أخي المنشد ..... عالج أخطاءك
تحفل الساحة الإنشادية في أيامنا هذه ، ولله الحمد، بأصوات ندية وقوية حملت على عاتقها إيصال رسالة الإنشاد إلى عامة الناس و خاصّتها فنافست موجة الأغنية الهابطة التي ملأت مسامعنا قيحاً وصديدا ....
وبقدر ما نسعدُ ونحن نستمعُ لهذه البلابل وهي تتحفنا بطيب صوتها بقدر ما يصيبنا الاستياء ونحن نسمعهم يُلْحِنونَ في بعض ألفاظ النشيد فينصبون المجرور ويكسرون المرفوع ولا يُعيرون لهذهِ الأخطاءِ اهتماما ..... يحضُرُني ما سمعتهُ عن أحد العامّة الذي أراد مدح شيخه ببيت من الشعر فقالَ لهُ : أحبُّ الصالحينَ (ولستَ منهم) علماً بأنه كان يقصد (ولستُ) على نفسهِ بالضم لا بالفتح ، فتحوّل المعنى هنا من ذمٍّ لنفسه ( ولستُ ) إلى ذمٍّ لشيخه ( ولستَ منهم ) !!
وليتَ الأمرَ يقتصرُ على تشويهِ حركاتِ الكلماتِ وحسبْ ، ولكن هناك كلمات يلفظها المنشد بلا معنى لأنهُ ، وكما قال لي أحد المنشدين بلسانه: " هكذا سمعها وهكذا يرددها " وعندما بيّنتُ له صواب اللفظ ، مجتهداً ، قال لي " لا أستطيع التعديل لأن الناس اعتادت على هذه الكلمة وكذلك أنا أيضاً ، وتأكّد أن الناس لا تُبالي فهي تسمع دون أن تعي "
وحتى لا تكونَ هذهِ الأسطرُ مجرّدَ كلام وتنظير .... أودُّ أن أستعرض معكم أمثلةً بسيطة مما يحضُرُني ... وهي غيضٌ من فيض مما يقع فيه بعض أحبابنا المنشدين :
1. في موشح " ذات الجمال أختُ الهلال " نصل إلى بيت أكتبهُ لكم كما أسمعه: ( في بهاها لقد تاهَ وتلاها فكري وظنّي ) .... وشاهِدُنا هنا كلمة " تلاها " التي تعني جاء بعدها ... فهذه الكلمة لا معنى لها ولا طعمٌ ولا رائحةٌ ... ولمّا ناقشت أخي الحبيب بها و اجتهدتُ له في تصويبها بما يناسب معنى البيت والقصيدة قلتُ له: أن المحبوب يتحدّث عن افتتانه بجمال حبيبه، لهذا نستطيع أن نقول أنه بسبب جمال هذا الحبيب فقد ( تلهّى ) وسرح بفكرهِ وظنهِ ... فيصبح المقطع كما يلي : ( في بهاها لقد تاهَ و تلهّى فكري وظنّي ) ... وهنا يستطيع المنشد بحرفيته أن يلفظ كلمة تلهّى بوضوح وبطريقة تتناسبُ و إيقاعَ الموشح ...... ولكن على الرغم من اقتناع الأخ الحبيب بمنطق هذا التصويب إلا أنه أجابني بما ذكرته لكم أعلاهُ ، فما رأيكمْ دامَ فضلكمْ !!! و للإنصاف أذكر أن منشدنا الكبير حسن حفّار المحترم قام بتعديل كلمة تلاها إلى تناهى كما سمعتها منه في تسجيل حفلة باريس المشهورة ، ولكن أعتقد ، ومع خالص احترامي ومحبتي لأستاذنا الحفّار الحبيب أن هذا التغيير لم يتناسب بشكل جيد مع مضمون القصيدة ... ومع هذا فلكل اجتهاده ورأيه ، و أنا أضرب برأيَ عُرض الحائط إن كان الصواب و المنطق في غيره .... ولكن وبكل حزم وتأكيد أرفض كلمة تلاها قطعياً لعدم تناسبها مع مضمون القصيدة بكاملها .
2. الشاهد الثاني من أغنية " وحياة عينيَ " لمطربنا الحبيب صباح فخري والتي يستخدمها بعض المنشدين في حفلات الأعراس ... فكلماتها تقول " وحياة عينيَ ما ميل للغير و انا كلامي ( وهنا الشاهد كما نسمعهُ دون أن نفهمه وكما قالها لي صاحبي ) : باقوله ايه !! " ولقد أضنيت كلتا أذني مستخدماً سمّاعات الرأس محاولاً الإنصات و التركيز فلم أصل لمعنى مفهوم لهذه العبارة التي يرددها الكورس خلف مطربنا الحبيب صباح فخري أو حتى وراء كل من غنّى هذهِ الأغنية !! أمّا تصويب هذه العبارة فقد سمعته بالحرف من المطرب شادي جميل في مقابلة إذاعية معه منذ سنوات عديدة قال فيها ما خلاصته: " أن أصل هذه الكلمة فرنسي وهي ( بارول دو نير ) وتعني كلام شرف " و أنا أميلُ لهذا التفسير منطقياً لأن كلمات الأغنية تتحدث عن شخص يؤكد لمحبوبه أن قلبه لم يملْ لأحدٍ آخر غيرَهُ ، و أن كلامَه (بارول دو نير) أي كلام شرف ... إضافة إلى أن سجعَ كلمة (بارول دو نير) بحرف الراء يناسبُ الكلمة التي سبقتها وهي " الغير " .
3. شاهد ثالث ومشهور ألا وهو أغنية المطرب الراحل ناظم الغزالي و التي يرددها معظم منشدينا ( فوق النخل ) و التي تَبيَّنَ فيما بعد أنها وباللفظ العراقي الجميل (فوق ألنا خِلْ ... أي حبيب) فليس معقولاً ولا منطقياً أن يجلس الحبيب فوق شجرة النخل وكأنه أصبح نسناساً يتسلق الأشجار ليغني له حبيبه ويمتدحه في سرعة التسلق مثلاً !!
4. أخيراً وليس آخراً ... شاهدت مرّة على إحدى القنوات الدينية المصرية أنشودة " أنا الفقير " التي هي لأستاذنا المنشد المعلّم محمد أمين الترمذي ولكن بصوت منشد سوري آخر .... فكانت مستفزّة لما فيها من أخطاء في اللفظ وحتى بالكتابة لأن كلماتها كانت تظهر مع صوت المنشد على الشاشة ... و من هذه الذكرى الأليمة يحضُرني مثال مستفزّ عندما حرّف صاحبنا كلمة حتفا إلى كلمة حدفا لفظاً وكتابة !!! وكل من يعود إلى أصل النشيد بصوت صاحبه سيسمع بلا أدنى ريبة أو شك أن أستاذنا الكريم لفظها حتفا ... فأصل البيت الشعري : وإنني رغم ضعفي **** أرى الكبائر حتفا ( أي هلاكاً ) ... أما كلمة حدفا فليس لها وجود في أي قاموس عربي أو سنسكريتي ، ولست أدري من أين اخترعها صاحبنا فأسقم سمعنا بها !!!
هناك العديد و المزيد من هذهِ " النهفاتْ " التي لا أريد أن أُكثر منها ، فليس الغرض من طرح هذا الموضوع السخرية أو الاستهزاء أو التقليل من شأنِ بعضِ أحبتنا المنشدين الذين وقعوا في مطب التشويه بدون علم أو حتى بعلم و تجاهل مكتفين بحُسنِ أدائهم وقوّة أصواتهم .... وهذا ما لا يجوز منهم أبدا .... فالمنشد داعيةٌ في مجالهِ لهذا عليه أن يكون مُلمّاً بكل ما يفيدُ وينمّي فنّه ويطوّره ، وعليه كذلك أن ينتبه لمخارج ألفاظه أن تكون واضحة كي تخرج الكلمة من لسانه و قلبه لتصل إلى قلوب الناس ....
... والله تعالى أعلم ...
محمد جمال الدين السباعي
حلب
21/9/2010
ساحة النقاش