- عاد في كفن -
-------------
يحكون في بلادي
في قريتي الصغيرة
رواية قديمة؛ جديدة
عن طفل مازال
يلهو في شجن
يداعب الفراش
ويحلم بدمية
لاتزال ترتدي الحجاب
يعرف كيف يتكاثر
الضباب ...
تكفيه ضفيرة صغيرة
وجزء من شطيرة
وحفنة من تراب
يحكون عن طفل
صغير أو كبير
لم أعد أدري
كيف حاله
هنا كان يركب الحصان
من هنا مر ذات يوم
هنا كان يسكن
في أمان ...
يروون قصة
تشبه ليلة القدر
كيف تكسرت
أضلع القبر
وكيف غادر
دون أن يزرع
آخر الغراس
ترك هنا المعول الخشبي
ترك دمية ؛ ولعبة مثيرة
يرووون كيف لفه الكفن
يحكون في بلادي
حكاية على مر الزمن
عن طريق لم يعبد
مازال الطين يعانق كتفيه
والبرد يعاند كفيه
وحجارة ترتمي في سكون
يحكون
عن ذلك الطفل
الذي هاجر بلا وداع
أخبر الجميع بأنه عائد
لبيته الضرير
لم يكن يدري أي شيء
عما يسمونه المصير
هز رأسه باندفاع
قال أنه لا يخشى الضباع
أو الضياع
أخفى دماه
وأشياءه الثمينة
كان يخشى
أن تسرق
أو تغرق
أو تحرق
أو تأتيها موجة أليمة
لكنه لم يعد ...
يا أماه ؛ يا أباه؛ يا أخاه
يا أخته الصغيرة
يا ذويه ...
يا كوخه المفروش بالتراب
لا تبكوا عليه كثيرا؛ أو كثيرا
لا ترهقوا جسده النحيل
أو عيناه
قبلوه في لحظة أخيرة
ودعوه؛ ألبسوه ثوبه
الذي اشتراه قبل أن يغادر
كي يفرح ولو قليلا؛ وربما كثيرا
لا تشعلوا النيران
في صدره الصغير
أضيئوا فوق قبره
شمعة؛ وشمعدان
أسرجوا السرير ...
لا تركبوه زورق النسيان
فاليوم إليكم
عاد الطفل في كفن ...
لن تكف الدموع كلها
ولا أغاني الرصاص
فكلها ستمضي
بعد لحظة
ليبقى مضرجا بدماءه
وحيدا؛ وربما وحيدا
دعوه يشرب ماء ساقية
تمر من جواره
تعرف إلى قلبه الطريق
وجوفه ؛ وداره
فربما كان جوفه يابسا
قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة
لا تنظروا لرأسه
ولا إلى شعره
أو نحره
لا تغسلوا يديه
دعوا دماءه طازجة
لا تغسلوه؛ أو تكفنوه
أطلقوه؛ أطلقوه للغيوم
للسماء ؛ للسحاب
فقط؛ انظروا إلى مسجاه
فها هنا كانت
رحلة مبتداه؛ ومنتهاه
ارسموا حول قبره
لوحة من عذاب
أو سراب
فيها رفاقه الشباب
لعله يأنس في الغياب
قبل الثرى أن يحتويه
قبل العيون أن تبكيه
وترموا على الجثة التراب
يحكون في بلادي
في قريتي الصغيرة
كيف أورقت لبلابة
وأزهرت وردة من يباس
تعانقت مع ياسمينة
كعاشقين
أزهرت وردة وحزمة من آس
فأصبحت حديقة كبيرة
أصبحت بستان
فأينع الزيتون والرمان
يحكون في بلادي
عن طفل عاد ؛ ولم يعد
لكنهم يقولوا للصغار
بأنه ( عاد في كفن ) ...
--------------
وليد.ع.العايش
١٣/٨/ ٢٠١٨م