تاريخ السيكودراما الحديثة في مصر - من منطلق مركز فاضل الطبي.
- · بدأت وترعرعت في مركز فاضل الطبي في مارس 2001 ومستمرة حتى الآن بشكل أسبوعي وتطورت تطوراً هائلاً فنياً وفلسفياً وتطور أعضاؤها وتجددوا، بمعني أن ضُخَ دم جديد على الدوام فيها.
- · في يونيو 2001 شارك د. خليل فاضل في الدورة التدريبية بقسم التأهيل بمستشفي العباسية فيما يخص العلاج بالسيكودراما.
- · بدأ د.خليل فاضل في أغسطس 2001 علاجاً مسرحياً لقسم الإدمان رجال بمستشفي العباسية واستمر حتى مارس 2003 بشكل دوري انتهي لأسباب فنية.
- · ضمن إطار تدريبات الكوادر النفسية بدعم من منظمة الصحة العالمية WHO قام الدكتور خليل فاضل في 31 يناير 2003 بورشة عمل على يومين متتاليين في مستشفي المطار النفسي حضر مشاركون متميزون من كافة أنحاء الجمهورية.
- · قدم الدكتور خليل فكرة السيكودراما مجسمة في فبراير 2001 لبرنامج (يا هلا) الذي قدمته د.هالة سرحان.
- · سجلت قناة الأوربت الفضائية الثالثة في إطار برنامجها المتميز فقرة تسجيلية شاملة لمركز د. فاضل النفسي وصورت جلسة سيكودراما جهزت خصيصاً للتصوير التليفزيوني بمعني مشاركة متطوعين حفاظاً على السرية.
- بدأ الدكتور خليل فاضل في شتاء 2002 برنامجاً نفسياً مسرحياً علاجياً للمدمنين المتعافيين في إطار تأهيليهم وذلك بـ (واحة الأمل) وهي مجتمع علاجي يتبع مؤسسة كاريتاس العالمية ـ مصر ـ مشروع الإدمان الذي صار الدكتور خليل مستشاراً لها. تَطورت الجلسات في نوعيتها وأدائها التجسيدي وساهمت في تطور الصحة النفسية للمشاركين وتأهيلهم.
عملية الإحماء أو (التسخين)
"إن لحظة الولادة هي أقصى درجات الإحماء للفعل التلقائي لعملية الانبثاق إلى الحياة ومنها يجب على الفرد أن يحقق التكيف السريع مع واقعه". مورينو 1946 – 1954.
الإحماء أو التسخين ليس مجرد تقنية (تكنيك) لكنه عملية فاعلة ومؤثرة يحمي فيها المخرج وتحمي المجموعة.
لمورينو نظرية في تطور الطفل، يقول: "أن أول مظاهر التلقائية هي عملية الإحماء إحماء الرضيع لمواكبة المواقف الجديدة والتلقائية هنا تعني حسب تعريف مورينو استجابة جديدة لموقف قديم.
تحكي تهاني(وهذا ليس اسمها الحقيقي) عن صراعها مع والدتها وكيف أنها شبهتها بأمينة رزق (الممثلة المصرية التي اشتهرت بأدوار البكاء) ثم تراجعت عن ذلك التشبيه وشبهت أمها بنجمة إبراهيم (الشريرة) في دور (ريا وسكينة) القاتلتان، تهاني هنا لا تسرد وإنما داخل الجماعة تكتسب وتشحن ردود فعل جديدة تختلف باختلاف الأفراد شركاء المكان والزمان، ومن ثم ومن خلال التفاعل لا يكون رد الفعل (جديداً) فقط وإنما (سوياً) ليس بالمعنى الأخلاقي ولكن بمفهوم الصحة النفسية أي أن تتحرر (تهاني) من خوفها من أمها وأن تنزع عن نفسها شوائب العلاقة معها وأن تراها (صح) وهو ما حدث بعد ذلك في إطار (الدراما) نفسها عندما تحدث (البطل ) عن أمه وحبه الشديد لها وفقدانها بالموت وطريقة دفنها (بوصف تفصيلي جرافيكي مؤثر للغاية شدّدَ عليه وعززه بكاء البطل (الرجل).
إن العلاقة بين عملية الإحماء والتلقائية حيوية للغاية بمعنى قدرة الطفل والراشد على الاشتراك لإنهاء أمور حياتية تخصهما ويأتي هنا مثال لاعب الكرة أو الرياضي بشكل عام إذا لم (يجري في المكان) و(يسخن) قبل النزول إلى الملعب أو الحلبة فلن يتمكن من الفوز بل قد يصاب لأن عضلاته كانت باردة تفتقر إلى الدم الكافي للتنافس كذلك سيكون معرضاً (للإصابة النفسية) بمعنى عدم تهيؤه وعدم لياقته بشكل كاف لكي يصل إلى ذروة التلقائية وهو ما اصطلح عليه مورينو بعامل S.
مُقَبّلات (مشهيات) ـ ذهنية وجسدية
مقبلات جسدية: تبدأ منذ لحظة الولادة، وربما قبلها، وهي نشاطات جسدية مثل (عملية المصّ) (المشي) (الشمّ) وهكذا هي عمليات إحماء تستمر مع إنسان منذ لحظة ولادته وخلال مسيرة حياته.
مشهيات ذهنية: تبدأ حينما يبدأ الطفل في التفرقة بين نفسه وبين البيئة المحيطة به (أشياء، وناس، علاقات، أمور داخل الشخص، محفزات سيكولوجية، خيالات، أحلام، طموحات ومحفزات اجتماعية وثقافية، ضغوطات من الجماعة، الوضع الاجتماعي، الأمور الأخلاقية والأدبية المتفق عليها..) كل ذلك مما يؤثر ويشكل ويكون الأمور النفسية البادئة.
ويضيف مورينو إلى ذلك الأبعاد الاجتماعية و(النفسي كيميائية)، فالأمور الاجتماعية تختلف بالطبع من بلد إلى آخر ومن ثقافة لأخرى لذلك فإنني لم أطبق بالحرف ما تعلمته من مبادئ السيكودراما على (المجموع المصري) وألاّ بدا الأمر خائباً كما لم أستهجن قيام أوربيين بمحاولات سيكودرامية غير ناجحة مع جمهور مصري من خلال الحركة والترجمة مما أفقد الأمر حيويته وتلقائيته لكنني تركت التجارب تغلي في مراحلها وما أفرزناه في مجموعتنا (2001ـ2005) كان متطوراً نامياً بالضبط كالطفل في نموه وتطوره ونضجه أما ما عناه(Kipper) بالأمور النفسي كيميائية فهو يقصد الشاي والقهوة وفي أماكن أخرى الكحول وهي محفزات سلبية لا يدرك صاحبها نتيجة إيجابية ومن هنا كانت مجموعتنا ـ بشكل مطلق تقريباً خالية من ذلك الأثر الكيميائي النفسي للحزم والانضباط الشديدين.
كل تلك المقبلات، المشهيات تنبع تلقائياً من أفراد المجموعة، أو عن طريق (البطل) نفسه وقد تطرحها فكرة أو موقف خارجي مرتبط بأحد الأشخاص كالحالة السياسية (في مجموعتنا كانت هناك موتيفات سياسية مرتبطة بفلسطين ـ العراق ـ صدام ـ بوش ـ عاطف عبيد ـ مصر وحالها ـ رواية بعينها ـ مسرحية ـ فيلم ....الخ) وقد يقدّم تلك الأمور المسخنة المخرج نفسه، وتلك (المحفزات) قد تكون داخلية أو خارجية، وهنا علينا أن ننتبه إلى تعبير مورينو بأن (الطفل) (البطل) يستخدم منبهاته الطبيعية وكذلك الذهنية لأمه أو لمرضعته ويستخدم (أنوات مساعدة) ليساعده كل ذلك، لكي يكمل (فعل الولادة). إن الأمر هنا يعني أن المحفزات الجسدية وحدها قد لا تكون كافية لإنجاز المهمة أو لمواجهة الموقف بشكل جيد. وهنا تأتي أهمية عملية (التسخين) لكل أفراد الجماعة لكل مهمته، وقته، جهده، فرصته للتعبير للوصول إلى منتهى التلقائية لإنهاء العمل ولإتمام عملية الولادة ويؤكد أن أمر الإحماء يجب أن يُطبق على كل أفراد السيكودراما، على المخرج، والبطل، والمشاركين بما فيهم ما يمكن الاصطلاح عليه بالأنوات المساعدة.
المناطق: تعبير أدخله مورينو إلى فهم السيكودراما وقد يُعني محفزات جسدته للتسخين كالمنطقة البصرية (توزيع الضوء كهربياً كحالة سيكودراما مركز فاضل الطبي (2001ـ2005) أو ضوء نهاري كحالة سيكودراما كاريتاس، وهناك مناطق أخرى تتبع طريقة الجلوس، أو التقارب بين المحجبات والرجال، بين الشباب والنساء مثلاً.. ولتوضيح هذا المصطلح أكثر علينا بتمثل مشهد للوصول إلى مرحلة الشبع المرتبط باللذة.)
(المنطقة بالمقياس الاجتماعي هي تلك المنطقة التي يتلاقى فيها الولد مع أبيه أو يبحث فيها الطفل عن لبن أمه، وهي ذلك الهواء الذي نتنفسه ونتشارك فيه سوياً ويحتوي على كل العوامل التي تخصنا والتي تتركز في بؤرة واحدة تصب في (البطل) وهويته ومن تلك المنطقة ينبثق الفعل الدرامي). بتصرف عن مورينو:1946 - 1957
المناطق المختلفة تسخن معاً وبتعاون وثيق من كافة أفراد المجموعة والإحماء دائماً ما يكون متبادلاً بين الأم ورضيعها، بين الزوج وزوجته، الأم وبنتها، الموظف وصاحب العمل، الكفيل والمكفول، والغرض منه الوصول إلى الهدف، إشباع الجوع النفسي وإطفاء النار المتقدة من الغيظ والغلّ والغضب. وهنا قد يلعب المخرج دور الأم والبطل دور الطفل. ففي أحد مشاهد السيكودراما الحديثة كان البطل يستدعي انفعالياً ووجدانياً (لا يحكي ولا يسرد) صورة أمه لدى وفاتها في اللحد الخاص بها (بشكل مفصّل ـ جرافيكي) وخلال ذلك كان يبكي بصوت عال مما أثر بشدة على الجمهور لكن ـ وفي لحظة واحدة فقط ـ رتب المخرج بيده على كتفه فكفَ عن البكاء فالمخرج هنا (الأم) لديه مخزون مشاعر وقوة أنا تمكنه من الضم واللمّ النفسي اللازم والضروري للجماعة وللبطل، يتم كل هذا على خلفية قماشة (الهوية) في تطورها وتفسخها وعودتها إلى صحتها (إنها المشاركة في الوجود، في الفعل، في التجربة وهي في المرحلة الأولى تمثل علاقة الرضيع بالأشخاص والأشياء حوله تلك المكونة لقماشة الأنا لديه، والتي بدورها تضع حجر الأساس لأولويات عملية التعلم الانفعالي للإنسان). مورينو 1946 - 1961
تستخدم عملية الإحماء لامتصاص أو محو بعض في خصائص الشخصية التي من الممكن أن تكون سبباً في كرب وتوتر الشخص. فإذا ضمت عملية التسخين هذا الأمر فإنها كموجة البحر إذا ما ألقى إليها بحجر فإنها تتسع وتتسع وتمتزج بموجات أخرى تتلاطم وتتعارك، تكبر وتصغر وتحتل أماكن كثيرة من العقل والجسد.
المسرح النفسي العلاجي ـ تفسيرات وحالات:
اضطربت المرآة بعد جلسة أولى ووحيدة للسيكودراما غذّى اضطرابها أقرانها من الجهلاء بعلم البوح والانفعال تمثيلياً. وقالت النسوة في معرض أحاديثهن الهاتفية: لقد انهارت، لقد جعلها هذا النوع من العلاج بالتمثيل المسرحي أسوأ. يذكرني هذا بالاتهام المتكرر لـ "مورينو" مؤسس ومبدع السيكودراما بأنه قد تسبب في جعل مرضاه "أكثر مرضاً"، بمعنى أقل تحكماً في أعراضهـم، ردَّ "مورينـو" على هذا الادعاء الســطحي "بالموافقة"، ثم التصريـح قائــلاً: ( نعم.. أعطي المشاركين جرعة صغيرة من الجنون تحت مظلة من التحكم. لم أخف قط من الجنون، لأنهم عندما يمارسونه خارج دائرة السيكودراما يكون الأمر خطراً عليهم وعلى الآخرين. والناس لا يتعلمون التحكم في انفعالاتهم إلاََّ إذا مروا بالتجربة كاملة وخاضوها حتى اللُّب والنخاع منها، إنهم يعيشون حيوا تهم النفسية الخالصة داخل إطار السيكودراما، وأيضاً يتعلمون كيف يتحكمون في كافة انفعالتهم ).
تعتمد السيكودراما أكثر ما تعتمد على "فلسفة اللحظة" ،على الإيمان العميق جداً بالتلقائية المطلقة والإبداع الفذّ، لبنى البشر جميعاً وهم متساوون جميعاً كأسنان المشط.
وهكذا قد يتساءل عضو نشط في لحظة إبداع في السيكودراما: ( هل أنا مجرد جثة حية ستتعفن يوماً ما وتتحول إلى تراب بلا معنى؟ أم أنه ذلك الشعور الجميل الذي أحسه، يتمدد فيّ، وينفخ في صورتي ويحولني إلى شيء جميل وحقيقي للغاية، شيء محقق ورائع؟ بمعنى آخر هل أنا قبض الريح أم أنى كل شئ في هذا العالم؟ أنا هنا حيث يتمكن البطل من خلق عالم خاص به، من صنعه هو وحده، يشاركه فيه الآخرون بمساعدة المخرج أو المُيّسر أو المرشد، وهو وحده الذي يصنع أحداثه ومشاهده. بمعنى آخر كلٌ منا يتمكن من إسقاط عالمه الجواني على العالم المحيط به خارجيا.
بالطبع لا تتوقف عملية الإبداع العلاجي عند هذا الحدّ، لكنها تتجاوزها وتَعبرها لتصحح أي تشوهات نجمت عن تفاعلنا مع العالم وعن رؤيتنا للآخرين. وهكذا تسمح السيكودراما بتطور إنسانى فائق و مستمر، كما تسمح بإحساس حقيقي متمكن بالحياة.
إن المرحلة السابقة للسيكودراما كانت ما يسمى بالأكسيودراما Axiodrama وكانت تكتشف العلاقات والقيم الجمالية والأخلاقية، وهى ما شكلت فلسفة مورينو التي انبثقت منها فكرة السيكودراما وتطورت، ومنها على سبيل المثال لا الحصر فكرة ( الشخصية المحورية ) Protagonist هذا الذى يراجع ويعيد حساباته مع القوى المطلقة، مع الحياة، ومع الكون، مع الشيطان، مع المستقبل أو مع الكمال المطلق.
إن حياة الإنسان تتطور على خلفية الجماعة التى تعيش وتتفاعل مع البيئة المحيطة والثقافة المباشرة لتصل إلى ما يمكن الاصطلاح عليه بــ "الفوضى المثمرة". وهنا يفسر عالم النفس البريطانى باينس Pines1987 رؤية مورينو على ضوء الثقافة الإغريقية الأسطورية التى تتصور التخلص النهائى من الطاقة المبدعة من أجل الاحتفال بالحياة، وهذا بدوره يؤدى الرغبة فى التدمير من أجل التغيير، ويحدث هذا فى خضم الزحمة، و التنفيس الإنفعالى، والتحرر من القهر ذلك الذى يسببه الإنسان لنفسه إما بالتواطؤ أو بالخضوع وعدم المقاومة. لب السيكودراما كما أكد عليه مورينو هو "تجربة الحقيقة"، العيش فيها وخوضها بدلاً من الحديث عنها، بمعنى إعطاء الأهمية القصوى للجسد.
حدد مورينو تسعة مفاهيم أساسية للسيكودراما في خطاب وجهه إلى إيرجرينبينج Ira Greenberg مُعالِجة السيكودراما الأمريكية فى 17 يونيو 1970 كالتالي:
1 ـ مبدأ التسخين.
2ـ الإبداع.
3 ـ التلقائية.
4 - العفوية.
5 ـ"من على بعد" Tele وهى كلمة إغريقية معناها ( بعيد) أو ( من على مسافة) و قد قصد بها مورينو تلك الجاذبية، الرفض، اللامبالاة، التى تحدث بين الناس، وهى لُبّ ومعنى التفاعل مع الآخر، بمعنى حساسية شخص لآخر كما لو كانا مربوطين بسلسلة روح واحدة .
6 ـ الشعور المشارك واللاشعور المشارك.
7 ـ الدور.
8 ـ الدور في مقابل ( الأنا) . 9 ـ الدور المعكوس.
10 ـ أما المبدأ العاشر الذي أضافته العالمة (Kate Bradshaw Tauvon) فكان الفعل الدرامي.
مبدأ التسخينWarming up :
تظهر التلقائية وتتجلى عندما يسخن الشخص نفسه فى إطار وضع جديد. فإذا نظرنا إلى كل النشاطات الإنسانية لوجدنا أن لها مرحلة تسخين، فمثلاً إذا نويت الذهاب إلى المسرح لمشاهدة عرض ما، فستراودك الفكرة قبل الذهاب، ستحاول تحديد المسرحية التى تود رؤيتها، وستحدد من سيذهب معك، ستطالع صحيفة الصباح لتختار العرض الذى يناسبك، وما إلى ذلك من التفاصيل الصغيرة التى تمرّ بها وتمرّ بك، قبل أن تجد نفسك على كرسى المسرح قبل بدء العرض الذى ستراه، وهكذا....
نعم وهكذا من الممكن تطبيق ذلك بسهولة على السيكودراما، تحوي مرحلة التسخين تفاصيل تيسر وتخلق الجو المناسب لإبداع السيكودراما الحقيقي مما يزيد التلقائية داخل الجماعة.
التسخين الغير مكتمل وغير الصحيح يؤدى إلى دراما غير مكتملة وغير صحيحة، ولأهمية هذه المرحلة سماها مورينو " التعبير العملياتي للتلقائية" .
الإبداع والتلقائية:
نعود مرة أخرى إلى خطاب مورينو الشهير إلى جرينبرج حيث حدد عاملين منفصلين هامين مرتبطين داخلياً برباط وثيق: ( الإبداع – التلقائية). التلقائية نبت الحاضرـ هنا والآن. إنها الطاقة التي تدفع بالإنسان إلى الاستجابة الصحيحة في موقف لم يخضه من قبل، أو أنها تيسر الطاقة لكي يأتي الإنسان باستجابة جديدة فى موقف مألوف لديه. وللتلقائية تلك أربعة خصائص تعبيرية هامة حددها مورينو كالآتي:
1. التلقائية التي تؤدي إلى تحفيز الموروثات الثقافية والأنماط الاجتماعية.
2. التلقائية التي تدعو إلى خلق كائن جديد، بمعنى الخلق الإبداعي وإعادة بناء الشعور واللاشعور وقد يتخذ هذا أشكالاً مختلفة وجديدة في التعبير الفني، وفى خلق أشكال مبتكرة للبيئة المحيطة .
3. التلقائية الداعية إلى تكوين صيغة حرَّة للشخصية.
4. التلقائية الداعية إلى تكوين الاستجابات السوية للمواقف الجديدة .
أما عن الإبداع فقد يتأتى كثمرة خالصة بمساعدة التلقائية، وكأنها تلك التلقائية تيسر وتسهل مادتها. إن درجة الاستجابة السوية لأحداث بعينها تيسرها التلقائية، لكنها فى نفس الوقت تعتمد إلى حد كبير على التآلف مع الموقف. فإذا ما واجه شخص ما تجربة جديدة لها طابع الحداثة فإنه إما:
- · لا يستجيب أو
- · يستجيب كما استجاب لموقف آخر زمان أو
- · أن يستجيب بموقف جديد لم يعهده من قبل.
الفكرة إن رد الفعل الجديد والسوي يتطلب إحساساً بالوقت، إحساساً بالاستقلالية والمناسبة .
التلقائية هى المحرك للنشاط الإبداعي، وإذا ما وضعت على خط تخيلى يمثل الاستمرارية، فلسوف تكون تلك التلقائية على طرف والتوتر والقلق على التوتر الآخر من ذلك الخط التخيلى. إذا تخيلنا مرتكزاً للعتلة وسط هذا الخط، ستعنى زيادة درجة التوتر انخفاض التلقائية والعكس صحيح، لأن العلاقة بينهما كالأرجوحة ترتفع وتنخفض بالجلوس على أحد طرفيها، وعموماً وجب التفريق بين الاندفاعية والتلقائية، لأن الاندفاعية تفتقر إلى الإبداع كليةً وهى كالمستجير من النار بالرمضاء، فقد تتكون لدى فرد ما فكرة إبداعية دونما تلقائية ومن ثم لا يتمكن من تنفيذها عملياً ولا تتحقق واقعياً.
غالباً ما يتحقق الفعل الإبداعي في صورة قصيدة، سيمفونية، لوحة تشكيلية، مسرحية، كل هذه الصور هي تلك التي اصطلح عليها مورينو بــ " الموروث الثقافي "، وفى لحظة انتهائها ينتهي الفعل الإبداعي، وقد تفقد تلك الصور خاصتها الإبداعية إذا فقدت التلقائية منها.
وإذا افترضنا أن أكثر من عازف سيعزفون قطعة موسيقية محددة بدرجات متفاوتة من التلقائية؛ فإن النتائج ستكون متفاوتة بالطبع. وكذلك فإن درجة تلقائيتنا ستتفاوت إذا ما طالعنا لوحة معروفة كالموناليزا مثلاً، والحدث العادي قد يكون غير عادي بكل المقاييس إذا ما مررنا بتجربة عميقة، بينما الحدث الجلل قد يبدو مسطحاً إذا كان شعورنا الداخلي انسيابياً ، ومن ثَم متعاملاً مع ذلك الحدث الجلل بشكل مختلف.
وهنا فإن الإبداع يُقذف إلى الحيز النفسي بسرعة السهم تدفعه التلقائية إلى ذلك دفعاًً. والتلقائية هنا ليست مخزوناً موجوداً للطاقة النفسية الجنسية كما قد يراه بعض المحللين النفسيين، ولا طاقة عادية تخضع للقوانين الفيزيائية السائدة. " إنها ليست العملية الدينامية وحدها داخل نفس الإنسان لكنه ذلك التدفق الغامر من المشاعر باتجاه التلقائية كحالة للآخر" مورينو 1946.
إن فكرة تكوين وتطوير التلقائية بوعي قد تبدو ذات مفارقة ضدية، لأن مفهوم التلقائية مرتبط بمفهوم الاندفاعية. لكن السيكودراما تعمل أساساً على تدريب أعضاء الجماعة على الإبداع والتلقائية من أجل استجابة صحيحة فى لحظة محددة للأحداث الحياتية، يحدث هذا بشكل مستمر عن طريق وضع أعضاء الجماعة فى مواقف تتطلب استجابة وتعطى الفرصة لهم كي يحاولوا ويختبروا بدائل كثيرة بمساعدة المخرج والجماعة، ويذكرنا فى هذا المجال مورينو بطرحه بأن ما هو "وظيفي " في " التداعي الحر " ليس بمعنى بربط الكلمات بالأحداث لكنها التلقائية التي تدفع بالإنسان لعملية ربط المكان بالزمان، والحدث بالانفعال وهكذا...
المناوشــــــــة: ENCOUNTER
ما بين عامي 1914 و 1915 نشر مبتكر السيكودراما ("مورينو") مرجعاً من ثلاثة أجزاء تحت عنوان (دعوة إلي المناوشة)، عبر فيه عن أول مصطلح للمناوشة هذا المصطلح الـencounter الذي صار فيما بعد مركزياً للحركة الوجودية، أما عن الجزء الأول فلقد حوي شعاره الأشهر عن السيكودراما مستخدماً فكرة اثنين من الناس يتبادلان العينين من أجل فهم أعمق لكل منهما من أجل أن يعرف كلاً منهما الآخر أفضل:
" لقاء اثنين: عين لعين، وجه لوجه
وعندما تقترب أنت مني سوف أنتزع عينيك منك
ولسوف أضعهما مكان عيني أنا
ولسوف تنتزع أنت عيني أنا لتضعهما مكان عينيك أنت
عندئذ سوف أنظر إليك بعينيك أنت
وأنت سوف تنظر إليَ بعيني أنا
(مورينو1946 – 1980).
مبدأ المناوشة أساسي ومحوري لفلسفة السيكودراما، القدرة علي لقاء الآخرين، القدرة علي أن تكون متواجداً وواعياً بكل طاقتك قدر الإمكان وأن كل فرد يكون أيضاً ـ قادراً ـ علي عكس حالته الذهنية ـ وعكس دوره الذي يلعبه أمام الآخرين. لقد زحزح مفهوم المناوشة اهتمام العلاج النفسي بالحوار وجعله غير قاصر علي المعالج والمعالَج ولم يجعله منفصلاً ومقتصراً علي اثنين (الطبيب، المريض) (المعالج والزبون)، ابتعد بمفهوم العلاج النفسي بدون دواء عن تلك الدائرة الثنائية الأولية ومضي بها إلي مستويات أخري داخل الشخصية نفسها (شخصية المعالج والمعالَج) ومن هنا نبحث نظرية "مورينو" في العلاقات البينشخصية من أجل الإسهام في تطوير وتحقيق حقبة جديدة من العلاج النفسي بالحوار.
يقول "مورينو" في هذا الصدد"أن نظرية العلاقات البينشخصية تعتمد أساساً علي "ثنائية أولية" فكرة وتجربة اثنين من الممثلين يلتقيا.
إن تلك اللحظة وذلك الحدث يمهد لما بعده، لكل العلاقات البينشخصية. إن العامل المحدد داخل الفرد هنا يتمحور حول ذلك الجو النفسي المحيط به عندما يختفي الآخر من حوله. من خشبة المسرح أو من ساحة التمثيل). ومن خلال هذا الطرح السابق يتبين لنا الفرق بين السيكودراما وبين سبل العلاج النفسي الأخرى.
المناوشة تجربة إنسانية علاجية نفسية تحدث عندما يواجه الإنسان نفسه في التو واللحظة وبكل ما يحمله من معاني يشحذها في مواجهة آخرين مهمين في حياته أو يعملون من خلال السيكودراما. والمساعدين له يكونون عالمه الخاص ويقوون دفاعاته وربما في لحظات ومضية يكشفون عوراته النفسية التي ما لبث أن خجل منها طوال العمر.
والمناوشة في السيكورداما ليست ـ فقط ـ مع الآخر لكنها أيضاً مع النفس، بمعني أن يناوش البطل نفسه أن يعاكس ويشاكس (جواه) و (داخله) وينبش في عمقه باحث عن الدر واللؤلؤ وعن الوسخ والعفن عن الكذب والخداع وعن الصدق والنقاء، عن الموارية والكذب عن التوتر والقلق وعن الحب والطهارة. من ضمن طرق العلاج المسرحي تقنية (الكرسي القاضي) بمعني أن يحاور نفسه الافتراضية الجالسة علي هذا الكرسي المتمثل أمامه رمزاً وميسراً للبوح والفضفضة وقول ما يكتم فلا يقال عادة ويكون هذا بشكل تلقائي بل وبدائي دون فلسفة أو إزعاج أو تزويق كلام أو حرص أو انتقاء أي القول المفتوح دون قيود.
ودور قائد العمل أو المخرج هنا أن يسهل عملية الدراما وأن يبتعد وينحي عن السرد قدر الإمكان وأن يركز الجميع على أن النفس ليست وجهاً واحداً لكنها في حقيقة الأمر أوجه عدة. يتمثل هذا على خشبة المسرح العلاجي في إطار الحوار (الديالوج) بين الأطراف المتعددة في خضم تعدد الأدوار وتبدلها وجهاً لوجه أو من علي بعد (مثل حوار مع الأب المتوفى ـ مع الزوج السابق ـ مع الأخ المهاجر ـ مع الهيروين الذي عشقه المدمن وتركه وهو في المستشفي .... وهكذا)، وكذلك يقوم الحوار بين (البطل) وبين (نفسه) في إطار علاقاته الاجتماعية والوظيفية، حياته بشكل عام، وهنا تتطور النفس الداخلية وتتوهج في محيط التفاعلات الحياتية والإنسانية بشكل عام. إن الحوار بين أجزاء النفس الداخلية بعضها البعض وبينها وبين العالم الخارجي المحيط بها يسمي علمياً (الحوار ـ التلقائي عن بعد) Auto –tele.
أما الواقعية الملموسة والتجريد الطبيعي فهو من تحويل (الدور) (الرمز) (المستعار ـ الميتافور) أو المشهد إلي (صورة ملموسة) علي خشبة السيكودراما.
إن أبعاد النفس وعالمها في الإنسان يمكن تحويلها إلي شكل ملموس بالدراما بالتركيز علي أدوار ملعوبة وحَية باستخدام إيحاءات وأشكال مثل (الوسائد والحشايا والملايات) ويخلق واقع بأنماط متعددة من العلاقات التبادلية مع أدوار مختلفة.
الطرح و "التيلي" Transference and Tele
وفضلنا عدم ترجمة Tele حرفياً لأن ذلك سيفقدها كثيراً من المعني وهي اصطلاح ابتدعه "مورينو" من خلال عمله في القياس الاجتماعي (قياس العلاقة بين الناس). Tele يصف تدفق المشاعر بين الناس ويعبر عن ذلك في إطار (هنا والآن Here and Now ) أي الآن وهنا تبادلية، أو ضمن مناوشة، والـ Tele تكاد تكون العامل المحدد لنجاح السيكودراما ولتطورها العلاجي وهي التي تجذب أطراف العمل المسرحي العلاجي لبعضهم البعض وأيضاً هي التي تنفرهم من بعضهم البعض. وهنا فإن معظم طرق التواصل تحوي مزجاً بين (الطرح) وبين الـ Tele لكن هدف السيكودراما هو تقليل الطرح ( المشاعر التي يطرحها المعالج على معالجه) وإعلاء التواصل الأصيل.
كلمة Tele التي تستخدم في التليفون وفي التليفزيون والتليسكوب وغيرهم مستمدة من اللغة الإغريقية القديمة وتعني (البعيد، التأثير من علي بعد أو مسافة) وتمثل القدرة على الاستيعاب العام للإحساس دون كلمات، تلك العلاقة المستترة بين الناس وذلك الوشاح المسحور الذي ربط أعضاء الجماعة بعضهم بالبعض دون تكلف أو مشقة أو عناء. وأنها عملية ـ بحق ـ ذات اتجاهين وليس اتجاهاً واحداً كما في حالة المعالج والمعالَج أو الإنسان والفرد يحس بالآخر ـ فقط.
أما عن "الطرح" فهو اصطلاح ابتدعه فرويد في إطار نظريته في التحليل النفسي.
[ مصادر مرجعية ]
References:
Moreno, J.L. (1946 ), Psychodrama, First volume Beacon,NY Beacon House
-Rogers,C.A ( 1959 ) Psychology, A study ofscience, vol.III, new York : MC Graw- Hill
ساحة النقاش