أوراق من الحياة
من وحى أوراقى
(حكاية ليلى)
تغيبين يا ليلى عن دنياى
وأنشدك بين الربوع والوديان
أبدا ما ضاق العمر بك أنينا
وما توقف النبض عن النداء
كان نبيل يجلس إلى مكتبه يكتب فى أوراقه قصيدته عن ليلى التى
وله بحكايتها فقد أحب قيس فى إخلاصه فى زمن ندر فيه
الإخلاص وتبدد فيه مفهوم الحب إلى أمور أخرى لم يعرفها النبلاء,
هو يفتقد هذا الحب الذى كان بين قيس وليلى ومن قراءته
لحكايتهما ارتضى أن ينسج فى خياله قصة له تتشابه مع قصتهما
وعاهد نفسه أن يسير على طريقتهما فى الحب وألا يخلف عهدها
ولكى يحقق حلمه بات الليل يفكر كيف يهتدى إلى ليلاه فجاء
بعروسة كان قد اشتراها ووضعها أمام عينيه يحادثها ويشكلها كيفما
يشاء إلى أن انتهى من فتاته وقال فى نفسه : لن تكون ليلاى إلا من
تشبهك وبدأت رحلة البحث عن ليلى ولكن كان هناك تساؤل يتردد
فى ذهنه : هل من الممكن أن يعيد التاريخ نفسه وأجد ليلى؟! ربما
تختلف قليلا ولكنى أبحث عن الجوهر.
وفى ذات ليلة أخذته سنة من نوم فسمع ليلى تناديه أفاق يتعجب
من أمره ألا لهذه الدرجة قد تعلق بها وشىء حدثه أن يخرج من
بيته كان يجول الطرقات وكأنه يبحث عن شىء ما افتقده طويلا
وطال انتظاره له حمله إحساسه لأن يذهب إلى جزيرة الشاى وجلس
يتناول فنجانا من الشاى الساخن.
وإذا به يرى أمامه امرأة فاتنة صعقته بمجرد النظر إليها وحدث نفسه
بأن هذه ليلاه فقام من مقعده واتجه إليها وألقى عليها تحية المساء
قائلا :
- مساء الخير سيدتى.
رفعت إليه نظرها فى استغراب وقالت له:
= هل أعرفك؟!
- معذرة سيدتى, ولكن جمالك أثار فى نفسى فضولا لأن أتعرف إليك.
= يبدو أنك واثق من نفسك.
- أبدا ليلى ولكنى اشتقت إلى رؤياك.
= ليلى! عذرا يبدو أنك مخطئ لست بــ ليلى.
- لا بل أنت ليلى, أنت ليلاى.
فابتسمت ابتسامة خفيفة وصارحته باسمها:
= إليك اسمى, نهى.
- لا يهم الاسم المهم أنك تشبهينها إلى حد كبير.
= من هى هذى التى أشبهها؟!
- إنها ... ليلى.
= من تقصد بــ ليلى؟!
- ليلى ... ألا تعريفينها؟!
= لا والله ما تشرفت بمعرفتها هل هى شخصية مشهورة؟!
- بالله عليك ... إنها ليلى العامرية.
تضحك بصوت عال وتقول له:
= وأنت!! إذن قيس.
- نعم أنا قيس مجنونك.
تحدث نفسها فى شىء من الاستغراب: يبدو فعلا أنك مجنون.
يسمع همسها وينشدها أبيات قيس:
قالتْ جُننتَ على رأسي فقلتُ لها
الحبُّ أعظم ُ مما بالمجانين
الحبُّ ليس يُفِيقُ الدَّهرَ صــــاحبه
وإنِّما يصرع الإنسان في الحين ِ
ثم تلتفت إليه قائلة:
= سيدى الفاضل ابحث عن ليلاك فى قصائد الشعر وكتب الأدب, لقد
أخطأت المكان.
- أريد ليلى على أرض الواقع, واقعى أنا وليس واقع الأوراق
والكلمات.
= وهل تظن أن الخيال يمكنه أن يقلب حقيقة؟!
- لم تكن خيالا, كانت قصة حقيقية, ربما أصبحت فى عالمنا خيالا.
= إنها من خيال الشعراء فى أرض مقفرة إلى تقدير معانى الحب.
- دليلك على ذلك سيدتى لأن ما تقولينه يهدم بداخلى أشيائى
الجميلة التى بنيتها.
- = ودليلك أنت على أنها من واقع الحياة.
- ألا تؤمنين بالتراث؟!
= التراث حكايات يمكننا أن نصطنعها.
- إلا قيس وليلى ... إنى مؤمن بهما إيمان الأعمى الذى يرى ببصيرته.
= هذا شأنك ... لا يعنينى الأمر.
- ولكن أمرك يعنينى, فلم تتعمدى أن تتجاهلى مشاعرى نحوك؟
= أى مشاعر هذه التى تتكلم عنها؟ ومتى ولدت؟
- ولدت عندما رأيتك هنا عندما وقعت عيناى على عينيك السوداوين,
ألا تؤمنين بالحب من أول نظرة؟
= لا أؤمن به.
- وبم تؤمنين؟
= أؤمن بالمشاعر القائمة على المعرفة السابقة والقواعد التى تدعمها.
- مثل ...
= مثل التفاهم والتقارب والود ... أيا كان مسماها ... الحب وحده لا يكفى.
- الحب وحده عندى يكفى وهو خليق بخلق هذه الأمور.
= وهل يوجد رجل عربى يعرف كيف يحب؟ إنه دائما ما يخلط بين الحب وحب الامتلاك.
- اسمحى لى سيدتى وما أدراك بالرجل العربى؟
= إنه أبى وأخى وابنى, فكيف لا أدرى به؟
- ليس كل الرجال كما تظنين سيدتى, ألم يكن (قيس) رجلا عربيا ,
انظرى إلى مصيره كيف كان فى سبيل الحب.
= ها نحن نعود إلى قيس وليلى, وعلى العموم مواقف الحياة أثبتت لى ذلك.
- إذن فقد ظلمتنا الحياة عندما حصرتنا فى مواقف.
= قل لى: ما الذى جعلك تعتقد فى أنى أشبه ليلى؟!
- هذه القوة الكامنة خلف نظرات عينيك, عندما رأيتك وجدت فيك
اعتزازك بكونك أنثى.
= وكيف تبدى لك ذلك؟!
- لأنى أؤمن بتعبيرات الوجه وما تعكسه من خفايا.
= أنت دائما مؤمن؟!
- وهل يحيا المرء بلا إيمان, إن إيمانى بــ ليلى قد خلقها لى فى
صورتك, إن ما ينقصنا هو الإيمان.
= ولكن أليس من الأجمل أن تحبنى لشخصى وليس لأنك تعتقد أنى ليلى.
- أنا لم أحبك لأنك ليلى بذاتها.
= وإنما.
- وإنما لأنك تشبهينها.
= لا أفهم.
- لدى إيمان بأن حبك يختلف كثيرا عن حب الآخريات.
= ومالذى أوحى لك بهذا؟!
- حدسى كرجل شرقى.
= ولكنى أرفض هذا الحب.
- لم؟!
= مهما كان حبك لى والذى لا أدرى من أين جاء فأنا لا أشعر به,
أحس وكأنه موجه لغيرى وليس لى.
- أقسم لك بأن حبى هو لك وليس لغيرك.
= ولكنك تحب ليلى, ولست أنا ليلى.
- وأنا أيضا لست (قيس).
= لم أطلب منك أن تكون (قيس).
- أرجو أن تفهمينى يا سيدتى, ما أردته أن تشاركنى الحب امرأة
مثل (ليلى) تقدر قيمة الحب فى زمن نفتقد فيه إلى الحب.
= ولكن النهاية كانت مؤسفة, هل كان العيب أيضا فى الزمان.
- العيب فيمن يسكنون الزمان.
= وما الفرق الآن؟
- أيام قيس وليلى كان قيس يعرف كيف يحب ليلى وكانت ليلى
تعرف كيف تحب قيس, ولكن القبيلة ضيقت عليهما الأمر رغم أنها
ندمت على ذلك وبكت قيس وما آل إليه لأنها وجدت فى حبه الفناء
الروحى والجسدى.
= و الآن ...!
- والآن منحنا المجتمع مساحة من الحب ولكننا للأسف نفتقد إلى
من يعلمنا الحب ويلتزم يه.
= تقصد أنك لا تعرف كيف تحب.
- أقصد أنى لا أجد من يفهم الحب الذى أفهمه أنا, نحن من ضيقنا
على أنفسنا معانى الحب واستهنا بها.
= إذن توافقنى الرأى, لا يستطيع الرجل العربى أن يحب المرأة
كفارس نبيل ولكنه يعرف كيف يمتلكها.
- ولا تعرف المرأة كيف تحتوى الرجل, ولم تعد تحتمله كما فى
السابق.
= اتفقا الاثنان على انهيار حياتهما دون وعى منهما, فقد ضاعت
بينهما المعانى.
- لا تبكى سيدتى فمازال هناك أمل.
= أمل.
- الأمل فينا كبير فلا تحطميه, دعينا نصبح وردتين تفوحان عبيرا
وسط الأشواك, فقد يتعلمون منا ونغير شيئا فى الحياة.
= ربما لا نستطيع ... ربما أننا مثلهم.
- لا سيدتى أؤكد لك, ثقى فى ... رجاء.
= كيف أثق فيك وأنا لا أعرفك؟!
- يقولون أن الصدفة خير من ألف ميعاد, أتدرين لم؟!
= لا أدرى.
- لآنها من صنع القدر, ودائما اختيارات القدر أفضل لنا.
= ربما.
- ما رأيك نهى؟
= أخيرا تنادينى نهى, وأى رأى فى إيمانك بى؟!
- قولى: بنا.
= ولكنى لا أملك شيئا لأمنحه لك.
- أعطنى يدك وضعيها فى يدى ..... هكذا منحتينى كل شىء.
تمت
قصة قصيرة بقلمى