هو أديب وشاعر كبير.. جمع بين الشمائل.. حرف بهي لحضور شجي، إنها الهامة الأدبية اللامعة في سماء مملكتنا... الأديب: الشاعر والكاتب والإعلامي الكبير : الدكتور
وليد العايش
تعالوا لنتعرف على ضيفنا بلسان حاله . لو تفضلتم شاعرنا بإعطائنا نبذة عن شخصكم. وألف ألف مرحبا.
قصيدتنا للمجهر اليوم،
_ ضفة نهر حزين _
_________
الشوق مازال في المهد
يشتكي حلما غض الملامح
وأنا مازلت صغيرا
لم أبلغ الخمسين
أوراقي تتناثر على شفة نهر
تتربص قدوم زورق
لا لون له ، أبيض ، أسود
وعلى الضفة الأخرى
شجيرة عوسج عذرية الأطراف
ترقب ولادة الزورق الآتي
من ثنايا ضباب
غاضب المجذاف
بينما قبرة النهر
ترقص على لحن ناي
وموال حزين ، أرهقها الحنين
عابر يمتطي
مناهل الحتف الأخير
يناظر صورة
في قبة سماء شاحبة
هو أيضا لم يبلغ الخمسين
كما أنا ؛ ( قلت لنفسي )
تاه في الدرب إلى الغروب
كما ضاع الأنين
تعاريج السنين
أنهكت بعضا من حناياه
انحنت للتو خفاياه
والماء مازال يسير
على هواه
كما كان يشاء
لا يأبه بما جاد القضاء
يقارع الأوراق
تختفي الأحداق
تنزوي الأشواق
جوقة العصافير
تحلق عبر الأثير
تنسج لوحة الصمت المثيرة
تتهافت اللهفة الأخيرة
هكذا مرت من هناك
دون أن ترمي التحية
على حفنة الأوراق
أو على العاشق المسكين
يا لقهر ذلك الزمن الضنين
( هكذا قالها النهر )
دون ضجيج
دون أية قرقعة
فإن الموت لا يحتاج
لخوض المعمعة
الصبية خلف أيكة حمراء
تلملم بعضا من بقاياها
الزورق لم يأت بعد
وأوراقي تنتظر على رصيف ماء
تلك القبرة غادرت مقهى الناسكين
قررت للتو ولوج دار الزاهدين
الشوق مازال طفلا
يشتكي حلما غض الغصون
وأنا مازلت صغيرا
لم أبلغ بعد كل هذا
ضفة الخمسين ، أو الحنين ..
وليد.ع.العايش - طفل ترعرع في الريف السوري منبت الرجال - انتقلت باكرا إلى بيروت لإتمام دراستي الجامعية وهناك تعلمت الكثير في هذه الحياة نتيجة الحرب التي كانت رحاها مازالت تطحن الأخضر واليابس ومنها إلى الإسكندرية الجميلة التي تخرجت منها حقوقيا عام 1990 ثم عدت إلى دمشق - حصلت على الماجستير في القانون ثم تخرجت من كلية إعلام دمشق - بين هذا وذاك كنت اعمل في مجال الكتابة الصحفية الرياضية في بعض المطبوعات السورية والعربية - كانت أحلامي أكبر مما أتوقع ( فكنت أتمنى أن أكون طيارا آنذاك ) لكن الأحلام غالبا ما تتحطم على شواطئ الواقع - كنت قارئا من الدرجة الممتازة بل أقرأ كل مايقع تحت يدي من صحف وكتب وروايات ولعل هذا سبب التنوع الثقافي الذي أعيشه حاليا - بدأت بكتابة الخواطر والقصص القصيرة ولم يكن عمري قد جاوز ال 15 عاما ثم انتقلت لكتابة النص النثري الذي استهواني كثيرا متأثرا بالشاعر الكبير محمود درويش والقاص العالمي مكسيم غوركي والروائي تولستوي - وهذا لم يأخذني من القصة والرواية - وحتى الإعلام الرياضي والعمل فيه ... تزوجت في سن مبكرة نوعا ما ولدي ستة أولاد أصبح أربعة منهم رجالا الآن .
السؤال الثاني : "ضفة نهر حزين" عنوان النص شاعرنا الكبير. لماذا هذا العنوان الذي يشكل ( انقباضا) نفسيا للقارئ كخلخلة لأحاسيسه منذ البداية ،والذي يخفي وراءه معاني أكبر. ؟
أولا أقول بأنني اعتبر عنوان أي نص أدبي أو مقال صحفي سببا رئيسيا في نجاحه فمنه يبتدئ لفت انتباه القارئ ... لهذا فإني اختار عناوين نصوصي بطريقة غير تقليدية ( ربما لكوني لا أحب الحياة التقليدية ) ... _ ضفة نهر حزين _ عنوان قابض ملفت لكن بعد أن نستشف ما وراءه نجد بأنه رغم حزنه إلا أنه يحمل العديد من ثقافة التفاؤل والأمل . من خلال صور النص وفكرته يستمد الكاتب شرعية عنوانه ، وهنا تتبدى حذاقة الكاتب وحسن اختياره وثقافته اللا ظاهرة ... نعم العنوان لدي غالبا يخفي معان غير ظاهرة للعلن . واخيرا أقول بأن العنوان أحد أهم أسرار نجاح النص برأيي .
السؤال الثالث : بعد هذا العنوان تأتي أبيات النص لتطالعنا بنقيض ماتحدث عنه العنوان : الشوق :أمل وتطلع ولادة وترقب حياة، انبعاث كيف يفسر أديبنا هذا الانتقال بين نهاية الحياة وكآبتها ،وبين هذا الأمل الذي يشرق في بداية النص معلنا ولادة جديدة وترقبا لحياة تنبعث في انتظار زورق؟ وإلى أي شيء يرمز هذا الزورق ؟.
طرح رائع جدا أستاذة : هل هناك أجمل من أن تأتي الحياة ممتطية صهوة زورق ؟ أوليس ما يأتي من غياهب البحر يشبه إلى درجة كبيرة الولادة العادية ... مابين موت محتوم حتى قبل ولادة الإنسان (فالإنسان يولد ميتا ) يراوح الأمل في حياة جميلة ليعلن بأن لاشيء مستقر ولكل بداية نهاية ، وبين البداية والنهاية تتغلغل الحياة رغما عنا ، لنعيشها كما تريد وأحيانا قليلة كما نريد في جزئية صغيرة . الكآبة والحزن أركان رئيسة في الحياة ويقابلها في الضفة الأخرى الأمل والانبعاث الوجودي للإنسان ، ومابين هذا وذاك تمضي عقارب الساعة غير آبهة بما يجري أثناء دورانها ك رحى الطاحون .
السؤال الرابع : تقول أديبنا الكبير : وعلى الضفة الأخرى شجرة عوسج عذرية الأطراف ترقب ولادة الزورق الآتي من ثنايا الضباب الى قولك : انحنت للتو خفاياه. هناك موت، هناك العالم المجهول الذي يأتي منه الزورق،، هناك أفول وغياب، ولادة جديدة...... هل تقصد بهذا أن الموت ولادة جديدة، انبعاث جديد، لكن في عالم مجهول ومن هنا يأتي الخوف والحنين في نفس الوقت، اوينبعث اليأس والأمل...... ؟
أقول دوما لمن حولي : ( الحياة الطبيعية هي الموت الحقيقي ) ... بينما الموت هو الحياة الأخرى التي لا نعلم خفاياها لكننا نؤمن بوجودها ، بل هي حياة مختلفة تماما من وجهة نظري ، ربما كان للفلسفة هنا مساحة واسعة للولوج إلى ذات القارئ والمتلقي لإيصال فكرة النص ، التناغم بين الصور البيانية يؤدي إلى كشف الكثير من خبايا النص ، والرقص مع الكلمات هو المسرح الذي لعبت فيه ، لبث المزيد من التنفس في ثنايا الإنسان الذي يظن بأنه خالدا أبدا ، وينسى أن الخلود بعيد كل البعد عن هذا الكون . فكم نحن بحاجة إلى مزيد من الفلسفة اللاوجودية كي نصل إلى قناعة الحياة مابعد مغادرة مسرح مؤقت ، وكم نحن غارقون في بحر نهايته جلية للعيان ، لعل هذا من أسرار تشبث معظمنا بما بين يديه ... رغم أنه مفارقه لا محالة ( عذرية ) ... لها مكنونات كثيرة هنا ...
السؤال الخامس : يبين هذا أن خيوط الأمل واليأس متصلة تستوي صورا حية تنقل في شفافية قوة الحياة التي تشد الإنسان العربي إلى الأرض الصلبة، ويقين الموت الذي يعصف بالآمال ويبدد قوة الأشياء. ما قول أديبنا في هذا الرأي؟.
أستاذة Souad Chekkouri : أقول هنا : الأمل واليأس ، الموت والحياة ، الأسود والابيض ، القاعدة والاستثناء ... بل لنقل المتضادات والمتناقضات هي من تجعل لحياتنا نوعا من الجمال الآخر الذي لا ننتبه لوجوده إلا عند مواجهتنا له على أرض الواقع ... ألم أقل بأن الموت هو حياة أخرى مختلفة ؟؟؟ إذن لو آمن كل منا بأن الخلود هو في نهاية الحياة وليس مع ( الموت ) لكانت رحلتنا القصيرة جدا هنا مختلفة أيضا ولتغيرت مفاهيم خاطئة كثيرة يمارسها كل منا ظنا منه أنه باق هنا دون سفر نهائي . وهذا ليس فقط للإنسان العربي بل للإنسانية أجمع ... فالشمولية في المبنى والمعنى هي الأهم .
السؤال السادس : صراع الموت والحياة هو صراع بين الحرية والحب والتجدد وبين الحقد والاستعباد والنفي من المكان والتاريخ، وقد أكد هذا وعي الشاعر العميق واستشرافه للمستقبل والإمكانية ببعث الحضارة والرغبة في التجدد. إلى أي حد ينطبق هذا الكلام على شاعرنا إذا أخذنا بعين الاعتبار الواقع السوري وماتعيشه البلاد من صراعات؟.
صديقتي العزيزة Souad : هنا لابد أولا من الإشارة إلى أن ماتعيشه البلاد ليس عابرا أو استثناءا فمن يستشرف ويستشف ويقرأ التاريخ يجد بأن كل الأمم عاشت هذا التضاد وهذا الحدث ، وصولا إلى الولادة الجديدة يا صديقتي ... منذ الأزل والأمم تمر بمرحلة مشابهة وبعضها كان أقسى وأشد مرارة مما عشناه ، من زمن الفراعنة مرورا بالدول التي سادت الشرق انتقالا إلى قيام الغرب في القرون الوسطى ، وهذا ما يفسر وجود الحضارات على مختلف بقاع الأرض . من هنا ابرر تماما ماجرى ومايجري في بلادي وفي معظم البلاد العربية حاليا ، فنحن لسنا استثناءا من الكل بل أننا جزء من هذا الكل ، ودوما الانتقال من واقع إلى آخر يتطلب حدث استثنائي وهذا ما جرى بالفعل ... إنها الولادة الكبرى التي لابد أن تعيش مخاضا عسيرا ... ولننتظر فما إن ينتهي الصراع في بلدي سورية إلا وسيثور صراع آخر في مكان ما من هذا العالم ... إنها قاعدة الحياة منذ الأزل يا صديقتي .
السؤال السابع : الشكل في الشعر الحديث شكل ينمو وليس شكلا بلغ ذروة النمو. ونمو الشكل مرتبط بنمو التجربة وتطورها ارتباطا وثيقا ،وأن هذا النمو لايمكن أن يتم في الزمن المحدود الذي يلزم لكتابة قصيدة بل يحتاج إلى مثل الزمن اللازم لكتابة ديوان كامل. مارأي الدكتور وليد العايش في هذا القول؟.
هنا تثور أمور كثيرة سوف أحاول الاختزال قدر الإمكان : التجدد والتجديد والتطور هو أحد أهم مقومات الحياة ، الشكل الجديد في الشعر الحديث ليس طفلا برأيي بل أصبح رجلا بكل تفاصيله ، فهو بدء منذ القرن الثامن عشر وفرض إيقاعه شيئا فشيئا ليكون الحل الآخر البديل للتقليدي وفق سياسة الاحلال والتطور ، هو لا يحتاج إلى ديوان فقط بل إلى زمن كامل وقد مر هذا الزمن بالفعل ، لنجد بأن الحياة ليست جامدة بل هي في حراك دائم ولعل من هنا تنبع جماليتها ، فما كان صالحا لزمن لن يصلح لزمن آخر ، وعلى الجميع تقبل هذا بل وترجمته واقعا ... انظري إلى الشعر العربي القديم مثلا هل نجد مثيلا له في زماننا ، هل هناك شاعر يستطيع الوصول إلى بيت المتنبي : الليل والخيل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم ... أو إلى ماقاله امرؤ القيس : أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه خشاش ك رأس الحية المتوقد ... ضمن هذا الإطار أجزم بأن احدا ما لن يصل إلى هذا المستوى ، لكن ضمن التجدد والنمط الحديث وصله الكثيرين ( بمشيئة الملاح تجري الريح والتيار يغلبه السفين ) ... ( وتنسى كانك لم تكن ... ) ... أليست أقوى من أي شعر تقليدي آخر ... لنقبل الواقع كما هو ، ولنعترف بأن الأدب العالمي قام على هذه القاعدة .
السؤال الثامن : اللغة ،الإيقاع ،التصوير البياني وما نتج عنها من تحولات في سياق القصيدة كلها تشكل حاجزا بين الشكل الشعري الجديد، تجاوز الشكل القديم، وأهم ماأثاره ظاهرة الغموض الذي تتكشف عند بعض الشعراء والتي تعتبر من أهم العوائق التي تمنع التمتع بهذا الشعر وما يزخر به من قيم. كيف يفسر أديبنا هذه الظاهرة ؟.
صديقتي العزيزة Souad : سؤال رائع : من سر نجاح النص الحديث اعتماده اللغة السهلة الممتعة الممتنعة البعيدة عن التعقيد والدخول في الرموز التي لا يمكن للمتلقي تفسيرها بسهولة ، الشاعر الحق هو من يستطيع الوصول إلى قلب القارئ من أقصر الطرق دون فلسفة زائدة وصور ما انزل الله بها من سلطان ، الشعر ليس فلسفة بل هو قراءة سهلة ممتعة تجبرك على التتبع والقراءة واعادتها مرارا وتكرارا ... الموسيقى والايقاع مقومات لابد منها بعيدا عن القافية ، والصور البيانية هي أحد أسرار الإعجاز الشعري الناجح ... إن لم تتوافر هذه الشروط فنحن لسنا امام شعر بقدر ما نكون بحضرة كلام ( مصفوف ) أليس كذلك .
السؤال الاخير :
مملكة تألقت و ارتقت ...بفضل أقلام عاهدت على الوفاء ....مارأيكم شاعرنا المتألق في مملكة روائع الشعر الأدبية لو سمحت ؟؟؟
أولا أقول بأنه ليس انا من يقيم هذا الصرح الرائع بحق . ثانيا ورغم ذلك أقول بأن مواقع السوشل ميديا سمحت بمنح الفرصة للكثير من الأقلام للظهور ، بعد ذلك جاء دور الملتقيات الأدبية التي جمعت هذه الأقلام في بوتقة تعارف افتراضية ... ولعل هذا من حسنات انتشار مواقع التواصل الاجتماعي . المملكة لم تشذ عن هذه القاعدة من خلال اهتمامها بالأقلام التي تستحق فكانت نموذجا جديدا يحتذى به في هذا العالم الافتراضي ، إنها العالم الذي أحب واحترم والذي أجد فيه نفسي ... مملكة الكبار بحق وانظري إلى ما سبق في هذا اللقاء تجدين عمالقة من نوع مغاير تماما ... لكم مني باقات الورد جميعا .