ،
 صممت آذاني عن سماع صراخه : - لقد أصبحت
 حرّاً طليقاً - ابتعد أيها الشيطان القذر ، فأنا أحبّ
 أبي رغم كلّ شيء ، لقد سامحته .. أسرعت إلى
 غرفتي  ،وعلى الفور بللّت إصبعي بلعابي ، ثمّ دهنت
 جفني .. )) .
       إنّه يتذكر قسوة أبيه عليه ، وأنّه كان السبب
 في عذاباته ، فهو قد حرمه من متابعة الدراسة ،
 وأجبره على العمل . وفي محاولة منه لإقناع
 الشيطان بالحزن على أبيه ، يهرب من الجميع خوفاً
 من أن يكتشفوا ابتساماته . وفي المقبرة يبث
 شكواه إلى جده الظالم الذي كان السبب الحقيقي
 في بناء شخصية أبيه .
       كثرت الشخصيات في هذه القصة ، ولكنها
 ظلّت جانبية ، بسيطة الحضور ، وقد سيطر السرد
 على القصة على الرغم من وجودالشخصيات
 والحوار القصير الذي يدور بينها ، عبر ارتباطها
 بالبطل ، وكانت الخاتمة قوية ، فثمة دمعة واحدة
 حقيقية انحدرت من عينيه ، ويحرص نوري على
 إبقائها ، غير أنّ جنازة أبيه ما تزال بعيدة .
2 - واقعية الشكل :
       مصطفى كاتب غير مولع بالتجديد كثيراً ، فهو
 -- غالباً -- ما يسرد قصصه بواقعية حادة ، معتمداً
 المباشرة لفظاً ومعنى ، واضعاً نصب عينيه قارئه ،
 فهو كثير الاهتمام به ، لذا يبتعد عن كل ما يبعده
عن القارئ ، ولا تكاد أمسية من الفعاليات الثقافية
 بحلب شارك فيها مصطفى الحاج حسين تخلو من
 تعلق المتلقين بقصصه المباشر من تأثيرها فيهم .
       إنّ القصة التي يكتبها حاج حسين تبقى عالقة
 في الذهن ، مستمرة فينا بعد قراءتها،
أو سماعها ، ولذلك يعود -- في ظني -- إلى أمرين ،
 أولهما الحرارة التي تمتلكها قصصه ،
فهو يختار المواضيع الساخنة ، بحيث تظهر حيوية
 متدفقة ، توحي بطزاجة الحدث وواقعيته ،
 وتلامسنا أياً ما كان انتماؤنا أو اتجاهنا الفكري ،
 وثانيهما بروز جانب النقد الاجتماعي الذي يعتمد
 على السخرية المرّة
غالباً ، وهكذا نراه يكشف زيف علاقاتنا الاجتماعية ،
 ويقوم بتشريح دواخلنا ، ونحن
نستمع إليه مستمتعين ، ونتابعه لأننا نلمس في
 قصصه واقعية انتقادية محببة ، تسعى إلى تغيير
 الظواهر السلبية بثورية مقنعة ، تتسلل إلى النفس ،
 لتفعل فعلها النقدي الواقعي العميق .
       ويقودنا هذا إلى الحديث عن قدرة مصطفى
 الحاج حسين على الدخول إلى عوالم النفس
 الإنسانية ، بحيث يستطيع استكناه الدوافع
 الداخلية ، فيتتبع خطاها بقدرة فائقة ، إنّه قادر على
 سبر أعماق الإنسان ببساطة مدهشة ، وبذلك نجد
 غالبية أبطاله مصابين بعقدة (( مركب النقص )) ، 
فهم يحاولون جاهدين لتغطية عقدتهم تلك
بأساليب وسلوكيات مختلفة ، تبدو مضحكة أحياناً ،
 وهذا ما نجده واضحاً في معظم ققص حاج
 حسين ، من مثل قصة (( واقتنى
تميم نقاده )) حيث نرى شخصية تميم هذا 
شخصية مأزومة منذ البداية ، فهو شاب مدلل ، غير
 أنه يشعر بالعجز لرسوبه المتكرر بالجامعة ، فيجرّب
 التمثيل في المسرح الجامعي ، فيفشل ويغدو أخيراً
 شاعراً بالمصادفة الساخرة ، وهي مصادفة تعتمد
 النقد الفكري والفني من قبل القاص ، فالناقد
الشاب هو الذي منح تميماً إجازة الشعر ، على الرغم
 من لجنة التقييم وآرائها ، في المهرجان الشعري
 الجامعي ، وحيث يصبح
بيت تميم مزاراً لكل محرري الجرائد والمجلات من
 العاصمة ، فإنّ القصة ترصد المال والجاه قيماً عليا
 في الأدب والفن ، وتسجلها نظام ضدّها .
       والقاص مصطفى الحاج حسين يرسم
 شخصياته بعناية ويهتم بعرض جزئيات من
حياتهم ، فقد يضطر - أحياناً - إلى العودة نحو
 الماضي لاستكمال صورتها منه ، وغالباً ما يرسم
 الصفات الجسدية والخارجية للشخصية ، وذلك
 للوصول إلى قدر أكبر من
تحديدها ، وبخاصة تلك الصفات التي تمنح
القصة سلاح السخرية الحاد ، في النقد الواقعي ،
 وتعرية السلبيات فيه .
       إنّ تجربة مصطفى الحاج حسين تجربة غنية
 فيما يبدو ، فهو قد أفاد من تجربته الشعرية بحيث
 نلحظ الشعرية في لغته القصصية ، وكذلك قدرته
 على التصوير الفني المتقن ، يجسد لنا الشخصيات
 والأحداث تجسيداً حيّاً ومباشراً ، فنكاد نلمسها
 بأيدينا ، وهو -- في سبيل ذلك -- يصر على جعل
 المتلقي يلهث وراء الحدث ، عبر حشد الكثير 
 التراكيب والألفاظ والصفات ، معتمداً عنصر
 المبالغةمن في عملية
التشويق ، لشد المتلقي الذي يضطر -- بدافع
الفضول على الأقل -- لمتابعة القصة ، وكثيراً
ما تنجح هذه المحاولة ، فتترك آثارها الإيجابية
 الباقية في المتلقين .
       وربما كان من الضروري الإشارة إلى أنّ
أجواء قصص الحاج حسين هي أجواء متنوعة
 متباينة ، فهو يمتح من الذاكرة أحياناً ، فيكتب
 قصصاً تعود إلى تجارب قديمة ، تصور جانباً هاماً
 من مدينة ( الباب )
مدينته الأم ، فيكشف من خلالها الواقع المتردي ،
 ويصور مافيها من أمراض اجتماعية وأخلاقية
 وفكرية ، وقد يتجه إلى
عوالم المثقفين ، والأدباء منهم بخاصة فيسجل ما
 يعتمل في هذه العوالم من زيف وخداع ، ويعري
 شخصيات هذا العالم ، بجرأة تصل حدّ الفضيحة ،
 في بعض الأحيان ، وهذا ما جعلني أطلق عليه ذات
 يوم صفة ( الكاتب الفضائحي ) ، وكان ذلك
في النادي العربي الفلسطيني ، في أمسية
أقيمت احتفالاً بالأدباء الذين فازوا بمسابقة
دار سعاد الصباح من حلب وكان منهم ، وكذلك في
 نادي التمثيل العربي للأدب والفنون .
       إنّه كاتب لا بتحرّج من رصد سلوكيات الأدباء
 وأحوالهم الداخلية ، ويبدو كل ذلك نابعاً من تجربة
 حقيقية له ، إذ عايش ، ويعايش واقع الأدباء
 وتربطه بمعظمهم صداقات كثيرة .
       فقد كتب الكثير من القصص ، كان أبطالها
 شعراء وقصاصين ونقاداً ، من مثل
( واقتنى تمتوم نقاده - إجراءات - الضحك على
 اللحى - القصيدة الميتة - المبدع ذو الضفتين .. ) .
       ولنأخذ الأخيرة مثالاً على ذلك ، حيث نرى
 شخصية أدبية ومثقفة ، أو هكذا يدعي
صاحبها ، متخمة بجنون العظمة ، وهذا --
فيما يبدو -- معادل موضوعي للشعور بالنقص .
 وتقوم القصة بفضح هذه الشخصية من كل
 الجوانب ، ورصد تحركاتها
النفسية من خلال كلامها ، ويأتي السرد عن طريق
 البطل ( الراوي بصيغة الأنا ) . والقصة تسجل
 انتقاداً صارخاً لكل أولئك الذين يستسهلون العملية
 الإبداعية ، وأيضاً تنتقد الثقافة وأوضاعها الراهنة
 ابتداء من النشر وانتهاء بالإبداع الحقيقي ، وكذلك
 تنتقد الدارسين الجامعيين ، وغيرهم من النقاد
 والمثقفين .
       ويبدو التأزم في القصة واضحاً منذ البداية ،
 ويأتي التسلسل الزمني في سبيل عرض الحالة
 والاستغراق فيها أكثر ، فالبطل
- هو ربّ الشعر كما يقول - يقرر كتابة القصة
القصيرة ، مفتخراً بكل تجاربه على جميع الأصعدة ،
 ويبدو أنّه مضطر إلى الكتابة القصصية ، فهو وصل
 إلى قناعة مفادها أن القصة أكثر استيعاباً لحوادث
 الحياة وهمومها من الشعر ، وكذلك فإن زوجته
 تحب القصة ، وهو الآن يميل إليها . وقد برزت في
 هذه القصة شخصيّة واحدة ، وزمن واحد ، وإن كان
 ثمة أزمان ماضية ذكرت من خلال السرد ، وجاءت
 الإنارة داخلية ، فلا غموض ولا إبهام في القصة .
       وكذلك يمتح القاص الحاج حسين من قاع
 المجتمع الغائص في مستنقع العادات والتقاليد
 البالية ، فيكشف لنا أنماطاً من السلوكيات
 والتصرفات في هذا الواقع ، يعرض بأخلاقيات هذا
 المجتمع وقواعده ، معرياً زيف بعض شخصياته ،
 من مثل قصة (( دستور من خاطره )) التي ترصد
 شخصيةمدّع شيخ طريقة ، وهو يظهر التقوى
 ويدعي الإيمان ولكنه - في الحقيقة - بؤرة للرذائل ،
 وأصناف الفجور .
       وقد يعتمد القاص مصطفى الحاج حسين على
 الموروث الشعبي في بناء قصته
، مفيداً من حادثة شعبية صغيرة ، يقوم برسمها في
 قصة فنية متكاملة ، كما في قصة (( باثور
 الشاويش )) وأيضاً في قصة (( تل مكسور )) ،
 وتعد هذه الأخيرة من أجمل قصصه ، فهي - وإن
 كانت مبنية على
واقعة صغيرة ، فحدثت في إحدى القرى التابعة
 لمدينة حلب - إلاٌ أنه استطاع - من
خلالها - تناول واقع القرية ، وما فيها من جهل
 وتخلف وخوف ، وبخاصة أمام معلم المدرسة
 المتعلم ، وهو معلم وحيد ، ينفش
ريشه كالطاووس ، ويخدع أهل القرية مدّعياً
بأنّه مسنود من العاصمة ، ويتخذ من التهديد
بتقاريره السياسية سلاحاً له أمام الأهالي ،
الذي يخضعون له في النهاية ، بما فيهم المختار ، ولا
 يملكون حياله أي فعل ، وتتأزم
القصة ، فتكون الذروة عندما يشاهد المعلم 
تلاميذه يلعبون بكرة صنعوها من الخرق ، 
يهجم عليهم ، فيكتشف أنّ علم المدرسة قد
حشر أيضاً في الكرة الخرقية ، وتبدأ المأساة
فهو لا يرضى بمثل هذا الفعل ، وتتنامى القصة
 بأحداثها لتصل إلى المواجهة الصارخة بين معلم
 الابتدائي وبين خديجة زوجة الشهيد ، وابنها جمعة
 الخلف تلميذ المدرسة ، حيث يتهمه المعلم لأن
 الأخير يرغب بأمه التي تأبّت عليه كثيراً ، ويبدأ
 بضربه ، وتجتمع القرية ، وتكثر التوسلات ،
ويتدخل المختار ولكن المعلم لا يرضى ، ويهدد
 ويزبد بأنه سيكتب تقريراً للسلطات الأمنية ،
 وسيسجن هذا الخائن ، وتقف خديجة الأم بين
 الجمع ، وبخبث يجرها المعلم للحديث
 والاسترحام ، حيث يبدأ بالتهجم على زوحها ،
 متهماً إياه بالخيانة لأنه والد جمعة ، وهنا تنفجر
 خديجة فزوجها مات شهيداً ، ولا تقبل مثل هذه
 الإهانة ، فتحقر المعلم ، وتهجم عليه لتضربه
، وتأتي النهاية لتشير بطرف خفي إلى استشراء
 الخوف ، وانتشار الجهل الذي يجعل الجميع يقفون
 مكتوفي الأيدي ، يدفعون ضريبة جهلهم وخوفهم
 وتكون الخاتمة القوية التي تعد من أجمل خواتيم
 قصص الحاج حسين ، حيث يوقف اللحظة
الزمنية ويد خديجة مرتفعة للأعلى ، قبل أن
تنزل على خد المعلم ، وكأنها ترتفع بدلاً من
علم البلاد .
       إنها قصة ناجحة قصصياً وفنّياً ، تمتاز بالحرارة
 والصدق ، وحركاتها المكانية والزمانية تندغمان
 ليضيع الوصف والسرد في خضم الأحداث .
       وكثيراً ما نرى شخصيات قصصه نموذجية ، أو
 بتعبير أدق ، يصورها القاص ويرسم أبعادها لتغدو
 نموذجية ، ولا نعني -
هنا - الحكم القيمي عليها ، فقد تكون سلبية
أو إيجابية . وربما كان من الضروري أن نشير
إلى أنّ معظم شخصياته هم من الشباب الذين
 يعيشون أزماتهم الواقعية والإجتماعية ، وفي
 أحيان أخرى أزماتهم العاطفية والفكرية ، ولا شك
 أن ذلك نابع من
كون القاص شاباً حتى الآن طبعاً .
       وها هي قصة (( الإنزلاق )) تبدأ بوصف
حافلة مكتظة بركابها ، وتتجه العدسة نحو 
البطل المثقف ، مدرس الفلسفة وعلم النفس
محشوراً بين الجموع ، إنّه فقير يعيل أمه وأخواته
 العوانس ، مكبوت لا يقدر على الزواج ، يقف وراء
 شقراء في الحافلة المزدحمة ، وتبدأ هواجس الكبت
 والأخلاق بالصراع في رأسه وعبر المونولوج
 الداخلي
يكشف القاص بطله وهو يؤكد لنفسه بقوله:
       ((  سقط القناع ... إنّي بكل بساطة أنقسم إلى
 اثنين ، مدرس فلسفة يتشبث بالأخلاق .. وحيوان
 شهواني  ))
       ويسقط في خضم الصراع يدفعه كبته 
الجنسي ، ولكنه يكتشف أنّ هذه الفتاة إحدى
 طالباته .
       ولا تغيب المرأة عن قصص الحاج حسين ،
 فهي موجودة في كل قصة تقريباً
ولكن ثمة علاقة مشوهة - أحياناً - بين تلك
المرأة من جهة ، وبين الرجل من جهة أخرى
إذ غالباً ما تظهر العلاقة غير سوية بينهما ،
ولا نقصد علاقة الحب فقط ، بل المرأة أماً
وزوجة وابنة وحبيبة . وتظهر المرأة لديه 
أحياناً أخرى قوية فعالة ، وصاحبة موقف حقيقي ،
 من مثل قصة (( شرف العائلة )) 
و (( تل مكسور )) .
       وكذلك لا يغيب الوطن ولا الأرض عن
قصصه ، حيث نجدهما كثيراً ، وبخاصة في
قصة (( شرف العائلة )) ، وذلك عبر رمزية 
تشف عن المغزى من ورائها فهي - فيما يبدو
- قصة فلسطين الجريحة ، ويبدو الأعمام الكثيرون،
 وهم في القصة رمز للدول العربية
، غير مبالين إلاّ بأنفسهم ومصالحهم ، وهم 
يعرضون على ابن عمهم / الأب في القصة ،
أن يقوم ابنه بقتل الفاجرة ، التي خرجت على
 قواعد العائلة وشرفها ، فهم يريدون غسل العار ،
 ولكن ليس بأيديهم أو أيدي أبنائهم ودون أية
 خسائر ، وكذلك في قصة
(( تل مكسور )) التي تشي عن رمزها بوضوح تام ،
 حين ترتفع يد زوجة الشهيد في وجه المعلم مثل
 علم البلاد خفاقة مشرقة .
       وإذا كان لا بد من الإشارة - في،النهاية-
إلى بعض الملحوظات الفنية ، فإنني أشير
إلى أن قاصنا يعتمد على السرد كثيراً ، وهو
ما يسوقه إلى الاستطراد ، الذي يوسع من
حدقة القصة القصيرة ، أو يشغلها بحوادث
جانبية وسخصيات إضافية .
       هذا مع الإشارة إلى أنّ القاص يجيد عملية
 القص في النسق الحكائي ، ولكنه يتدخل - أحياناً -
 في صلب القصة ، فيعلّق ،
أو يضيف عبارات توضيحية لا داعي لها . كما أننا
 نلمس،خطابية ومباشرة في عبارات
قصصه ومفرداتها ، ولربما تقوده إليها رغبته
العارمة بالمبالغة والإثارة ، ولكنه يستطيع -- 
بما يملك من قدرة على الحبكة ونسج خيوطها
 الفنية -- إذكاء حدّة الصراع بين الشخصيات ،
 ورسم عدة عقد في القصة الواحدة ، أو أكثر من
 ذروة فيها ، وهذا يؤدي
إلى تأثيرها في المتلقي وربطها به ربطاً حميمياً عبر
 نمو عنصر التشويق والإثارة .
كما يمكن الإشارة إلى نمطية اللغة القصصية،
هذا مع التنبيه إلى نجاح لغة الحوار في قصصه
 غالباً ، حيث نراها مناسبة للشخصيات ، تميل إلى
 الحديث العادي ، دون اللجوء إلى عامية مغرقة ، أو
 فصيحةمعقدة .
       وأخيراً يمكن القول إنّ تجربة القاص مصطفى
 الحاج حسين تجربة غنية و واعدة حقاً ، تنبئ عن
 خير كثير وعطاء فني متميز
، فيما إذا تابع معاناة الأدب حياة وقراءة وكتابة .
 ولا أجد ما يلخص ويصور شخصية
قاصنا إلاّ قول الشاعر أبي الطيب المتنبي حين قال :
وإذا كانت النفوس كباراً
                       تعبت في مرادها الأجسام . 
                 إبراهيم محمدزكسار
                          حلب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 25 مشاهدة
نشرت فى 14 أغسطس 2018 بواسطة mmansourraslan

عدد زيارات الموقع

109,448