....... // أمل على قيد الحياة // .......
قصة قصيرة.......الجزء السادس
تجاوزت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل .
كل شيئ غدا من حولي واجما حزينا ولا تزال هيام تسرد أحداثا أكل الدهر وشرب فوقها
أحداث ماتت فيها كل المبادئ
مابين طيات تلك الضمائر المحنطة
فما مثلها إلا كمثل أحلام مؤجلة
تجثم على أرصفة المستحيل
صمتت هيام فجأة
ثم قالت عامر
قلت نعم
قالت أظن أنني قد أطلت عليك حبيبي لعلك تود النوم
قلت لا
بل أنا متشوق لسماع المزيد إلا إذا لديك ماتقومين به
قالت ليس لدي ماأقوم به بل سأكتفي بهذا القدر
إنما لدي سؤال عامر
قلت تفضلي
قالت لماذا لا تأتي إلى بلدنا
مالذي يجلسك في بلد لم تلق فيه إلا خيبات الأمل
لو أعجبك رأيي سأتولى مساعدتك وسأقوم بتأمين عمل وسكن لك
فأنا أحبك ولم أعرف الحب إلا مذ عرفتك
قلت هيام هل تقبلين الزواج مني
لو جمعتنا الأقدار وجئت لبلدكم
قالت هل انت جاد بما تقول
قلت نعم
قالت وهل تقبل الزواج بامرأة تشبه الغفير بلباسها
الأسود وبنقابها
قلت أقبل ولا أريد بعد هذا أي تعقيب لكلامي
فماذا تقولين
قالت وصوتها يرتعش فرحا عامر
أنا لا أصدق ماتقول
قلت صدقي
قالت سيكون أسعد يوم في حياتي ذاك اليوم الذي سنلتقي
به سويا تحت سقف واحد
عامر أحبك أحبك بكل صدق والله
لطالما تمنيتك زوجا أعيش معه كل تفاصيل حياتي
منذ ذلك اليوم الذي بحنا فيه لبعضنا بطهر تلك العلاقة
قلت هيام لا أراك إلا قطعة مني
ولم تتوقف كلماتنا عند هذا الحد
بل ازدادت عمقا في تفاصيل كثيرة غير مكترثين لمرور الوقت
قالت حبيبي كم يسعدني البقاء معك لكنني سأدعك بحفظ الله فقد تأخر الوقت كثيرا
قلت لا بأس هيام سأشتاق لك كثيرا
قالت وأنا عامر
سأكلمك صباحا قبل مغادرة الدار
تصبح على خير
قلت بأمان الله
وماأن انقطع ذاك الصوت الملائكي عن مسامعي
حتى وجدت نفسي غريبا على سواحل القلق من جديد
ثمة بصيص من الضوء تسلل من إنارة الشارع ليرسم بقعة من النور في الموزع تاركا زوايا البيت تغط في ظلمة مبهمة
لكن وميض الأمل الذي تسلل الى أعماقي بتلك الليلة بدا بالنسبة لي خطوة جريئة قد تكون منعطفا يغير مجرى حياتي
بقيت صريع أفكاري حتى غلبني النوم
ولم أفقد نشوة ذاك الشعور حتى عندما استيقظت باكرا على ضجة كان يحدثها أبي الفوارس كعادته
وهو مغادرا البيت إلى عمله
تتوقد من جديد تلك الشعلة المنطفئة بداخلي
ويتململ ذاك المارد الجاثم
وقد شعرت بنشاط يتملك أرجاء جسدي
أنتصبت واقفا بعد أن تركت رسائل كتابية على صفحة هيام فغادرت المنزل لقضاء بعض الامور التي تتعلق بالعمل
وعدت قبل الظهر كعادتي لأجلس من جديد
أمام أوراقي أسطر أدمعا سفحتها مقلتي هيام
بحروف الوجع
مستغلا الهدوء الذي تنعم به حجرتي بغياب أبي الفوارس
ذلك الصديق الحميم المزعج
وماهي إلا ساعتين حتى أنتصب ذلك القضاء المستعجل أمامي
ضاحكا مبتسما كعادته ليشرفني من جديد برؤية أسنانه المكسرة المسوسة
قائلا السلام عليكم
وصاحبك أبي همام الدرعاوي يقرئك السلام فقد ألتقيته منذ قليل
قلت وعليكم ماذكرتم سلمك الله انت وأبي همام
تفرس بعينيه أرجاء الحجرة
التي تغرق بسحب الدخان
ملابس متناثرة وأوراق مبعثرة
ثم قال ألا تمل يارجل قم واخرج قليلا على الشرفة
وتمتع بهذا الطقس الرائع الغائم المكلل بتلك النسمات المنعشة
فأنتم الشعراء تحبون هذا الطقس
فأحسست برغبة للخروج
من جو هذه الحجرة التي تعج بسحب الدخان
خرج أبي الفوارس الى الشرفة يلتقط ملابسه الجافة من حبل الغسيل بينما وقفت متأملا ذاك الجو الرائع يشوبه نسمات رقيقة
محملة برذاذ المطر
فتذكرت بيتا من الشعر لأبي تمام
فقلت بصوت مسموع
مطر مابعده صحو
وصحو يكاد من الغضارة يمطر
وأردفت قائلا أبي تمام
فلم أجد من دهشة أبي الفوارس إلا أن ألتفت
وقال ومتى أبو همام صار شاعرا
فانفجرت ضاحكا
وقلت أبي تمام وليس أبي همام
قال ومايدريني هل هو صاحبك
قلت بل هو شاعر
قال أذا هو صاحبك
قلت بل هو شاعر قديم أسمه حبيب ابن اوس الطائي
من منطقة جاسم بأرض حوران
التابعة لمحافظة درعا السورية
كان بعهد المعتصم وقد ولاه المعتصم بريد الموصل ولم يتم عامين حتى توفي رحمه الله
هذا الكلام منذ ألف ومئتي عام تقريبا
فقال مستغربا
ومن أين عرفت كل هذا
قلت من المطالعة
قال صحيح أن مزمار الحي لا يطرب
والله لو كنت أنا المعتصم لوليتك بريد بيروت
متبعا كلامه بضحكة متقطعة
قائلا هل أنت جائع
قلت نعم ولكن ليس لدي أي رغبة بالطعام
سأعد أبريق الشاي ريثما تستحم
قال ألا يوجد في الثلاجة مانأكله
قلت لا يوجد إلا البيض
قال رائع هذاهو المطلوب
قلت ألا تمل من البيض يارجل
ففتح فمه ضاحكا
قلت مالذي يضحكك
قال لقد تذكرت كيف سرقت البيض من صندوق جدتي
عندما كنت صغيرا
الم احكي لك
قلت لا
قال بعد أن فرغ من جمع ملابسه
هي لندخل كي اقص لك ماذا فعلت بجدتي
قلت تفضل
قال لقد عدت يوما إلى البيت بعد أن فرغت من اللعب
مع رفاقي وأنا أحس بقوارص الجوع
وبعد ان تأكدت بأن أمي لم تعد بعد طعام الغداء
توجهت إلى جدتي والدة أبي التي كانت تجلس بفناء الدار على حصيرة مهترئة من القش
وكان لجدتي سبع دجاجات تقوم بجمع بيضهن كل يوم
في صندوق خشبي حتى تبيعهن يوم الجمعة في السوق
فقلت هل عندك بيض جدتي فانا جائع
فقالت غاضبة ومن أين لدي البيض
أغرب عن وجهي ياسيخ النار وكان هذا لقبي في القرية
وهي من اطلقته علي لكثرة شقاوتي
فغربت عن وجهها فعلا لمدة عشر دقائق
دون أن أناقشها وعدت إليها بخطة شيطانية مرتبكا أنادي بصوت عال جدتي جدتي
قالت وماذا تريد
قلت لقد رأيت ام صالح أمام دكان أبي دحام منذ قليل وقالت بلغ جدتك بأن تحضر الداية وتذهب إلى عمتك
لأنني أعلم ان عمتي ستلد قريبا
فصدقت جدتي المسكينة مااخبرتها به
وقفزت كالجنية عالفور
وهي تقول اللهم خفف ويسر على أبنتي يارب العالمين فولت مدبرة تتمتم بكلمات لاأفهمها
وقبل أن تنعطف عند زاوية البيت ألتفتت إلي ثم قالت
لو ان عمتك ولدت صبي سأعطيك خمس بيضات
قلت أولم تقولي بأنه ليس لديك بيض
قالت اخرس وتابعت مسرعة وماان تأكدت أنها أبتعدت
حتى أنقضضت كالسبع الهصور
ولم أكسر القفل بل قمت بنزع المسامير عن القفل
حتى لا أثير شكوك جدتي ولكي أخفي معالم جريمتي
وفتحت الصندوق وكأنني على باب مغارة علي بابا
سلة من القش مملوءة بالبيض
يالله ماهذا فسرقت عشر بيضات
وأعدت المسامير للقفل كما كانت
بدون أن أضطر لكسر القفل
فسلقت ثلاث بيضات
وخبأت ماتبقى منهن بكيس
التبن بغرفة مخصصة لعلف الأغنام وخرجت للهوي ولعبي
بعد أن ملئت معدتي من بيضات جدتي
أثارت كلماته الاخيرة ضحكي
فانفجرت ضاحكا
وقلت ألم تكتشف جدتك سرقة البيض
حك رأسه الأشيب وبدل من جلسته ثم قال ضاحكا بلا
ولكنني لم أعرف إلا حينما عدت إلى البيت من لعبي ولهوي وبعد أن هجمت علي قوارص الجوع
لمحت بعيني أبي غضب عارم وقد قطب حاجبيه
وسمعت عندها نواح جدتي
وهي تندب وتقول عشر بيضات
لو كانت بيضة او بيضتين لما تكلمت .
وأنا أضحك من كل قلبي
على وصف أبي الفوارس لحالة جدته
قلت كيف أكتشفت ذلك
قال لم أحسب حسابي بأن تلك الجنية تعد البيض
وقد قامت بعدهن بعد أن أكتشفت كذبتي المخترعة عن ولادة عمتي
فأخبرت والدي وكان والدي بارا بأمه
ومن اول صفعة تلقيتها من يد أبي الظريفة
أعترفت بكل شيئ
وأعادوا البيض المتبقي لجدتي
لكن المصيبة لم تنتهي
قلت لماذا
قال أليس هناك الحق العام بقانون العقوبات
فأضحكني قلت وماكانت عقوبتك
قال لقد قام أبي بتعليقي من قدمي بشجرة التوت لمدة ساعة ولم يفك وثاقي حتى عفت عني جدتي فأخذتني بين ذراعيها وهي تبكي وتقول تعال حبيبي فداك كل البيض والدجاج
بكثرة ماأضحكني ابي الفوارس
بقدر ماأبكتني كلماته الأخيرة
فنهض وقد اردف على كتفه منشفة الحمام ذاهبا ليستحم بعيون دامعة يقول رحمك الله ياجدتي
قلت هل ستأكل
قال بيض
لا والله لم يعد لي أي شهية في البيض
فما مثلنا إلا كمثل فأرة عند حداد
لا تجد ماتأكله......يتبع
بيروت ٢٠١٨/٧/٨
بقلم عبدالله محمد الحسن