رسالة من امرأة بائسة

_______________________

عندما أتحدث عن البؤس ربما يكون فى هذا شىء من المبالغة.

ربما أنى أجعل من توافه الأمور عظامها ؛ لأنى لا أعلم بؤسا حقيقيا

فى حياة المرء إلا سخطه على نفسه ، و ملازمته قول يا ليتنى.

فى هذه اللحظة التى أسرد فيها أزمتى الروحية أتذكر تلك الأوقات

العصيبة التى مرت بحياتى و جعلت منى امرأة ضائعة ، ضائعة عن

ذاتها ، تحطمت فيها معانيها الحالمة.

إنى ألقى باللوم على قدرى الذى رسم لى خطواتى ، و ما فكرت

لحظة أن دعائى له أن يغير من هذا القدر ، و معه قد تتغير ملامح

طريقى ، أو أنى أستطيع بشىء من الإيمان أن أتكيف مع نوائبى و

أطوعها لنجاتى من كل ضيق.

فذاتى هى مسكنى ، هى المكان الذى أنتمى إليه و لا يليق بى أن

أتجرد عنه ، أو أكون غير شبيهة به. إنى حين أفكر فى أمرى

أستغرب كثيرا هذه المسحة من الكآبة التى صاحبتنى فترة من

الزمن.

إنى أرحل الآن فى ذكرياتى لأتوقف قليلا مع تلك اللحظات الت

ى بدأت فيها يدى تخط على ورق أبيض أشياء أردتها لنفسى قبل أن

أخرج إلى الحياة و أتعامل معها ، و لكنىنسيت ضمن

الأشياء المكتوبة أن تحتوى على كلمة (صراع) ، ما

أدركت وقتها أن الحياة مليئة بأنواع الصراع التى تحتاج إلى

مواجهة حكيمة حتى لا أتحول معها إلى منافسة فى حلبة السباق.

نسيت أن أكتب ضمن أهدافى أنى مهما لاقيت من الآخرين لابد و أن

أجد نقطة ما تجمعنا لنتعايش سويا ؛ فكان أول صدام لى عندما

وجدت الآخرين يختلفون عنى و لا يقبلوننى رغم أنى قدمت لهم

المعروف بكل أشكاله ؛ فكان هذا المعروف هو الحاجز الذى باعد بيننا

، ما ظننت أنى معروفى سيقابل بالإعراض.

خدعتنى تلك الابتسامة الزائفة التى ظننت معها أنى وجدت صديقة

عمرى ، عندما التقيت بـ(أمل] تلك الشخصية التى تجذبك من أول

طلة لها عليك عندما ترى فيها شيئا مميزا غاب عنك ، و لكنك

احتضنت فقيدك عندما لاحت لك هذه الشخصية عن قرب ، و تجلت

لك فيها نقائصك.

أسعدنى كثيرا أنى وجدت رفيقتى التى تشبهنى أو تكملنى ، و لكن

هل من الممكن أن يختبئ المرء خلف ابتسامة و كلمة ليدارى

حقيقته!؟

عندما اقتربت منها و ظننت أننا أصبحنا عقلا واحدا و فكرة تنطق بها

قلوبنا ، كلما حكيت لها عن خواطرى و ما أحمله من معان أريد أن

نتقاسمها سويا ؛ كنت أرى فى عينيها نظرة غريبة متكلفة لم أكن

أفهمها ، و لكنى كنت أشك فى نفسى و أقول هذا من سوء ظنك و

احتياجك لمزيد من الثقة فى نفسك ، و مع مرور الأيام و فى كل

حديث كان يجمعنا و كان من البديهى أن يقرب بيننا كنت أشعر

بجفاء منها لا أجد له معنى ؛ إلى أن انتهى بنا الحال و أصبحنا غرباء

، و كأن فى حديثى الذى سردته لها شيئا ما أبعدها عنى مازلت لا

أعلم ما هو.

و لكن هل من الطبيعى أن يتخلى عنك إنسان دون أن يفصح عن

السبب !؟

مجرد أن تلقاه يبتسم فى وجهك مسرعا بالانصراف حتى لا يكتمل

اللقاء ، حتى لا يتيح لك فرصة عتابه ، و كأنه يشعر بلومك له و لكنه

لا يجد ما يقدمه ؛ فيؤثر ألا يواجه أو ربما لا يرغب فى المواجهة.

هكذا اعتقدت عندما التقيت بـ(أمل) بعد فترة غياب لا أعرف لها سببا

، كل ما أعرفه أنها ابتعدت بعد أن اعتدت لقاءها فى وقت ما ،

أصبحت فى ذلك الوقت عندما أجلس و أنتظر لا تأتى فأصاب بخيبة

أمل و إحساس بالضيق ، فأكثر ما أكرهه فى حياتى هو التجاهل ،

تجاهل يشعرك بأنك لا شىء و أنت الذى أعطيت كل شىء.

كانت تسير بجانب (وداد) تلك الشخصية الجامدة و كأنها عروس

خشبية محلاة بزينة جاهدت نفسها فى إنتقائها حتى بدت فيها

المبالغة إلى حد يجعلك كلما نظرت إليها تشعر بالتوتر النفسى ، و لا

أعرف كيف يليق اسم (وداد) بهذه الشخصية المتكلفة فى كل ما

تقدمه لغيرها حتى الابتسامة لها حساب و مقاييس ، و لكنى لا

أستغربه من إنسانة تحاول أن تكسب نفسها هالة من الزهو تدارى

خلفه عجزها عن احتواء الآخرين.

كنت واقفة عندما رأيتهما قادمتين و بمجرد أن رأيت (أمل) زال كل

ضيق سبق لى أن شعرت به ، غلبت على فرحتى برؤيتها و حنينى

إليها ، و فى غمضة عين نسيت و أحببت هذا النسيان ؛ لأننى معه

سأبدأ عهدا جديدا مع (أمل) ، سأنسى أى تجاهل ، لن ألوم أو أعاتب

، يكفينى أنى رأيتها و من المؤكد أنها تشعر بذلك أيضا و لا داعى

مطلقا لكلمات لن تزيدنا إلا ابتعادا و غروبا.

كل هذا دار بخاطرى فى لحظات ، و كلما اقتربت زاد هذا الشعور

بداخلى إلى أن مرت بجوارى بخفة النسمة فى فصل الصيف تكاد

تشعر بها ، ابتسمت و ألقت التحية و هى تنظر بطرف عينها و

سرعان ما أحالت وجهها عنى و انزوت معها كل أفكارى .

أطرقترأسى أفكر : ما الذى دهاها !؟ ما الذى دهانى ، لما أشعر

بدوار!؟

و ضعت يدى على أعينى أحاول أن أهدأ و أستعيد توازنى ، و بعدها

مضيت فى صمت لم أر أحدا ممن حولى ، أنظر و لكنى لا أرى.

مازال ذلك المشهد هو الذى يسيطر على ما عاد يعنينى أمرها سأدعها

ترحل إن كانت تريد ذلك فأنا لا أملك من أمرى شيئا غير أنى

أستجيب لرغبتها.

و هل يعقل أن أرجوها أو أستعطفها !؟ و لنفرض أنى فعلت عندها ،

هل ستعود !؟ 

و أى معنى لعودتها و قد مزق جزء من الآصرة التى ربطت بيننا ، و لا

أعتقد أنه بإمكاننا أن نعيد إحكامها ، و لو أنى بعد ما رجوتها ما عادت

، أى إحساس يمكننى أن أحسه و قد ضاع مع رجائى كرامتى!؟

لا لن أرجو فقد انتهى الأمر و سأمضى كما مضت هى رغم أنى أعرف

جيدا أنى سأظل أسأل نفسى هذا السؤال : ما الذى حدث ليكون هذا

هو جزائى ؟

عدت إلى أوراقى لأقرأ ما كتبته سابقا ما رأيت مما كتبت شيئا ، و

كأن الورق رغم امتلائه بعدة عناصر أمسى خاليا فاقدا للمعنى لا ينم

عن إحساس ؛ لذلك فضلت أن أترك أفكارى قليلا و لا أتفاعل معها

حتى لا أمزقها ، و ما ذنبها فى أنها لم تحقق الفائدة المرجوة منها ،

فما هى إلا مجرد أحرف خطت بأمل على أسطر خالية من أى تجربة

يمكنها أن تمنحنى قوة و طاقة لمسايرة الحياة ، فمن الحكمة أن

يتمهل الإنسان قليلا عندما يفقد موازينه ، عليه أن يدع كل شىء و

لا يفكر فى أى شىء إلى أن يسكت صراعه النفسى جراء ما تعرض

له من موقف ما ؛ حتى لا يدع فشله ينال منه أو يكون له إحباطا

يسلبه إيمانه بأقدار الحياة . . .

 

---------------------------------------------------------------------------

-----------------------

misnana

و يبقى الأدب مخلص الروح

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 61 مشاهدة
نشرت فى 16 نوفمبر 2014 بواسطة misnana

مجلة حنان

misnana
مجلة أدبية تهتم بالآداب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

7,267

مجلة حنان للآداب و الفنون

مجلة حنان للآداب و الفنون