" عربيزي "

فلسفة الشرق الأوسخ الجديد

 

عربيزي اصطلاح جديد قد يبدأ البعض باستخدامه وتداوله كأي لفظ جديد ودخيل على لغتنا الجميلة ليصبح فيما بعد أمراً واقعاً و تعبيراً قد يضطر نحاتنا يوماً ما إلى إيجاد حلٍ إعرابي له ....... وقد يصبح أيضاً تعبيراً شائعاً كالـ الفرانكفونية فنقول "العربيزية"   ويقوم مسؤولونا ، بارك الله بهم ، بعمل مؤتمرات وندوات عنها ... بل لا أستبعد أبداً أن يتم عمل توزيع جديد لأغنية الفنان الراحل محمد رشدي الشهيرة " عرباوي  لتصبح " عربيزي !!! "

وحتى يكون الكلّ في الصورة فالـ " عربيزي "  هو اسم لفيلم تسجيلي مخرجته أردنية شابة تدعى دالية الكوري ، وقد قامت قناة العربية في رمضان 20/10/2006 بعرضه على شاشتها .....

يتحدث الفيلم عن العرب في البلاد العربية الذين ينطقون العاميّة العربية منكّهة باللغة الانكليزية .....  و أكثر ما يثير الاشمئزاز في هذا الفيلم أن نرى تلك النماذج " العربيزية "  تعتز وتفتخر بالانكليزية التي ترطن بها على أنها قمة الحضارة و الرقي .... وقد تعامت عن أن تلك الحضارة التي تعتز بها حتى الثمالة معظم أصحابها وحوش في قوالب بشرية سفكت ، ومازالت ، دماء أهلنا في العراق و أفغانستان و انتهكت حرمات نسائنا في سجن أبو غريب وداست قرآننا في غوانتانامو وتشتم رسولنا وتُحقر كعبتنا  وتجهّز لنا الخازوق تلو الخازوق لاستعمارنا فكرياً وعسكرياً وثقافياً.

بل حتى أن أصحاب هذه الحضارة الراقية لا يبالون بهؤلاء " العربيزيين " وحبهم الأحمق وتقليدهم لهم في كل مظاهر حياتهم لأنهم في النهاية سيبقون في أنظارهم ومعتقدهم " عربٌ "  مهما فعلوا ومهما " تعربزوا " .

 ومما تشمئز منه النفس وتتقزز أن يتشدّق بعض " العربيزيين "  بمقولات عن لغتنا العربية بأنها لغة ليست عصرية ولا حاجة لتعلمها لأن اللغة الطاغية في العالم هي الانكليزية فهي لغة الأدب و الغناء و الفن و التكنولوجيا ... أما العربية ، حسب نظرتهم العمشاء و الحولاء ، فأنقص من أن تغطي كافة جوانب الحياة.

 لقد غدت هذه الظاهرة المريضة أمراً واقعاً يثير الاشمئزاز والأسى معاً .... ولأن الساكت عن الحق شيطان أخرس فأنا أوجه هذه الكلمات البسيطة إلى كل من سُحبت رجله في هذا الاتجاه أو آمن به بديلاً عن لغة هي لسان أهل الجنة يوم الخلود :

لأننا أمة صنعت المستحيل وحررت الإنسان من عبوديته لغير الله وبنت مجداً وعزاً لا ينساه التاريخ فقد صرنا مستهدفين من عدو لا تنام له عين و لا يهدأ له بال  حتى يرانا في الحضيض من جديد .... فراح ، عبر التاريخ ، يعد لأمتنا كل وسائل المكر و الخداع وينصب لها ما استطاع من أفخاخ ليثأر لجرحه القديم ....  فكان الاستعمار الغربي الذي كانت له ظروفه و أسبابه ..... ويحضرني كيف أن نابليون يوم أراد دخول مصر أرسل رسالة إلى أهلها يقول في خلاصتها أنه جاء إليهم ، بجيشه ، ليقدم لهم الحضارة والمدنية ... تماماً كما فعلت أمريكا قبيل غزوها للعراق ... فقد كانت تبث إرسالاً تلفزيونياً خاصاً يظهر فيه بوش معرفاً عن نفسه أنه قادم لتحرير الشعب العراقي وقيادته للحضارة و الحرية !!

ثم توالت حملات الاستعمار لتشمل سائر بلادنا العربية حيث قوبلت بمقاومة باسلة وجهاد مشرف أعادها إلى جحورها من جديد ... ولكن للأسف ليس طويلاً ..... فقد خرجت هذه الجيوش لكنها أبقت سموم أفكارها ليتبناها جيلٌ جديد يعتلي أرقى المراكز في المجتمع حرص الاستعمار كل الحرص على إقصائه عن تاريخه وزرع تراث المستعمر القذر في رأسه يوم كان محتلاً مهيمناً .... وبحجة الاطلاع على ثقافة الغير و التنوير و طلب العلم ظهر هؤلاء المبشرين الجدد وراحوا يسّوقون  لبضاعة هذا المستعمر المدحور ظناً منهم أنهم يحسنون صنعاً فخرجوا على هذه الأمة بأفكار و آراء و أنماط حياة لم تعتدها أمتنا من قبل ظاهرها حضارة خلابة تسحر العقول أما باطنها فهو ما ندفع ثمنه نحن هذه الأيام.  فبسبب الثقافات الدخيلة الرخيصة التبس الطريق على معظم علمائنا ومفكرينا فكانوا كمن خرج من كهف  مظلم إلى شعاع الشمس المباشر فبعضهم بهره هذا النور و أعماه عن رؤية الحقيقة فأحبه و آثر البقاء على عماه .... ومنهم من أدرك نفسه فحمى عينيه من هذا الشعاع المباشر وراح يفتحها شيئاً فشيئاً فأبصر الحقيقة و أدرك ما غاب عن غيره فصحح مساره المعوج وسلك الطريق آمناً ....

 يأبى عدونا إلا أن يجعل من بعضنا مسوخاً و أتباعا وببغاوات تقلد ما يفعل وهو يدرك تماماً أن هذا التقليد سيكون المعول الذي سيهدم به هؤلاء المقلدون تاريخنا وهويتنا بأيديهم لا بيديه .... وهذه هي فلسفة الشرق الأوسخ الجديد .....

أتعجب كل العجب ممن يُعجب بلص لا هوية له و لا تاريخ سوى أنه لصٌ أباً عن جد ... فأراه يقلده كالببغاء و يعتز بلغته إلى درجة التقديس ....

أما تراث هذا اللص وحضارته المزعومة فلا تمتُّ إلى العالمية بصلة وما وصفت بالعالمية إلا لأنه أرادنا أن نؤمن بأنها كذلك لأنه كان محتلاً لبلادنا ومعها عقولنا ليوصل إلينا اعتقاداً أنه الأفضل دائماً ..... وليس من شاهدٍ أصدق على هذا من أفلامهم التي تغزو الدنيا بأسرها حيث يظهرون فيها بأنهم العاقلون المفكرون الوحيدون و أنهم الأذكى و الأقدر على حل كل المعضلات مهما صعبت ..... وأنهم خارقون بكل ما تعنيه هذه الكلمة ..... فالواحد منهم بجيش كامل كـ " رامبو    "  و  "جيمس بوند "  و فريق " المهمة المستحيلة " وفاندام و غيرهم من الأبطال الورقيين .... فالعالمية عندهم هي صناعة الوهم ليس إلا وهم الأبرع فيها  ......

أذكر يوم كنت طالباً في كلية الآداب بقسم اللغة الانكليزية أنني سألت أحد دكاترتنا الأفاضل هذا السؤال  " ما الذي جعل هذا الأدب الغربي الذي ندرسه أدباً عالمياً ؟ أليس لدينا نحن أيضاً أدباء عرب لديهم أعمال أفضل و أنقى من هذه الكتابات المليئة بالتناقض و الهمجية و الإباحية !! "

وحتى لا يظنني البعض منكم متطرفاً .... فأنا أؤمن بالاطلاع على ثقافة الغير ولكن ضمن حدود وخطوط حمراء لا أتجاوزها ولا أسمح لها أن تتحكم بعقلي وعقيدتي و قلمي ... فقد قرأت بحكم دراستي عن إباحية وبوهيمية سارتر و دي اتش لورنس وعبثية صموئيل بيكيت وغيرهم ورأيت في أدبهم خطاباً و استدراجاً لغرائز الإنسان لا لعقله وضميره ....  بالمقارنة مع أدباء عرب عرف بعضهم ماهية الكلمة و سحرها فصاغوا لنا أدباً جميلاً يخاطب القلب و العقل و الضمير ....

هذه مجرد إشارات أشير بها إلى هذه الظاهرة المريضة لعل بعض من يؤمن بها أن يعيد النظر في اعتقاده ... والطريق مفتوح أمام الجميع ليطّلع ويستزيد ويحدد موقفه من عدو يتربص به ويريد إقصاءه عن دينه وتاريخه وتراثه ....

أما من يؤثر البقاء على عماه رافضاً منطق العقل ومصراً على أن يدعو لهذا الوافد الجديد بالمزيد من البركات والمستجدات فله أوجه هذا السؤال:

الصين اليوم بدأت تجتاح العالم بكل شيء فماذا لو أصبحت هي القوة المهيمنة وصاحبة الكلمة الأولى و الأخيرة  دولياً وصارت لغتها أقوى انتشاراً من اللغة الانكليزية فماذا أنتم ، أيها " العربيزييون " ، فاعلون ؟ هل ستتخلون عن الانكليزية التي تزينون بها حديثكم لتتحولوا إلى الصينية فنسميكم بالـ " عَرَصينيين " مثلاً ؟

كما أذكّر من يأبى إلا أن يرطن بلغة عدونا الذي يحتقرنا جميعاً أنه يوم سيموت الواحد منّا فإن ملائكة الله تعالى ستسأله في قبره ... فكيف وبماذا سيجيب صاحبنا  " العربيزي "   !!!

حاولت تخيّل الصورة فوجدتها مضحكة مبكية في آن واحد .....

 

محمد جمال الدين السباعي

حلب

21/10/2006

26/6/2008

 

المصدر: من دفاتري و أوراقي
mjamalsibaee

إذا الأقوالُ أتبعها فعالٌ *** يحقُّ لنا إلى الدين انتسابا

  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 370 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة mjamalsibaee

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

محمد جمال الدين السباعي

mjamalsibaee
»

عدد زيارات الموقع

57,121